الغش الضريبي

ليس ثمة شك في كون الضريبة عرفت تطورا كبيرا في الفكر المالي الحديث، إذ انتقلت من هدف مالي محض في ظل الدولة الدركية أو الحارسة إلى وسيلة فعالة لتشجيع النمو الاقتصادي أو مساعدة أصحاب الدخل المحدود، فبعدما حدثت مجموعة من العوامل ساعدت على ذلك بدءا من الحرب العالمية الأولى تليها الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929 انتهاء بالحرب العالمية الثانية ، وهو الأمر الذي تيقنت منه الدولة أن القطاع الخاص المعول عليه لتحقيق التنمية على جميع مستوياتها هو منال يصعب استمراره ، فوجدت الدولة نفسها بذلك مرغمة على التدخل عبر الضريبة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، هذه الأخيرة أي التنمية بشقيها أصبحت تعد مطلبا أساسيا لكل المجتمعات ، وهي تعني تحسين أداء السلطات العمومية في جميع القطاعات ذات الصلة بالمواطن ، وقصد تحقيق ذلك تعمل الدولة من خلال الموارد العمومية على ضبط التوازنات الشمولية للمجتمع في أفق الاستقرار و الأمن الاجتماعيين.

وقد كان لهذا التطور أن ظهرت عدة أساليب تهدف إلى مخالفة الواجب الضريبي، فنجد من بينها الغش الضريبي الذي يعتبر أحد أكبر مظاهر السخط والتمرد على الفرض الضريبي، فهو ظاهرة من الظواهر الأكثر انتشارا في اقتصاديات الدول الحديثة، ويؤثر سلبا على مداخيل هذه الدول، وبالتالي على أنشطتها ووظائفها المتعددة.

والمغرب لا يخرج عن هذه الدول، خاصة انه يعتمد بشكل كبير على الدخول الضريبية، وأي مخالفة لهذه الأخيرة ستنعكس اقتصاديا واجتماعيا عليه وما يساعد على تفاقم خطورة هذه الظاهرة هو عدم وجود وسائل ردع جنائية فعالة، حيث لم يتم اعتبار الغش الضريبي جريمة يعاقب عليها القانون ماليا وجنائيا إلى مع القانون المالي 1996 – 1997 حتى أنه بعد إخراجه نجده يتصف بكثير من المحدودية ولا يعمل به حتى، خاصة و أن العبرة ليست بالنصوص بل بتطبيقها وبلورتها على أرض الواقع.
وعليه كيف عالج المشرع المغربي هذه الظاهرة ؟ وما موقفه منها؟ و إلى أي حد استطاع تحقيق أهدافه من خلال هذا القانون ؟ هذه الأسئلة وغيرها يمكن الإجابة عليها من خلال تخصيص محور لها على أن يكون المحور الذي سيسبقه مخصص للتعريف بهذه الظاهرة -أي الغش الضريبي- مع ذكر أهم أسبابها واثارها. حتى تتوضح الصورة أكثر فأكثر .

المحور الأول : الغش الضريبي بين تعدد صوره –أسبابه –آثاره.
إذا كانت الضريبة هي فريضة مالية يدفعها الملزم جبرا إلى الدولة وفق ما تقتضي بها القوانين مساهمة منه في التكاليف والأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع منها، فإنه عادة ما يلجأ إلى التملص منها، وذلك بطرق متعددة، أبرزها الغش الضريبي، فهذا الأخير وبالرغم من وجود إجماع على أن أبسط تعريف له هو محاولة أو وجود خرق مباشر للقانون الجبائي الغرض منه عدم أداء الضريبة أو تقليصها فانه مع ذلك لازال مفهومه يعرف إشكالات في تحديده. فما مفهوم هذا الغش؟ وما هي أهم صوره ؟وما هي أهم الأسباب التي عبرها و بواسطتها نقول بأن هذا التصرف يندرج في خانة الغاشين ؟ وماهي أهم أثاره؟

أولا- تعريف الغش الضريبي و أهم صوره.

