برامج الحاسوب وقواعد الملكية الصناعية: تناغم أم تنافر؟

تقديم :

شهد العالم تطورات تكنولوجية متلاحقة أرَّخَت لعصر جديد يصطلح عليه بعصر ثورة المعلومات، الذي شهد ميلاد أعظم ما تفتق عنه العقل البشري، وهو “الحاسوب”. وهو جهاز إلكتروني ذو مقدرة عالية على تخزين المعلومات واسترجاعها، وإعطاء نتائج جد دقيقة بسرعة متناهية. ولتشغيله والقيام بالعديد من المهام بواسطته، لابد من تثبت على ذاكرته البرامج التي تعد قلبه النابض، بحيث لولاها لما كان الحاسوب سوى قطعة حديد فارغة.

والبرامج هي مجموعة من التعليمات المتتالية المعبر عنها بكلمات أو برموز أو برسوم أو بأي طريقة أخرى، تمكن حينما تدمج في دعامة قابلة لفك رموزها بواسطة آلة، من إنجاز عمل أو تحقيق مهمة محددة، أو الحصول على نتيجة بواسطة حاسوب، أو بأي طريقة إلكترونية قادرة على معالجة المعلومات . لهذا لم تطرح أي مشاكل عند ظهور الحاسوب، بحيث اعتبر منذ البداية اختراعا . على أن الإشكال انحصر بالأساس في برامج الحاسوب التي كانت تسوق معه بادئ الأمر، بدون فصل في العقود المتضمنة لبيع الأجهزة، بينها وبين البرنامج المشغل عليها.

أسباب عديدة جعلت مسألة حماية برامج الحاسوب تطرح بحدة، خاصة مع تطور تكنولوجيا الحواسيب، وتنوع أشكال القرصنة والتقليد بشكل كبير، هذا إلى جانب أن صناعة برامج الحاسوب تتطلب رؤوس أموال ضخمة وأيادي عاملة خبيرة معلوماتيا، مما يعني أنها استثمار صناعي بالدرجة الأولى .

فلماذا يا ترى، لم ينظر إليها على أنها اختراع تقني في مجال المعلو قواعد الملكية الصناعية؟.
هذا ما سنتطرق إليه من خلال البحث في مدى إمكانية تطبيق قانون الملكية الصناعية على برامج الحاسوب (المبحث الأول). لتقدير الحماية القانونية لبرامج الحاسوب عن طريق قانون الملكية الصناعية (المبحث الثاني).

المبحث الأول: مدى إمكانية تطبيق قانون الملكية الصناعية على برامج الحاسوب :

تتداخل في برامج الحاسوب عناصر الإبداع الفكري بالمعرفة التقنية في مجال البرمجة وإنشاء البرامج، مما يجعلها بمثابة اختراع. والاختراع في التشريع المغربي بموجب المادة 21 الفقرة 1، هو منتجات وطرائق وكل تطبيق جديد أو مجموعة وسائل معروفة للوصول إلى نتيجة غير معروفة بالنسبة إلى حالة التقنية. وعليه، “الاختراع فكرة جديدة تسمح عند تطبيقها، بحل مشكلة محددة في مجال التكنولوجيا” . وهو يتخذ صورا عديدة، كأن يؤدي إلى إنتاج صناعي جديد كليا، أو يكون تطبيقا جديدا لطريقة أو وسيلة صناعية معروفة. وقد تضمن ظهير الملكية الصناعية الجديد، الإشارة إلى تحديد صور الابتكار في المواد من 21 إلى 29، كما حدد شروط منحه للبراءة بمقتضى هذه المواد.
وعلى المخترع حماية اختراعه وفق الطرق القانونية التي خولها له المشرع، حيث يمنحه وثيقة رسمية تصدرها الجهات المسؤولة في الدولة ، بمقتضاها يستطيع استغلال اختراعه لمدة معينة وبقيود يحددها المشرع. كما له حق التمسك بالحماية القانونية لاختراعه، ضد كل أشكال التعدي عليه من قبل الغير .
ورغم أن الكثير من التشريعات استبعدت برامج الحاسوب من دائرة الحماية بموجب براءة الاختراع، فإن الكثير من الآراء الفقهية نادت منذ طرح مسألة حماية برامج الحاسوب، بوجوب حمايتها وفق قواعد براءة الاختراع. وما يزكي هذا الطرح، هو التوجه الحالي لمعظم التشريعات نحو قواعد الملكية الصناعية، لإضفاء حماية قانونية فعالة لبرامج الحاسوب، فما مدى إمكانية حماية قانون الملكية الصناعية لبرنامج الحاسوب ولخرائطه التدفقية وكذا لعلامته التجارية؟.

