بحث قانوني هام عن تعريف الخطر و شروطه القانونية في عقد التأمين

عمل الطالبة :-
صوفيا حسن الشواربة

بإشراف الدكتور:- فايز بصبوص –

– المبحث :- التشريع في عقود النقل والتأمين

المقدمة :-

منذ أن بدأت الحياة على الأرض والإنسان ينشد الأمن ويسعى للحد من المخاطر ولهذا السبب نشأة المجتمعات الإنسانية الأولى وتطورت إلى أن وصلت لشكل الدولة , وفي العصر الحديث ظهر نظام التأمين ليحد من المخاطر ويزيد من الشعور بالآمن والاستقرار ,وتبرز أهمية دراسة الخطر في كونه العنصر الرئيس الذي شرع التأمين من أجله فهو المحدد لمحل التزام المؤمن والمحدد لمحل التزام المؤمن له
مثل أن يلتزم المؤمن له في عقد التأمين على الحياة بواجب الإفصاح عن جميع البيانات والمعلومات عن ظروف المؤمن له الصحية والمخاطر التي تحيط به و التي قد تؤثر على حياة الإنسان وعمره وتقرب من احتمال وقوع الخطر المؤمن منه وهو الوفاة ، إن إحاطة المؤمن بالمعلومات والبيانات الكاملة التي من شأنها تغيير محل الخطر يمكنه من تحديد القسط الواجب دفعه من قبل المؤمن بشكل دقيق بناء على الدراسات الإحصائية والقوائم المعدة لهذه الغاية.

المطلب الأول : الخطر كمحل في عقد التامين

ركن الشيء بصفة عامة هو ما توقف الشيء على وجوده وكان جزءا من حقيقته بحيث انه إذا تخلف ركن الشيء تخلف وجود الشيء ذاته .
وإذا ما نحن علمنا حقيقة الركن على النحو السابق فانه يمكن القول بان للتامين أركانه التي لا يتصور وجوده إذا تخلف أي منها وهي :
أولا : الخطر المؤمن منه والذي يعتبر محل عقد التامين ككل.
ثانيا : القسط الذي يلتزم المؤمن له بدفعه إلى المؤمن مقابل قيام الأخير بضمان الخطر المؤمن منه والتي يعتبر محل التزام المؤمن .
ثالثا: تقدمة المؤمن وهي مايلتزم به المؤمن في مواجهة المؤمن له عند تحقق الخطر المؤمن منه والتي يعتبر محل التزام المؤمن .
وقد اتفق الفقهاء على اعتبار الأركان الثلاثة السابقة ( الخطر – القسط – تقدمة المؤمن ) من أركان التامين عموما أي من أركان كل نوع من أنواع التامين سواء أكان تأمينا على الأشخاص أم على الأضرار .(1)
فالخطر هو محل التأمين وهو الذي يحدد محال الالتزامات الناشئة عن هذا العقد . والواقع انه لولا الخطر لما كان التامين ليوجد إلا لتغطية الخطر كما أن زوال الخطر أثناء تنفيذ عقد التامين يؤدي تلقائيا إلى انقضاء هذا العقد.

(1) جلال إبراهيم ص129 التامين

أولا :- تعريف الخطر
للخطر على نطاق التامين معان مخنلفة اهمها وهو الذي تعنيه الكلمة عند اطلاقها دون تحديد أن الخطر حادثة فيقال على هذا المعنى أن الخطر المؤمن منه او ضده هو السرقة او الحريق او الوفاة او المسؤلية وهكذا فهو يعني بهذا المعنى الحادثة التي يخشى المرء وقوعها ويبرم عقد ليؤمن نفسه ضد هذا الوقوع.(1)
لقد تعددت تعريفات الفقه معنى الخطر في مجال التامين فقد عرفه الفقيهان بلانيول وربير : بانه وقوع حادثة يترتب على تحققه ان يوفي المؤمن بما التزم به , كما أن الفقيهان بيكار وبيسون قالا ان الخطر هو حادث متوقع الوقوع لا يتوقف تحققه على ارادة الطرفين وحدهما وعلى الخصوص ارادة المؤمن له , اما تعرف الفقه العربي فقال هو واقعة مستقبلية غير محققة الوقوع يترتب على وقوعها التزام المؤمن بالاداء المتفق عليه في العقد للمؤمن له او للمستفيد من لتامين بشرط الا يكون لمؤمن ه او المستفيد يد في وقوعها.(2)
ويمكن تعريف الخطر بانه حادثة محتملة الوقوع لا يتوقف تحققها على محض ارادة احد المتعاقدين وحدها وعلى الخصوص ارادة المؤمن له وهي حادثة اذا تحققت تمس حقوق هذا الاخير المالية منها وغير المالية .(3)

(1)جلال ابراهيم ص130
(2)دعبدالقادر العطير ص142
(3)احمد شرف الدين ص115

ثانيا :- شروط الخطر
اجمع الفقه على تعريفات الخطر بأنه حادثة احتمالية لا يتوقف تحققها على محض ارادة احد الطرفين خاصة ارادة المؤمن له . زمن هذا التعريف يتضح انه لكي تعتبر حادثة ما خطرا وبالتالي يجوز التامين منها فانه يجب ان يتوافر لها الشروط التالية :

اولا:- ان تكون حادثة احتمالية اي غير مؤكدة الوقوع
وعلى ذلك فان الحادث المؤمن ضد وقوعه يجب ألا يكون مؤكد بل محتمل الوقوع مستقبلا , بمعنى انه قد يقع أو لا يقع خلال الفترة التي يغطيها عقد التأمين لكن مع ذلك يجب ألا يكون حادثا سعيدا كالتامين لمواجهة الزواج قبل سن معينة أو كتامين الإنجاب والمهر والحياة أو قد يكون حادثا سيئا كالحرق والسرقة والإصابة
ولذا يقوم التامين على فكرة الاحتمال وان الاحتمال هو العنصر الأساسي في مفهوم الخطر القابل للتأمين عليه فان تحقق الخطر يجب أن لا يكون مؤكدا ولا مستحيلا –لأنه في هذه الحالة الأخيرة يكون محل العقد مستحيل وبالتالي العقد باطل- إنما يجب أن يكون في دائرة الاحتمال أي انه قد يقع وقد لا يقع خلال فترة التأمين سواء كان هذا الخطر سعيدا أم سيئا
كما يجب أن تبقى الاحتمالية متوافرة ابتدءا عند انعقاد العقد ومستمرة طوال فترة تنفيذه فمن امن على منزله من السرقة لمدة سنه وتدمر هذا المنزل بعد 3 شهور بفعل زلزال فان المؤمن له لا يلتزم بدفع أقساط السنة كاملة بل يحتفظ المؤمن بأقساط الثلاث الشهور الأولى فقط لان تحقق الخطر أصبح مستحيلا بعد أن تم تدمير هذا المنزل.
ومن الجائز التأمين على الحوادث المستقبلية كالتأمين على الأرباح المستقبلية لكن يجب أن يكون الخطر مستقبلا فعلا ولم يتحقق أو يزل
وتجدر الإشارة أن الاحتمالية هي النسبة التي تعتمد عليها شركات التأمين في تحديدها لقسط التأمين الواجب استيفاؤه.

ثانيا:الا يتوقف وقوع الخطر على محض ارادة احدالطرفين
ان العنصر الاساسي في الخطر هو عنصر الاحتمال او عدم التاكد او الشك فاذا انتفى هذا العنصر انتفى الخطر وبانتفاء الخطر تنتفي الحاجة الى وجود التامين لانعدام محله وعلى ذلك إذا تعلق وقوع الخطر بإرادة احد طرفي عقد التامين انتفى عنصر الاحتمال لان تحقق الخطر يصبح رهنا بمشيئة احد الطرفين فان تعلق وقوع الخطر بمشئة احد المؤمن فانه يعمل على عدم وقوعه حتى لا يدفع مقابل التامين وهو أمر نادر في الواقع العلمي أما اذا تعلق وقوع الخطر بارادة المؤمن له وهو الاعم الاغلب فانه يلجا الى العمل على وقوع الحدث حتى يقبض مقابل التامين وهو أمر مناقض للقانون وعليه فان وقوع الخطر يجب ألا يكون معلقا على إرادة احد الطرفين في العقد بل يجب ان يتدخل فيه عامل الصدفة سواء اكان هذا العامل ناجما بفعل الطبيعة او المصادفة او فعل الغير . إذا تعلق تحقق الخطر على احد طرفي العقد انتفى عنصر الاحتمال فإذا تعلق بإرادة المؤمن فانه سيعمل على عدم تحققه من اجل أن لا يلزم بدفع مقابل التأمين وإذا تعلق بإرادة المؤمن له فانه سيعمل على تحقيق الخطر من اجل أن يقبض مبلغ التأمين وهذا منافي للنظام العام

لكل ما تقدم يجب أن لا يتعلق تحقق الخطر بإرادة احد الطرفين إنما يجب أن يدخل فيه عامل الصدفة والمفاجئة القدرية
ويتبع ذلك القول بعدم جواز تأمين الشخص نفسه من خطئه العمدي والخطأ العمدي هو
العمل الذي يقوم به المؤمن له من اجل تحقيق الخطر وهو لا يعد عنصرا في تكوين الخطر في المفهوم التأميني لأنه يجعل الخطر حدثا مؤكد الوقوع وينفي عنه صفة الاحتمال وهو ما يتنافى وجوهر فكرة التأمين وفيه تشجيع على الأضرار بالناس اعتمادا على الغطاء التأميني وهذا يضر بالمجتمع ويخالف النظام العام وينافي الأخلاق كما يستحيل حساب احتمالات وقوعه من الناحية الإحصائية

ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك في مجال تأمين الأشخاص :-
أن يؤمن شخص على حياته ثم ينتحر فان المؤمن لا يلزم بدفع مبلغ التأمين إنما يدفع مبلغا مساويا لقيمة احتياطي التأمين إلى من يؤول إليه الحق بمقتضى العقد وعلى هذا الحكم نصت المادة 943من القانون المدني الأردني صراحة لكن إذا كان الانتحار من غير اختيار أو إدراك فان المؤمن يلتزم بدفع كامل مبلغ التأمين ويلقى عبء إثبات أن المؤمن على حياته كان فاقد لإرادته عند الانتحار على المستفيد
بينما نجد المشرع المصري في المادة 756/1 من القانون المدني ألزم المؤمن بدفع كامل مبلغ التأمين في هذه الحالة ولو كان الشخص قد انتحر عن وعي وإدراك إذا وقع الانتحار بعد سنتين من تاريخ العقد ووجود شرط بالعقد ينص على ذلك
وفي مجال تأمين الأضرار فنجد أن المادة 768/2 من القانون المدني المصري تعفي المؤمن من التعويض في التأمين ضد خطر الحريق إذا احدث المؤمن له الخسائر عمدا أو بطريق الغش وتبطل كل اتفاق ورد على خلاف ما قررت
هذا ولا يبطل العقد إذا تعمد أحداث الضرر شخص أخر غير المؤمن له فالتأمين ضد الأخطار العمدية للغير جائز
كما لا يبطل عقد التأمين إذا كان الخطأ العمدي صادرا عن المستفيد من التأمين أو المؤمن على حياته في حالات معينة كأن يهدم شخص منزله الخشبي المؤمن عليه خوفا من امتداد النار لسائر البيوت المجاورة

ثالثا: ان يكون الخطر مشروعا اي غير مخالف للقانون والنظام العام وحسن الاداب .
اي ان الخطر حتى يكون قابلا لتامين عليه فانه يشترط ن يكون الخطر مشروعا اي غير مخالف للقانون ولنظام العام او الاداب وهو وضع طبيعي باعتبار ان اخطر يمثل ركن المحل في عقد التامن وما كان عقد التامين يخضع لاحكام القانون المدني فان هذا الاخير يتطلب الا يكون محل العقد ممنوعا بنص في القانون او مخالف للنظم العام او الاداب (88/4 مدني اردني ) ولذا جاء نص المادة 921 مدني اردني يمنع ان يكون محل التامين مما يتعارض مع دين الدولة الرسمي او انظام العام . فيجب أن يكون الخطر مشروعا غير مخالف للقانون وللنظام العام أو الآداب العامة ولما كان الخطر يمثل ركن المحل في عقد التأمين فانه يجب أن يكون مشروعا غير مخالفا للنظام العام ليصح العقد نظرا لاشتراط القانون المدني عدم مخالفة النظام العام في حمل العقد
وعلى هذا فان مشروعية الخطر الذي يشكل محل عقد التأمين هي أساس جوهري في هذا المحل وبدون هذه المشروعية للخطر يبطل محل عقد التأمين وبالتالي يبطل العقد ومن الأمثلة على هذا الشرط انه لا يجوز التأمين على البضائع المسروقة أو المهربة ,كما لا يجوز لشخص التأمين على حياته لصالح عشيقته (خليلته) ويبقى هذا المنع ما بقيت العلاقة قائمة بينهما .
كما أن القانون المدني الأردني يشترط في المادة 166 منه أن تكون المنفعة مشروعة لطرفي العقد من اجل أن يصح العقد
هذا ويشترط كل من الدكتور أسامة سلام والأستاذ شقيري موسى مؤلفي كتاب إدارة الخطر والتأمين إضافة للشروط السابقة أن يكون قسط التأمين الذي تم تحديده لخطر معين مقدورا على دفعه من قبل المؤمن له كما يشترطان أن لا تكون الخسارة حال حدوثها هائلة الحجم
إلا أنني أرى أن مثل هذه الشروط لا تعد شروطا في الخطر حتى يكون قابلا للتأمين ضده من الناحية القانونية ,ذلك أن حدوث خسارة لعدد كبير من الأشخاص المؤمن لهم في نفس الوقت ورغم ما يسبب للشركة من خسائر هائلة إلا انه ليس ذنب أي من المؤمن لهم كما يمكن للشركة تلافي ذلك عن طريق إعادة التأمين .

