جريمة تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية

 

بواسطة باحث قانوني
يعرف التزوير على أنه تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي حددها القانون تغييراً من شأنه إحداث ضرر بالغير وبنية استعمال هذا المحرر فيما زور من أجله([1]). وقد أجمعت التشريعات الجزائية العربية على معاقبة جريمة تزوير المحررات سواء أكانت رسمية أو عرفية([2]).
أما فيما يخص بطاقة الائتمان الإلكترونية، فتزويرها قد يتخذ عدة أشكال وكما يلي:
أولاً التزوير الكلي: فقد يتخذ صورة تزوير كلي كامل لبطاقة الائتمان الإلكترونية ذاتها، بمعنى آخر يتم تزوير المادة المكونة للبطاقة نفسها وما فيها بتقليدها ببطاقة ائتمان إلكترونية أخرى مشابهة لها، علماً بأن هناك رأيين حول مدى إمكانية تزوير وتقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية من الناحية العملية:
الرأي الأول: يرى بعدم إمكانية تقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية بسبب أن لكل بطاقة رقم يعرفه صاحب البطاقة وقد تم برمجته على حساب صاحبها ولكل بطاقة رقم سري (password) لا يمكن استعمالها إلا به، ولكي يتم تقليد مثل هذا النوع من البطاقات يتعين صنع البطاقة في نفس المادة التي تصنع منها البطاقة الأصلية وأن تأخذ نفس رقمها ورقمها السري وتتم ممغنطتها . وهذا مما يستحال القيام به إلا إذا كان الجاني على صلة بموظف البنك مصدر بطاقة الائتمان الإلكترونية حتى يمكن أن يعطيه نسخة أخرى من نفس البطاقة المراد تزويرها ليستعملها إذ يعطيها الشريك له([3]).
الرأي الثاني: يرى بإمكانية تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية، إذ يتصور أن يتم تزويرها بعدة طرق منها، نسخ كربون المتخلفة عن الاستعمال الصحيح للبطاقة لدى التجار، وذلك بعد تخلص هؤلاء التجار منها بإلقائها في سلة المهملات، أو من خلال بيانات بطاقة صحيحة يتم الحصول عليها بتصويرها فوتوغرافياً بواسطة التاجر، كما يمكن أن يتم تدوين بيانات وهمية على البطاقة لا تقابلها بيانات صحيحة أو بالتواطؤ مع الحامل الشرعي للبطاقة، أو أن يقوم الغير بالاستيلاء على بطاقة أحد الحاملين لها سواء بالرقم أم بالعثور عليها. ثم يقوم الجاني بالاتصال بهذا الحامل هاتفياً مدعياً أنه موظف بالبنك المصدر للبطاقة وبأنه سوف يرسل لهذا الحامل بطاقة جديدة ويطالبه بإبلاغه برقم البطاقة السري، فيقوم صاحب البطاقة بإبلاغه بالرقم السري، وعندئذ يقوم الجاني بتغيير البطاقة لتفادي سحبها بواسطة الآلة([4]).
ونحن بدورنا نتفق مع الرأي الثاني فمن الناحية الواقعية فإن تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية وان كان صعباً الا انه ليس بمستحيل حيث يمكن استخدام مثل هذا النوع من بطاقات الائتمان الإلكترونية المزورة في سحب النقود من الأجهزة الآلية أو الصراف الآلي وذلك باستخدام أرقام بدلاً من الرقم السري للبطاقة.
ثانياً: التزوير الجزئي: فقد يقوم الجاني بكشط ما على بطاقة الائتمان الإلكترونية المسروقة أو المفقودة من شريط توقيع ولصق آخر بدلاً منه والتوقيع عليه بتوقيع يستطيع كتابته بطلاقة، أو الإبقاء على الشريط ثم تقليد التوقيع الصحيح على البطاقة عند التوقيع على الوصولات وفواتير الشراء أو المحو الآلي أو الكيميائي للتوقيع الأصلي أو لأجزاء من هذا التوقيع. وقد تكون هذه البطاقة مجهزة بصورة فوتوغرافية لشخص العميل، فالجاني قد يلجأ إلى التخلص من هذه الصورة أو تغطيتها، ووضع صورة أخرى في مكانها إما بالحفر، وإما باللصق، وإما بالحفر واللصق معاً([5])، وعندئذ تكون أمام ما يعرف بالتعدد المادي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بين جرائم السرقة والتزوير والاحتيال، حيث ارتكبها الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد وهو الحصول على السلع والخدمات من التاجر بموجب بطاقة الائتمان الإلكترونية المسروقة ومن ثم فيعاقب بعقوبة الجريمة الأشد([6]).
