إخضاع العقود التي تبرمها المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري

يمكن القول أن المشرع عندما تبنى الموقف المعبر عنه في المرسوم الرئاسي 02-250 المعدل والمتمم، القاضي بإخضاع العقود التي تبرمها المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري عندما تكلف بإنجاز مشاريع استثمارية بمساهمة نهائية من ميزانية الدولة، لم يتوقع الآثار القانونية التي سوف تنجر عن ذلك على النظام القانوني العام القائم، لاسيما وأنه أخضع كل الصفقات العمومية مهما كانت طبيعة المصلحة المتعاقدة، لنفس إجراءات الإبرام والرقابة القبلية الداخلية والخارجية، وقصر في وضع نظام قانوني واضح لحل النزاعات السابق بيانه، مكتفيا بالنص على أنها تخضع للقواعد القانونية العامة التي يحتويها التشريع الساري المفعول.

هذا الموقف المكرس، أدى إلى خلق مشكل قانوني كبير حول تحديد الطبيعة القانونية لمختلف الأعمال الصادرة أثناء مراحل إبرام الصفقة وتنفيذها، واستخلاص النتائج القانونية المترتبة عنها، لاسيما تحديد الجهات القضائية المختصة في فض النزاعات التي قد تثور بمناسبتها، ذلك أن ما جاءت به المادتان 101 و102 من المرسوم الرئاسي 02-250 المعدل والمتمم، هو مصدر مشاكل قانونية هامة سوف تطرح على القضاء لا محالة، الذي سوف يكون مدعوا لتفسيرها وتحديد الطبيعة القانونية لكل من قرار المنح المؤقت والصفقة ذاتها.
ففيما يتعلق بقرار المنح المؤقت، تم تبيان أن مسألة تحديد طبيعته القانونية مسألة في غاية من الدقة، استدعت اللجوء إلى معرف النظرية العامة للقرار الإداري السائدة في المنظومة القانونية الجزائرية، والمعبر عنها من طرف النظام القانوني السائد، والذي يحظى بإجماع الفقهاء، بسبب الطبيعة القانونية لدعوى الإلغاء، التي ترمي إلى منازعة القرار الإداري ذاته، متى كان مشوبا بعيب.

لذا فإن المادة 101 من المرسوم الرئاسي 02-250، تعتبر مصدر مشكل آخر لأنها تجعل المنازعات التي قد تثور حول قرر المنح المؤقت مقسمة، ومن اختصاص عدة جهات قضائية، ففي بعض الحالات يرجع إلى الغرف الإدارية المحلية التي تصدر قرارا قابلا للإستئناف، أو أمام مجلس الدولة كأول وآخر درجة، وفي ذلك مساس بمبدأ المساواة وقواعد العدالة.

كما تثير إشكالات أخرى بنصها على إمكانية الطعن في قرار المنح المؤقت أمام لجان الصفقات العمومية، وذلك بالنظر إلى الطبيعة القانونية للعمل الناتج عن هذا الطعن، والذي تم تبيان أنه رأي مطابق، بالنظر لطابعه التنفيذي في مواجهة المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، التي تجد نفسها مجبرة على التقيد به من أجل الحصول على تأشيرة تنفيذ الصفقة.
وبالتالي يكون هذا الرأي قابلا للطعن فيه أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء، وبذلك فتحت المادة 101 من المرسوم الرئاسي 02-250 المجال لمنازعات غير منتظرة وغير مرغوب فيها.
لذا من الضروري مراجعة هذا المادة وإعادة صياغتها بطريقة أكثر دقة ووضوح تضمن تقديم حل للمشاكل المذكورة من خلال تحديد المقصود بالتشريع الساري المفعول، وهجر استعمال هذه الصيغة عن سن النصوص، بما يساهم في فض كامل ونهائي للمنازعات، وتفادي إثارة نزاعات متولدة عن تطبيق القانون نفسه.

أما فيما يتعلق بالصفقة المبرمة، فإن المادة 102 فأدت إلى تقسيم للمواقف الفقهية التي تباينت في تحديد طبيعتها القانونية، والتي يرتكز كل منها على أسانيد قانونية صلبة مدعمة باجتهادات قضائية صادرة عن الجهات العليا للسلطة القضائية، المنقسمة أصلا حول المسألة منذ زمن بعيد، كما سبق بيانه.

وما ساهم في زيادة هذا التباين في المواقف، هو أن نظرية العقد الإداري في الجزائر لا تحظى بنفس الإجماع الذي تحظى به نظرية القرار الإداري، نظرا للقواعد القانونية الموضوعية التي تخضع لها كل الصفقات العمومية بدون تمييز، المتسمة أساسا بكونها قواعد ذات طابع تنظيمي، أي قواعد من القانون العام.
فاتجاه متمسك بالمعيار المادي لتعريفه متأثر أساسا بالموقف المعبر عنه في الفقه والقضاء الفرنسيين، واتجاه متمسك بالمعيار العضوي المعبر عنه صراحة في المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية، بينما يستعمل اتجاه المعيارين معا في ذات التعريف، كما سبق بيانه.

كما ساهم المرسوم الرئاسي 02-250 في تناقض الموقف الذي اتخذه القضاء، على مستوى هرم التنظيم حول نفس الموضوع، والمدعو اليوم إلى اتخاذ قرار مبدئي يعبر فيه صراحة عن تكييفه للطبيعة القانونية لهذا النوع من الصفقات، وعن المكانة التي يتميز بها المعيار المادي في النظام القانوني.
فلهذه الأسباب يكون من الواجب أن يتوحد موقف القضاء حول الموضوع، ويتخذ موقفا لا رجعة فيه، يؤكد من خلاله توجهه والنظرية التي يتبناها، بما يسمح بتوضيح الرؤية للجميع قضاة، ممارسين، ومتقاضين.