مفهوم قضاء الإلغاء

يقصد بقضاء الالغاء هو الطعن في قرار اداري معين وطلب الغائه بسبب عدم مشروعيته، وتعدّ دعوى الالغاء او تجاوز السلطة من اهم دعاوى القضاء الاداري وتحظى باهمية خاصة في النظام الفرنسي بوصفها دعوى القانون العام فهي اخطر واهم وسائل حماية مبدأ المشروعية لانها تؤدي الى ترتيب بوصفة جزاء يصيب القرار الاداري المخالف للقانون.

بلغ اعتزاز مجلس الدولة الفرنسي بدعوى الالغاء الحد الذي قرر فيه ان النص في التشريع على منع الدعاوى المدنية والادارية بشأن عمل معين لا ينصرف الى دعوى الالغاء واذا كان المنع يراد به منع جميع الدعاوى فانه يستثنى من ذلك دعوى الالغاء لان هذه الدعوى مقررة بمقتضى مبدأ عام حماية لمبدأ المشروعية. ظهرت دعوى الالغاء في فرنسا بوصفها دعوى قضائية منذ حصول مجلس الولة الفرنسي على ولاية القضاء المفوض او البات عام 1872 وقد كانت في بدايتها عبارة عن تظلم اداري رئاسي.

وقد ظلت هذه الدعوى من تخصص مجلس الدولة لوحده الى ان اصبحت المحاكم الادارية هي صاحبة التخصص في نظر المنازعات الادارية بمقتضى المرسوم الصادر في 30 ايلول عام 1953 ، وكان لمجلس الدولة الفرنسي الدور الاكبر في وضع القواعد والاحكام المنظمة لدعوى الالغاء برغم ان المشرع الفرنسي قد تدخل في احيان عدة لتنظيم وتحديد هذه القواعد والاحكام .

لكن دعوى الالغاء في مصر كانت تعد من صنع المشرع اذ نص عليها لاول مرة في قانون انشاء مجلس الدولة المصري عام 1946 بوصفه صدى لاهتمام القضاء الفرنسي بها والنجاح الذي حققته في فرنسا.

اما في العراق الاتحادي فقد انعقد التخصص بنظر الطعون المتعلقة بالغاء الاوامر والقرارات الادارية المخالفة للقانون لمحكمة القضاء الاداري التي انشأها المشرع بموجب قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة عام 1989 فقطع بذلك الجدل حول صلاحية القضاء العادي – قبل صدور القانون المذكور – في الغاء القرارات الادارية من جهة وتردد القضاء العادي في ممارسة هذه الصلاحية من جهة اخرى فقد اعتمد المشرع والقضاء العراقيين دعوى منع المعارضة كمحاولة لسد فراغ افتقاد النظام القضائي الاتحادي آنذاك لدعوى الالغاء وتستهدف هذه الدعوى منع معارضة السلطة الادارية التي اصدرت ىالقرار للمدعي من القيام بالعمل موضوع الدعوى عن طريق تجريد القرار الاداري المخالف للقانون من قوته التنفيذية الا ان حكم المعارضة لا يلغي القرار المخالف وانما يمتنع القاضي عن تطبيقه في المنازعة المعروضة امامه فقط ولذلك فان هذا الحكم يتمتع بحجية نسبية وليست مطلقة استنادا الى المادة 11 / الفقرة 2 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969.

وتنفرد دعوى الالغاء بحكم طبيعتها وبوصفها وسيلة لتحقيق المشروعية وحمايتها بمجموعة من الخصائص تمنحها التفوق والامتياز على سواها من الدعاوى الاخرى، فهي دعوى تتصل بالنظام العام او انها دعوى القانون العام بمعنى ان لها صفة عامة بحيث يكون للمدعي ان يوجه الطعن بالالغاء ضد القرارات الادارية كافة من دون اشتراط نص يقضي بذلك.

وتذهب احكام القضاء الاداري الفرنسي الى انه حتى اذا وجد حظر عام يفاد منه عدم قابلية بعض القرارات للطعن فينبغي ان يفسر ذلك بان المقصود من هذا الحظر هو تحصين القرارات الادارية ضد الدعاوى كافة باستثناء دعوى الالغاء ، ويترتب على اتصل دعوى الالغاء بالنظام العام انه لا يستطيع احد التنازل عن حقه في الطعن بالالغاء سلفا والا يعد هذا التنازل باطلا لكن ذلك لايمنع المدعي من التنازل عن دعواه بعد رفعها.

وتعدّ دعوى الالغاء دعوى قضائية بعد ان تطورت في ظل قضاء مجلس الدولة الفرنسي من تظلم اداري رئاسي الى دعوى قضائية، كما وتعدّ دعوى الالغاء دعوى موضوعية عينية فهي لا ترمي الى حماية حق شخصي وانما تستهدف حماية مبدأ المشروعية والدفاع عن سيادة القانون عن طريق الغاء الاعمال غير المشروعة التي تصدر عن الارادة فمهمة القاضي في هذه الدعوى البحث في مشروعية العمل او القرار الاداري بغض النظر عن الحقوق الشخصية للمدعي وبذلك تختلف دعوى الالغاء عن دعوى القضاء الكامل التي تعد دعوى شخصية او دعوى استحقاق اساسها اعتداء الادارة على شخص المدعي .

ويترتب على اعتبار دعوى الالغاء دعوى موضوعية انه يكتفي لقبولها بتوافر مصلحة عادية حتى ولو كانت لا ترقى الى مستوى الحق الشخصي بخلاف دعوى القضاء الكامل التي يشترط لقبولها المساس بحق شخصي للمدعي ، كما ان دعوى الالغاء تأسست على مخالفة الادارة بواسطة القرار الذي تصدره لقاعدة قانونية وليس لعقد. وتقتصر سلطة القاضي في دعوى الالغاء على الحكم بتعديل القرار الاداري المخالف للقانون في حين يستطيع القاضي في دعوى القضاء الكامل الحكم بتعديل القرار الاداري او بالتعويض عن الاضرار التي الحقها القرار بالمدعي وذلك بسبب ان دعوى الالغاء هي دعوى مشروعية يقتصر مداها على فحص مدى مطابقة القرار المطلوب الغاؤه للقانون.

واخيرا، فان الاحكام الصادرة في دعوى الالغاء تتصف بالحجية المطلقة في مواجهة الكافة وليس بالحجية النسبية في مواجهة اطراف الخصومة فحسب كما في الحكم الصادر في دعوى القضاء الكامل.

المحامية: ورود فخري