طرق فض النزاع خارج ساحة القضاء

المطلب الأول: طرق فض النزاع خارج ساحة القضاء.
حرص المشرع على الحفظ على المال العام والسرعة في إنجاز المشاريع، فحاول إيجاد طرق من أجل فض النزاع من دون اللجوء إلى القضاء وتحمل ما قد يترتب عنه من ضياع للوقت، من خلال التفاوض المباشر أو الجوء إلى اللجنة الوطنية للصفقات العمومية، كحل اختياري [1].

الفرع الأول: فض النزاع من خلال التفاوض المباشر.
أسس المشرع هذا الطريق من أجل فض النزاعات بأن نص في المادة 102 فقرة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250 على: ” غير أنه يجب على المصلحة المتعاقدة ، دون المساس بتطبيق هذه الأحكام، أن تبحث عن حل ودي للنزاعات التي تطرأ عند تنفيذ صفقاتها كلما سمح هذا الحل بما يأتي:
– إيجاد التوازن للتكاليف المترتبة على كل طرف من الطرفين.
– التوصل إلى أسرع إنجاز لموضوع الصفقة.
– الحصول على تسوية نهائية أسرع وبأقل تكلفة “.
يظهر جليا مما سبق أن الحالات التي يمكن التفاوض المباشر من أجلها هي تلك المتعلقة بفقد التوازن المالي للعقد لأحد الأسباب التي تم ذكرها أعلاه، أو من أجل التوصل إلى تدارك التأخر في إنجاز المشاريع، إذن لا مجال للتفاوض في حالات أخرى مثل:
– سوء إنجاز المتعاقد لمحل الصفقة.
– عدم احترام طرق الإنجاز.
– عدم استعمال المواد المطلوبة أو الطريقة التقنية المتفق عليها.
لأن الهدف المرجو هو المحافظة على المال والوقت بأن تتم التسوية في أسرع وقت وبأقل تكلفة.
هذا ونصت المادة 102 فقرة 6 من المرسوم الرئاسي 02-250 على أنه: ” في حالة اتفاق الطرفين، يكون هذا الاتفاق موضوع مقرر يصدر الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، حسب طبيعة النفقات المطلوب تنفيذها “.
إذن فلتحديد الجهة المختصة في إصدار هذا المقرر لا بد من الرجوع إلى المادة 2 من المرسوم الرئاسي، التي تقرر أنه يتعين على المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري لإبرام صفقة عمومية كلما تعلق الأمر بإنجاز مشاريع استثمارات عمومية بمساهمة نهائية من ميزانية الدولة [2].
فيستنتج أنه في حالة الإتفاق تقوم يصدر الوزير الذي تتم الصفقة في قطاعه، بإصدار مقرر بالتسوية، تكون له القوة التنفيذية، وينفذ بغض النظر عن منح لجنة الصفقات المختصة بالرقابة الخارجية لتأشيرة.

الفرع الثاني: فض النزاع من خلال الطعن أمام اللجنة الوطنية للصفقات.
هذه الطريقة لفض النزاعات المتعلقة بتنفيذ الصفقات العمومية نصت عليها المادة 102 فقرة 8 من المرسوم الرئاسي 02-250، التي تنص على أنه: ” يمكن المتعاقد أن يرفع طعنا أمام اللجنة الوطنية للصفقات التي تصدر مقررا، في هذا الشأن” .
إذن يتبين من قراءة هذه المادة أن اللجوء إلى لجنة الصفقات الوطنية إختياري، إذ يحق للمتعاقد عدم استعمال هذا الطريق واللجوء مباشرة إلى القضاء من أجل منازعة المصلحة المتعاقدة، وفي ذلك تراجع عما كان الأمر عليه في قانون الصفقات العمومية سابقا، الذي كان يعتبره إجراء جوهريا، ولذا درج القضاء على عدم قبول أية دعوى لم يتم رفع تظلم مسبق بشأنها، وهو ما حكمت به الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في قضية (ش ذ م س) ضد وزير الري ووالي ولاية الجزائر، ملف رقم 43731 في 09 نوفمبر 1985 [3] الذي جاء فيه: ” من المقرر قانونا أن عرض النزاعات التي تنشأ عن تنفيذ الصفقات العمومية على اللجنة الوطنية الاستشارية المنصوص عليها في قانون الصفقات العمومية من أجل إيجاد تسوية ودية لهذه المنازعات، هو إجراء وجوبي قبل رفع الدعوى القضائية” [4]، وهو نفس الحل الذي قدمه المرسوم التنفيذي 91-434 في المادتين 100 و101 منه”.
تجتمع اللجنة الوطنية للصفقات، عند اتصالها بالطعن المرفوع أمامها، وتصدر فيه مقررا في أجل أقصاه 30 يوما من تاريخ الطعن.
يسري هذا القرار بمجرد صدوره وتبليغه على المصلحة المتعاقدة، ومن ديون انتظار أخذ تأشيرة لجنة الصفقات المختصة بالرقابة القبلية.
إن تخصيص سريان مقرر لجنة الصفقات العمومية على المصلحة المتعاقدة وحدها، وليس على المتعاقد معها، تنتج عنه آثار قانونية هامة منها:
– أن هذا القرار غير ملزم للمتعاقد الاخر.
– أن هذا القرار لا يكتسي طابع القرار الإداري الملزم في مواجهة المتعاقد.
– أن هذا القرار غير قابل للطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء الإداري، لانعدام شرط إلحاق الأذى.
هذا أهم ما يمكن الإشارة إليه فيما يخص هذه الطريقة لفض النزاعات الناتجة عن تنفيذ صفقات المصلحة المتعاقدة، لذا يجب المرور إلى الطريق الثاني لفض النزاع.

[1] وفي ذلك تراجع عن الموقف المعبر عنه في القوانين المتعلقة بالصفقات العمومية السابقة، أين كان الطعن أما م هذه اللجنة شرط ضروري سابق لأية منازعة أمام القضاء، يترتب عن عدم احترامها عدم قبول الدعوى شكلا.
[2] راجع في ذلك المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250.
[3] راجع المجلة القضائية لسنة 89، العدد 2، ص 175.
[4] إن تاريخ الوقائع يعود إلى سنة 1981 أين تم إبرام الصفقة محل النزاع، ولذا لا بد من الرجوع إلى قانون الصفقات الصادر في الأمر 67-90 المؤرخ في 9 ربيع أول 1387 الموافق لـ 17 يونيو 1967، والمتضمن قانون الصفقات العمومية، المعدل والمتمم.