1- تعريف الغش الضريبي
الغش الضريبي ظاهرة معقدة وتبدو من حيث أصولها وواقعها المعاصر كرد فعل طبيعي على عنف الضريبة عبر تاريخها، فالتمرد على القوانين ظهر منذ الحضارات القديمة وصولا إلى العصر الحديث وبالتالي هي ظاهرة ليست بالغريبة وليست وليدة العصر الحديث، وعليه وقبل إعطاء تعريف محدد أو على الأقل محاولة الوصول إلى هذا التعريف بانتهاج أهم ركائزه لاعتبار هذا الفعل أو التصرف هو غش في أصله ، لا بأس أن نشير إلى أهم تعاريف الفقهاء والمتخصصين في هذا المجال المعطاة لمعنى هذا المصطلح.

فقد عرفه “لوسيان ميشال” بأنه المخالفة الصريحة للقانون بهدف التخلص من فرض الضريبة وتخفيض أساسها أما “ماركيراز” فقد رأى الغش بأنه:” يتمثل في التخلص من الضريبة وإعطاء عرض خاطئ للواقع أو تفسير مضلل” ومن أجل ذلك يستعمل المكلف الغش والاحتيال مرتكبا بذلك جرائم مالية يعاقب عليها القانون

وفي نفس الاتجاه اعتبر SHMIDT”” الغش الضريبي:” هو الإخفاء المقصود اتجاه الإدارة الجبائية للموارد والمداخل والذي يستهدف من وراءه التملص من أداء الضريبة (1) أما “فوري عبد المنعم” فقد عرفه بكونه:” يتضمن مخالفة قانون الضرائب فتندرج بذلك تحته كل طرف الغش المالي وما تنطوي عليه هذه الطرق من اللجوء إلى طرق احتيالية للتخلص من أداء الضريبة (2).
انطلاقا مما سبق فإن إعطاء تعريف محدد للغش الضريبي ليس بالأمر الهين، فمن الصعب وجود اتفاق حول هذا التعريف من وجهة نظر كل من القانونيين والماليين والاقتصاديين، وتأتي هذه الصعوبة في الاختلاف حول ما إذا كان الغش ينطوي على مخالفة القانون أو عدم مخالفته للنص القانوني وهو ما يجعله ينقسم إلى مفهومين: فالأول هو مفهوم ضيق ويقتضي المس بالموارد المالية للدولة في حالات محددة يخالف فيها المكلف القانون الضريبي للحيلولة دون الجباية الضريبية وذلك باللجوء إلى ما يفيد هذا الغش كالاحتيال، والإغفال والتزوير، والتغيير، … ومن أهم رواد هذا الاتجاه نجد الباحث “MEHL” الذي عرف الغش في كتابه العلوم والتقنيات المالية بأنه: مخالفة للقانون الضريبي بهدف التملص من الضريبة أو التخلص منها(3) نجد أيضا “Rosier” الذي عرفه بكونه كل ما ينصب على كل التعريفات المادية والعمليات المحاسبتية والأعمال القانونية وكذا الاحتيالات التي يلجأ إليها الملزم من أجل التخلص من تطبيق الضريبة (4).

إلا أنه وفي ظل تنامي دور الدولة التدخلية وحاجتها المتزايدة للموارد اتجهت بعض الكتابات إلى الدفاع عن منظور واسع لمفهوم الغش الضريبي الذي بمقتضاه يصبح متوافرا كلما تم اللجوء لطرق تتيح التملص من الضريبة سواء اقترن ذلك أو لم يقترن بمخالفة نص جبائي، وعلى هذا الأساس فإن الغش الضريبي من هذا المنظور يتمثل في إعطاء أي تصور خاطئ للحقيقة أو تفسير مغلوط يؤدي إلى تملص من الضريبة، ولو لم يقترن ذلك بخرق جبائي وبالتالي يعتبر غشا ضريبيا، أي استغلال لثغرات القانون الضريبي (5).

ومن رواد هذا الاتجاه نجد الفقيه البلجيكي Margairaz” ” و الفقيه “Duverger” اللذان يعتبران أن الغش الضريبي هو كل فعل يتم بموجبه الإفلات من أداء الالتزامات الجبائية اقترن ذلك أو لم يقترن بمخالفة نص جبائي ، بل اعتبرا أن التهرب الضريبي ليس سوى مصطلح شامل يحتوى كل مظاهر الهروب من الضريبة بما في ذلك الغش الضريبي ، هو نفس الأمر نجده عند خبراء عصبة الأمم حينما أكدوا على أن التهرب الضريبي يتعلق بخرق عمدي للقانون وممارسة الإخفاء” وهو وصف ينطبق تماما على الغش الضريبي، وفي تعريف أيضا للتهرب الضريبي أكد (لوروج) بأن هذا الأخير ما هو إلا الشكل الأولي للغش الضريبي (6).
وقبل التطرق لذكر أهم صور الغش الضريبي فلا بأس أن نحاول التمييز بين مصطلح الغش الضريبي و مصطلح التهرب الضريبي فإذا كان الأول هو محاولة خرق للقانون الجبائي وبشكل مباشر فان التهرب الضريبي غير ذلك أو بالمعنى الأصح فانه إذا كان هذا الأخير يتشابه مع الغش الضريبي في ضياع أموال مهمة على خزينة الدولة فانه يختلف بتاتا في المعنى حيث أن التهرب الضريبي ما هو إلا الاستعمال الماهر للنصوص الجبائية قصد دفع أقل ضريبة ممكنة، وذلك عن طريق عمليات خاصة ومنظمة تستهدف الثغرات والفراغات القانونية في النظام الجبائي، للاستفادة دون خرق قواعده أو المساس بها، لهذا يعتبر التهرب الضريبي هو تهرب مشروع.

2- صور الغش الضريبي
على العموم فإن صور الغش الضريبي لا حصر لها وذلك لأن القائمين بها دائما يتفننون في الكشف عن أساليب جديدة، ومن بين صور الغش الضريبي نجد:

الإخفاء القانوني: ويقصد به خلق وضعية قانونية ظاهرة تخالف الوضعية القانونية الحقيقية ويتجلى في شكلين:
· الغش عن طريق العمليات الوهمية: بأن يعمد المكلف إلى وضع فواتير مزيفة من طرف أشخاص آخرين وينقص من قيمة الضريبة على رفع الأعمال التي توجد في هذه الفواتير.
· الوصف المزيف أو الصورية: وهي تتوافر في الحالة التي يبرم فيها عقد ظاهري ويتفق المتعاقدان على ألا يعكس التصرف الحقيقي المبرم بينهما بواسطة عقد آخر يظل خفيا عن عيون الإدارة الجبائية.

الإخفاء المادي أو المحاسبي: يمكن للمكلف الذي لا يلزم بالمحاسبة أن لا يصرح بالمداخيل أو المنتجات أو العمليات الخاضعة للضريبة، وهذا هو ما يطلق عليه الإخفاء المادي، أما الإخفاء المحاسبي فيكون في إطار المحاسبة بحيث يمكن للمكلف أن يزيد في خدمة تكاليفه الحقيقية كأن يحاول أن يدخل نفقاته الشخصية في التكاليف التي لا تخضع للضريبة، أو ينقص من مداخيله كأن يبيع بدون فواتير وأن يسجل بها أثمان أقل من تلك التي باع بها في الحقيقة (7) وعملية الإخفاء المحاسبي تترجم من خلال تقنيات متعددة تقوم بها الشركة وقد يظهر ذلك على ثلاثة مستويات:
· على مستوى المبيعات.
· على مستوى المشتريات.
· على مستوى المخزونات.

ثانيا : أسباب وآثار الغش الضريبي .
نظرا لأهمية الغش الضريبي وآثاره المتعددة، فإن جميع الدول نهجت أسلوب يعتمد على دراسة أسباب هذه الظاهرة التي تكاثرت وتوالدت لتنتج لنا ألوانا عديدة في إبداع طرق للغش وإذا كان العديد من المهتمين قد تطرق إلى أسباب الغش الضريبي فهناك اتفاق شبه تام على أنها مالية اقتصادية واجتماعية ونفسية، أي أنها ترتبط في غالبيتها بسياسات الحكومة والوضعية الاقتصادية للمكلف ، ودون إطالة الحديث عن أسباب وآثار الغش الضريبي سوف نحاول التركيز على أهمها طالما أن جل المراجع التي تخص هذا الميدان قد عالجت ذلك بشكل مستفيض.

1- أسباب الغش الضريبي

أ- الأسباب القانونية :
تتجلى في عدم الاستقرار الذي يعرفه النظام الضريبي المغربي والتعديلات المتكررة التي تتضمنها قوانين المالية كل سنة، تجعل النصوص الجبائية تفقد معناها الأصلي والأهداف المتوخاة منها، فكثرة النقائص والثغرات والتعقيدات على مستوى النصوص المنظمة لمختلف الضرائب فتحت ثغرات عميقة وخلقت صعوبات في تكييف الحالات الضريبية.

ب- الأسباب الاقتصادية:
وهي ترتبط أساسا بطبيعة النظام الجبائي، فمثلا في أوروبا – كما هو الشأن في المغرب- يقاس الجانب الاقتصادي على أساس قدرة المكلف على الأداء، إذ نجد صاحب الدخل لا يحتفظ سوى ب 40%إلى 50% من دخله وربحه ويعطى الباقي للدولة،فهذه الاقتطاعات الإجبارية تؤثر على دخل الشخص سواء كان شخصا معنويا أو طبيعيا، لذلك فكلما ارتفع مستوى الاقتطاع إلا وارتفعت مستويات الغش الضريبي، والعكس صحيح ومعظم الدراسات الاقتصادية الدقيقة جاءت لتؤكد تلك المعاينات البديهية.
من الأسباب نجد كذلك الاقتصاد غير المهيكل l’économie informelle الذي يحيي الغش الضريبي، فالأنشطة الممارسة في هذا القطاع نوعان أنشطة سرية وأنشطة ظاهرة: فإذا نظرنا إلى هذه الأنشطة بصفة منفردة يتبادر إلى الذهن على أنها لا تشكل أية أهمية في المشاركة في الضريبية، بينما إذا تمت ملاحظتها على المستوى الإجمالي فبالتأكيد أنها تشكل دعامة جبائية لا يستهان بها، فالقطاع غير المهيكل قد يضر بوحدات لها مكانة مالية مهمة والتي يمكن أن تتخلص من الضريبية جزئيا أو كليا(9)_* قد وصل حجم هذه أنشطة هذا القطاع إلى ما يعادل ربع حجم الاقتصاد الوطني فأكثر من 245 ألف مقاولة غير مرخص لها تحقق أرباح بقيمة 31 مليار درهم، ويعمل داخل هذه المقاولات حوالي 480 ألف شخص لا يدفعون الضريبة بدورهم-*،لأن الإحصاءات حول تطور الاقتصاد غير المهيكل، تفرض على الإدارة الجبائية الاهتمام بهذا القطاع والعمل على إدماجه، إلا أن ذلك يصطدم بغياب تشخيص لكافة الملزمين والأنشطة الاقتصادية بالإضافة إلى انتشار الأمية لدى أغلب المستغلين داخل هذا القطاع، ومن هنا تبرز أهمية الرقابة الجبائية للقطاع غير المهيكل التي يمكن أن تشكل مورد المعلومة حول هذا القطاع، وبالتالي حصر المجال الضريبي ومكافحته.

ومن جهة أخرى عندما نقول إن الضريبة بدون مقابل، صحيح أن هذه الفكرة هي المغزى من فرض الضرائب لكن لا بد للمواطن أن يتلقى المقابل ولا بد له أن يتحسس ويلمس أين تذهب أمواله، أي أنه يجب أن تصرف من أجل المصلحة العامة حيث يرى بعض الفقه في هذا الصدد بأن السياسة الضريبية تكون غير واضحة الأهداف بسبب صرف الضرائب في غير الأغراض المعدة لها.

ت-الأسباب الاجتماعية:
انطلاقا من الفصل 17 من الدستور المغربي (10) تقتضى العدالة الاجتماعية بأن يساهم كل مكلف حسب قدرته في تغطية نفقات الدولة ، وهو الأمر الذي تتكفل به هذه الأخيرة عن طريق تحصيل مستحقاتها الضريبية من المكلفين على أن تعمل بعد ذلك على إعادة توزيعها من خلال إنجاز مشاريع التنمية ومساعدة الفئات الضعيفة ومحاربة الفقر والبطالة وما إلى ذلك من البرامج التي تهدف تحقيق التنمية الشاملة، وعليه فانه إذا كان صحيحا أن من أهم ركائز تعريف الضريبة الحديثة هي أنها واجب بدون مقابل فانه على الدولة وانطلاقا من المداخل التي تحققها أن تعيد برمجتها عن طريق المشاريع الاجتماعية والاقتصادية يكون المستفيد منها أولا و أخيرا المواطن المكلف نفسه ، ومن ثم إذا كانت هذه هي الغاية من دفع الضرائب فعلى الجميع أن يؤديها إلا من أعفي منها بقوة القانون وذلك بحسب قدراتهم ، لكن حينما لا تستطيع الدولة أن تجبر الجميع على دفع الضريبة بحسب قدرتهم، وتنتشر ظاهرة التهرب من دفع الضريبة وتقل مداخيل الدولة،فذلك يدفعها إلى الرفع من مساهمة المكلفين الذين لا يستطيعون أن يتهربوا كالموظفين مثلا حين تقتطع الضريبة بالنسبة إليهم من المنبع أو تقوم الدولة بالرفع من مساهمة الضرائب غير المباشرة كالزيادة في سعر الضريبة على القيمة المضافة… فهنا نجد العدالة الجبائية التي يسعى إليها الفصل 17 من الدستور تفرغ من محتواها طالما إن الغني لا يؤدي بسبب تواطؤ البنية الجبائية المغربية، وتسييس القرار الجبائي عبر عدم فرض ضرائب جديدة تتعلق على سبيل المثال وليس الحصر بالضريبة على الفلاحة والثروة، مما يؤدي كنتيجة حتمية إلى المساهمة في تضييق الوعاء الجبائي.

ج- الأسباب النفسية:
العوامل النفسية هي نتيجة لمحاربة بعض السلوكات الأخرى، كانعدام العدالة الجبائية وعدم تحقيق منافسة شريفة بين الشركات، لأنه نجد في بعض الأحيان لا تكون هناك علاقة الضغط الجبائي بالغش الضريبي، وإنما وجود جوانب نفسية من قبيل سرقة مال الدولة لا يشكل عيبا عند المكلف الذي يعتبره مالا مباحا، وبالتالي عندما لا يؤدي ضرائبه لا يعتبر نفسه أنه يقوم بعمل إجرامي وإنما بعمل مشروع، وهذا يقتضي وعيا جبائيا لأن الأمر مرتبط بعوامل أخرى مثل الأمية.
وقد جرت العديد من استطلاعات الرأي حول تكييف المتهرب من الضريبة، والتي بينت أن 4% منهم بمثابة خائن لوطنه، و %18 منهم بمثابة شخص لا يحترم نظام مرور السيارات في حين أن 53% من الأفراد يعتبرونه كرجل أعمال يستغل الفرص للمحافظة على أمواله، بمعنى أن الغالبية العظمى ترى أن المتهرب لا يضر بالوطن أو بالآخرين ( 11) وفي هذا الصدد يقول الفقيه “شمولدرز” أن الرأي العام لا يضع التهرب الضريبي موضع السرقة، بل إن الإدارة الضريبية نفسها لا تعتبره عملية تمس السمعة الشخصية للفرد.
كما قد يكون التهرب رد فعل ضد عامل القهر، فقد يعتبر المكلف أن أداء الضريبة هو استسلام للمكلف في علاقته مع الدولة وبالتالي فالإحساس بالضعف يجعل المكلف يتهرب إضافة إلى أنه قد يشعر أنه لا يحصل على أي مقابل لما يؤديه- وهناك أفكار بدأت تنتشر في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية من قبيل أن المكلف عندما يرى أمواله تذهب إلى مساعدات خارجية ولمنظمات ليست لها مصداقية ( التسلح والحرب) فإنه يطالب باستردادها-.

بالإضافة إلى كل هذا هناك نقاط كثيرة تتعلق بنظرة المكلف إلى الضريبة، إذ أن رفضه لها ما هو إلا نتيجة نظام جبائي سيء وتدبير أسوأ ظل قائما منذ القرن التاسع عشر واستمر إلى فترة الحماية، بل الأكثر من ذلك، أن الضريبة في المغرب دائما ما كانت مرتبطة بالسلطة وأن الذي لم يكن يؤديها هو الذي مرتبط ببلاد السيبة، كما أنها كانت السبب التي أعطى لنا المغرب النافع وغير النافع، حتى التحالفات التي كان يقوم بها الحاكم في المغرب كانت تقوم على أساس الضربية، التحالفات مع (الزوايا، القبائل، الدول الأخرى…).
وعلى العموم يمكن القول إن ظاهرة الغش الضريبي هي ظاهرة جد معقدة إذ تتداخل فيها عوامل وأسباب مختلفة تساهم بشكل كبير في عدم تأدية الضرائب بالنسبة للمكلفين،وهي أسباب لا يمكن فصلها عن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي وبالتالي يجب فهمها في شموليتها لأنها ظاهرة تؤدي إلى مساوئ جمة، وتعطى لنا أكثر ضحايا.

2- آثار الغش الضريبي:

إن أية محاولة التهرب من أداء الالتزامات الجبائية ستكون النتيجة الحتمية لذلك تعدد الاثار والمساوئ بدءا بالإضرار بمصلحة الدولة مرورا بمصلحة الأفراد نفسهم..

أ- الاثار المالية :

ان الاثار الأولى تتجلى في ضياع أموال كانت لتكون في حزينة الدولة على اعتبار ان تلك الأموال العمومية من الأدوات الرئيسية لإنجاز برامج الدولة في مختلف الميادين حيث لا يمكن تصور دولة بدون أموال عمومية، و تبعا لذلك فقوة الدولة غالبا ما تقاس بحجم إمكانياتها المالية.

هذه الأخيرة التي تمثل فيها الضرائب أكبر نسبة خصوصا و أن المغرب يعتمد بشكل كبير على المورد الضريبي-إذ هناك كتابات تقر بأن النسبة تصل إلى 74 في المائة وأخرى إلى 90 في المائة- وهو الأمر الذي يحتم على السلطات العمومية بأن تخضعها لنظام معقلن يقيها من كل محاولات الغش و التهرب الضريبيي اللذان يكلفان خزينة الدولة الكثير والكثير.

وبذلك تنخفض الموارد المالية للخزينة العامة ويحدث بل يكرس العجز الموازتاتي خاصة وما تلعبه الميزانية من دور كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية عبر حفظها التوازن في هذين المجالين، خصوصا و أن الضريبة انتقلت من هدف مالي إلى هدف أكثر عمقا وهو تحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية.

كما ان الآثار المالية تتجلى في ارتفاع حجم المديونية الخارجية وذلك بالرغم أن المغرب حاول منذ الثمانينات عقلنة هذا الارتفاع بتوجيهه إلى المديونية الداخلية عوض الخارجية إلا أن ذلك يصطدم بعدة اكراهات منها ارتفاع مستويات الغش الضريبي.

ب- الاثار الاقتصادية :

بطبيعة الحال أن المتهرب من دفع الضرائب غالبا ما يكون من الفاعلين الاقتصاديين الأمر الذي تكون تكلفة إنتاجه أقل ضررا ما إذا كان قد أدى التزاماته الجبائية ، وبعبارة أخرى ان من يخل بقواعد المنافسة الشريفة المشروعة بين الفاعلين الاقتصاديين أو المنشآت والمقاولات الاقتصادية الأخرى هو من يحاول عدم أداء التزاماته الجبائية، فتختل بذلك موازين القوى إذ الذي يدفع ضرائبه ويحترم التزاماته سيكون في وضعية غير متناسبة بتاتا مع الذي لا يؤدي أو يتهرب حيث تكون تكلفة إنتاج هذا الأخير أقل خسارة من الأول ، وبالتالي تكون النتيجة الحتمية لكل هذا وجود انكماش اقتصادي نتيجة إفلاس المؤسسات التي تعجز عن المنافسة.

لذلك فالالتزام بالواجب الضريبي من قبل جميع المكلفين يكرس مبدأ المساواة أمام النصوص القانونية، و لن تتحقق هذه الغاية إلا بالحرص على أن كل المكلفين يدفعون الضريبة و فق الربح الحقيقي الذي حققوه.

ت- الآثار الاجتماعية :
لا يمكن الحديث عن تنمية اجتماعية في ظل انتشار ظاهرة الغش الضريبي، فهذه الأخيرة تسبب مشاكل كثيرة لأفراد المجتمع منها البطالة و الفقر نظرا لتوقف تمويل المشاريع ، وهذا الأمر مرده إلى انعدام الوعي الجبائي، و منطق التضامن الاجتماعي بين المواطنين على أساس الذي يملك يؤدي أكثر من الذي لا يملك حسب الفصل 17 من الدستور ، فإن العدالة الاجتماعية بين المواطنين التي يسعى إليها هذا الفصل تفرغ من محتواها.
كما تظهر التأثيرات الاجتماعية للغش الضريبي من خلال تعدد الضرائب غير المباشرة التي تطال الفقير و الغني على السواء و بذلك فالجزء الأكبر من الضغط الجبائي يتحمله الملزمون الصغار و المتوسطون و الذين يشكل منهم المأجورين %70 تقريبا و هكذا أصبح الاتجاه يسير نحو رفع أسعار الضرائب الغير المباشرة ما دام الملزم يجهل المبلغ الذي يدفعه (12).