تفاصيل عن جريمة الإجهاض في القانون المغربي

ظروف التشديد في جريمة الإجهاض

شدد المشرع المغربي عقوبة جريمة الإجهاض إذا اقترنت بظرفين اثنين أساسيين هما : موت المرأة الحامل ( المطلب الأول ) واعتياد الجاني على الإجهاض ( المطلب الثاني ). كما يتضح هذا الموقف المتشدد في نطاق أعمال المساعدة والتحريض على الإجهاض ( المطلب الثالث ).

المطلب الأول : موت المجني عليها ( الحامل )

إذا ترتب عن الإجهاض موت المرأة الحامل فإن العقوبة – بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 449 ق . ج – تكون هي السجن من عشر إلى عشرين سنة . وسواء تم الإجهاض بموافقة المرأة الحامل – المجني عليها – أو بدون موافقتها، فالعقوبة المشددة تطبق في كلا الحالتين . ويطبق هذا الظرف المشدد أيضا على المحرضين ( م 455 ق . ج ) والمساعدين

( م : 451 ق . ج ).

وعاقب المشرع المساعدة على الإجهاض بالعقوبات المقررة في الفصلين 449 و 450 من المجموعة، وبحسب الأحوال، الأطباء والجراحين وملاحظي الصحة، وأطباء الأسنان أو الصيدلة، وعمال الصيدليات، والعشابون والمضمدون وبائعوا الأدوات الجراحية والممرضون، والمدلكون والمعالجون بالتسبب والقابلات العرفية إذا هم أرشدوا إلى وسائل تحدث الإجهاض أو نصحوا باستعمالها أو باشروها بالفعل ( م 451 ق . ج ).

كما يحكم على من قام بالمساعدة طبقا للفصل السابق علاوة على تلك العقوبة، الحرمان من مزاولة المهنة إما بصفة نهائية وإما لمدة محدودة ( م 87 ق . ج ).

وبمقتضى الفقرة الثانية من المادة 455 ( المعدل ) عاقب المشرع بالحبس من شهرين إلى سنتين وغرامة أو بإحدى العقوبتين فقط طائفة من المساعدين على الإجهاض وهم باعة الأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء السابقة أو العاملين على بيعها على موزعيها

أو العاملين على توزيعها بأي وسيلة كانت، شريطة أن يكونوا عالمين بأنها معدة للإجهاض حتى ولو كانت هذه الأدوية أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل على أنها فعالة في الإجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه .

وبمقتضى الفقرة الثالثة من ذات المادة (455) نص المشرع على أنه إذا تحققت جريمة الإجهاض على إثر العمليات والأعمال المشار إليها في الفقرة الثانية، فإن الفاعلين يعاقبون بالعقوبات المقررة في المادة 449 من ق . ج، ومعنى ذلك أنهم يتعرضون للعقاب المشدد لجريمة الإجهاض إذا حدث وفاة المرأة المجهضة، أو كان هؤلاء البائعون أو العارضون أو الموزعون للأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء يمارسون العرض أو التوزيع أو البيع بكيفية معتادة .

أما المحرضون على الإجهاض فقد عاقبهم المشرع في المادة 455/1 بالحبس شهرين إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وهذه العقوبة واجبة كيفما كانت طريقة التحريض . وبغض النظر عن النتيجة التي أدت إليها أي سواء وقع الإجهاض فعلا أو لم يقع .

ويتضح من المادتين 451 و 455 ق . ج لم يلتزم فيهما بأحكام المشاركة المقررة في المادة 129 من ق . ج، وذلك لأن صور المساعدة أو التحريض فيهما أوسع نطاقا من تلك التي أتى بها في الفصل 129 من جهة، ومن جهة أخرى فالمؤكد هو أن المساعدة على الإجهاض بالتحريض أو الإرشاد أو بيع الأدوية أو الأدوات أو غيرها من الأشياء التي يكون معلوما أنها ستستعمل في الإجهاض معاقبة بغض النظر عن ارتكاب الفاعل الأصلي للإجهاض – أو محاولته – بالفعل من عدمه، وهذا عكس الحكم المطبق على الشريك طبقا لأحكام المشاركة بصفة عامة والتي لا يعاقب في ضوئها الفاعل الثانوي إلا إذا كان هناك فاعل أصلي ارتكب الجريمة ( التامة أو في صورة محاولتها ) بالفعل .

وكما هو واضح أيضا فإن القانون تحوط لأمثال هؤلاء المجرمين الذين يرتكبون جرائم الإجهاض فاعتبر أن الحكم بالمؤاخذة في حق هؤلاء ينتج عنه وبحكم القانون الحرمان من مزاولة أية وظيفة أو القيام بأي عمل وبأية صفة كانت في مصحة أو دار للولادة أو في أي مؤسسة عامة أو خاصة تستقبل عادة – سواء بمقابل أو بغير مقابل – نساء في حالة حمل حقيقي أو ظاهر أو مفترض أيا كان عددهن، ونبه المشرع إلى أن الحرمان يطال المحكوم عليه من أجل محاولة الجريمة أو المشاركة فيها ( م 456 ق . ج ) كما أن كل خرق أو مخالفة للحرمان من المهنة السابقة، زجره المشرع بعقوبة حبسية ومالية،

أو بإحداهن فقط طبقا للفصل 458 ق . ج . وزيادة في الاحتياط ومحاربة هذه الجرائم، أمام كثرة الأطر الطبية الأجنبية التي يعود إليها في الغالب التخصص في مجال أمراض النساء والتوليد والعاملين قرر المشرع حرمان الشخص من ممارسة المهن الطبية بالمغرب حتى ولو كان قد صدر الحكم عليه من طرف قضاء أجنبي بالمؤاخذة عن جريمة تدخل طبقا للقانون المغربي تحت مقتضيات الجرائم المعاقب عليها بالفصول 449 إلى 458 من القانون الجنائي، فخول محكمة الجنح التأديبية التي يقيم بدائرتها المحكوم عليه – بناء على طلب النيابة العامة – وبعد استدعاء قانوني موجه لصاحب الشأن أن تصرح مجتمعة في غرفة المشورة بانطباق الحرمان المقرر في الفصل 456 ق . ج . وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وغرامة مالية من 200 إلى 1000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط .

المطلب الثاني : اعتياد الجاني على الإجهاض

ورد في النص على هذه الحالة في المادة : 450 التي جاء فيها : ” إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في المادة السابقة بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى من ف 449 ، وتكون العقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من ف 449.

وفي الحالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط – حسب هذا الفصل أو الفصل 449 – فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم عليه بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 ق . ج . وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر “.

وقد قصد المشرع من هذا التشديد، الضرب على أيدي الجناة الذين يتجاسرون على تكرار القيام بإجهاض الحوامل والاعتياد على ذلك . هذا ولم يحدد المشرع عدد المرات التي يتحقق بها الاعتياد، وأقل درجة من الاعتياد مرتين، ويبقى الأمر متروكا لتقدير القضاء الذي يتحقق من قيام عنصر الاعتياد بالنسبة لكل متهم حسب ظروف وملابسات كل قضية على حدة .

و الجدير بالذكر والتنبيه أن هذا الظرف لا يسري إلا في حق الجاني من الغير، أما إذا أجهضت الأم نفسها عدة مرات . فلا يتوافر في حقها هذا الظرف المشدد، لأن هذا النص يستهدف بالأساس مواجهة أولئك الذين يحترفون الإجهاض ويشجعون عليه .

وتختلف العقوبة المقررة في هذه الحالة بحسب موت الأم الحامل أو عدم موتها، فإن ماتت، فالعقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة، أما إذا لم تمت فإن عقوبة الحبس – المنصوص عليها في الفقرة 1 من ف : 449 – تضاعف لتصل إلى عشر سنوات فضلا عن غرامة يصل حدها الأقصى إلى ألف درهم .

ومعنى ذلك أن العقوبة تشتد إلى الضعف وقد تصل بالسجن إلى ثلاثين سنة إذا ماتت الأم عندما يكون الجاني معتادا على أفعال الإجهاض ولكن كيف يكون الشخص معتادا على الإجهاض؟

وكما يعبر النص إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس هذه الأفعال بصفة معتادة فالاعتياد هو الاحتراف، والاحتراف يعني أن الشخص يعول في معاشه على هذا العمل ولكن هذا المعنى يتجاوز حدود النص لأن المشرع يقصد من ورائه الضرب على أيد هؤلاء الذين يعملون على تكرار هذه الأفعال والاعتياد عليها سواء عول في معاشه على هذه الأفعال أو لم يعول عليها .

فقد يعول في معاشه على أعمال أخرى إلى جانب أفعال الإجهاض ولكنه مع ذلك يعد معتادا أو يسأل عن الظرف المشدد .