المطلب الأول: مدى توافقية شروط منح البراءة مع طبيعة برامج الحاسوب:

تظهر كل يوم إبداعات جديدة ومختلفة، لكن لا توصف كلها بالاختراع لعدم توفرها على شروطه وهي:
الشرط الأول: بأن يكون مشتملا على نشاط إبداعي، أي أن يكون إنتاجا جديدا مقارنة والمستوى التقني المعروف، أو طريقة أو وسيلة جديدة بالنسبة إلى حالة التقنية، أو تطبيقا جديدا لوسائل معروفة، أو أن يكون الاختراع عنصرا في تركيب صناعي جديد.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الابتكار جديدا وغير داخل ضمن حالة التقنية الصناعية.
الشرط الثالث: أن يكون هذا الاختراع قابلا للتطبيق الصناعي.
الشرط الرابع: ألا يكون الاختراع منافيا للنظام العام أو الآداامة:
فالاختراع إذن، إبداع فكري بالدرجة الأولى موج
التطبيق التقني. ولا تخرج برامج الحاسوب عن كونها أيضا إبداعا فكريا، على أنها تتميز بتنوعها بين ما هو مخصص للتطبيق الصناعي وبين ما هو مخصص للميادين التجارية أو قطاعات التدبير والصناعة وغيرها.

فبرامج الحاسوب مجموعة من التعليمات المتتالية يطلق عليها في الاصطلاح المعلوماتي “بالخوارزميات” ، موجهة من الإنسان إلى الآلة والتي بنقلها على دعامة مادية مقروءة من الآلة، يؤدي إلى تحقيق نتيجة معينة والحصول على وظيفة محددة عن طريق آلة تستطيع معالجة المعلومات. وهي وإن كان فكرة جديدة أو تطبيقا جديدا مقارنة ومستوى التقنية الموجودة، لا تبدو اختراعا وفق المعنى الكلاسيكي لهذا المصطلح. لكن، هل يعني هذا، أن يحرم البرنامج الذي يدخل ضمن طريقة أو تطبيق صناعي جديد من دائرة الحماية ؟.
إن البحث في مدى إمكانية اعتبار البرنامج فكرة أو تطبيقا أو وسيلة جديدة في مجال التقنية بمقتضاها يمنح البراءة، يستلزم الوقوف بادئا على الآتي:
لعل أول ما يصطدم به البرنامج إزاء تطبيق قواعد البراءة عليه، أنه لا يعد -من وجهة نظر المشرع المغربي- اختراعا بمقتضى المادة 23 الفقرة 3 من قانون الملكية الصناعية، ولم تستثن سوى تصاميم الدوائر المندمجة التي يكون الغرض منها أداء وظيفة إلكترونية . فماذا عن أفكار البرامج وخوارزمياتها والطرق التي نشأت على أساسها؟.
من الممكن أن نعتبر الخوارزميات وفق المادة أعلاه كالأفكار ملك عام، للجميع حق استعماله واستغلاله دون أن يكون ملزما بالرجوع إلى مؤلفها الحقيقي، وإن كانت إبداعات أصلية لمبتكرها أو ابتكارا جديدا في مجال تركيب البرامج أو أسلوبا جديدا في البرمجة. وبذلك تستبعد من الحماية خوارزميات برامج الحاسوب، لأن مفهومها بعيد عن التطابق ومفهوم التطبيق أو الوسيلة الجديدة في قانون الملكية الصناعية. ورغم أن موقف هذا الأخير صريح بهذا الخصوص، فإن مسألة حماية برامج الحاسوب بمقتضى قواعد البراءة، مثار نقاش كبير، ذلك أن البراءة استبعدت عنها لدواعي سياسية واقتصادية بحتة .
فقد نادى بعض من الفقه بضرورة حماية برامج الحاسوب وفق قواعد براءة الاختراع، لأن البرامج تستعمل بالأساس للتعامل ليس مع الإنسان، بل مع مجموعة من الآلات والأجهزة في الحاسوب، لإدارتها وتوجيهها للقيام بعمل معين أو لتقديم خدمة محددة للمستخدم. وما دامت هذه البرامج لصيقة بالآلة وهذه الأخيرة محمية وفق مقتضيات براءة الاختراع، ولأن الفرع يتبع الأصل، فمن الواجب أن تنسحب البراءة أيضا على برامج الحاسوب باعتبارها جزءا من الآلة التي تستخدمها .
وعليه، البرامج كأي اختراع تتضمن أفكارا منطوية على إبداع فكري جديد. بمعنى آخر، البرامج وفق هذا الاتجاه، طريقة صناعية جديدة، تجعل آلات وأجهزة الحاسوب تؤدي خدمة معينة، فهي تؤدي غرضا جديدا يصلح لاستغلاله وتطبيقه صناعيا. وبذلك تكون برامج الحاسوب، اختراعا ابتكاريا جديدا قابلا للتطبيق الصناعي. فالبراءة تعني الصناعة، والبرامج كذلك.
إن برنامج الحاسوب يظهر كنظام تعليمات معبر عنها وفق شكل معين، موجه لجهاز آلي بقصد تحقيق نتيجة محددة، وكل من هذا الجهاز وتلك النتيجة مرتبط نسبيا بذلك النظام. ويجب أن يكون البرنامج متميزا عن كل تلك العناصر أو على الأقل، من حيث النظام القانوني الذي يحكمه. بعبارة أخرى، يجب أن يكون البرنامج منفصلا عن شكله المادي المعبِّر عنه، وهو دعامته المثبت عليها والتي تعطيه شكلا ماديا. لكن، ألا يمكن اعتبار أن ابتكار تقنيات البرمجة من باب التطبيق الصناعي، ويستأهل البرنامج بالتالي الحماية القانونية بمقتضى البراءة؟.
إن هذا يستدعي البحث في نوع وتخصص البرنامج، مثلا: نبحث في برنامج حاسوب ما، هل يشكل طريقة جديدة لحل مشكل علمي، أم أنه ليس سوى تعريف بتعليمة أو طريقة جديدة في الإنتاج، أم هو عبارة عن تركيبة تعليمات، من أجل تجربة جهاز جديد أو وظائف جديدة لجهاز موجود، كما ولا بد من معرفة ما إذا كان هذا البرنامج تطبيقي أم نظري. بعبارة أخرى هل يحل هذا البرنامج لمستخدمه مشكلة محددة ذات طبيعة تقنية أو صناعية، أو في مجال آخر ؟. فهل يمكن القول، بأن عنصر الجدة، يمكن أن نبحث عنه في البرنامج من حيث هو تعليمات لمنحه البراءة؟. وهل ما يحضى بالحماية القانونية أحد عناصره فقط، أو مرحلة معينة منه؟.
الواقع أنه يصعب رصد هذا، وإن كانت مجموع التعليمات المركب منها البرنامج جديدة. فما يُرتكز عليه للقول بأنها متضمنة لعنصر الجدية، هو المفهوم المعطى للاختراع لكي يحصل أي ابتكار على البراءة. وبذلك برنامج الحاسوب من حيث تركيبته من مجموعة تعليمات لا تتوفر فيه الشروط المتطلبة لمنحه صفة اختراع، وبالتالي القول ببراءته. ويبدو للوهلة الأولى، أن شرط الجدة في برنامج الحاسوب لا يمكن تطبيقه إلا في حالة البرنامج في صفته الأولى، كفكرة أساس (Idée-****) لابتكار البرنامج، أي البرنامج-المصدر الذي يمكن أن يقترب نوعا ما من مفهوم الاختراع.
ولنعد هنا إلى مسألة الخوارزميات كطريقة تعبيرية عن التصورات المراد تحقيقها من خلال البرمجة، والتي يمكن حمايتها إذا ما اعتبرنا الخوارزميات وسيلة جديدة لعمليات متتابعة للوصول إلى صناعة منتجات مادية أو لتحقيق نتيجة تقنية جديدة، إعمالا لمقتضيات المادة 21 من ق.م.ص.، سواء كان التطبيق الجديد للخوارزميات للحصول على منتجات صناعية معروفة، أو للوصول إلى نتيجة صناعية جديدة، أو كان استخدام هذه الوسائل المعروفة للوصول إلى إنتاج معروف يكون الجديد فيه، هو استخدام هذه الطريقة لتحقيق تلك النتيجة.

بهذا يمكن التوصل إلى إمكانية حصول خوارزميات برنامج الحاسوب على البراءة، كابتكار جديد في مجال التطبيق التقني. ونقول التقني بدل الصناعي، لما في ذلك من توسيع لدائرة الاختراعات وعدم حصرها في دائرة التطبيق الصناعي فقط.

وعليه، فإن قواعد البراءة كما نص عليها في ق.م.ص.، يصعب اتساقها وطبيعة تركيبة ومضمون برامج الحاسوب، نظرا لانصياعها وراء مفاهيم -قد تبدو في مستقبل قريب- قاصرة عن شمول الكثير من الابتكارات. كما “يصعب التحقق من شرط الجدة إلا في حالة وحيدة، وهي حينما يشتمل البرنامج على تطبيق جديد للخوارزميات في مجال التقنية، بحيث تظهر بكل وضوح لرجل الحرفة العادي عناصر الإبداع المتطلبة، للقول بتوافر الابتكار والإبداع الجديد في البرنامج” ، مما يكون معه من اللازم إعادة النظر في مفاهيم البراءة والاختراع وغيرهما.
ويعتبر موقف المشرع المغربي من برامج الحاسوب، إجحافا كبيرا بحقها، إذ أنها قد تكون ذات أغراض صناعية وأفكار جديدة في مجال التطبيق التقني، مما من شأنه الوقوف أمام التطور التكنولوجي، مع ما قد يستجد من تقنيات لبرامج الحاسوب.
ويبدو أن الطرح الذي أعطاه الأستاذ أحمد بن عجيبة أفضل لو اتبع، فهو يرى أنه “إذا كان الغرض من برامج الحاسوب إظهار فكرة صناعية جديدة، لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال هذا البرنامج، فمن هذه الزاوية تصبح قابلة للحماية ببراءة الاختراع. ذلك أن برامج الحاسوب وإن كان يصدق عليها في كثير من الأحيان وصف الاستغلال الصناعي، إلا أن أغلبها لا يمثل في كثير من الأحيان إلا أفكارا موجودة ومتناولة” .

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 22 الفقرة 1 من اتفاقية الجوانب الفكرية المتصلة بالتجارة لسنة 1994، أتاحت إمكانية الحصول على براءة الاختراع، سواء للمنتجات أم العمليات الصناعية في كافة ميادين التكنولوجيا، شريطة كونها جديدة ومنطوية على “خطوة إبداعية” قابلة للاستخدام في الصناعة (…)، ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز فيما يتعلق بمكان الاختراع أو المجال التكنولوجي أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محليا”. فبمقتضى هذه المادة وبالضبط من العبارات “عمليات صناعية في كافة ميادين التكنولوجيا، شريطة كونها جديدة…”، نفهم بأن هذه الاتفاقية، لم تمنع برامج الحاسوب من التمتع بالبراءة إذا ما كانت قابلة للاستخدام في المجال الصناعي وكانت جديدة. ومن ثم، تكون قد تركت الباب مفتوحا أمام خوارزميات البرنامج لكي تحظى بالبراءة، كلما دخلت ضمن مفهوم “العمليات الصناعية” المنطوية على “خطوة إبداعية”، في كافة ميادين التكنولوجيا .
ويمكن أن نفهم أن الاتفاقية المذكورة، حينما حمت برامج الحاسوب عن طريق قانون حق المؤلف، فالأغلب أنها اعتبرت أن هذه الحماية مقررة لمؤلف البرنامج وليس للبرنامج في ذاته، بحيث نجدها قد حمت برنامجي المصدر والهدف أيضا، واعتبرتهما بمثابة إبداع أدبي وفق اتفاقية برن. لهذا، خوارزميات برامج الحاسوب أحيطت بالحماية القانونية وفق هذه الاتفاقية.
ونجد هذا الطرح صحيحا، إذا ما ميزنا بين مختلف مراحل إنجاز البرامج، وما يزيده تأكيدا، أن:
– أولا: الممارسة العملية للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية -وحتى قبل صدور ق.م.ص.الجديد- قد أخذت بما استقرت عليه الممارسة العملية الدولية، بحيث يقبل منح البراءة لأي برنامج للحاسوب، دخل في مرحلة ما من مراحل طريقة صناعية جديدة.
– ثانيا: أن التعليمات النموذجية لحماية البرمجية الصادرة عن المكتب الدولي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية لسنة 1978، نصت صراحة على شمولية وصف البرنامج مجال حماية البرامج، وعرفته بأنه التقديم الكامل والمفصل لمختلف العمليات، شفويا أو تخطيطيا أو غيرهما بشكل كاف، بقصد تحديد مجموعة التعليمات المكونة لبرنامج الحاسوب.
إذن، البرنامج والحاسوب هما إحدى الوسائل للوصول إلى النتيجة أو الاختراع الجديد، ويقوم البرنامج بتكملة الطريقة الصناعية، بحيث لولاه لما تم التوصل إلى النتيجة المطلوبة. مما تتوجب حمايته من القرصنة، لما في هذا النوع من الاستثمارات من أهمية كبيرة، ليس فقط على مستوى الاختراع أو النتيجة المتوصل إليها، ولكن أيضا من حيث تصميم وإنشاء البرنامج؛ فكلاهما استثمار ضخم، وأي فصل بينهما يكون مسا خطيرا بالاختراع وبالفكر الإبداعي وبالحقوق المالية على هذا الإبداع .
ويعمل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، عن طريق قاعدة المعطيات الوطنية والدولية للبراءات، على البحث عن البراءات عبر مختلف أقطار المعمور، ليراقب في كل طلب للحصول على البراءة مدى جديته وجدته أيضا ومدى استيفائه للشروط المطلوبة . وهكذا، تحظى برامج الحاسوب بحماية قانونية مهمة بمقتضى قواعد البراءة، إذا ما أخذنا مفاهيم الابتكار والإبداع والصناعية بشيء من المرونة.
لكن، هل تمتد حماية قواعد الملكية الصناعية لبرامج الحاسوب إلى علامته؟. وماذا عن خرائطه التدفقية، أيمكن أن نعتبرها بمثابة رسوم ونماذج، تمتد إليها قواعد ق.م.ص. بالحماية؟.

المبحث الثاني: حماية اسم البرنامج وعلامته التجارية، وكذا خرائطه التدفقية

باعتبار برنامج الحاسوب إنتاجا فكريا وسلعة تجارية تقوم بمهمة معينة، لا بد له من اسم تعريفي لدى الجمهور يميزه عن غيره، كما قد تكون له علامته الفارقة المميزة له عن غيره من البرامج الأخرى . وحماية اسم وعلامة البرنامج من الأهمية بمكان، وإلا لظهرت العديد من البرامج التي تحمل ذات الاسم ونفس العلامة، مما سيوقع المستخدم في خلط كبير بخصوص أنواع البرامج ومهماتها. فهل يمكن حماية برامج الحاسوب، بمقتضى علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة؟ (1).
خلال مراحل إعداد أي برنامج للحاسوب وبعد تجميع كل المعطيات الضرورية لتصميمه وابتكاره، يقوم مهندسو البرمجة والمبرمجون بتجسيد هذه المعلومات على شكل خرائط تدفقية وتصاميم تمثيلية، فهل يصدق عليها وصف الرسوم والنماذج لقانون الملكية الصناعية بقصد حمايتها؟ (2).

1- حماية علامة واسم برنامج الحاسوب:
تلعب علامة البرنامج دورا مهما في إرشاد المستهلك أو المستخدم، للتعرف عليه وعلى نوعية الخدمة التي يقدمها، ليس فقط على الصعيد الوطني بل وعلى الصعيد الدولي أيضا، مما يكسبه ثقة الجمهور فيه كسلعة أو خدمة من جهة، وفي الجهة المصدرة للبرنامج من جهة ثانية.
فلا يخفى في ظل عصر العولمة والتنافس التكنولوجي والاقتصادي، “الدور المهم الذي تلعبه العلامة في حياة المقاولات بصفة عامة. فهي تكون أحد العناصر الأساسية لاستمرار أنشطتها الاقتصادية، والضامن لتمييز منتوجاتها وخدماتها عن المنتوجات المنافسة والمحافظة على قيمتها وجودتها وزبنائها، في الأسواق التجارية الوطنية والدولية” . وعملا بهذه المقتضيات، كان على المغرب أن يواكب التطورات الدولية، بقصد تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية على السواء، بضمان الحماية القانونية للعلامات التجارية.

وقد عرف المشرع المغربي في ق.م.ص. علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة في المادة 133 الفقرة 1، بأنها “… كل شارة قابلة للتجسيد الخطي تمكن من تمييز منتجات أو خدمات شخص طبيعي أو معنوي”. وأفرد لها الحماية بمقتضى (المواد من 134 إلى 136)، إذا ما توافرت فيها: صفتها المميزة لها، والجدة والمشروعية أيضا.

وفي غياب حكم قضائي مغربي في الموضوع، نستأنس بقرار لمحكمة النقض الفرنسية، التي أقرت “بالحق في حماية العلامة التجارية للبرنامج، إذا ما استعملت شركة منافسة علامته التجارية، وإن اقتصر هذا الاستعمال على جزء منها، لما في ذلك من تشابه بين البرامج من شأنه خلق اضطراب لزبائن الشركة المعتدى على العلامة التجارية لبرنامجها” . فلكل برنامج للحاسوب، اسم يميزه عن غيره من البرامج الأخرى. والاسم التجاري، بمقتضى المادة 177 من ق.م.ص. هو “التسمية أو الشارة المميزة التي تستغل بها منشأة من المنشآت”، وقد عمل الكثير من مؤلفي ومنشئي برامج الحاسوب على تسجيل الاسم كعلامة للبرنامج، بحيث نجد إشارة صريحة عن ذلك، من خلال العقود الإلكترونية التي تبرمها مع مستخدم البرنامج عند تحميله لأول مرة على ذاكرة الحاسوب ، أو من خلال صفحة العرض الأولى عند تحميل البرنامج على الذاكرة لاستعماله.
وعليه، يظهر أن الحماية القانونية لعلامة واسم برنامج الحاسوب، حماية تكميلية مضمونة بنصوص قانون الملكية الصناعية. وهي ذاتها الأهمية التي أعطتها اتفاقية (ADPIC) للعلامة التجارية بمقتضى المادة 15 الفقرة 1 التي ورد فيها: “تعتبر أي علامة أو مجموعة علامات تسمح بتمييز السلع والخدمات التي تنتجها منشأة ما عن تلك التي تنتجها المنشآت الأخرى صالحة لأن تكون علامة تجارية…”.
وإذا كان هذا من شأن حماية قانون الملكية الصناعية لعلامة واسم برنامج الحاسوب، فماذا عن حمايته للخرائط التدفقية لبرامج الحاسوب، كتصاميم أو نماذج.؟.

2- حماية الخرائط التدفقية لبرامج الحاسوب كرسوم ونماذج

، بمقتضى ق.م.ص:تعتبر الخرائط التدفقية إحدى الركائز الأساسية، وهي تسبق مرحلة كتابة البرنامج بإحدى لغات البرمجة. وباعتبارها تصاميم ورسوما للبرنامج، ألا يصدق عليها تعريف المشرع المغربي للرسوم والنماذج في المادة 104 ق.م.ص.، والتي نصت على أنه “يعتبر رسما صناعيا حسب مدلول هذا القانون تجميع للخطوط أو الألوان، ويعد نموذجا صناعيا كل صورة تشكيلية تخالطها أولا تخالطها خطوط أو ألوان، بشرط أن يعطي التجمع أو الصورة المذكورة مظهرا خاصا لأحد المنتجات الصناعية أو الحرفية، وأن يتأتى استخدامه نموذجا لصناعة منتج صناعي أو حرفي”؟.
إذا ما اعتبرنا أن تصاميم البرنامج أو خريطته -ولو أنها ليست تجميعا لخطوط أو لألوان- تجميع بمظهر خاص لأحد المنتجات الصناعية أو الحرفية في مجال التقنية، بحيث يمكن استخدام هذا النموذج أو هذه الخريطة لعمل برنامج أو إنتاج صناعي، فمن الممكن اعتبارها تجميعا لمعطيات وأدوات خاصة بالبرامج، من أجل الحصول على منتجات صناعية أو تقنية. وبما أن قوانين الملكية الصناعية، انحصرت في التعامل بما هو مألوف ومعروف بخصوص الخرائط الصناعية ومدلولها المادي، فإن إهمال وتغييب فكرة أساسية مفادها، أن التطور التكنولوجي قد غير وسيغير مفاهيم عديدة، ومنها بطبيعة الحال تلك المتعلقة بالمجال الصناعي، سيجعلها صعبة التطبيق في الواقع العملي كلما ظهرت ابتكارات تقنية معنوية.
ومع ذلك يمكن التعامل بشيء من المرونة مع عبارة المشرع “حالة التقنية”، لنعتبر بذلك خرائط البرامج، كلما توافرت فيها الجدة والمشروعية للتطبيق الصناعي أو التقني، محمية وفق ق.م.ص.، خصوصا وأن ”الرسم والنموذج يخدم الطريقة أكثر ما يخدم التقدم الصناعي” .

صحيح أن الرسوم والنماذج التي يتألف منها برنامج الحاسوب، تميل إلى الأعمال الفنية أكثر من الصناعية، على أن غايتها الصناعية لا تمس في شيء طابعها الفني الذي يبقى مسألة شخصية للغاية، وبذلك حمايتها وفق قواعد الملكية الصناعية لن يعرقل حركة التطور الصناعي. والعبرة في حماية الخرائط التدفقية لبرامج الحاسوب، أن تكون طريقة جديدة يتم اعتمادها للوصول إلى نتيجة -لا فرق بين أن تكون صناعية أم لا- بحيث تتميز عن غيرها من الخرائط من حيث شكلها وطابعها التصميمي، بقيمة فنية واقتصادية تُستمد من قيمة البرنامج نفسه.
وهكذا، نقف على أهمية الحماية القانونية التي توفرها قواعد الملكية الصناعية لبرامج الحاسوب، إذ أنها لا تهتم بالبرنامج في ذاته فقط، بل ومن حيث ما هو، أكثر من كونه مؤَلَّفَ فلان أو فلان. وعليه، هي حماية مهمة لبرامج الحاسوب، فما مدى هذه الحمايةا؟.