رابعا :- أن يكون الخطر مستقبلي
فالخطر المستقبلي هو الخطر الذي قد يقع أو لا يقع أما الخطر الذي وقع في الماضي فانه يعد مؤكد الوقوع ولا يخضع لعنصر الصدفة فاحتمالية وقوعه (100%) وهنا يكون عقد التأمين باطلا فمن يعقد عقد تأمين على نقل بضاعة في شهر أيلول من العام 2008 ثم يتبين أن هذه البضاعة هلكت في شهر آب من العام نفسه فان عقد يقع باطلا حتى لو لم يعلم المتعاقدان بهلاك البضاعة ويسمى التأمين في هذه الحالة تأمينا ظنيا وتجدر الإشارة إلا أن حكم التأمين الظني يختلف في التأمين البحري عنه في التشريع البري حيث يكون هذا التأمين في النوع الأول جائزا خلافا لما رأيناه في التشريع البري

ثالثا :- الخطر كمحل في عقد اتامين
إن الأخطار من حيث طبيعة المحل تتنوع، إلى الخطر الذي يمس الشخص في بدنه، والخطر الذي يلحق ذمته المالية.

أ ـ الخطر الذي يلحق بالشخص ذاته.
إن الخطر الذي يلحق بالشخص، هو ذلك الخطر الذي يمس الفرد في جسمه أو جسده، كإصابته بجروح أو كسر في ساق أو شيء من هذا القبيل، وهذا الخطر قد يكون محددا ، إذا تم تعيينه عند إبرام عقد التأمين، كأن يقوم شخص ما بالتأمين على نفسه من الحريق مثلا، في حين قد يكون هذا الخطر غير معين ، وإنما يكون جامعا لكل الأخطار التي قد يمكن أن يتعرض لها الشخص بصفة عامة، سواء كان هذا الخطر يمس شخصا معينا في العقد أو غير معين، وقابل للتعيين بعد وقوع الخطر، وهذا التأمين هو ما يعرف بالتأمين على الأشخاص الذي نجد التأمين على الأضرار كمقابل له.

ب ـ الخطر الذي يصيب الذمة المالية.
التأمين من الخطر الذي يمس الذمة المالية، هو في الحقيقة تأمين من الأضرار الذي يتعهد بمقتضاه المؤمن نظير أقساط يدفعها له المؤمن له، بتعويض هذا الأخير عن الأضرار التي تلحقه في ذمته المالية عند تحقق خطر معين.
ويتميز التأمين من الأضرار من الناحية القانونية، بخاصيتين أساسيتين تميزانه عن التأمين على الأشخاص، هما أنه من صفة تعويضية وأنه يقوم على المصلحة في التأمين ، ويشكل التأمين من المسؤولية، أهم صور التأمين من الأضرار ، بسبب الانتشار الكبير الذي يعرفه نظرا لاتساع صور المسؤولية المدنية، نتيجة التطور الآلي الهائل الذي عرفته البشرية خلال القرن العشرين ، ولعل التأمين عن حوادث السير أبرز صور المسؤولية المدنية في عصرنا الحالي، كتأمين النقل البري للبضائع والأشخاص والتأمين من المسؤولية الناتجة عن استعمال العربات ذات محرك.

وهذا التأمين من المسؤولية، قد يكون تأمين من خطر معين، عندما ينصب على قيمة مقدرة أو قابلة للتقدير، كما في التأمين من المسؤولية في النقل البري للبضائع.
في حين، قد يكون تأمينا عن خطر غير معين، عندما ينصب على قيمة غير محددة وليست قابلة للتحديد، وهذا هو الغالب في التأمين من المسؤولية عن حوادث السير وحوادث الشغل ونقل الأشخاص.
وإجمالا يبقى اعتماد معيار المحل غير كاف لوحده في الإحاطة بكل أنواع الخطر، الأمر الذي يقتضي منا أن ندرس معايير أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها.