إرشادات أولية حول تحرير العرائض

من البداية نشير إلى أنه لا يمكن الإحاطة بكل الأعمال التي يقوم بها المحامي عن تمثيل موكله أمام الجهات المختصة في هذه الدروس التطبيقية المخصصة للتدريب الأولى للمحامي المتربص لأن القانون حدد لكل مسألة إجراءاتها المطلوبة وبين دور المحامي فيها لذلك تجدر الإشارة منذ البداية إلى أن اهتمامنا ينصب على أسلوب التحرير بالدرجة الأولى.

ومما لا شك فيه أن جل أعمال المحامي أثناء أدائه لمهامه أو بسببها تتطلب منه التحرير لأنه الوسيلة الأساسية الفعالة المطلوبة لتمثيل موكله والحفاظ على حقوقه سواء قبل تحريك الدعوى أمام الجهات القضائية أو أثناء سيرها أمام مختلف درجات التقاضي على مستوى المحكمة الابتدائية أو المجلس القضائي أو المحكمة العليا، وكذلك أمام القضاء الجزائي الذي يعتقد الكثير أن المرافعات الشفهية أمام محكمة الموضوع كافية مع أن هذا الاعتقاد غير صحيح في رأينا بل إن التحرير قد يكون هو الوسيلة الوحيدة المطلوبة في حالة ما إذا كان القانون حدد الإشكال المطلوبة لرفع الدعوى أو تقديم الطلبات أو الدفوع وحدد الإشكال الإجرائية الجوهرية التي يتعين التقيد بها تحت طائلة البطلان في حالة تخلف الأجراء، ومع ذلك لا يقصد بالتحرير التقيد المطلق والصارم بإجراءات كل نوع من أنواع العرائض والعقود شبه القضائية حسب قوالب معينة، بالعكس إن المحامي في كل ما يقوم به من تحرير لمختلف نماذج العرائض والأوراق شبه القضائية بالإضافة لوجوب التقيد بالجوانب الشكلية المطلوبة قانونا فهو قبل كل شيء يستعمل التحرير لصياغة الأفكار القانونية وتأسيس طلباته وتقديم معطيات كل قضية بأسلوب فني سلس مفهوم وطريقة منهجية سليمة.

فالتحرير قبل كل شيء هو فن للصياغة القانونية، والتحرير القضائي عموما كالتحرير الإداري يمتاز بالدقة والوضوح واستعمال المصطلحات المطابقة تماما لمعاني المراد توضيحها مع التقيد بالجوانب الشكلية والإجرائية المطلوبة. ويكفي المقارنة للدلالة على أهمية التحرير في هذا السياق بين عريضة حررها محامي أو شخص تعود التعامل مع العدالة وعريضة أخرى إنشائية تتضمن نفس الأفكار ولكنها محررة من شخص غير متعود على التحرير القضائي.

ومع أن التحرير لا يكتسب دفعة واحدة ولكن عن طريق الممارسة والتجربة الميدانية وذلك مهما كانت ثقافة المحرر وكفاءته النظرية، إلا أن المحامي الناجح في التحرير هو من يستطيع أن يوصل معطيات القضية بأسلوب مفهوم يسخر من خلاله كل معلوماته القانونية ويستغلها، فيسوغ وقائع القضية ويقدمها حسب ما يتطلب الموقف مفصلة أو موجزة، مركزا على المهم منها، ملتزما الموضوعية في الطرح ومتقيدا بالخطوات المنهجية في التحرير. فيتعرض أولا للوقائع ثم للتكييف القانوني لها ثم يؤسس طلباته ويقدمها واضحة ودقيقة.

وفضلا عن اختلاف صيغ الدعاوي والأوراق شبه القضائية من نموذج لأخر، فإن التحرير سوف يختلف أيضا حسب المرحلة التي قطعتها القضية ويتكفل بها المحامي، فإذا تم توكيله منذ البداية ولم يسبق لغيره أن قام بأحد الإجراءات المطلوبة فإن المحامي هو الذي يتولى القيام بكل الإجراءات كالإنذارات وعليه أن يراعي دائما في كل ما يكتب وما يقدم عدم التناقض أو التعارض، ويستحسن الشروع في التحرير بعد جمع كافة معطيات القضية والاطلاع على مستنداتها حتى يكون على بينة مما يحرر ومما يطلب، وربما يدلي له موكله بوقائع وتفاصيل كثيرة بعضها ضروري والآخر غير ضروري، أحيانا يشير عرضا لمسائل لا يدرك أهميتها في القضية ولكن على المحامي بعد تسجيل ملاحظاته الأولية أن ينتقي كل الأفكار المهمة التي من شأنها تساعده في الدفاع على حقوق موكله بشكل أنجع.

أما إذا تدخل المحامي في القضية بعد أن قطعت مراحل وأشواطا وتمت فيها الإجراءات من الموكل أو المحامي الأخر، فيبتغي على المحامي أن يطلع على كل ما استنفذ في القضية بما في ذلك الإجراءات والمذكرات المقدمة للعدالة حتى ينسق ما أمكن معها أو يصحح فيها أو يتمم الناقص منها، وإذا تم توكيل محامي بجانب محامي آخر فغالبا ما يكون التنسيق في العمل بينهما أكثر فائدة لتوجيه دفاعهما وتأسيسه بصفة موحدة. أما إذا تولى المحامي القضية بعد أن كان الموكل هو الذي تكفل بها سابقا وحده، فعلى المحامي أن يصحح كل ما يراه ناقصا أو غير كفي أو غير واضح بما في ذلك تقديم مذكرات توضيحية أو طلبات معدلة أو إضافية للطلبات السابقة الواردة في العريضة الافتتاحية، أما إذا لاحظ النقص في الإجراءات الأولية قبل رفع الدعوى فينبغي إعادتها من جديد.

كذلك يستحسن قبل الشروع في التحرير أن يتم الاتفاق مع الموكل بخصوص الطلبات والإجراءات التي يلتزم القيام بها.

وإذا اضطلع المحامي بالقضية على مستوى الدرجة الثانية أو أمام محكمة القانون، فمن الضروري قبل الشروع في التحرير أن يكون على بينه من المراحل التي مرت بها القضية، ولاسيما الأحكام الصادرة بشأنها، لأن المحامي وهو يستأنف حكم الدرجة الأولى أو يطعن فيه بالنقص أو في قرار المجلس إنما في حقيقة الأمر يعيب على الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أنها أغفلت مسائل قانونية، كان من المفروض أن تتطرق لها أو تفصل في النزاع على ضوئها أو أخطأت في التطبيق الصحيح للقانون، ومن باب أولى يجب على المحامي أن يكون مـتأكدا مما يكتب، ما يطلب أو ما يدفع به.

يجب على المحامي بوصفه عن للعدالة أن يكون دوره إيجابيا يساعد العدالة في الكشف عن الحقيقة على حسب ما يراه أو يعتقده، ولا يليق به أن ينزل بمستواه لدرجة يتضح فيها أنه مجرد مراوغ ومخفي للحقيقة بوسائل غير لائقة به كعون للعدالة.

كذلك يختلف دور المحامي في التحرير حسب الطرف الذي يمثله، المدعي أو المدعى عليه، المستأنف أو المستأنف عليه، فإذا كان في حق الطرف الأول فيجب أن يركز على الوقائع وتأسيس الطلبات، أما إذا كان ممثلا للطرف الثاني فالمهم عنده هو رفض الدعوى أو الاستئناف وبالتالي كل وسيلة قانونية توصل لهذه الغاية تعد مقبولة ومن ثم يركز على الدفوع الشكلية والدفوع بعدم القبول والدفوع الموضوعية بهذا التسلسل. فإذا كان متأكدا مثلا من الاستئناف حصل بعد فوات الميعاد القانوني أو أن الجهة القضائية المرفوع أمامها الدعوى غير مختصة نوعيا أو محليا في كيفية التمسك بهذا الدفع بصفة أساسية بعد توضيحه ولا حاجة للتطرق للموضوع بصفة رئيسية وتفصيلية.

وبعد الانتهاء من التحرير والطبع، وقبل أن تودع العريضة ينبغي على المحامي أن يراجعها بنفسه ويتأكد مرة أخرى من محتواها ثم يقوم بختمها وإمضائها.

إجراءات أولية قبل تحرير العرائض

تهم هذه الإجراءات التحرير، ويتوقف على توافرها الشروع فيه، وعلى المحامي أن يحرس على مراعاتها وتوفر معطياتها قبل أن

يحرك النزاع على مستوى العدالة وينطلق في الإجراءات، يجب أن يتأكد من:

1. مدى توافر المعلومات الضرورية مثل اسم الموكل ولقبه ومهنته وعنوانه، والمستندات الخاصة بموضوع النزاع، اسم الخصم

ولقبه ومهنته وعنوانه.

2. الميعاد الذي يجب أن يرفع فيه القضية، وما إذا كان القانون قد حدد ميعادا معينا لرفعها وما إذا كانت المدة

لازالت مفتوحة.

3. هل يتعين القيام ببعض الإجراءات الأولية مثلا إجراء إنذار أو تظلم ولائي أو رئاسي أو إثبات حالة أو الاتصال بمحامي

الخصم أو الخصم نفسه لحل النزاع وديا تفاديا لضياع الوقت والمصاريف.

4. تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا ومحليا.

5. هل المحامي هو الذي تولى القضية منذ بدايتها أم أنه سبق توكيل محامي آخر من طرف الموكل أو أن الموكل نفســـــه

كان قد شرع فيها.

6. ما هو الشكل الذي سوف يعرض فيه النزاع على العدالة.