تشكيل و اختصاصات القضاء الإداري في العراق

المحامية: منال داود العكيدي
كان استحداث فضاء اداري في العراق يعد خطوة مهمة بالنسبة للكثير من رجال الفقه والقضاء نظرا لما يمثله هذا القضاء من ضمانات لحقوق الافراد وحرياتهم تجاه تعسف الادارة وتجاوزاتها وبصدور قانون التعديل الثاني رقم 106 لسنة 1989 لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 حقق النظام القضائي العراقي الخطوة المنتظرة في مسيرة تطوره اذ نص القانون المذكور لاول مرة على تشكيل محكمة للقضاء الاداري في مجلس شورى الدولة تختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية وبذلك اقترب النظام القضائي العراقي كثيرا من نظام القضاء المزدوج وهجر نظام القضاء الموحد واستنادا لنص المادة السابعة الفقرة ثانيا من هذا القانون التي تنص على ( تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والتي لم يعين مرجع للطعن فيها ).

ومن الجدير بالاشارة الى ان المشرع استثنى بعض الاعمال والقرارات من ولاية محكمة القضاء الاداري بموجب الفقرة خامسا من المادة السابعة انفة الذكر فقضى بعدم اختصاص محكمة القضاء الاداري بالنظر في الطعون المتعلقة باعمال السيادة والقرارات الادارية التي تتخذ تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية والقرارات التي رسم القانون طريقا للتظلم منها او الاعتراض عليها ، وبطبيعة الحال فان هذه الاستثناءات على ولاية محكمة القضاء الاداري جعلت من اختصاصها محدودا ومتواضعا ذلك لان المشرع قد اضفى صفة السيادة على جميع القرارات والمراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية وهذا يعني اخراج طائفة كبيرة من الاعمال الادارية من اختصاص هذه المحكمة .

وقد اضيفت الى تلك الاستثناءات مجموعة كبيرة اخرى من القرارات الادارية التي تتخذ تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية وهي واسعة ايضا في ظل التنظيم الدستوري الذي صدر في ظله قانون التعديل الثاني لمجلس شورة الدولة وهو دستور عام 1970 المؤقت .

ومن ناحية اخرى فان التشريع العراقي زاخر بالنصوص التي ترسم طرقا خاصة للتظلم من القرارات الادارية امام الجهات التي اصدرتها او امام السلطات الرئاسية او امام مجالس او لجان ادارية او شبه قضائية لذلك فقد تبدد الهدف الذي من اجله انشئ القضاء الاداري متمثلا بمحكمة القضاء الاداري ولم يتحقق الا على نطاق محدود جدا. لكن لا يمكن ان ننكر ما لانشاء محكمة للقضاء الاداري من اثر كبير نحو استكمال مقومات القضاء الاداري وهيكله الكامل عن طريق انشاء مجلس دولة يمثل هيئة قضاء اداري ذي ولاية شاملة ويكون للقاضي فيه النظر في كل المنازعات الادارية و لاسيما ان دستور العراق الاتحادي لسنة 2005 قد نص صراحة على الولاية الشاملة للقضاء وحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل او قرار اداري من رقابة القضاء استنادا الى المادة 100 من الدستور .

ويمارس مجلس شورى الدولة نوعين من الاختصاصات الاول : اختصاص استشاري حيث يضطلع المجلس بوظيفة مستشار للدولة في مجال التقنين وابداء المشورة القانونية وهو امتداد للدور الذي كان يمارسه ديوان التدوين القانوني وتعد هذه الوظيفة من صميم اختصاصات مجالس الدولة في دول النظام القضائي المزدوج فاما وظيفة التقنين فتتمثل باعداد وصياغة مشروعات القوانين والانظمة المتعلقة بالوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة بطلب من تلك الوزارات او الجهات حيث يتولى المجلس تدقيق مايرد اليه من مشروعات قوانين او انظمة او تعليمات من تلك الجهات من حيث الشكل والموضوع فيتولى دراسة المشروع واعادة صياغته عند الاقتضاء وبما لايتعارض مع التشريعات النافذة وما التزمت به الحكومة الاتحادية من معاهدات ثم يقوم المجلس برفع توصياته الى رئاسة الحكومة مع نسخة منه للوزارة او الجهة ذات العلاقة .

فضلا عن ان وظيفة المجلس في مجال التقنين تشمل ايضا اسهام المجلس في ضمان وحدة التشريع وتوحيد اسس الصياغة التشريعية وتوحيد المصطلحات القانونية بما يؤدي الى توحيد اسس القوانين وتسهيل تطبيقها في الحياة العملية .

ويضم التخصص الاستشاري للمجلس وظيفة اخرى هي تقديم الرأي والمشورة القانونية في المسائل التي تعرض عليه من قبل الجهات العليا من قبيل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وذلك قبل عقدها والانضمام اليها والمسائل المختلف بشأنها بين الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة اذا احتكم اطراف القضية الى المجلس ويكون رايه عندئذ ملزماً لجميع الاطراف ، فضلا عن ابداء الراي في المسائل القانونية اذا حصل تردد بشانها لدى احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة بالاضافة الى توضيح الاحكام القانونية عند الاستيضاح عنها من الجهات الادارية .

ويمارس المجلس اختصاصا اخر الى جانب الاختصاص الاستشاري هو التخصص القضائي عن طريق هيئتين قضائيتين متخصصتين هما مجلس الانضباط العام والذي يمارس صلاحية النظر في الطعون التي يقدمها الموظفون العموميون في العقوبات التأديبية المفروضة عليهم بموجب قانون موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 والتي جعلت من اختصاص الوزير وهي التوبيخ وانقاص الراتب وتنزيل الدرجة والفصل والعزل ويشترط لقبول النظر فيه من قبل مجلس الانضباط العام ان يسبقه تظلم من القرار القاضي بتوقيع العقوبة لدى الجهة التي اصدرته وذلك خلال 30 يوما من تاريخ تبلغ الموظف بالقرار المذكور ، ولمجلس الانضباط بعد نظره في الطعن ان يقرر اما المصادقة على قرار الوزير بفرض العقوبة او تخفيضها او الغائها واذا ظهر للمجلس ان فعل الموظف مايشكل جريمة نشأت من وظيفته فتتم احالته الى المحكمة المتخصصة .

كما يختص مجلس الانضباط بنظر القضايا المتعلقة بالحقوق الناشئة عن تطبيق قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل او بموجب قانون الخدمة المدنية رقم 55 لسنة 1956 وتعديلاته او اي نظام صدر بموجبهما . وفي ظل التخصص القضائي للمجلس تشكلت محكمة القضاء الاداري التي تختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة التي لم يعين مرجع للطعن فيها وذلك بناء على طعن يوجه من قبل المعني بالقرار وقد حددت المادة السابعة فقرة ثانيا / 5 من قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة اسباب الطعن وهي ان يتضمن الامر او القرار خرقا او مخالفة للقانون او الانظمة او التعليمات وان يكون الامر او القرار قد صدر خلافا لقواعد الاختصاص او معيبا في شكله فضلا عن انه لابد ان يتضمن الامر او القرار خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة او التعليمات او في تفسيرها او فيه اساءة او تعسف في استعمال السلطة .

ومن القرارات التي يجوز الطعن فيها ايضا رفض او امتناع الموظف عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليه اتخاذه . وصلاحية المحكمة في نظر الطعون تشمل رد الطعن اذا لم يستوف الشروط الواجب توافرها في اقامة الدعوى كمرور مدة الطعن او عدم وجود مصلحة لدى الطاعن او عدم تحقق سبب من اسباب الطعن التي حددها القانون ، وكذلك تشمل صلاحية المحكمة الغاء القرار اذا ثبت عدم مشروعيته وقد يكون الالغاء شاملا كل القرار او جزءاً منه ويكون له حجية على الكل.

واخيرا فان للمحكمة صلاحية الحكم بالتعويض اذا كان من شان القرار الاداري الحاق الضرر بالمعني بالقرار وعبء اثبات الضرر يقع على المتضرر منه مع ملاحظة ان دعوى التعويض لاترد الا نتيجة لقرار اداري غير مشروع من دون الاعمال المادية للادارة . ويكون الحكم الصادر من محكمة القضاء الاداري قابلا للتميز لدى المحكمة الاتحادية العليا بموجب قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005