دور التشريع في حماية حقوق الشخصية والأسرية للطفل.

يتمتع الطفل بجملة من الحقوق يتعذر في الواقع الإلمام بها غير أنه واستنادا إلى نص المادة 06 من اتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر المرجعية الأساسية في هدا المجال يمكن تصنيفها إلى صنفين، حق الطفل في الحياة والهوية وحق الطفل في النمو.

الفرع الأول : ضمان حق الطفل في الحياة والهوية.

يعتبر الحق في الحياة أساس وأصل كل الحقوق الأخرى هده الأولوية التي لم تتردد كل الدساتير والتشريعات أيا كانت مرجعيتها في الاعتراف بها، ومن هذا المنطلق نصّت المادة 34 من الدستور الجزائري على أن “الدولة تضمن عدم انتهاك حرمة الإنسان ويحضر أي عنف بدني أو أي مساس بالكرامة” وحدد القانون المدني بداية شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا على أن الجنين يتمتع بحقوقه المدنية بشرط أن يولد حيّاوتكريس حق الطفل في الحياة يرتبط و يستلزم الاعتراف له بالعديد من الحقوق الأخرى كالحق في الاسم، الحق في الجنسية، الحق في النسب.

أولا : الحق في الاسـم.

اختلفت الآراء في تحديد الطبيعة القانونية للاسم بين من يرى بأنه واجب، إذ ليس للأفراد الحرية في تغييره أو التنازل عنه وبين من يرى بأنه حق ملكية على شيء معنويوأيا كان الأمر فإن الاسم يعتبر من الحقوق المعترف بها في جميع القوانين الوضعية ،والشريعة الإسلامية لم تكتفي بذلك بل حرصت على اختيار أحسن الأسماء للأطفال لما لذلك من تأثير وانعكاس على شخصيته بالإيجاب والسلب وفي هذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام “إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أبنائكم فأحسنوا أسماءكم” وقد غيّر النبي عليه الصلاة والسلام أسماء الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم عند إسلامهم وبذلك يكون استعمال الاسم الحسن قد اجتمعت فيه مصلحتان مصلحة خاصة ومصلحة عامة ولهذا الاعتبار أولى المشرع الجزائري اهتمام كبير للاسم وهذا ما يظهر من خلال تعدد النصوص المنظمة لهذه المسألةإذ نصت المادة 28 من القانون المدني على وجوب أن يكون لكل شخص لقب واسم فأكثر ولقب الشخص يلحق أولاده ،ويجب أن تكون الأسماء جزائرية باستثناء الأطفال المولودين من أبوين غير مسلمين.

وتكفل قانون الحالة المدنية بعد ذلك بالمسائل التنظيمية والإدارية المتعلقة بهذا الحق ،وكان أول ظهور لقانون الحالة المدنية في الجزائر سنة1882م والخاص بالأهالي، ثم صدر المرسوم التطبيقي له في 13/03/188، وظلّ هذا القانون ساريا إلى أن ألغي بموجب الأمر66 /307 المتضمن شروط تأسيس الحالة المدنية بالنسبة للجزائريين الذين لا يتمتعون بألقاب عائلية. وفي 19/02/1970 صدر قانون الحالة المدنية بموجب الأمر 70/20والذي قام بإلغاء جميع القوانين المخالفة له .

و قد ألزم قانون 70/20 ضابط الحالة المدنية في مادته الثالثة والستين بتسجيل عقود الميلاد وتبيان يوم الولادة والساعة والمكان والجنس والأسماء التي أعطيت لهم.كما أوجبت المادة 64 بأن يتم اختيار الأسماء من قبل الأب أو الأم إذا كان معروف النسب وذلك خلال 05 أيام وإلا فرضت عليهما العقوبات المقررة قانونا ،ولا يمكن تسجيله في هذه الحالة إلا بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة المختص إقليميا، أما إذا كان الطفل مجهول النسب فإن الوضعية تختلف إذ يجب على الشخص الذي يعثر على مولود حديث العهد بالولادة أن يصرح به أمام ضابط الحالة المدنية و يحرر هذا الأخير محضرا يبين فيه تاريخ ومكان وساعة وظروف التقاطه وسنه الظاهري وجنسيته وأي علامة يمكن أن تساعد في التعرف عليه مع تحديد الشخص الذي عهد به إليه، ويعد ضابط الحالة المدنية عقد مفصل يكون بمثابة عقد ميلاد، وكل هذه الإجراءات الغرض منها هو حماية هوية الطفل التي يعتبر الاسم من بين عناصرها.

وتجدر الإشارة إلى أنه بتاريخ 13 جانفي 1992 صدر مرسوم تنفيذي رقم 92/24 المتعلق بتغيير لقب المكفولين بموجبه يمكن للشخص الذي كفل ولد قاصر مجهول النسب أن يتقدم بطلب تغيير اللقب باسم هذا الولد ولفائدته وذلك قصد مطابقته مع لقب الوصي، وهي النقطة التي سنتطرق لها في موضع لاحق.

ثانيا: الحق في الجنسيـة.

الجنسية رابطة قانونية سياسية ونفعية تفيد انتماء شخص إلى دولة ما، ويتحصل الطفل على الجنسية إما عن طريق الدم أين يأخذ الولد الشرعي جنسية أبيه أو أمه، وهو المعيار الذي أخذت به معظم الدول العربية والأوروبية كأساس لمنح الجنسية ،استنادا إلى مجموعة من الاعتبارات من بينها المحافظة على الجنس البشري وطابعه الحضاري، وإما عن طريق رابطة الإقليم أين تمنح الجنسية لكل مولود على إقليم الدولة على اعتبار أن الفرد يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها أكثر مما يتأثر بالأصل الذي ينحدر منه، وقد أخذ المشرع الجزائري بالجنسية الأصلية على أساس رابطة الدم كأصل عام و برابطة الإقليم وفقا لشروط معينة محددة قانونا تضمنتها أحكام المادة 07 والتي نصت على أنه يعتبر جزائريا :

-الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين غير أن الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين يعد كأن لم يكن قط جزائري إذا أثبت خلال قصورة انتسابه لأجنبي أو أجنبية وكان ينتمي إلى جنسيتهما وفقا لقانون جنسية أحدهما.ويعتبر الولد الذي عثر عليه في الجزائر مولود فيها ما لم يثبت خلاف ذلك.

الولد المولود في الجزائر من أب مجهول وأم مسماة في شهادة ميلاده دون بيانات أخرى تمكن من إثبات جنسيتها.
أما المادة 17 من نفس الأمر فقد منحت الجنسية للأبناء القصر الذين اكتسب والدهم الجنسية الجزائرية وفي حالة فقدانهم أو تجريدهم منها فلا يمتد أثار التجريد والفقد[8]إليه، وقد سهل المشرع طرق إثبات الجنسية من أجل حماية هذا الحق، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا أيضا في العديد من قراراتها نذكر على سبيل المثال حكمها الصادر في الملف رقم 81628 والذي قضى بإمكانية إثبات الجنسية على أساس الشهادة التي تضمنها عقد اللفيف[9].

ثالثا: الحق في النسـب.

يعتبر الحق في النسب من الحقوق العظيمة التي أقرتها الشريعة الإسلامية ويقول الله عز وجلّ في هذا الشأن ” هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا” كما أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله “ثلاثة من الناس كفر، الطعن في النسب، النياحة على الميّت، الاستسقاء بالنجوم وقوله”الولد للفراش وللعاهر الحجر”.

وقد نصّت المادة 40[10]من قانون الأسرة الجزائري على أنه” يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو البينة أو بنكاح الشبهة وبكل نكاح يتم فسخه بعد الدخول طبقا للمادة 32/33/34 ويجوز للقاضي اللجوء إلى الأساليب العلمية لإثبات النسب” إذن من خلال هذه المادة يتضح بأن النسب يثبت بالزواج الشرعي مستوفي الأركان متى أمكن الاتصال على أن يولد الابن بين أدنى وأقصى مدة الحمل، كما يثبت النسب في الزواج الفاسد المنصوص عليه في المادتين 33و34 من قانون الأسرة وزواج الشبهة سواء كانت لاحقة بالعقد أو الفعل أو الحكم[11]. أما الإقرار كطريقة من طرق الإثبات فاشترط فيه المشرع أن ينصب على طفل مجهول النسب وأن يصدقه العقل والعادة فإذا كان المقر ببنوة الطفل زوجة أو معتدة في هذه الحالة يجب أن يوافق زوجها على الاعتراف ببنوته أيضا أما إذ كان الإقرار صادر من الغير اشترطت المادة 45 من قانون الأسرة أن يصدقه المقر عليه، ويمكن أيضا إثبات النسب بالبينة إلا أن قيمتها القانونية أقل من الإقرار.

ومؤخرا وعلى أثر تعديل قانون الأسرة بموجب أمر 05-02 قام المشرع بإدخال طريقة جديدة لإثبات النسب تمثل ضمانة كبيرة للطفل لمعرفة نسبه الحقيقي وهي استخدام الطرق العلمية ADNويقصد بها مجموعة العناصر الوراثية أو ما يسمى بالجينات وهي عبارة عن مركبات عضوية تعرف بالأحماض الأمينية تتميز بتكوينها الهندسي المعقد والخاضع لنظام دقيق يختلف من إنسان لآخر وينتقل من الآباء والأمهات إلى الأولاد ويتكون عن طريق العلاقة الجنسية،[12]لكن تكلفة هذه الطريقة جعلت المحاكم تتمسك بالطرق التقليدية إذ نادرا ما تلجأ إليها.

وتبقى مسألة الحفاظ على النسب من أصعب المسائل لما يوليه المجتمع الجزائري من اعتبار لهذا الأخير لذلك دأبت الأحكام القضائية في الكثير من الأحيان على إحاطة النسب ببعض الاحتياطات في مسألة إثباته نذكر على سبيل المثال القرار الصادر عن المحكمة العليا في20/10/1998الذي اشترط صحة الزواج لإثبات النسب وكذا القرارالصادرفي20/06/2001 الذي اعتبر أن شهادة الميلاد ليست دليلا على النسب وما هي إلا تصريح يمكن إثبات عكسه[13].

الفرع الثاني : ضمان حق الطفل في النمو الفكري والجسدي.

يرتبط نمو الطفل سواء الفكري أوالجسدي بمجموعة من المؤثرات الاجتماعية والسيكولوجية ذلك أن النمو أكثر من جهد داخلي فردي بل يشكل عملية تفاعل مع المحيط والبيئة مع ما تحمله هذه العملية من إيجابيات وسلبيات ومن أجل نجاحها يجب ضمان على الأقل حد ادنى من الحقوق الأساسية للطفـل كالحق في التعليم ،الحق في الإعلام، الحق في الصحة، الحق في النفقة، الحضانة، وكذلك حمايته من الاستغلال الاقتصادي.

أولا : الحق في التعليـم.

يعتبر التقدم العلمي والثقافي معيار التحضر في أي مجتمع مدني، لذلك تسعى الدول إلى وضع ميكانيزمات ومناهج دقيقة للتكفل بقطاع التعليم والدستور الجزائري أولى اهتمام بهذه المسألة وأكد على إجبارية التعليم الأساسي لكل طفل[14]وهو ما جسده المرسوم التنفيذي 76/66 الصادر سنة 1976 الذي نص في مادته الأولى على أنه “يكون التعليم الأساسي إجباريا لجميع الأولاد الذين يبلغون السادسة من العمر خلال السنة المدنية الجارية”وفي نفس التاريخ صدرت عدة مراسيم تنفيذية خاصة بقطاع التعليم كالمرسومين التنفيذيين رقم 76-70[15]و 76-71[16]وقد ألقت بعبء توفير لوازم الدراسة والتنقل والإطعام والإسكان على عاتق الدولة .

وقد منح المرسوم التنفيذي 94-265[17]لكل طفل الحق في الضمان الاجتماعي والتأمين على المرض بما فيهم المعوقين المتمدرسين والمتربصين في التكوين المهني. بالإضافة إلى توفير منحة عائلية لجميع العمال الذين يقع على عاتقهم مسؤولية أطفال بصفة منفردة ومنحة تمدرس لكل طفل في مقاعد الدراسة.

ويرتبط الحق في التعليم بحق لا يقل أهمية عنه وهو الحق في الإعلام باعتبار أن كل منهما يشكل الزاد الثقافي للطفل ،وقد اعترف المشرع له بهذا الحق في نص المادتين 24-26 من قانون 90/07 المؤرخ في 03 أفريل 1990 المتضمن قانون الإعلام بشرط ألا تتعارض الأفكار والمعلومات التي يتحصل عليها الطفل مع النظام العام والآداب العامة وأن لا تخالف الشريعة الإسلامية والقيم الوطنية.، كما منحت المادة26 للطفل الحق في أن يعبر عن آرائه الخاصة والشخصية عن طريق القول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن.

ولوسائل الإعلام تأثير كبير على تكوين شخصية الطفل بالإيجاب والسلب لذلك كان من اللازم وضع استراتيجية إعلامية علمية تأخذ بعين الاعتبارالجوانب النفسية والاجتماعية للطفل، وفي الوقت الحالي أصبحت المسألة أكثر تعقيدا نتيجة دخول الإنترنت عالم الطفولة، مع غياب آليات الرقابة، في عالم أصبحت فيه الفكرة توضح بالصورة مع ما تحمله الصورة من غموض.

ثالثا : الحق في الصحة.

يمثل الحق في الصحة أحد أهم الحقوق الأساسية المكرسة في مجمل الصكوك الدولية والقوانين الداخلية، وقد اعترف الدستور الجزائري[18]للمواطنين بالحق في التنمية الصحية والوقاية من الأمراض المعدية وبيّن قانون 85/05 المتعلق بالصحة المؤرخ في 31/07/1990 الإجراءات الطبية والاجتماعية المتعلقة بحماية الأمومة والطفولة وإجراءات الرقابة الطبية للطفل عبر جميع مراحل نموه سواء داخل أو خارج الوسط التربوي[19]وقد نصت المادة 77 منه على أنـه “تستهدف الحماية الصحية التكفل بصحة التلاميذ والطلبة والمعلمين في وسطهم التربوي أو المدرسي أو الجامعي أو المهني من خلال ما يأتي :

مراقبة الحالة الصحية لكل تلميذ أو طالب أو معلم أو أي شخص آخرعلى اتصال مباشر أو غير مباشر.والمحلات والملحقات التابعة للمؤسسة
إخضاع أي نشاط رياضي في مؤسسات التعليم والتكوين لرقابة طبية دورية [20].”
أما بالنسبة للمعوقين أو الأشخاص المصابين بنقص نفسي أو فيزيولوجي أو عجز عن القيام بنشاط تكون حدوده عادية للكائن البشري فيتمتعون بالحق في الحماية الصحية والاجتماعية طبقا للتشريع الجاري به العمل.

ولكن أيا كانت الجهود المبذولة من طرف الهيئات المختصة إلا أنّ الحديث عن حق الطفل في الصحة لا زال مبتغى بعيد فقد عاين المرصد الوطني لحقوق الإنسان في تقرير أعده سنة1993 وجود عدّة مشاكل تواجه قطاع الصحة ككل وطب الأطفال والمعوقين على الأخص. وساند الرابطة الجزائرية لحقوق المرضى في دعوتها الرامية إلى إصدار ميثاق حول حقوق المرضى لفرض احترام كرامة المصاب وتكريس حقه في العلاج.

وأيا كان الأمر يبقى حق الطفل في الصحة في الجزائر بحاجة إلى دفع قوي لأن الحديث في الوقت الراهن في المجتمعات الحديثة والمتحضرة لم يعد يتعلق بحق الطفل في الصحة وإنما بثقافة الطفل حول الصحة، إذ نصت المادة 35 من قانون أخلاقيات مهنة الصحة الفرنسي على ضرورة إعلام الطفل بالقرارات الطبية المتخذة ضده وذلك في حالة ما إذا كان الطفل قادرا على استيعاب وفهم مرضه وذلك حسب فهمه ودرجة نضجه[21]”إذن فالسؤال الذي يبقى مطروح ويصعب الإجابة عنه هو هل يمكن الحديث عن مستوى معين من الوعي لدى الطفل الجزائري في مجال الصحة والوقاية.؟؟

ثانيا : الحق في الحماية من الاستغلال أثناء العمل.

يعتبر عقد العمل من العقود الدائرة بين النفع والضرر، هذا ما يستلزم معه أن يكون أطراف العلاقة على درجة من الوعي والإدراك، ومن هذا المنطلق حدد المشرع الجزائري سن الاستخدام في نص المادة 15 من قانون 90-11 الخاص بعلاقات العمل بـ 16 سنة ومنع باستثناء عقود التكوين أي استخدام لقاصر في أعمال خطيرة أو غير نظيفة أو مضرة بالصحة أو ماسة بالأخلاق وحضر استخدام الأطفال في الأعمال الليلية[22]. والمشرع المصري قد ذهب أبعد من ذلك إذ حدد سن الاستخدام بـ14 سنة وسن التدريب بـ 12 سنة، وجعل مدة عمل القصر بـ 06 ساعات يوميا[23]وهي المسألة التي غفل عنها المشرع الجزائري.

ويرجع بعض الدارسين ظاهرة استخدام الأطفال إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعاني منها الطفل والتي أدت إلى التسرب المدرسي والبطالة المبكرة ومن أجل معالجة هذه الظاهرة صادقت الجزائر على الاتفاقية رقم 182 بشأن حضر أسوأ أشكال استغلال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليه المكملة بالتوصية رقم 190 المعتمدتين خلال مؤتمر جنيف 1999[24].

لكن يبقى الإطار القانوني غير كافي لضمان حق الطفل في الحماية من أشكال الاستغلال أثناء العمل بل يجب تجسيدها واقعيا لأن الإحصائيات الخاصة بواقع الطفل العربي أكدت على وجود ما لا يقل عن 76 مليون طفل في سن التعليم غير مسجلين في المدارس منهم 4.2 مليون من الذكور و3.4 مليون إناث في البلدان العربية ويتوجّه أغلبهم إلى سوق العمل في الورشات والمصانع[25]لمزاولة الأعمال الخطيرة التي لا يلتزم أصحابها بالمعايير المعمول بهما.

رابعا : الحق في الحضانـة.

يعد الطفل من أهم الثمرات التي تنتج عن الزواج لكنه أيضا يعتبر من أصعب المشاكل التي تنجم عن فك الرابطة الزوجية لأن الضرر لا يقتصر أثره على الزوجين فقط بل يتعدى إلى الأطفال، وفي هذا الصدد تقول الباحثة الاجتماعية “لويز” في حديثها عن جرائم الأحداث “لا يوجد أطفال مذنبون بل الأطفال دائما هم ضحايا الطلاق وهذا نتيجة عدم تلقيهم للآثار المادية والمعنوية في الوسط العائلي”،[26]لذلك كان لزاما على التشريعات وقبلها الشرائع أخذ هذه المسألة مأخذ الجد، فلما كان الطفل عاجز عن النظر في مصالح نفسه جعل الله عزوجل ذلك إلى من يولى عليه، ففوض الولاية في المال والعقود للرجل لأنه أقوم وأقدر بذلك وفوض التربية للأم لأنها أشفق وأحن. وفي حالة فك الرابطة الزوجية يبقى الطفل في حضانتها.

وقد عرف فقهاء الشريعة الحضانة بأنها أثر من آثار الطلاق مفادها حفظ الطفل عما يضره وتربيته ورعاية مصالحه[27]،وهو التعريف الذي لا يختلف كثير عن مضمون نص المادة 62 من قانون الأسرة الجزائري التي عرفت الحضانة على أنها “رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظ صحته وخلقه”وعرفتها المادة 67 من المدونة المغربية على أنها “حفظ الولد مما يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته”.

ويشترط في الحاضن أن يكون شخصا عاقلا، راشدا، أمينا.لذالك أسندت المادة 64 الحضانة للأم، ثم الأب، ثم الجدة للأم ثم الجدة للأب، ثم الخالة ثم العمّة ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون. ويمكن إسقاط الحضانة عن الحاضن في حالة عدم توافر أحد هذه الشروط وقد أكدت المحكمة العليا في العديد من قراراتها على ضرورة تكريس هذا المبدأ كالقرار الصادر في الملف رقم 28 24 30 بتاريخ 21/05/2003 الذي أكد على أن عدم مراعاة مصلحة المحضون قصور في التسبيب[28]. وفي قرار آخر فاصل في الملف رقم 456 235 اعتبرت المحكمة العليا بأن تنازل الأم عن الحضانة لا يعتبر نهائي لأن حضانة الأولاد من المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص التي يمكن التراجع عنها اعتبارا لمصلحة المحضون وفقا للمادة 66[29].

وفي الأنظمة القانونية المقارنة الأمر يختلف بحسب التوجه الاجتماعي والديني للنص المتعلق بالحضانة، فالقانون الألماني مثلا قد ذهب بعيد في هذه المسألة إذ أشرك الحضانة بين الوالدين وفي حالة عدم وصولهما إلى اتفاق تفصل المحكمة بعد سماع الطفل وإجراء تحقيق عن نمط عيش عائلته وكذلك سماع الزوجين في وجهة نظرتهم الشخصية قبل الفصل في القضية[30]. وفي مصر أنشأت دور الحضانة والرعاية الاجتماعية ويمنح الترخيص في إنشائها للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين كالجمعيات في حالة توافر شروط معينة تضمن الرعاية البديلة للطفل[31].أما في الجزائر فمازال القضاء يجد نفسه في مواجهة آلاف القضايا الخاصة بالحضانة والتي يصعب في غالب الأحيان إيجاد الحل والوضع الأفضل للمحضون.

خامسا : الحق في النفقــة.

يقال نفق الشيء نفقا أي نفذ، وأنفق المال ونحوه أنفذه وصرفه، والإنفاق بذل المال في أوجه الخير، أما شرعا فهي تعني كفاية من يمونه بالمعروف خبز وكسوة ومسكن واعفاف من تجب نفقته[32]. ومن هذا المنطلق نصّ قانون الأسرة الجزائري الذي استمد معظم أحكامه من الشريعة الإسلامية في المادة 78 على أن “النفقة تشمل على الغذاء والكسوة والعلاج والسكن وأجرته وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة وألزم الأب على أدائها وفي حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك دون أن يعني ذلك سقوطها نهائيا عن الأب.

وفي هذا الإطار صدر قرار عن المحكمة العليا في الملف رقم 237148 المؤرخ في 22/02/2000 قضى بعدم سقوط النفقة على الزوج في حالة يسار الزوجة[33].

والقانون التونسي قد منح للطفل ضمانة أكبر لتمكينه من حقه في النفقة إذ نصّت المادة 53 من مجلة الأحوال الشخصية على أنه” يتولى صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق الصادرة بها أحكام باتة تعذر تنفيذها لصالح المطلقات وأولادهن من المحكوم عليه بسبب تلدده وذلك وفقا للشروط المنصوص عليها قانونا”[34].

أي كان الأمر عندنا فإن تمسّك المشرع بتجسيد محتوى الآية الكريمة التي قال فيها الله عز وجلّ “لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله،لا يكلّف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا”[35]وكذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام لهند “خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف” أكبر ضمانة لاحترام وحماية حق الطفل في النفقــة.