موانع المسؤولية الجنائية لتناول مواد مسكرة او مخدرة طبقا لقانون العقوبات العراقي

المحامية: منال داود العكيدي
افرد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المادتين 60 و 61 للحديث على حالة فقد الادراك او الارادة بسبب تناول مسكر او مخدر حيث نصت المادة 60 على انه (لايسأل جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك او الارادة بسبب كونه في حالة سكر او تخدير نتجت عن مواد مسكرة او مخدرة اعطيت له قسرا او على غير علم منه بها ) كما نصت المادة 61 من قانون العقوبات على انه (اذا كان فقد الادراك او الارادة ناتجا عن مواد مسكرة او مخدرة تناولها المجرم باختياره وعلمه عوقب على الجريمة التي وقعت ولو كانت ذات قصد خاص كما لو كانت وقعت منه بغير تخدير او سكر ،فاذا كان قد تناول المسكر او المخدر عمدا بغية ارتكاب الجريمة التي وقعت منه عد ذلك ظرفا مشددا للعقوبة ) .

وبناء على النصين المتقدمين فانه يلزم لتحقق مانع المسؤولية بسبب فقد الادراك او الارادة لتناول مسكر او مخدر ان تتحقق جملة من الشروط هي : ان يكون المتهم قد تناول المواد المسكرة او المخدرة قسرا او من دون علم منه بها ولم يحدد القانون تعريفا للمواد المسكرة او المخدرة انما ترك هذا الامر الى الفقهاء واحكام القضاء وهذا مسلك حسن من لدن المشرع فقد لايستطيع ان يضع نصا شاملا بحيث يلحق او يواكب التطور العلمي السريع في هذا المجال وعموما فانه يقصد بالمواد المسكرة او المخدرة هي تلك المواد التي يؤدي تعاطيها الى فقد الوعي للاسكار او التخدير الذي تحدثه ولا عبرة بنوعها اذ يدخل في معناها المواد الكحولية كالخمور بانواعها كما يدخل في المواد المخدرة الحشيش والافيون والمورفين وغيرها .

كما انه لاعبرة بوسيلة اخذها فقد يكون عن طريق الطعام او الشراب او الحقن او الشم ويشترط ان يكون الجاني قد تناول تلك المواد قسرا او على غير علم منه لذلك فان التناول الاختياري لمادة مخدرة او مسكرة لا يحقق منع المسؤولية ، ويقصد بالتناول قسرا هو ان يتناول الشخص المادة بالاكراه اي جبرا او ما في حكم الاكراه كان يكون قد تناولها كضرورة للعلاج . ويراد بالتناول على غير علم هو ان يتناول تلك المواد وهو يجهل خواصه وبالتالي لايعلم انه مسكر سيفقده وعيه .

ولا يتحقق فقد الادراك وعدم المسؤولية اذا كان الجاني قد تناول تلك المواد باختياره وبمحض ارادته وعلمه فهو يسأل عن الجريمة الواقعة في هذه الحالة ولو كانت ذات قصد خاص كما لو وقعت منه بغير تخدير . اما اذا كان السكر او تناول المخدر مسبوقا بالاصرار على ارتكاب الجريمة كان يكون الجاني قد اقدم على تعاطي تلك المواد لمساعدته في الاقدام على ارتكاب الجريمة التي وقعت منه فان ذلك يعد ظرفا مشددا للعقوبة .

ومن الجدير بالذكر ان اثبات حالة السكر مسألة موضوعية خاضعة لتقدير المحكمة من غير رقابة عليها من محكمة التمييز . كما يشترط ان يؤدي تناول تلك المواد الى فقد الجاني الادراك او الارادة بسبب كونه في حالة سكر او تخدير ذلك لان تلك هي العلة في الحقيقة في منع المسؤولية اذ لولاها لما رفعت وامتنعت ويترتب عليه لو ان الفاعل تناول مادة مسكرة او مخدرة قهرا او من دون علم وبقي محتفظا بكامل ادراكه واختياره فلا تمتنع عنه المسؤولية بل يبقى مع ذلك مسؤولا عن جميع اعماله وتصرفاته .

وفقد الادراك او الاختيار انما يقتضي الحرمان الكلي من احداهما كي ينتج اثرة ويمنع المسؤولية اما اذا كان الحرمان جزئيا فلا يمنع ذلك من المسؤولية مادام يكفي لفهم اعماله وتوجيه ارادته على نحو ما غير انه يصح ان يكون سببا لتخفيف العقوبة استنادا الى المادة 60 من قانون العقوبات العراقي .

واخيرا يجب ان يعاصر ذلك لارتكابه الفعل المكون للجريمة اذ ان فقد الجاني الادراك او الارادة بسبب تناول المسكر او المخدر لايكفي لتحقق امتناع المسؤولية عن الجريمة بل لابد لذلك من ان يكون ارتكاب الجريمة قد وقع في الوقت الذي كان فيه الجاني فاقدا للادراك او الارادة بسبب السكر او التخدير وذلك استنادا لنص المادة 60 من قانون العقوبات حيث تنص (لايسأل جنائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك او الارادة …).

اي يجب ان يتحقق فقد الادراك بسبب تناوله مادة مخدرة او مسكرة وقت ارتكاب الجاني فعله وليس وقت تحقق النتيجة الاجرامية ومن باب اولى ليس وقت المحاكمة او وقت تنفيذ العقوبة ذلك لان وقت ارتكاب الجاني الفعل الجرمي هو وقت توجيه الجاني ارادته الى مخالفة القانون والى هذه الارادة ينصرف تأثير مانع المسؤولية ما يتطلب تعاصرهما حتى يتحقق هذا التأثير ، ولتطبيق هذا الشرط لابد من تحديد وقت ارتكاب الجريمة ثم التحقق من حالة الجاني في هذا الوقت فان ظهر انه كان فاقدا الادراك او الاختيار فيه امتنعت المسؤولية الجنائية والا فلا انطباق للنص هذا على حالته .

فاذا توافرت الشروط اعلاه فان الاثر المترتب عليها هو اسقاط المسؤولية الجنائية عن الجاني الذي توافرت فيه لانها تجرد الارادة من القيمة القانونية ما يؤدي الى عدها في حكم غير الموجودة في نظر الشارع وبذلك يزول الاساس الذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية وهو الارادة المعتبرة قانونا ما يؤدي الى زوالها هي ايضا لفقد اساسها وان زالت المسؤولية زالت العقوبة تبعا لها اذ لاعقوبة من غير مسؤولية غير ان ذلك لايمنع من اتخاذ تدابير احترازية اذا وجدت لها ضرورة.