بناء عليه، فإذا قام الجاني بتغيير الحقيقة المتعلقة ببطاقة الائتمان سواء بتقليد بطاقة صحيحة أو بتغيير بعض بياناتها الجوهرية، فإذا كانت البطاقة صادرة من أحد بنوك الدولة عندئذ تعد البطاقة محرراً رسمياً، وإن كانت صادرة من أحد البنوك الأهلية تعد البطاقة محرراً عرفياً وسواء أكان التزوير بأحد الطرق المادية أو المعنوية، فقد يحصل عن طريق الاصطناع بأن ينشئ الجاني المحرر وينسبه إلى غير محرره كما في حالة تقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية، أو أن يتم التزوير بإحدى الطرق المعنوية بانتحال شخصية الغير كأن يدعي شخص أمام جهة رسمية أو أمام شخص عادي بأنه فلان الفلاني متخذاً اسماً غير اسمه أو بانتحال صفة الغير وهو ما يتم في حالة التزوير الجزئي لبطاقة الائتمان ([7]).
وقد يحصل أن يقوم الجاني بسرقة رقم سري بطاقة ائتمان إلكترونية صحيحة ثم يقوم بتزوير بطاقة ائتمان إلكترونية بالرقم السري المسروق ثم يستعملها سواء في السحب أو الوفاء، وهذا ما توصل إليه حديثاً مزوروا البطاقات الائتمانية الإلكترونية إلى ابتكار جهاز إلكتروني صغير يمكنه التقاط المعلومات والبيانات السرية للبطاقة الائتمانية الإلكترونية خلال بضعة ثواني ومن ثم اصطناع بطاقات مزورة بالرقم السري المسروق نفسه، ففي مثل هذه الواقعة يساءل الجاني عن جريمة سرقة للرقم السري وعن جريمة تزوير للبطاقة وعن جريمة احتيال لاستخدامه طرقاً احتيالية تعدم الكذب في سحب النقود من الصراف الآلي([8]).
أما العقوبة فهي تختلف بحسب ما إذا كانت بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة صادرة من أحد بنوك الدولة عندئذ تكون العقوبة أشد، في حين إذا كانت واقعة التزوير متعلقة بأحد بطاقات الائتمان الإلكترونية الصادرة من أحد بنوك القطاع الخاص فتكون العقوبة أقل شدة لأنها ستعد في حكم المحرر العرفي ([9])، علماً بأن القانون الفرنسي لم يفرق في عقوبة جريمة تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية، حيث قضى بالحبس من عام إلى سبعة أعوام والغرامة أو بإحداهما مع مصادرة وإتلاف بطاقات الائتمان المزورة مع مصادرة المواد والمعدات والأدوات التي استخدمت أو التي كانت معدة للاستخدام في التقليد أو التزوير([10]). وعلى خطى القانون الفرنسي، نجد أن القانون العماني قضى بعقوبة الحبس والغرامة([11]).

([1]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، (ج1)، ص285.
([2]) انظر نص المواد (289-298) من قانون العقوبات العراقي والمواد (213، 221) من قانون العقوبات المصري.
([3]) د. أحمد تمام، الحماية الجنائية لبطاقة الائتمان، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، ص537.
([4]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص846-848.
([5]) د. رياض فتح الله بصلة، مصدر سابق، ص115.
([6]) انظر نص المادة (142) من قانون العقوبات العراقي والمادة (32/2) من قانون العقوبات المصري.
([7]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، (ج1)، ص286.
([8]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، ص1154.
([9]) انظر نص المواد (295-297) من قانون العقوبات العراقي والمواد (212، 214 مكرراً) من قانون العقوبات المصري.
([10]) انظر نص المادة (67/1) من القانون الفرنسي رقم (1382) لسنة 1991 الخاص بأمن الشيكات وبطاقات الوفاء.
([11]) انظر نص الفقرة (1) من المادة (276 مكرر) من قانون الجزاء العماني.