وأقل درجة من الاعتياد مرتين أي أنه يأتي الجاني أفعال الإجهاض مرتين وذلك ما ذهب إليه القضاء الفرنسي ولا يعني ذلك أنه يجب إدانة الشخص مرتين في جريمة الإجهاض وفي الثانية لتشديد العقاب إجمالا لهذا الظرف، بل كما ذهب الفقه إلى أنه إذا سبق إدانة الشخص في جريمة إجهاض وقدم إلى المحاكمة بجريمة مماثلة لكان من المتعين أخذه بهذا الظرف المتشدد عند محاكمته الثانية وهذا هو معنى الاعتياد ولم نقف على تطبيق قضائي مغربي في هذا الخصوص ومع ذلك فنحن نميل إلى الأخذ بالتفسير الفرنسي سالف البيان لأن تكرار الفعل أكثر من مرة يعني اعتياد صاحبه على إتيانه وبالتالي يؤخذ بهذه العقوبة المشددة لدى التكرار الذي يتوافر به معنى ممارسة أفعال الإجهاض بصفة اعتيادية .

وهذا الظرف لا يسري إلا في حق الجاني من الغير أما إذا أجهضت الأم نفسها عدة مرات فلا يتوفر في حقها هذا الظرف المتشدد، لأن هذا النص يستهدف مواجهة أولئك الذين يحترفون ويشجعون بخبراتهم على إجهاض الحوامل، كما سبقت الإشارة إليه .

المطلب الثالث : المساعدة والتحريض على الإجهاض

لقد تشدد المشرع المغربي في العقاب على أعمال التحريض والمساعدة على الإجهاض حيث نص الفصل 451 ق . ج على أن : ” الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة وأطباء الأسنان والقابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيدلة وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون وبائعو الأدوات الجراحية والممرضون والمدلكون والمعالجون بالتسبب والقابلات العرفية، الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرون، يعاقبون بالعقوبات المقررة في أحد الفصلين 449 و 450 من القانون الجنائي على حسب الأحوال . ويحكم على مرتكب الجريمة علاوة على ذلك الحرمان من مزاولة المهنة المقررة في الفصل 87 إما بصفة نهائية أو لمدة محدودة .

إن هذا الفصل يحدد أصحاب الصفات الذين إذا مارسوا الإجهاض شدد العقوبة عليهم، وهو يعتبر مرتكبا للفعل الجرمي ليس فقط من يقوم بالإجهاض بل أيضا ” الذين يرشدون إلى وسائل الإجهاض أو ينصحون باستعمالها ” ولا يعتبرهم مشاركين فقط في الجريمة، بل مساهمين فيها .

وهذا ينطوي على الخروج عن الأحكام المتعلقة بالمشاركة ( ف 129 ق . ج ) ، ذلك أن مجرد النصح والمشورة يجعل من هؤلاء شركاء لا فاعلين، كما أن المشارك لا يعاقب استنادا إلى القواعد العامة إلا إذا نفذ الفاعل الأصلي الجريمة فعلا، في حين يعاقب المساعد في جريمة الإجهاض ولو لم تنفذ فعلا .

وعلة التشديد على أصحاب هذه الصفات – على ما يبدو – السهولة التي يصادفها هؤلاء في تحقيق غرضهم من خلال الاستفادة من خبراتهم الفنية ووسائلهم المتاحة التي تيسر لهم ارتكاب الجريمة، وتمكنهم في الوقت نفسه من الإثراء والكسب غير الشريف على حساب النساء الحوامل .

وبالنسبة للتحريض على الإجهاض، فقد عاقبت عليه المادة 455/ فق 1- بالحبس من شهرين إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 2000 درهم أو بإحدى العقوبتين وتطبق هذه العقوبة ولو لم يؤد التحريض إلى نتيجة .

وزيادة في التشديد اتجاه الجناة الذين يقترفون جريمة الإجهاض أو يساعدون على ارتكابها بالتحريض أو بيع الأدوية أو الأدوات التي تستعمل لهذا الغرض اعتبر المشرع أن إدانة هؤلاء يترتب عنها – بحكم القانون – الحرمان من مزاولة أية وظيفة أو القيام بأي عمل وبأية صفة كانت، في مصحة أو دار للولادة أو في أي مؤسسة عامة أو خاصة تستقبل عادة – سواء بمقابل أو بغير ذلك – نساء في حالة حمل حقيقي أو ظاهر أو مفترض أيا كان عددهن، وهذا الحرمان يطال المحكوم عليه من أجل محاولة الجريمة أو المشاركة فيها ( ف 456 ق . ج ).

وكل من خالف الحرمان من مزاولة المهنة – المقررة في الفصلين 456 و 457 – يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 .إلى 1000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين