تعريف الجريمة التاديبية :

على خلاف مسلك المشرع بشان الجريمة الجنائية، فان اغلب التشريعات لم تضع تعريفا محددا للجريمة التاديبية واكتفت بايراد الواجبات التي نبغي على كل موظف ان يلتزم بها ويمتنع ع كل ما يخل بها. كما لم ترد الأفعال المكونة لهذه الجريمة على سبيل الحصر كما هو الشان في الجريمة الجنائية، وكل ما ورد في تشريعات الوظيفة العامة في ها الصدد هو بيان واجبات الموظفين والاعمال المحظورة عليهم، وذلك بصفة عامة ودون تحديد دقيق. غير ان عدم وجود نص مجرم لفعل ما لا يعني انه مباح ولا يكون جريمة تاديبية، ذلك لان الجرائم التاديبية بخالف الجرائم الجناية ليست محددة على سبيل الحصر ولا تخضع لقاعدة (لاجريمة الابنص) وانما يجوز لمن يملك قانونا سلطة التاديب ان يرى في أي سلوك يقع من الموظف عند ممارسته اعمال وظيفته ذنبا تاديبيا يستحق العقاب اذا كان ذلك السلوك لا يتفق مع واجبات الوظيفة(1).

وابتعدت معظم التشريعات عن إضفاء وصف (الجريمة) على المخالفات التايبية ومنها التشريع العراقي(2). ولعل سبب ذلك يعود الى الخلط الذي قد يحصل بينها وبين الجريمة الجنائية(3). وحاول الفقه وضع تعريف محدد للجريمة التاديبية، فذهب البعض الى انها كل فعل او امتناع عن فعل مخالف لقاعدة قانونية او لمقتضى الواجب الذي يصدر من العامل اثناء أداء الوظيفة او خارجها مما ينعكس عليها بغير عذر مقبول(4). كما عرفها البعض بانها اخلال بواجب وظيفي او الخروج على مقتضى الوظيفة بما ينعكس عليها(5). وعرفها البعض الاخر بانها كل فعل او امتناع ارادي يصدر عن الموظف من شانه الاخلال بواجب من واجبات الوظيفة التي ينص عليها القانون(6). ويمكننا تعريف الجريمة التأديبية او المخالفة التأديبية او الذنب الإداري كما يطلق عليها أحيانا بانها كل سلوك يصدر عن الموظف من شانه الاخلال بواجب من واجبات الوظيفة التي ينص عليها القانون. يكون الاخلال إيجابا او سلبا، او اتيانه عملا من الاعمال المحرمة عليه. ويستوي ان يقع لاخلال عدا اهمال كما يستوي ان يكون السلوك المكون له متصلا باعمال الوظيفة او غير متصل بها كان يسلك الموظف في حايته الخاصة سلوكا مشينا يمس الاعتبار الوظيفي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- ولذلك يرى البعض بانه يمكن تشبيه الجريمة التأديبية بجرائم التعزير في الشريعة الإسلامية وهي جرائم غير محددة النصوص بخلاف جرائم الحدود. انظر د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1985 ، ص543.

2- تنص المادة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل على انه ((اذا خالف الموظف وابات وظيفته او قام بعمل من الاعمال المحظورة عليه يعاقب بإحدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون ولا يمس ذلك بما قد يتخذ ضده من اجراءات وفقا للقوانين)).

3- د. مازن ليلو راضي القضاء الإداري، ص113.

4- د. محمد مختار محمد عثمان الجريمة التاديبية بين القانون الإداري وعم الإدارة، ط1،دار الفكر العربي، القاهرة، 1973 ص66.

5- د. مغاوري محمد شاهين القرار التاديبي وضماناتة، مكتبة اللانجلو المصرية، 1986 ص205.

6- د. مازن ليلو راضي المصدر السابق ص114.

اركان الجريمة التأديبية :

للجريمة التأديبية كما للجريمة الجنائية ركنان هما الركن المادي والركن المعنوي.

1- الركن المادي: الركن المادي للجريمة التأديبية هو المظهر الخارجي لها، ويتمثل في السلوك الإيجابي او السلبي الذي يأتيه الموظف ويكون من شانه الاخلال بواجب من واجبات وظيفته. والسلوك الإيجابي يتمثل بالقيام بعمل محظور اما السلوك السلبي فيتمثل في الامتناع عن أداء واجب يفرضه القانون. ولا يعاقب القانون عن الاعمال التحضيرية للجريمة التأديبية التي تتمثل في اعداد وسائل تنفيذ الجريمة، لكن هذه العمال قد تعتبر بحد ذاتها جريمة تأديبية مستقلة. كما يمكن ان يتصور الشروع في الجريمة التأديبية كما هو الحال في الجرة الجنائية ولا يختلف معناه ومفهومه عن معنى الشروع ومفهومه في نطاق قانون العقوبات(1). وهو يمثل جريمة تأديبية. ويجب ان يتمثل الركن المادي للجريمة التأديبية في سلوك محدد ثبت ارتكابه، فالأوصاف العامة كسوء السيرة والسلوك لا تصلح ركنا ماديا لجريمة تأديبية(2).

2- الركن المعنوي: يتمثل الركن المعنوي للجريمة التأديبية في إرادة مقترف الفعل او الامتناع الموظف الذي يشكل الركن المادية للجريمة، فهذه الإرادة الاثمة او غير المشروعة هي التي تمثل الركن المعوي. والركن المعوي في الجريمة هو توجيه الفاعل ارادته الى ارتكاب السلوك المكون لجريمة هادفا الى تحقيق النتيجة المترتبة على التصرف ا اية نتيجة جرمية أخرى(3). اما الركن المعنوي في الجريمة غير العمدي التي تنصرف فيها إرادة الفاعل الى النشاط دون النتيجة فهو يتمثل في خطا الفاعل سواء كان هذا الخطا اهمالا اورعونة او عدم انتباه او عدم احتياط او عدم مراعاة اللقوانين والأنظمة والاوامر(4). وينكر البعض وجود الركن المعوي في الجريمة التأديبية التي لم يقننها المشرع على سبيل الحصر بحجة ان الإرادة الاثمة للموظف الذي يراد تاديبه في هذه الحالة لا تعني اكثر من انه قد ارتكب الفعل او الامتناع دون عذر شرعي، سواء اكان يدرك انه يرتكب فعلا خاطئا ام لا وسواء كان حسن النية ام العكس(5).

والمعيار الذي يؤخذ به لقياس الخطا التاديبي ليس معيارا شخصيا او ذاتيا يتركز في سلوك الموظف مرتكب الخطا، لان هذا المعيار ينظر الى سلوك الموظف المخطئ ويوزنه في ظروف معينة فيعد مخطئا اذا كان سلوكه دون المعتاد منه في مثل تلك الظروف وهو ما يؤدي الى نتيجة غير مقبولة فهو يجعل الموظف النشيط الدؤوب في عمله يؤاخذ على مجرد اهماله اليسير غير المعتاد منه بخلاف الموظف المهمل فهو لن يسال عن اخلاله بواجبه مادام اهماله معتاد. ولذلك فان المعيار الأنسب لقياس سلوك الموظف هو المعيار الموضوعي الذي ينظر الى السلوك الذي ارتكبه الموظف وقياسه وفق المالوف من سلوك الموظف المعتاد من ذات فئة الموظف الذي يراد قياس سلوكه فيعد الموظف مخطئا اذا خرج عن هذا المالوف. فالمعيار الموضوعي معيار واقعي يراعي في التطبيق الظروف التي صدر فيها الترف من جهة الموظف مرتكب الفعل ومن جهة الزمان والمكان والبيئة وافتراض ان الموظف المعتاد أحاطت به الظروف نفسها التي احاطت بالموظف الذي ينسب الخطا اليه ويوزن التصرف على هذا الأساس، وهذا المعيار هو السائد في العمل فقها وقضاء(6).

__________

1- الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة اذا أوقف او خاب اثره لاسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها. ويقصر قانون العقوبات العراقي العقوبة عن المشروع بالنسبة لجرائم الجنايات والجنح دون المخالفات. انظر المادة (30) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.

2- د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1985، ص546، 547.

3- انظر المادة (33/1) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.

4- انظر المادة (35) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.

5- د. سليمان الطماوي القضاء الإداري (الكتاب الثالث قضاء التأديب)، دار الفكر العربي، القاهرة، 1971 ص84.

6- د. عبد الوهاب البغدادي المسؤولية التأديبية والجنائية للعاملين بالحكومة والقطاع العام، 1971 ص54.

المؤلف : وسام صبار العاني
الكتاب أو المصدر : القضاء الاداري

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .