ماهية الإغراق التجاري

كثيرا ما نقرا عن الإغراق التجاري و ما ينجم عنه من خسائر تجارية و آثار اقتصادية سلبية, فهل انفتاح الأسواق و زيادة الاستهلاك هما السبب الفعلي في تسابق الشركات الأجنبية علي غزو أسواق دول المنطقة, بعرض سلعها و منتجاتها بأسعار تقل عن مثيلاتها المحلية, وقبل ذلك هل بعني قبول البضائع بكثرة في أسواق دولة ما إن هذه الدولة تعاني مما يسمي الإغراق التجاري.
سنعمل علي أن نجيب علي هذه التساؤلات من خلال قراءتنا للقوانين التي تحكم التجارة الدولية وفي مقدمتها القوانين و الاتفاقيات التي تصدرها منظمة التجارة العالمية.

فيما يتعلق بالإغراق التجاري لابد من الرجوع للاتفاق العام للجات GATT …. الذي من أهدافه الأساسية ……… تنظيم الممارسات التجارية بين الدول و ترسيخ القواعد و المبادئ السليمة لتطوير و ازدهار التجارة العالمية علي أسس سليمة ونظيفة، و بالطبع لا تخلو المبادلات التجارية بين الدول من بعض الممارسات غير السليمة أو غير المشروعة، وبالرغم من أنها لا تشكل نسبة كبيرة إلا أنها موجودة كحقيقة وواقع وان من واجب الدول والمؤسسات التجارية العالمية والإقليمية العمل علي تقليل هذه الممارسات غير السليمة وغير المشروعة و ذلك من اجل إيجاد مناخ صحي و مناسب لازدهار التجارة الدولية التي تؤدي بدورها إلي تطوير العلاقات الدولية و التي تؤدي بدورها أيضا إلي تطوير العلاقات التجارية الدولية و التعاون بين الجميع لما فيه مصلحة الشعوب.
وأول هذه الممارسات التجارية التي تعمل اتفاقية الجات إلي التخلص منها تتمثل في المنافسة غير الشريفة و نقصد بهذا تلك الممارسات التجارية التي تقود إلي استفادة السلع المصدرة من الدعم المقدم لهل في دولها في بعض الحالات، و ثاني هذه الممارسات التجارية غير المشروعة نجده يتمثل في تلك الحالات التي يتم فيها تشويه ظروف المنافسة التجارية أو خلق ظروف تجارية تؤثر علي سير العمل التجاري السليم وذلك عن طريق اغرق الاسواق المحلية بالسلع الاجنبية المصدرة إليها.
و هذا يقودنا بداية إلي التساؤل ما هو الاغراق التجاري للسلع ؟
و متي تعتبر السلع مغرقة؟
و ما هي المعايير المتفق عليها أو المطلوبة حتى نصف بعض الممارسات التجارية بأنها غير مشروعة لأنها تشكل اغرقا تجاريا؟
و هل هذه المعايير محلية أو معايير دولية ؟

بداية نقول إن تحديد و تعريف ممارسات الاغراق التجاري أمر مهم من الناجيتين القانونية و التجارية و ذلك حتى تتم مراقبتها و متابعتها بغرض مساءلة المتسبب فيها نتيجة لممارسته الاغراق التجاري غير المشروع و تعويض المتضرر ماديا و تجاريا و من الملاحظ ان العديد من التجار ومن أصحاب الصناعات المحلية في بعض الدول يقولون إن هناك إغراقا تجاريا و يعزون خسائرهم أو عدم تقدم صناعتهم إلي هذا الإغراق و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كلما تم دخول سلع أجنبية إلي بلد معين و مهما كانت أنواع و كميات هذه السلع نقول أن هناك إغراقا تجاريا ؟ و هل كلما فشلت الصناعات المحلية أو بعضها أو تأخر تقدمها أو انخفضت الأسعار المحلية أو قل الاستهلاك أو تم ترشده بواسطة المستهلكين أو ظهر تغيير في كيفية الاستهلاك لأي سبب ما نقول إن السبب هو الإغراق التجاري ؟ أو نقول أن هناك إغراقا تجاريا في البلد المعني ؟

إن اتفاق الجات المتعلق بالممارسات المعنية بمكافحة الاغراق التجاري يضع معيارا صارما لتصنيف منتج أو سلعة ما علي أساس إنها (اغراقية) و بمعني آخر حتى نقول ان هذه الممارسات التجارية غير مشروعة لأنها جاءت نتيجة لممارسات الإغراق التجاري فلا بد من توفر شروط معينة حني نقول بهذا الادعاء و لابد من القول انه ليست كل الواردات ذات الأسعار المنخفضة تعتبر سببا للإغراق التجاري بل قد يكون انخفاض أسعار هذه الواردات نتيجة لا سباب غير تجارية أو نتيجة لمبررات أخري محلية أو عالمية.
و كقاعدة عامة فان السلعة تعتبر سلعة اغراقية إذا كان سعر التصدير يقل عن سعر السلعة المماثلة في البلد المصدر. و إضافة إلي هذا فان السلعة تعتبر أيضا سلعة اغراقية إذا تم بيعها بسعر اقل من تكلفة إنتاجها بصورة واضحة، فمثلا إذا كانت تكلفة الإنتاج لصناعة السلعة في بلدها عشرة دولارات للقطعة و يتم تصديرها للدول المجاورة آو غيرها و يتم بيعها في هذه الدول بثمانية آو سبعة دولارات أو اقل فان هذا دون شك يمثل إغراقا تجاريا للدولة التي تم تصدير تلك السلع إليها و هذا الاغراق قد يكون نتيجة لأسباب تتعلق ببلد التصدير أو بلد الاستيراد أو الشركة المنتجة للسلعة أو لهذه الأسباب مجتمعة أو لأسباب أخري غير ذلك أو تلك.

ووفقا للأحكام الخاصة باتفاق الجات فانه يحق للبلد المستورد للسلع أو البضائع الأجنبية إن يفرض رسوما تعويضية علي الواردات الأجنبية المستوردة التي تجد الدعم في بلدها ( بلد المنشاة ) و هذا الدعم الذي تجده الصناعة آو غيرها من المنتجات في بلد المنشاة يكون بتقديم الدعم المادي او العيني او عدم فرض رسوم أو ضرائب علي المنتج أو منح ميزات تفضيلية داخل الدولة لتشجيع التصدير، وكل هذا يتيح تصدير السلع للخارج بصورة مدعومة، أي إنها تستند ألي دعم خارجي إضافي يمنحها ميزة تفضيلية إضافية غير متعلقة بالمنتج أو السلعة نفسها و هي بهذه الصفة تغزو الدول الاخري وهي مدعومة و لولا هذا الدعم فان وضعها التنافسي يصبح ضعيفا و عديم الأثر بالنسبة للسلع و المنتجات الاخري المنافسة.
وانطلاقا من أهدافه بتوفير المنافسة التجارية المشروعة فان الاتفاق العام للجات أيضا يجيز فرض رسوم مكافحة الإغراق علي الواردات الأجنبية في حالة الإغراق التجاري. ولكن لابد من القول أن فرض رسوم مكافحة الإغراق لا يتم إلا وفق ضوابط معينة و معايير محددة، و ذلك بعد القيام بالتحريات اللازمة التي يجب أن تقوم بها البلدان التي تدعي حدوث الإغراق التجاري الذي أسفر عن إلحاق أضرار مادية جسيمة بالصناعات المحلية في تلك الدول.

و هناك عوامل عديدة لابد أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد الإغراق التجاري و مدي أثره السلبي علي الصناعات المحلية, و من هذه العوامل انه يجب مراعاة الظروف الاقتصادية التي تؤثر علي الصناعة المحلية, إضافة إلي هذا لا يجوز فرض رسوم مكافحة الإغراق أو الرسوم التعويضية ألا إذا ثبت جليا وجود علاقة سببية واضحة بين الواردات الاغراقية أو المدعومة من جهة و ذلك الضرر الذي حدث للصناعة المحلية من جهة أخري. و هذا يعني انه لا يجوز فرض رسوم مكافحة الإغراق أو الرسوم التعويضية إذا ثبت أن الصعوبات التي تواجهها الصناعة المحلية ناتجة عن عوامل أخري لا يمكن أن تعزي مباشرة إلي الواردات الاغراقية أو المدعومة، و من تلك العوامل مثلا انخفاض الطلب علي السلعة أو حدوث تغييرات في نمط الاستهلاك لأية أسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. و لابد أيضا من الأخذ بالتطورات الجديدة في التكنولوجيا و أثرها علي الصناعة, و أيضا تطور صناعة التصدير لان هذه التطورات التكنولوجية الجديدة ربما تقلل الأسعار دون تدخل غير مشروع من جانب المنتج المستخدم للتقنية الحديثة في الصناعة بهدف تطويرها و تقليل أسعارها في نفس الوقت.
وفقا لنصوص اتفاق الجات فان الإجراءات القانونية الخاصة بمكافحة الإغراق محددة و منصوص عليها و ذلك توخيا للعدالة و لضمان تقديم طلبات فرض رسوم مكافحة الإغراق وفقا لتلك الإجراءات القانونية المعروفة لدي الجميع. و لابد من أن ننوه إلي إن اتفاق الجات قد اعتمد معيارين متكاملين لهذه الغاية وهما:

المعيار الأول:
وهو أن تزيد نسبة المنتجين الذين يؤيدون تقديم الطلب بحدوث الإغراق التجاري علي 50% من إنتاج المنتجين اللذين يبدون تأييدهم أو معارضتهم للطلب.

والمعيار الثاني:
و هو ألا تقل نسبة المنتجين الذين يؤيدون الطلب بحدوث الإغراق التجاري عن 25 % من إجمالي الإنتاج.
و يقع علي عاتق السلطات المعنية بإجراء التحري في هذا الخصوص مسؤولية التحقق من توفر مثل هذه الشروط في مقدمي الطلبات قبل البدء في إجراءات التحقيق.
ووفقا لاتفاق الجات فان طلب فرض رسوم مكافحة الإغراق أو الرسوم التعويضية يجب أن يتضمن:
1- حجم الإنتاج المحلي للسلعة الخاصة بالمنتجين المتقدمين بالطلب
2- وصفا للسلعة الأجنبية التي يزعم أنها سلعة اغراقية أو مدعومة في بلدها
3- أسماء بلدان التصدير و اسم المصدر أو السلعة الأجنبية
4- بيانات تفصيلية بشان الإغراق أو الدعم لهذه السلعة
5- بيانات بالأسعار التي تباع بها السلعة في السوق المحلية للبلد المصدر
6- بيانات عن أسعار التصدير
7- الدليل علي وجود الدعم و مقدار و طبيعة هذا الدعم
8- بيانات عن حجم السلع الاغراقية أو المدعومة
9- بيان أثر السلع الاغراقية السلبي علي الأسعار المحلية والصناعة المحلية.
10- أية بيانات أخري ذات علاقة

كل هذه النقاط يتم تقديمها و جمعها و تحليلها من كل الجوانب لتحديد وجود الإغراق التجاري أو عدم وجوده و بعد ذلك يتم اتخاذ الإجراءات الخاصة بمعالجة الإغراق و السبل الكفيلة بالحد منه و اتخاذ الخطوات الخاصة بالتعويض المادي و غيره، و كل هذا يهدف إلي توفير المناخ المناسب لتطوير التجارة العالمية وفق الأسس السليمة و أساليب المنافسة التجارية الشريفة.
و علي الدول أن تعمل جاهدة لإصدار التشريعات و القوانين المحلية لمجابهة الإغراق التجاري و ذلك من اجل حماية الصناعات المحلية و الاقتصاد الوطني، هذا و يمكن للدول الاستفادة مما ورد في الاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الخصوص و خاصة اتفاقية الجات الصادرة من منظمة التجارة العالمية لان هذه الاتفاقيات تتضمن المعايير الدولية المطلوبة والواجب إتباعها لمواجهة و محاربة الإغراق التجاري.
و يمكن أيضا للدول و التجمعات الاقتصادية الإقليمية العمل علي إبرام اتفاقيات تجارية بغرض تنظيم الحركة و العمليات التجارية فيما بينهما و كل ذلك بغرض تطوير التجارة و حفظ حقوق جميع الأطراف في كل العمليات التجارية الدولية.