اسس الدستور التونسي

التاريخ الدستوري

في أعقاب الاستقلال عن فرنسا سنة 1956 وخلع الباي التونسي، أصدرت الجمهورية التونسية دستورها في سنة 1959. وينص الدستور على صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية تشمل اختيار رئيس الوزراء، وتعيين أعضاء الحكومة، والحكم بالمراسيم في أثناء عطلة السلطة التشريعية. ولرئيس الجمهورية بصفته رأس السلطة التنفيذية نفوذ كبير على الحكومة وعلى رئيس الوزراء وعلى القوات المسلحة. وهو الذي يعيّن كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين بناء على توصية الحكومة.

الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية

يقسم الدستور التونسي السلطة التشريعية بين رئيس الجمهورية ومجلس تشريعي مؤلف من مجلسين هما: “مجلس المستشارين” و “مجلس النواب”. وينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي لمدة خمس سنوات. ويتزامن انتخابه مع انتخاب أعضاء مجلس النواب. ويتم استبدال نصف أعضاء مجلس المستشارين كل ثلاث سنوات. ويستطيع رئيس الجمهورية اقتراح التشريعات وإعادة مشاريع القوانين الى مجلس النواب لاعادة النظر فيها. ووفقا للدستور فإن القضاء مستقل، لكن رئيس الجمهورية يرأس مجلس القضاء الأعلى المسؤول عن تعيين جميع القضاة وعزلهم. والمجلس الدستوري هيئة استشارية مسؤولة عن تقرير دستورية التشريعات المقترحة. ويملك المجلس الدستوري سلطة تنحية رئيس الجمهورية إذا وجد أنه لا يصلح لأداء مهام منصبه، وفي هذه الحالة يصبح رئيس مجلس النواب رئيسا للجمهورية.

الأحكام الأساسية

رئيس الجمهورية هو الضامن للاستقلال الوطني ووحدة الأراضي التونسية واحترام الدستور والقوانين علاوة على ضمانه لتنفيذ القوانين والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات. وهو الذي يراقب الالتزام بالسلطات التي يمنحها الدستور ويحافظ على تماسك الدولة. وهو الذي يوجه السياسة العامة للدولة، ويحدد خياراتها الأساسية ويتواصل، عبر هذه المهمة، مع مجلس النواب. وهو الذي يبرم المعاهدات ويعلن الحرب ويعقد الصلح بموافقة مجلس النواب. ويتمتع رئيس الجمهورية بحصانة قضائية عن جميع تصرفاته أثناء توليه الحكم.

يحق لرئيس الجمهورية أن يعرض على الاستفتاء العام أي مشروع قانون يتعلق بتنظيم السلطات العامة أو يهدف إلى التصديق على معاهدة غير مناقضة للدستور ولكنها قد تؤثر في أداء المؤسسات الحكومية. وإذا أقر الاستفتاء العام مشروع القانون يصدره رئيس الجمهورية في مدة أقصاها خمسة عشر يوما.

عندما يكون مجلس النواب في إجازة يحق لرئيس الجمهورية إصدار مراسيم يكون لها قوة القانون. ولكن عليه التشاور مع اللجنة البرلمانية الدائمة المعنية بموضوع القانون الذي سيصدره بمرسوم قبل إصداره.

يحق لرئيس الجمهورية في حال وجود خطر داهم يتهدد مؤسسات الجمهورية ويهدد أمن البلاد واستقلالها أن يتخذ “إجراءات استثنائية” بعد التشاور مع رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب. ولا يحق لرئيس الجمهورية في أثناء هذه الفترة حل البرلمان، كما لا يجوز تقديم أي اقتراح بإسقاط الحكومة. وينتفي مفعول هذه الإجراءات فور زوال الظروف التي أدت إلى اعتمادها. وعند زوال الظروف الاستثنائية يوجه رئيس الجمهورية خطابا إلى البرلمان بهذا الخصوص.

الحقوق المدنية

يتيح الدستور الحريات الفردية في سياق النظام العام. وينص على حرية ممارسة الشعائر الدينية شرط ألا يعكر صفو النظام العام. كما ينص على انه لا يحد من ممارسة المواطنين لحقوقهم سوى القانون الذي سنّ لحماية الآخرين، ولاحترام النظام العام، ولضرورات الدفاع عن البلاد وتطوير الاقتصاد والتقدم الاجتماعي. ويكفل الدستور تحت سقف القانون وفي حدوده حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات والروابط الأهلية. وتعرّف المادة السابعة من الدستور الظروف التي تقيد ممارسة الحريات الفردية. وتشمل هذه الظروف “حماية الآخرين، واحترام النظام العام، والدفاع الوطني، وتطوير الاقتصاد والتقدم الاجتماعي”.

حق تأسيس النقابات مكفول دستوريا. ويحوي الدستور نصوصا تراعي حرمة البيوت وسرية المراسلات وافتراض براءة المتهم حتى يثبت العكس، والملكية الخاصة، وواجب الدفاع عن الوطن ودفع الضرائب.

المحكمة الدستورية

تم تأسيس المجلس الدستوري سنة 1987 للتأكد من توافق التشريعات التي تسن مع الدستور. وأصبحت أحكام المجلس الدستوري ملزمة نتيجة تعديل ادخل على الدستور سنة 1999. ويفصل مجلس شورى الدولة في المنازعات القائمة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية. ويضم هذا المجلس محكمة لتدقيق الحسابات. المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تمت توسعته سنة 1988 هو هيئة استشارية تهتم بشؤون التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.

التعديلات والإجراءات الدستورية

نص تعديل دستوري صدر في عام 1969 على تعيين رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية يكون له الحق في تولي رئاسة الجمهورية في حال وفاة رئيس الجمهورية أو إصابته بعجز يمنعه من أداء مهامه. بناء على هذا التعديل الدستوري، حل سنة 1987 زين العابدين بن علي، بصفته رئيس الوزراء وله حق دستوري بخلافة رئيس الجمهورية، محل الحبيب بورقيبة بعد إعلانه أن بورقيبة فقد قدرته العقلية على إدارة الحكم. وتم بعد ذلك إجراء تعديلات دستورية ألغت مبدأ الرئاسة مدى الحياة الذي منح لبورقيبة في سنة 1975. ويسمح التعديل الذي أقرّ في 12 تموز/يوليو 1988 لرئيس الجمهورية بتولي الحكم لثلاث ولايات مدة كل منها خمس سنوات. لكن لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس النواب حق المبادرة باقتراح تعديل على الدستور. وتم تعديل الدستور التونسي مرات عدة بعد سنة 1991 ما ترك تأثيرا كبيرا في تنظيم الانتخابات ومجلس النواب وأهلية رئيس الجمهورية. وتم عام 1999 تخفيف بعض القيود عن الترشيح لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي سمح لمرشحي المعارضة بالتنافس على الانتخابات الرئاسية.

تم في 26 أيار/مايو 2002 إقرار حزمة كاسحة من التعديلات الدستورية حيث عدّلت 38 مادة من مواد الدستور البالغ عددها 78 مادة. وألغت التعديلات عدد الولايات التي يحق لرئيس الجمهورية تولي الحكم فيها، ورفعت سقف السن الذي يؤهل الشخص لمنصب رئيس الجمهورية من 70 إلى 75 سنة. ونصت التعديلات على تأسيس غرفة عليا للبرلمان هي “مجلس المستشارين” فتحول البرلمان التونسي إلى هيئة تشريعية من مجلسين. ووسعت الإصلاحات الدستورية نطاق الحريات المدنية، وأدخلت التسامح وحقوق الانسان في الدستور، واشترطت موافقة القضاء على أي اعتقالات “وقائية”، ونصت على توفير ضمان المعاملة الانسانية للسجناء. ومن ناحية أخرى، تمت توسعة المادة التي كانت تجبر جميع المواطنين على المشاركة في الدفاع الوطني لتصبح على النحو التالي: يفرض على جميع المواطنين الدفاع عن استقلال تونس وعن سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها. ويخشى الناشطون السياسيون من استخدام الصياغة الجديدة ضد من ينتقدون النظام التونسي وسياساته في الصحف والمجلات المحلية أو الأجنبية.

الاتفاقيات الدولية

تونس طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.