تاريخ القانون البحري وذاتية مصادره

القانون البحري بالغ القدم فهو معاصر لذلك الوقت البعيد الذي تجرأ فيه الإنسان
على ركوب البحر منذ قرون عديدة قبل الميلاد وأبعد ماتعرفه عن آثاره هو
ماتخلف من عادات بحرية ناشئة عن العلاقات بين مصر الفرعونية والجزيرة
كريت منذ حوالي 20 قرن قبل الميلاد ثم نظام الخسارات العمومية الذي عرفه
الفينيقيون منذ 11 قرن قبل الميلاد ثم الإريق اللذسن أوجدوا قرض المخاطرة
الجسيمة وهو أصل عقد التأمين البحري منذ 6 قرون قبل الميلاد .

وقد أخذت العادات البحرية أكثر فأكثر في العصر الوسيط إثر تدوينها في مجموعات
شهيرة خلال القرون الوسطى فلقي النقل البحري ازدهاراً تابعاً لازدهار التجارة في
المدن الإيطالية ولقيام الحرب الصليبية، وهو ما استدعى اتساع النقل البحري من الغرب
إلى الشرق ومن الشرق إلى الغرب، فاقتضى الأمر تجميع وتدوين بعض عادات البحر في
نصوص واضحة ولعل أهمها قواعد دوليرون في القرن 12 ميلادي Dolérans، وهي
مستمدة من القضاء البحري في الموانئ الفرنسية المطلة على المحيط الأطلسي، ومجموعة
قنصلية البحر وترجع إلى القرن 14 وهي مستمدة من قضاء محكمة برشلونة التي كانت
تحمل هذا الإسم ومجموعة ” مرشد البحر ” وترجع إلى القرن 16 وأصلها مدينة روان
Rouen والتي اهتمت بصفة خاصة بتحديد تفاصيل قواعد التأمين البحري .

إن هذه المجموعات Les codes لم تكن إلا تقنيناً للقواعد السارية في ذلك الوقت وحتى
قبله وهي تتصف بالدقة في الصياغة والوضوح لكي يفهمها المستغلون بالملاحة البحرية
بالإضافة إلى الفقهاء والقضاة .

وتميزت العصور الحديثة بظهور أول تشريع بحري فرنسي في عهد لويس 14 عام 1681
تحت اسم الأمرية البحرية وهو مصدر القانون البحري الفرنسي الصادر عام 1807 وبالتبعية
له القانون البحري الجزائري لعام 1976 .

ذاتية القانون البحري

يتميز القانون البحري بذاتية خاصة فقد قيل بشأنه بأنه يتمتع بصيغة تقليدية جعلت قواعده
خالدة مستقرة لا تكاد تتأثر بالزمن وهو ماجعل الفقيه الفرنسي يعلق قائلاً : ” إن القانون
البحري يجتاز القرون دون أن يصيبه الهرم “. ولذلك فهو قانون رائد.
فأخطار البحر قدمت للبشرية كلها وسيلتين قانونيتين هما : عقد التأمين ونظام الشركة
ولا شك أن مجتمعاً يحيطه الموت منكل جانب لشهور طويلة ومعرض للهلاك في أية
لحظة لا بد أن يكون أقوى المجتمعات تضامناً للدفاع عن كيانه وأشده حرصاً على
تطبيق واحترام القانون الذي يهيئ له أسباب السلامة ولعل فكرة المصلحة العامة
أشد تطبيقاً في النظام البحري من غيره، فيحتم القانون البحري ضرورة طاعة القائد
( الربان) لمصلحة الجماعة ونظم الإئتمان القوي بصورة متكاملة وحدد القواعد التي
تكفل جذب هذا الإئتمان ووضع تصفية دقيقة لتوزيع مكاسب مشروع منظم بعد توزيع
الخسارات والتكاليف الناجمة عن التعرض لخطر مشتركغير أن هذه الذاتية لا تعني
استقلال قواعده عن القواعد العامة للقانون لا سيما عند نقص قواعده بشرط أن يقع
التنسيق وتحدث الملائمة لاحترام هذه الذاتية .

مصادر القانون البحري

1- التشريع البحري :

ويقصد به القانون الذي يضعه مشرع الدولة في شكل نصوص مثل القانون التجاري
والقانون المدني وتضاف إليها أحكام المعاهدات الدولية التي تنظم إليها الدولة البحرية
لما تحتويه كذلك من أحكام قانونية واجبة النفاذ والتطبيقبعد التصديق عليها قانوناً .

2- العرف البحري :

نظراً لأهمية العرف البحري فقداستطاع نسخ القاعدة القانونية البحرية عند التعارض
فإذا كان النص البحري المتعلق بكتابة سند الشحن في أربع نسخ وفقاً للقانون المصري
فإن العرف يكتفي بنسختين أو ثلاث فقط ويحترم القضاء هذا العرف .

3- القواعد العامة التجارية أو المدنية :

ويلجأ إليها في حالة عدم وجود نص بحري أو عرف بحري .

4 – المصادر التفسيرية أوالتكميلية :

ولعل أهمها :
– العادات البحرية : التي تستمد قوتها مناتجاه نية الأطراف إلى الأخذ بها وقد تكون
محلية أو دولية وقد يحيل عليها النص البحري كما في صورة عدم الإتفاق على ميعاد
معين للشحن أو التفريغ فيتبع حكم العادة في الميناء وقد تزداد العادة وضوحاً إذا ما
كتبت في عقود نموذجية مطبوعة كذلك يعد كل من الفقه والقضاء مصدران هامان
من المصادر التفسيرية .