حكم التعويض عن الضرر الأدبي

الضرر الأدبي: هو كل أذى يصيب الإنسان في عرضه أو عاطفته أو شعوره من فعل أو قول يعد مهانة له وفيما يصيبه من ألم في جسمه من ضرب لا يحدث به أثراً أو من تحقيرٍ في مخاطبته أو امتهان معاملته

وهو مصطلح قانوني يطلق على ما يقابل الضرر المادي وسمي ضرراً أدبياً أو معنوياً؛ لأنه غير مادي فمحله الشعور والعاطفة

تحرير محل النزاع: الضرر الأدبي؛ إما أن يكون ضرراً أدبيا محضاً، أو ضرراً أدبياً غير محض، فإن كان الضرر الأدبي يترتب عليه ضرر مادي، فهو ضرر أدبي غير محض؛ ولذا فإنه يقبل التعويض كأي ضرر مالي

ومحل النزاع هنا هو في الضرر الأدبي المحض الذي لا يترتب عليه ضرر مادي.

حكمه: إن التعويض المالي عن الضرر الأدبي هو حكم مستحدث ليس له نظائر في الفقه الإسلامي

جاء في الموسوعة الفقهية “لم نجد أحداً من الفقهاء عبرَّ بهذا … وإنما هو تعبير حادث… ولم نجد … أحد من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية

إلا أن العلماء المعاصرين قد اختلفوا فيه على قولين:

القول الأول: عدم ثبوت التعويض المالي عن الضرر الأدبي،

وبه قال جمع من العلماء، وهو مقتضى قرار مجمع الفقه الإسلامي في الشرط الجزائي.

القول الثاني: ثبوت التعويض المالي عن الضرر الأدبي، وبه قال بعض العلماء

.أدلة القول الأول:

أولاً: أنه أخذ مال لا في مقابل مال، وهذا أكل للمال بالباطل، وهو محظور لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}سورة البقرة آية 188

.ثانياً:
أن التعويض عن الضرر الأدبي ليس كافياً، ولا يؤدي إلى إزالة الضرر، وليس فيه جبرٌ للمتضرر عما أصابه فهو يجحف بالفقير ولا يردع الغني والتعويض إنما يقصد به الجبر؛ ولذا وضع له في الشريعة ما يناسبه من الحد أو التأديب ،وهو تعويض كافي يزيل آثار الضرر عن المضرور،ويدل لذلك ما ورد في قصة العسيف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم فردٌ عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام .. رواه البخاري في صحيحه،.

.ثالثاً:
أن تقويم الضرر الأدبي بالمال لا يستند إلى أساس سليم، ولا ينضبط بضابط، وتقديره يختلف باختلاف الأشخاص، ولا يكون إلا تحكما

رابعاً:
أن ذلك من باب أخذ المال على العرض وهذا لا يصح، كما في القذف وهو من أعظم الأضرار الأدبية ومع ذلك نص الفقهاء رحمهم الله على عدم جواز المصالحة عنه بمال

خامساً:
أن النصوص الشرعية شددت عن الإضرار الأدبي، لكن اتبعت أسلوب التعزير في معالجة وليس التعويض في المال

سادساً:
أن المثل العليا تأبى على أن يساوم الشخص على شرفه وعرضه كما يساوم على الأموال

أدلة القول الثاني:

أولاً:
ما رواه ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا ضرر ولا ضرار”
رواه أحمد في المسند

وهو نص عام فقصره على الضرر المادي تخصيص بغير مخصص، ونوقش: أن محل الخلاف هو طريقة الزجر والشريعة أخذت في مبدأ الزجر بعقوبة التعزير لا بالتعويض المالي في الضرر الأدبي.

ثانياً:

ما جاء عن عثمان رضى الله عنه قضى في الذي يُضرب حتى يحدث بثلث الدية وفي رواية: أنه أغرمه أربعين قلوصاً. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه،

قال أحمد – رحمه الله – : لا أعلم شيئاً يدفعه

ويمكن أن يناقش بالآتي

:1- أن هذا فعلٌ تعدى فيه اقتضى خروج الحدث فتعلق به الضمان .كالجرح الذي اندمل ولم يبق له أثر فإنه يعوض عنه وليس الضمان للضرر الأدبي

.2- أن هذا القضاء من عثمان رضى الله عنه يدل على التوقيف؛ لأنه لا يقتضيه القياس وغيره من الأضرار الأدبية ليس مثله إذ لا توقيف فيه

.3- أن هذا التوقيف تقدير منضبط بخلاف غيره من الأضرار فإن التقدير فيها لا ينضبط

.ثالثاً: أن الشريعة شرعت الحد لجريمة القذف وهو أدبي فلا مانع أن يعوض الأضرار الأدبية التي هي دون ذلك إزالة الضرر بقدر الإمكان.

نوقش: بأن الشريعة إنما عالجت الضرر الأدبي في جريمة القذف بالحد والتأديب الزاجر وليس بالتعويض المالي، فلا يصح أن يكون أصلاً للتعويض المالي عن الأضرار الأدبية، بل يصح أن يكون أصلاً للقول بعدم الجواز

.رابعاً:
نقل السرخسي في المبسوط عن محمد بن الحسن: في الجراحات التي تندمل دون أن يبقى لها أثر أنه يجب فيها حكومة العدل بقدر ما لحق المجروح من الألم.

نوقش: أن هذا ليس من التعويض عن الضرر الأدبي في شيء، فالألم ضرر مادي لا نزاع في جواز التعويض المالي عنه، ولو صح أنه ضرر أدبي فهو اجتهاد مقابل اجتهاد

.خامساً:
أن الواجب في الضرر الأدبي هو: التعزير، ومنه التعزير بالمال الثابت بالسنة، وللحاكم أن يلجأ في أساليب التعزير إلى ما يراه أقمع للفساد، وفي زماننا التعزير بأخذ المال أمضى في العقاب.

نوقش: بأن التعزير في الضرر الأدبي هو من باب العقوبات، وليس من باب التعويض المالي عن الضرر.ولو سلمنا بالتعزير المالي لمن أضر بغيره أدبياً، لوجب أن يذهب إلى بيت المال لا إلى المتضرر وهذا لا يقولون به.

الترجيح:

يظهر والله أعلم أن الراجح هو القول الأول القائل بعدم ثبوت التعويض المالي عن الضرر الأدبي؛ لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة، وضعف أدلة القول الآخر بالمناقشة الواردة عليها ولما يلي:

1- أن القول بالتعويض المالي في الضرر الحقيقي مبني على ما يتكبده المضرور من خسارة مالية بسبب ذلك الضرر، وهذا مخالف للضرر الأدبي.

2- أن التعزير والتأديب هو الذي يشفي غيظ المضرور ويؤذي الضار في شعوره وكرامته.هذا والله أعلم