النظريات العقدية (الديمقراطية).

بالرغم من أن أصحاب معظم هذه النظريات انطلقوا من فكرة مفترضة واحدة والمتمثلة في أن اتفاق وقع بين الأفراد للخروج من الحياة الفطرية إلى الحياة المنظمة هي أساس نشأة المجتمع السياسي أي الدولة، إلا أن كل فقيه له تصوره الخاص للحياة التي كان يعيشها الأفراد قبل العقد والأطراف المشاركة في العقد والآثار المترتبة عنه. وسيتم تفصيل ذلك من خلال أراء الفقهاء الثلاثة : هوبز ولوك وروسو.

الفرع الأول: نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز. (1588ـ 1679)

يعتبر توماس هوبز من أهم القائلين بفكرة العقد الاجتماعي كأساس للسلطة ولنشأة الدولة، فهو يرجع أصل الجماعة المنظمة إلى تعاقد الأفراد فيما بينهم، وأن التعاقد هو الذي نقل الأفراد من الحالة الطبيعية إلى مجتمع منظم تسود فيه طبقة حاكمة، وأن حالة الأفراد قبل العقد كانت فوضى واضطراب يسيطر فيها الأقوياء لكن حرص الفرد على البقاء وحب إشباع الحاجات والمصالح الذاتية ولد لديه الإحساس بضرورة التعاقد على أن يعيشوا معا تحت سلطان أو ملك واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية على أن يتولى حماية مصالحهم وليعيشوا في مجتمع منظم تسوده العدالة والمساواة، وعليه فهوبز يرى أن العقد تم بين الأفراد دون اشتراك الملك وعليه فهو صاحب سلطة مطلقة والأفراد ليس لهم حق المناقشة ولا مراقبة أو محاسبة الملك. ومنه فالنقد الموجه لهوبز يتمثل في أنه منح سلطات مطلقة للملك على حساب الشعب وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى الاستبداد.

الفرع الثاني: نظرية العقد السياسي لجون لوك. (1632ـ 1704 )

تتفق نظرة لوك مع هوبز في فكرة أن الأفراد كانوا في حالة الفطرة ثم انتقلوا إلى مجتمع منظم، لكن لوك يختلف عنه في تصوير حالة الأفراد في مرحلة الفطرة والتي يرى أنها لم تكن حالة فوضى بل كان يحكمها العدل والمساواة في ظل القانون الطبيعي، وإنما سبب إبرام العقد هو الرغبة في حياة أفضل وأكثر تنظيما عن طريق إقامة سلطة تحكمهم وتحميهم، كما يعتبر لوك أن الأفراد لم يتنازلوا عن جميع حقوقهم للحاكم الذي هو طرف في العقد إنما تنازلوا له عن جزء من حقوقهم فقط، وبذلك تصبح سلطة الملك مقيدة بما تضمنه العقد من التزامات، وإذا تجاوز الحاكم حدود الصلاحيات المخولة له فإنه يحق للشعب مقاومته وعزله.

الفرع الثالث: نظرية العقد الاجتماعي لروسو. (1712ـ 1778 )

يرى حون حاك روسو أن حياة الفطرة للأفراد كان يسودها الحرية المساواة غير أن هذه الحالة تغيرت بسبب تضارب المصالح وظهور الملكيات الخاصة والصناعة وازدياد الثروات واتساع مجالات الاختلاف والصراعات مما حول سعادة الأفراد إلى شقاء ودفع بالأغنياء على وجه الخصوص إلى التعاقد للقضاء على الخلافات والانتقال إلى حياة منظمة أفضل ومن خلال هذا العقد تنازل الأفراد عن جميع حقوقهم للمجتمع مقابل الحصول على الحقوق المدنية، وهكذا تسود المساواة والحرية والعدل في المجتمع المنظم، وما تجدر الإشارة إليه عند روسو أن الحاكم ليس طرفا في العقد إنما يحكم بإرادة الأمة فهو وكيلها ويحق لها عزله متى انحرف عن العقد ومما يمكن ذكره كذلك أن نظرية روسو أثرت كثيرا على رجال الثورة الفرنسية وترجمت في إعلانات الحقوق ودساتير ما بعد الثورة الفرنسية.

نقد النظريات العقدية: على الرغم من أن النظريات العقدية قد حققت أغراضها وكان لها أثر كبير على دساتير العديد من الدول وبخاصة فرنسا، إلا أنه وجهت لها عدة انتقادات أهمها:

1) ـ إن فكرة التعاقد الذي تم بين الأفراد للانتقال من حالة الفطرة إلى حالة المجتمع المنظم حسب ما ذهب إليه أصحاب هذه النظرية هو مجرد افتراض وفكرة خيالية لا سند لها في الواقع.

2) ـ إن النظرية العقدية عند هوبز وروسو تؤدي إلى تبرير السلطان المطلق للحكام وخضوع الأفراد لهم خضوعا كليا.

3) ـ إن إبرام العقد لإقامة نظام معين يتطلب وجود جماعة منظمة بشكل مسبق ونصوص قانونية تحدد حقوق وواجبات الطرفين، ولذلك فإن هذه النظرية تفتقر للإطار القانوني.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت