جـريمــة الخطــف و آثـارهـــا القـانونيـــة

جريمة الخطف او الاختطاف من الجرائم الماسة بحرية الانسان وحرمته وهي من الجرائم الاكثر خطورة في مجتمعنا لما لها من آثار مرعبة في نفوس الافراد والحكومة على حد سواء، ولانها تشيع ثقافة الخوف والذعر في المجتمعات الآمنة.

هذه الجريمة تشكل تحديا صارخا للمبادئ والقيم الانسانية وللقوانين والاعراف الاجتماعية المرعية بسبب السلوك العدواني والاجرامي الذي تمارسه الجماعة الخاطفة من اعمال وحشية فيها من الوقاحة والاسراف في عدم الاكتراث بارواح الابرياء والاستهانة بحياتهم وذويهم لاسيما اذا كان المستهدف انساناً لا يتمتع بالحماية وغير مسلح او شخص عادي يمارس حياته بتلقائية وغير مطلوب او متهم.
وتعتبر جريمة الاختطاف من الجرائم المنظمة لان الخاطفين قد سبق لهم وان خططوا بهدوء بال وعزم وتصميم مع سبق الاصرار والترصد لتحركات وتصرفات الشخص من سكنه الى محل عمله وبكل الحرية التي منحته اياه القوانين الحياتية مما يجعله هدفا ثابتا وصيدا يسير لمثل هؤلاء.
وغالبا ما يشترك في تنفيذ مخطط الخطف اكثر من شخص فعلى سبيل الافتراض قد يقوم احدهم بخطف الضحية بينما يهيئ الثاني السيارة او الوسيلة المعدة لنقل المجني عليه من مكان الحادث الى مكان الاحتجاز وعلى الاغلب يكون الخاطف هو المخطط لهذه الجريمة وغالبا مايستخدم السلاح في اضعاف ارادة المخطوف وشل حركته كي لايبدي اية مقاومة لحظة الانقضاض عليه.

وقد يستخدم الخاطفون احدى الوسائل الاحتيالية لاستدراج الضحية الى الكمين المعد لهذا الغرض الدنيئ كتقليد صوت احد والديه عبر الهاتف كي يسعفه لوعكة مفاجئة اصابته بينما السيارة مهيأة لخطف الشخص اذ تتم واقعة الخطف بمجرد انطلاق السيارة والمخطوف في داخلها دون علمه وهذه الوسيلة هي من الظروف المشددة للعقوبة والتي كرس لها قانون العقوبات العراقي في المادة (421 ق. ع) اذا اثبتت ادانة الجاني بالخطف ـ اذا وقع الخطف بطريقة الاكراه او الحيلة او توافرت فيه ظروف التشديد تكون العقوبة السجن المؤبد اذا كان المخطوف انثى والسجن مدة لاتزيد على خمس عشرة سنة اذا كان ذكراً.

وقد ينتحل الخاطف صفة رسمية والتزي بزي الشرطة او قوات الامن او يحمل ورقة استدعاء او تبليغ او القاء القبض مزورة من اجل بث الرعب في نفس المخطوف كي يرضخ ويستسلم للسلطة التي اصدرت بحقه هذا الامر. وهذا الامر أوهذا الفعل الاجرامي بحد ذاته يشكل ظرفا مشددا للعقوبة.
بالرغم من اعتقاد الخاطف بان هذا الاسلوب الاجرامي يمهد وييسر ويعجل تنفيذ الجريمة دون مقاومة من قبل المخطوف لاسيما وقد اضفي عليها الصفة الرسمية التي تجنبه اي تدخل مفاجئ من قبل الاخرين.
ومن الظروف المشددة للعقوبة الاخرى.. اذا كان المجرم من اصول الضحية او من اقربائه او نسبائه ان لم نقل أخاه او اباه او ابن او اب او زوج او زوجة الضحية.. لان هذه القرابة فيها من اواصر الصلة الوثيقة والتي من المستبعد حدوث مثل هذا الاعتداء او وجود الثقة وانتفاء الشك وهذا مايسهل اقتراف الجريمة من دون حاجة الى استخدام وسائل التهديد بالسلاح او بغيره ولا حاجة لاستدراج الضحية.

فبمجرد كون الخاطف من احد افراد اسرته او من اصوله او من فروعه هو قرينة غير قابلة لاثبات العكس وليست بحاجة الى دليل او شاهد عيان او حتى بينة شخصية بل ليس بالضروري اعتراف المتهم من عدمه.
وتشديد العقوبة جاء ضد كل من تسول له نفسه للاستهانة بالقيم والاخلاق الواجب مراعاتها في الاصول الاجتماعية وحمايتها من كل اعتداء.
اما اذا وقع الاختطاف على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأديته لوظيفته او لخدمته او بسبب ذلك فقد اعتبره التشريع العراقي الحكيم من الظروف المشددة للعقوبة ولاسيما القاضي او المحقق او ضابط الشرطة او المنفذ العدل او كاتب العدل او غيره اثناء قيامه بواجبه للخطف من قبل اشخاص يعلمون بصفته الرسمية ولم يحترموا ذلك بل غدروا به، وتطبق عليهم عقوبة التشديد.
وهذا النوع من الخطف بدافع القتل هو الاكثر خطورة في عالم الجريمة المنظمة في عصرنا لانه يهدف الى ابادة البشرية وتعريض حياة المواطنين الابرياء الى الموت الأكيد وبصورة مستمرة وكذلك العيش في حالة رعب غير مسبوق وغير محدد الوقت وتعتبر هذه الجريمة ضد الانسانية جمعاء كونها ممعنة في انتهاك حقوق الانسان وسلامته حتى ازداد عدد ضحايا الاختطاف والقتل خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة الى اكثر من (53000) شهيد مغدور حيث عثرت عليهم قوات الامن على جوانب الطريق وفي الانهر والخرائب.

ولا يخفى على القارئ الكريم ان الاختطاف ظاهرة حديثة العهد على مجتمعنا اذ عرفها ابناء وطننا ايام التصفيات السياسية لغرماء الانقلابيين قبل نيف واربعين عاما غير ان في هذه الايام انقسم الساعون الى الاختطاف الى صنفين.. الاول: لاغراض سياسية والثاني: من اجل الحصول على المال ابتزازاً.

النوع الاول يشمل رموز الدولة او ذويهم او ابناءهم او اشقاءهم او المرشحين للانتخابات او الفائزين بها او المتحالفين كمعارضة ضد الحكومة او المنافسين لها ولاسيما اثناء الدعاية الانتخابية. وفي ايامنا هذه قد حدث ويحدث كل يوم بسبب الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة وكذلك من قبل ضعاف النفوس واولئك الذين ادمنوا العفو وهم محترفون ومحكومون ليمسوا بين عشية وضحاها صيادي الابرياء ولاذنب لهم سوى انهم اغنياء (حسد عيشة) وقد يطلق الخاطفون سراح ضحاياهم احياء بعد ان يقبضوا ما اشترطوه من المال كفدية وعبر الهاتف يتم التفاوض ولكن حذاري من عواقب افشاء الاسرار وغالبا ما يستخدم الخاطفون اماكن غير مأهولة كمرائب السيارات والخرائب والمزارع النائية ولا يستبعد ان يقصدوا الصحراء للاختباء غير المألوف.
والغريب ان هؤلاء المجرمين لايحبذون الفدية الا بالدفاتر (الدولار) وهم على يقين بان ذوي المخطوف سوف يدفعون اي مبلغ نظير المحافظة على حياة المخطوف والا سوف ينتقمون.
اما النوع الثاني للخطف: هو لدواع سياسية محضة وتختلف اسبابها عن سابقتها ومعيار التفرقة هو اذا استهدف الخاطفون قادة سياسيين اوعسكريين او أحد رجال السلطة المتنفذين كالملك او الرئيس(شخصيا) او الوزير او المحافظ او احد نظرائه من الضيوف فتعتبر الجريمة ذات دوافع سياسية صرفة ومباشرة اما اذا استهدف ابن او بنت او زوجة احد رجال الدولة انفو الذكر فان الغاية منها هي وسيلة ضغط سياسية وشخصية لها اثرها العميق في نفس المعنى بالامر وذلك من اجل الرضوخ لمطالب الفاعلين كاعلان جهة ما مسؤوليتها عن هذا الاختطاف كرهينة لحين اطلاق سراح المعتقلين من انصارهم من الممكن ان تكون هذه بمثابة ورقة ضغط ضد الحكومة ولكنها في مضمونها مالاً يمس سيادة الدولة وهيبتها ورموزها السياسية وهي ليست مباشرة ويعتبر خطف الدوموورئيس الوزراء الايطالي من قبل الالوية الحمراء من النوع الاول لاسيما قد انتهت عملية الخطف الى القتل بناء على نصيحة المخطوف لعدم تلبية الحكومة الايطالية لمطاليب الخاطفين وفي ايطاليا ايضا تم اختطاف العديد من القضاة والمحققين ومدراء سجون نظير اطلاق سراح زعماء المافيا المقدمين للعدالة.

وقد تعرض المئات من ابناء شعبنا، من سياسيين وكتاب واساتذة جامعيين ومقاولين وعسكريين وحتى مواطنين عاديين الى الخطف لدوافع سياسية ولكنها ارهابية وابتزازية مادية بحتة ولم تنج منها سوى فئة قليلة عن طريق التفاوض تارة او تحريرهم من قبل قوات الامن.
واخيراً ان جريمة الاختطاف من الجرائم التي تعاقب وتصادق على ايقاعها جميع التشريعات العالمية بعقوبة سالبة للحرية بالسجن مدة تتراوح بين( 7 ـ 15) سنة وقد جرم قانون العقوبات العراقي الخاطف وفق المادة( 421 ق. ع) وهذا نصه (يعاقب بالحبس من قبض على شخص او حجزه او حرمه من حريته بأية وسيلة كانت بدون امر من سلطة مختصة في غير الاحوال التي تصرح فيها القوانين لانظمة بذلك) وفي المادة( 422 ق. ع) (من خطف بنفسه او بواسطة غيره بغير اكراه او حيلة حدثا لم يتم الثامنة عشرة من العمر يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمسة عشر عاما اذا كان المخطوف انثى او بالسجن مدة عشر سنوات اذا كان المخطوف ذكراً).

واذا وقع الخطف بطريقة الاكراه اوالحيلة وتوافرت فيه احد ظروف التشديد اعلاه تكون العقوبة السجن المؤبد اذا كان المخطوف انثى وبالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة اذا كان المخطوف ذكراً. اما ظروف التشديد المنصوص عليها للخطف هي ـ
1 ـ اذا حصل الفعل من شخصين تزيا بزي مستخدمي الحكومة من دون حق او حمل علامة رسمية مميزة لهم او اتصف بصفة عامة كاذبة او ابرز امرا مزورا بالقبض او بالحجز مدعيا صدوره من سلطة مختصة.
2 ـ اذ صحب الفعل تهديداً بالقتل او تعذيباً بدنياً او نفسياً.
3 ـ اذا وقع الفعل من شخص او اكثر من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً.
4 ـ اذا زادت مدة القبض او الحجز او الحرمان من الحرية على خمسة عشر يوماً.
5 ـ اذا كان الغرض من الفعل الكسب اوالاعتداء على عرض المجني عليه او الانتقام منه او بسبب ذلك.
6 ـ اذ وقع الفعل على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية وظيفته او عمله او بسبب ذلك.
وتنص المادة ( 423 ق. ع) من خطف بنفسه او بواسطة غيره بطريق الاكراه او الحيلة انثى اتمت الثانية عشرة من العمر يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة. واذا صحب الخطف وقاع على المجني عليها او الشروع فيه تكون العقوبة الاعدام او السجن المؤبد.

وهذه الاحكام قد جاءت لمعاقبة الخاطفين وردع غيرهم كما لم يغفل المشرع العراقي عن الجناة الذين تصحوا ضمائرهم ويرأفوا بحياة المخطوف او الذين يتراجعون عن فعلتهم ويعربون عن ندمهم لاقترافهم لهذه الافعال غير الانسانية كما في المادة( 424 ق. ع) فق: 1 ـ اذا لم يحدث الخاطف اذى بالمخطوف وتركه قبل انقضاء ثمان واربعين ساعة تكون العقوبة مالاتزيد عن سنة .
2 ـ ويعفى الجاني من العقاب في المواد السابقة ـ اذا تقدم الفاعل باختياره الى السلطات واعلمها بمكان وجود المخطوف قبل اكتشافها له وارشد عن المكان وعرف بالجناة الاخرين وترتب على ذلك انقاذ المخطوف والقبض على الجناة ـ وفي هذه الاحوال لاسيما اذا كان الهدف من وراء الخطف الكسب المادي فان لهذه الجريمة وقعاً اليماً في نفسية والدي المخطوف او زوجته او اطفاله وقد تسبب الوفاة او الجنون لاحد هؤلاء كما قد يصاب المخطوف شخصيا بامراض نفسية تهدد حياته المستقبلية.