تجارة الوهم
القاضي عامر حسن شنته
تتنوع صور المتاجرة بتنوع المجتمعات، وتتأثر بمقدار وعيها، وما يحكمها من ضوابط قانونية. ولعل صور المتاجرة المعتادة من بيع السلع وتقديم الخدمات، لا تثير أية إشكالية. فهي تسهم في تنشيط حركة الاقتصاد، ورفع الناتج المحلي بالشكل الذي يقود إلى تحقيق التنمية والازدهار غير أن هنالك صوراً من المتاجرة كانت ومازالت تلقى رواجاً في أوساط بعض المجتمعات،ومنها المجتمع العراقي، ولأسباب مختلفة لا مجال لبحثها في هذا المقال المختصر والتي نستطيع أن نصطلح على تسميتها (تجارة الوهم) كونها تتخذ من الأوهام بضاعة لها، تنميها في أذهان البسطاء، وتجعلها طريقاً لسلب أموالهم وعقولهم.

وإزاء انتشار تلك المظاهر ومنها على سبيل المثال (السحر والشعوذة) والتي صار لها (مشايخ) بسيماء نجوم التليفزيون ومراكز تنتشر في وسط بغداد تحت مرأى ومسمع الجميع وقنوات فضائية وإعلانات تملأ الشوارع ومنها أيضاً ظاهرة (المراقد الوهمية) التي بدأت تتكاثر بشكل مخيف، يهدد عقائد الناس وصحيح دينهم، ويمنح فرصة للقائمين عليها بالإثراء غير المشروع، وغير ذلك كثير.

وإذا كانت معالجة تلك الظواهر تتطلب جهودا مضاعفة من قبل المؤسسات الدينية،والفعاليات المجتمعية المختلفة، ووسائل الإعلام، والفن (فيلم البيضة والحجر)أنموذجاً، فإن الردع القانوني يمثل حجر الزاوية في لجم أولئك المتاجرين بالوهم وإيقاع العقوبة المناسبة عليهم.

وبالرجوع إلى النصوص القانونية نجد أن قانون العقوبات العراقي لم يتضمن نصاً خاصاً ينطبق على هذه الجرائم. حاله حال العديد من التشريعات العقابية العربية. حيث أن تلك الجرائم تندرج تحت نص المادة (456) عقوبات، باعتبارها صورة من صور الاحتيال. ولعل مادفع المشرع العراقي إلى عدم إفراد نص خاص لجريمة ممارسة أعمال السحر والشعوذة هو صعوبة إثبات تلك الجريمة حيث أن الركن المادي لتلك الجريمة، يصعب إثباته والتدليل عليه وهو الذي يتعلق بطلاسم وتعويذات قد تتلى شفاهاً. وغير ذلك من المبررات التي قيلت في تفسير عدم وجود نص خاص.

غير أننا نجد أن تلك المبررات لم تعد تصلح أساساً لإغفال المشرع النص على تلك الجرائم خاصة بعد أن انتقلت تلك الأعمال من نطاق السرية والأقبية المظلمة إلى نطاق العلن، وصارت لها مراكز وقنوات فضائية تمارس من خلالها ويسهل إثباتها وإقامة الدليل عليها. ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المشرع العراقي نص على تجريم بعض الأعمال التي تدخل في نطاق السحر ومنها (انتهاك حرمة الموتى والقبور) المادة (373و374) والتي قد يلجأ إليها السحرة في بعض أعمالهم. لذلك نرى أن الضرورة باتت ملحة في الوقت الحاضر إلى إدراج نص في الباب الثامن من قانون العقوبات باب (الجرائم الاجتماعية) للنص على تجريم هذه الظواهر بشكل صريح وتشديد العقاب على مرتكبيها كونها باتت تمثل خطراً ماحقاً يمس امن المجتمع وسلامة عقائده ويهدد وعي البسطاء ويسلب أموالهم.

وفي ظل غياب النص المأمول ينبغي على المحاكم ان تتشدد في عقاب مرتكبي تلك الجرائم، حيث أن عقوبة الحبس التي نصت عليها المادة (456) لا تتناسب مطلقاً مع خطورة تلك الجرائم وبالإمكان تشديد العقاب استدلالاً بالمواد (135/2)و(138) من قانون العقوبات وان يتضمن الحكم عدداً من التدابير الاحترازية المادية ومنها (المصادرة وغلق المحل ووقف الشخص المعنوي وحله) في ما يتعلق بالمؤسسات والشركات والقنوات الفضائية التي تمارس تلك الأعمال من خلالها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت