التزام البنك بالتصريح بالاشتباه في جريمة غسل الأموال

(الجزء الأول):
بحث في المفهوم والطبيعة القانونية للتصريح بالاشتباه

من إعداد:
محمد بــن الطالب
طالب باحث في قانون الأعمال والمقاولات
كلية العلوم القانونية والاقتصادية- أكادير

تقديم:

تعد ظاهرة غسل الأموال أحد صور الجرائم الاقتصادية المنظمة[1] التي تحقق أرباحا عالية، وتهدف إلى إضفاء الشرعية على أموال هي في الأصل من مصدر غير مشروع[2]، لذلك فإن جريمة غسل الأموال لها ارتباط وثيق وتأثير خطير على مجالي المال والأعمال، فإن كانت ليست بظاهرة حديثة، إذ ظلت تشكل نوعا من التحايل على القوانين والنظم العمومية في مجال اكتساب الأموال وانتقالها بطرق غير مشروعة عبر مختلف الأزمنة، إلا أن الاهتمام بها كسلوك إجرامي لم يتم إلا في أواخر القرن العشرين[3]، حيث أصبحت من ضمن المواضيع المهمة المطروحة على طاولة مختلف المحافل الدولية والإقليمية والمحلية التي تهتم بالأمن الاقتصادي والاجتماعي وبصفة عامة بالجريمة المنظمة.
لذا كان لزاما على الدول المصادقة على مجموعة من المواثيق الدولية و سن قوانين وطنية تجرم غسل الأموال، وهذا ما سارت عليه أغلب الدول ومنها المغرب الذي أصدر القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، والذي حاول فيه المشرع إضافة إلى تكريس الجانب الزجري والعقابي، أن يصوغ مجموعة من الالتزامات ينهض بها الأشخاص الخاضعين[4] من أجل محاربة جريمة غسل الأموال، وذلك بغية تحقيق الأمن في شقه الاقتصادي والاجتماعي[5].

ولعل أبرز هؤلاء، المؤسسات البنكية، التي وضع المشرع على عاتقها مجموعة من الالتزامات لتلافي استغلالها في عمليات غسل الأموال من قبيل التزام اليقظة[6] التي تعني جميع الإجراءات العملية الهادفة إلى اتخاذ تدابير الحيطة والحذر الاستباقي من أجل صد كل المحاولات الرامية إلى وضع أو تنفيذ اللبنات الأولى لغسل الأموال، والالتزام بالمراقبة الداخلية والمنصوص عليها في المادة 12 من القانون رقم 43.05 والتي جاء فيها:” يجب على الأشخاص الخاضعين وضع تدابير داخلية لليقظة والكشف والمراقبة وتدبير المخاطر المرتبطة بغسل الأموال” [7].
وتبقى من أهم الالتزامات الوقائية من عمليات غسل الأموال هي تلك التي نص عليها المشرع في القسم الفرعي الثاني من الفرع الثاني من الباب الثاني من القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال والمعنون ب: “التصريح بالاشتباه” وبالتحديد في المواد 9 و10 و11 منه، والتي حاول من خلالها منح البنوك دورا أكثر إيجابية ودينامية في مجال مكافحة غسل الأموال، بعد أن كانت هذه الأخيرة ولمدة طويلة يسود فيها الأخذ بالسر المهني البنكي كالتزام محوري لحماية مصالح الزبناء وكعنصر أساسي للمحافظة على أجواء الطمأنية والثقة بين الزبناء وبين المؤسسات البنكية.

فما المقصود بالتصريح بالاشتباه؟ وما هي صوره؟ وماذا عن التصور القانوني لطبيعته؟

هذه الأسئلة ستكون محور إجابتنا في هذا البحث، على أن نخصص أجزاء أخرى لدراسة بعض الجوانب المتعلقة بالتصريح بالاشتباه سواء من حيث، إجراءاته الشكلية أو المسطرية وكذا آثار هذا التصريح على كل من المؤسسة البنكية والزبون.

المطلب الأول: مفهوم التصريح بالاشتباه

يعتبر التصريح بالاشتباه آلية استباقية للكشف عن الأموال ذات المصدر غير المشروع[8] التي يتم تداولها عبر القنوات البنكية، وبالتالي فإن هذا الإلتزام يفرض على التزام المؤسسات البنكية توخي الحذر لتجنب استخدام النظام المالي لأغراض غسل الأموال، وذلك عن طريق قيامها بالتبليغ عن العمليات البنكية المشبوهة.
وإذا كان التبليغ حق للأفراد فإن الإخطار واجب على المؤسسات المالية، وينبني على فلسفة مؤداها حماية حق الدولة في الحصول على المعلومات التي تساعدها في تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي[9].
من هنا يبرز التساؤل حول مفهوم التصريح بالاشتباه؟
لأجل الإجابة عن هذا التساؤل سنتطرق في هذا المطلب لتحديد تعريف للتصريح بالاشتباه وكذا تبيان صوره.

الفقرة الأولى: تعريف التصريح بالاشتباه

يجب الإشارة بداية إلى تعدد المصطلحات التي تستعملها التشريعات المقارنة للتعبير عن هذا المفهوم، ونذكر على سبيل المثال المشرع المصري الذي سماه ” الإخطار عن العمليات المالية المشبوهة”، والمشرع العراقي الذي أطلق عليه ” الالتزام بإبلاغ البيانات”، غير ان تعدد الأسماء وتنوعها لا يؤثر في جور هذه المؤسسة القانونية وأهمية الدور الذي تلعبه واقعا.
وسنبين في هذه الفقرة على التوالي تحديد كل من التعريف الذي رصده المشرع لهذا الالتزام على أن لا نغفل بعض التعريفات التي أوردها الفقه بغية إزالة اللبس عنه.

أولا: التعريف التشريعي

إن التصريح بالاشتباه باعتباره من الالتزامات القانونية التي وضعها المشرع على عاتق المؤسسات البنكية بمناسبة انخراطها في منظومة محاربة غسل الأموال، إلا أنه بالرجوع إلى القانون رقم 43.03 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، وبالتحديد إلى المواد 9 و10 و11 المنظمة للتصريح بالاشتباه، نجد أن المشرع المغربي لم يورد تعريفا لهذه المؤسسة القانونية، واكتفى في المقابل بتحديد الشروط الموضوعية والشكلية للقيام بهذا التصريح[10]، نفس الشيء بالنسبة للمشرع المصري إذ بالرجوع إلى المادة 8 من القانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال نجده لم يورد تعريفا للإخطار عن العمليات المشبوهة واكتفى بإبراز الخطوط العريضة لهذا الالتزام[11].
ويستفاد من التوصية 13 من التوصيات الصادرة عن اللجنة المالية لمكافحة غسل الأموال أن الإبلاغ عن العملية المشبوهة هو قيام البنك بالتصريح بكل عملية مالية يشتبه فيها أو يتوفر على أدلة منطقية تؤكد هذا الاشتباه إلى الجهة المكلفة بتلقي هذه التصاريح.

ثانيا: التعريف الفقهي

أورد أحد الباحثين[12] تعريفا للتصريح بالاشتباه وهو كالآتي: هو الالتزام بتبليغ العمليات المالية أو المصرفية المشكوك في أمرها أو المشتبه في ارتباطها بغسل الأموال، والتي يتجاوز سقفها مستوى الحد الأدنى المحدد من قبل وحدات التحقيق والمعالجة المالية، ويعهد بالقيام بها إلى أشخاص محددين على سبيل الحصر بمقتضى القوانين التنظيمية لمختلف التشريعات المقارنة[13].
كما عرفه آخر[14] بأنه:” إفصاح البنوك وغيرها من المؤسسات المالية التي حددها القانون عما يكون لديها من معلومات متعلقة بعملية مالية، يبدو من قيمتها، أو الظروف التي تتم فيها بأنها متعلقة بغسل أموال غير مشروعة”.

الفقرة الثانية: صور التصريح بالاشتباه

لا شك أن تعدد الأنظمة القانونية وتنوعها ومدى نمو القطاع المصرفي من عدمه سينعكس لا محالة على التصريح بالاشتباه، إذ سيعرف بدوره تنوعا من حيث الصور التي يتخذها، ويطلق أحد الفقهاء[15] على هذه الصور مصطلح “المنهجيات”، فهناك من جهة المنهجيات الأمريكية المتشددة، القائمة على تجميع المعلومات ومركزتها ووجوب إعلام السلطات المعنية بكل عملية تتجاوز قيمتها حدا معينا، ومن جهة أخرى المنهجيات الأوربية القائمة على الوعي المصرفي والتقدير المتيقظ، بحيث تترك للمصارف والمؤسسات المالية حرية التقدير والتقرير.

أولا: التصريح بالاشتباه الآلي

يكمن التبليغ الآلي أو الأوتوماتيكي في آلية تمكن من تبليغ وإشعار وحدة معالجة المعلومات المالية بطريقة أوتوماتيكية بجميع العمليات التي تستجيب لمعايير موضوعية تم تحديدها مسبقا وذلك انطلاقا من النظام المعلوماتي للشخص الخاضع، هذه المعايير التي تختص بالأساس بالعمليات الحساسة وتهم على وجه الخصوص: أنواع العمليات، سقف العمليات، البلد الأصلي للأموال، البلدان المرتفعة المخاطر[16].
وبالرغم من الإيجابيات التي ينطوي عليها هذا الصنف من التصاريح بالاشتباه من قبيل عدم استناده إلى تقدير ورأي الأشخاص المؤهلين لتقديم التصريح بالاشتباه وبالتالي ضمان انحراف أقل وتفادي الخطأ في التقدير، بالإضافة إلى الكم الهائل من المعلومات التي يوفرها هذا النوع لوحدة العمليات المالية، الأمر الذي يتيح لها إمكانية فرزها وعزل العمليات المالية غير النظيفة[17].
فإن هذا لا يلغي بعض أوجه النقص التي تعتريه، فإضافة إلى التكلفة والوقت اللذين يتطلبها الافتحاص والتثبت من هذا الكم الهائل[18] من التصاريح الشيء الذي يجعل أمر فحصها صعبا بل ومستحيلا خصوصا بالنسبة للبلدان التي تتوفر على عدد كبير من المؤسسات المصرفية، فإن جمود المعايير التي ينبني عليها هذا النظام تتيح إمكانية الالتفاف حولها، فقصر الإخطار الآلي على العمليات التي تتجاوز حدا معينا بحيث لا يكون الإخطار إلا بالنسبة للمبالغ التي تتجاوز هذا المبلغ[19]، دفع غاسلي الأموال إلى تقسيم الأموال إلى مبالغ ضئيلة وتوجيه أعداد غفيرة من المودعين إلى مصارف متعددة لإيداع هذه النقود

ثانيا:التصريح بالعمليات المتضمنة لشبهة

هذا النوع من التصاريح تستند بالأساس إلى التقدير المتيقظ للبنوك والمؤسسات المالية، ويعود إليها بالتالي إبلاغ السلطات المعنية في حالة توفر عنصر الشبهة في عملية معينة.
ويراد به إخطار الوحدة المكلفة بمعالجة المعلومات المالية بالعملية المالية كيفما كان مبلغ العملية المعنية، عندما يقود تحليل الوقائع الشخص الخاضع إلى الاشتباه في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
ويلاحظ أن معظم الدول تأخذ بنظام الإخطار بالعمليات المالية التي تتضمن شبهة غسل الأموال سواء تعلق الأمر بالمؤسسات المالية أو بالمهن الخاضعة للأحكام الخاصة بمكافحة غسل الأموال، وهو التوجه ذاته الذي تبناه المشرع المغربي إذ اختار نظام التصريح المبني على الشكوك[20] أو الاشتباه حيث لم يحدد ضمن الحالات التي يجب فيها تقديم التصريح بالاشتباه، أن تتم تلقائيا إذا بلغت أو تجاوزت قيمة المعاملة مبلغا معينا كما هو الأمر بالنسبة للدول التي تأخذ بالتصريح الآلي أو التلقائي، وبذلك تكون السلطة التقديرية واسعة للمؤسسات البنكية العاملة في المغرب في تقديم تصريحها عند وجود قرائن وأدلة على قيام إحدى حالات الاشتباه بغض النظر عن القيمة المالية للمعاملة ولو كانت صغيرة وبالتالي يرتبط الاشتباه بالتقييم الذاتي والشخصي للمسئول عن فحص العملية المشبوهة، ويقوم على وجود دلائل للاقتناع، إلا أنها لا تصل لمرحلة الجزم النهائي[21]، فالاشتباه[22] يعني وجود شك أو ارتياب في بعض الدلائل على حدوث عملية غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو أنها على وشك الحدوث[23].

المطلب الثاني: التصور القانوني لطبيعة التصريح بالاشتباه
يعتبر التصريح بالاشتباه التزاما حديث العهد نسبيا من حيث التنظيم التشريعي له بالمقارنة بغيره من الالتزامات الأخرى المفروضة على البنوك إذ أن ظهوره كان لاحقا لظهور نوع جديد من الجرائم والمتمثلة في جريمة غسل الأموال الشيء الذي دفع بمختلف التشريعات إلى تبنيه كآلية وقائية من هذه الجرائم مما يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعته القانونية؟ وكذا علاقته بمسؤولية المصرح؟
هذا ما سنتولى الإجابة عنه في هذه الفقرة، إذ سنتعرض كنقطة أولى لدراسة طبيعة الالتزام بالتصريح بالاشتباه، على أن نتولى في النقطة الثانية إبراز علاقة هذا الالتزام بمسؤولية المصرح.

الفقرة الأولى: طبيعة الالتزام بالتصريح بالاشتباه
يعتبر الالتزام بالتصريح بالعمليات المشبوهة كما أشرنا سابقا من بين أهم التزامات المؤسسة البنكية في إطار مكافحة غسل الأموال إذ يشكل الخطوة الأولى للكشف عن عمليات الأموال كما يعتبر تكريسا لتدخل البنوك في حماية النظام العام الاقتصادي في شقه المالي، مما يفرض علينا في هذه المرحلة من البحث تحديد الطبيعة القانونية لهذا الالتزام وتبيان ما إذا كان مجرد التزام ببذل عناية من طرف البنك أم أنه يشكل بحق التزاما بتحقيق نتيجة.

أولا: التصريح بالاشتباه التزام ببذل عناية

للقول بأن الالتزام بالتصريح بالاشتباه من قبيل الالتزامات ببذل عناية آثار متعددة أبرزها اعتبار البنك موفيا بالتزامه، إذا هو بذل في تنفيذه من العناية ما يكفي، واتخذ كافة الوسائل التي من شأنها تحقيق الغاية من الالتزام.
والبنك باعتباره مهنيا له من الدراية ما يؤهله لممارسة الأنشطة المخولة له قانونا بكل يقظة وحرفية، فإن موقفه هذا يوجب عليه أن يبذل العناية المهنية المتخصصة بصورة تعكس اهتماما كبيرا في تقدير الاشتباه، وهذه العناية المهنية تقاس بمقياس البنك الحريص على المصلحة العامة، والحريص أيضا على مصلحة زبنائه.
وبما أن تقدير عناصر الاشتباه والشك في العميل تعتبر من المسائل التي قد تتباين فيها الآراء بشدة لأنها ليست من المسائل الحسابية التي لها قواعد ثابتة ولا خلاف حول نتائجها، فإن بذل البنك لنوع من الاجتهاد والعناية لاستنباط مكامن الاشتباه من عدمه يعتبر أمرا ملحا ومطلوبا بشدة.

مما يدفع إلى القول والحالة هاته أن بذل العناية ينحصر في ملاحظة الشبهة والاجتهاد لاستنباطها الشيء الذي يتطلب من العاملين بالبنك بذل العناية اللازمة واليقظة المعتادة في المهنيين.
أما تقديم التصريح بالاشتباه إلى الوحدة المختصة بمراقبة العمليات المالية فيتطلب أكثر من مجرد بذل عناية وهذا ما سنبينه في النقطة الموالية.

2- التصريح بالاشتباه التزام بتحقيق نتيجة

يستتبع القول بأن الالتزام بالتصريح بالاشتباه التزام بتحقيق نتيجة أن البنك كشخص خاضع لقانون مكافحة غسل الأموال وكملزم بالتصريح بالاشتباه لا يبرأ من التزامه إلا إذا تحققت النتيجة المرجوة وأنجز التصريح المطلوب، ولا يكفي أن يبذل في القيام بهذا الالتزام عناية الشخص المعتاد أو حتى أكبر عناية ممكنة، ذلك أنه ما دام العمل المطلوب لم ينجز فإن البنك يكون مسؤولا ولا تنتفي مسؤوليته حتى يثبت السبب الأجنبي الذي جعله يخل بالتزامه[24].
ويتضح مما سبق أن الالتزام بالتصريح بالاشتباه في شقه المتعلق بتبليغ الوحدة يعتبر التزام بتحقيق نتيجة ولا أدل من ذلك عما ينص عليه مطلع المادة 9 من القانون رقم 43.05 والذي جاء فيه:” يجب على الأشخاص الخاضعين تقديم التصريح بالاشتباه إلى الوحدة”، وبالتالي فإن صيغة الوجوب التي استهل بها المشرع المادة أعلاه لا تترك مجالا للشك في أن مسألة تقديم التصريح للوحدة يعتبر التزاما بنتيجة.
كما أن ما جاء في المادة 28 من نفس القانون حول الجزاء المترتب عن الإخلال بالالتزام بالتصريح بالاشتباه نتيجة التهاون الخطير في اليقظة أو قصور في جهاز الرقابة، أو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 26 حول مسؤولية البنك الجنائية في حالة التواطؤ مع غاسل الأموال لا يترك مجالا للشك من وجهة نظرنا حول اعتبار الشق المتعلق بتقديم التصريح بالاشتباه إلى الوحدة يعد التزاما بنتيجة.
الفقرة الثانية: طبيعة علاقة التصريح بالاشتباه بمسؤولية المصرح
تنص المادة 25 من القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال على أنه:
” لا يجوز، فيما يتعلق بالمبالغ أو العمليات التي كانت محل التصريح بالاشتباه المشار إليه في المادة 9 من هذا الباب أن تجرى أية متابعة على أساس الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي أو على أساس أحكام خاصة تتعلق بكتمان السر المهني ضد الشخص الخاضع أو مسيريه أو أعوانه الذين قدموا التصريح المذكور عن حسن نية “، كما تنص المادة 26 من نفس القانون على أنه:” لا يجوز أن تقام أية دعوى على أساس المسؤولية المدنية أو أن تصدر أية عقوبة، خصوصا من أجل الوشاية الكاذبة، ضد الشخص الخاضع أو مسيريه أو أعوانه الذين قدموا التصريح بالاشتباه عن حسن نية”
مما يطرح إشكالا أساسيا مضمونه البحث عن طبيعة العلاقة بين التصريح بالاشتباه ومسؤولية المصرح بالاشتباه؟، هذا ما سنتولى تبيانه في ما يلي من نقاط ، وذلك كالآتي:

أولا: التصريح بالاشتباه التزام منشئ للمسؤولية
تعتبر صيغة “الالتزام بالتصريح بالاشتباه” أمرا من المشرع للبنوك وغيرها من المؤسسات المالية مضمونه القيام بعمل إيجابي يتمثل في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، وإلا كان موقفها السلبي المتمثل بالامتناع عن الإبلاغ سببا من أسباب مساءلتها.

لكن وبما أن عدم تقديم البنك للتصريح بالاشتباه قد تتعدد أسبابه ومبرراته، بحيث يكون هذا الإخلال راجعا إلى ضعف التدابير الداخلية الخاصة باليقظة، وإما راجعا إلى تواطؤ البنك مع صاحب المال المغسول، وتختلف النتائج المترتبة عن عدم التبليغ بين هاته الحالة وتلك.
فحينما يكون الإخلال راجعا إلى عدم احتياط من البنك أو تهاون في تدابير اليقظة اللازمة، فإنه يعاقب تأديبيا وفق ما أشارت إليه المادة 28 من القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، وهذا خلافا لبعض التشريعات[25] التي جعلت مخالفة هذا الواجب جريمة جنائية، من قبيل التشريع المصري وذلك بموجب المادة الثامنة من القانون رقم 80 لسنة 2002 المتعلق بمكافحة غسل الأموال[26].

غير أن تواطؤ البنك – أي العاملين به أو مسيريه المؤهلين للتصريح بالاشتباه أو باقي أعوانه- مع صاحب المال المغسول سيؤدي إلى معاقبة هؤلاء جنائيا نتيجة لهذا التواطؤ في جريمة غسل الأموال ويعاقبون بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 574-3 من مجموعة القانون الجنائي[27].
ولن نتعمق في دراسة هذا المحور على أن نرجئه إلى “الجزء الثاني من هذه الدراسة” المتعلق بآثار التصريح بالاشتباه بالنسبة للبنك.
ثانيا: التصريح بالاشتباه التزام مانع للمسؤولية
يدفعنا مضمون كل من المادة 25 و26 من القانون رقم 05/43 إلى طرح تساؤل جوهري يتعلق بتحديد الطبيعة القانونية للتصريح بالاشتباه الذي يؤدي من جهة إلى عدم جواز المتابعة وإصدار عقوبة على أساس الاخلال بالسر المهني، وإلى عدم إقامة دعوى المسؤولية المدنية وإصدار عقوبة لأجل الوشاية الكاذبة، ونعرض للآراء التي قيلت في هذا الخصوص وهي كالآتي :

1- التصريح بالاشتباه من موانع المسؤولية الجنائية
يميل أحد الفقهاء[28] إلى اعتبار التصريح بالاشتباه مانعا للمسؤولية الجنائية، مستندا إلى فكرة غاية في المنطقية مفادها أن البنكي الذي يقوم بالتصريح بالاشتباه إنما يرمي إلى حماية المصلحة العامة وهو ما ينهض دليلا على حسن نيته، لذلك يرى أنه لا مسوغ لاتهامه بسوء النية ومن تم توافر القصد الجنائي لديه[29]، ذلك أن التصريح بالاشتباه كدليل على حسن النية ينفي القصد الجنائي طالما أن المصرح كان يهدف إلى حماية المصلحة العامة وبالتالي تمتنع المسؤولية الجنائية قبل الشخص المخطر،غير أننا نرى أن معيار حسن النية الذي إستند إليه الفقيه في تبرير موقفه من الطبيعة القانونية للتصريح بالاشتباه ورغم إتسامه بالمنطق القانوني، إلا أنه تعوزه تلك النظرة الشمولية لمختلف عناصر الموضوع باعتباره قد أغفل عنصر “حسن النية”[30] الذي يبقى فكرة مجردة وصعبة التحديد نظرا لارتباطه بمشاعر الشخص ونواياه[31].

2- التصريح بالاشتباه سبب إباحة لإفشاء السر المهني
من المعلوم أن القانون الجنائي يقوم على مبدأ الشرعية ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، فالقانون هو الذي يحدد الجرائم والعقاب عليها، إلا أن ما ورد في المادة 25 من القانون رقم 05/43 حول عدم جواز متابعة المصرح بالاشتباه على أساس الفصل 446 من القانون الجنائي أو على أساس أحكام خاصة تتعلق بالسر المهني يطرح إشكالا أساسيا يمكن صياغته كالآتي: هل يمكن اعتبار التصريح بالاشتباه سبب إباحة لجريمة إفشاء السر المهني؟
في هذا الصدد رفض أحد الفقهاء[32] اعتبار التصريح بالاشتباه سبب إباحة لإفشاء السر المهني، مستندا في ذلك إلى أن سبب الإباحة إنما يرد على الفعل المجرم فينقله من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة، فهي تنفي الركن القانوني للجريمة، ولذلك عرفت أسباب الإباحة بأنها” انتفاء الركن القانوني للجريمة بناء على قيود واردة على نطاق التجريم والتي تستبعد منه بعض الأفعال”، ونحن من جهتنا نساير هذا التوجه على اعتبار المشرع ومن خلال الفصل 25 من القانون 05/43 لا ينفي الصفة غير المشروعة عن فعل إفشاء الأسرار الذي يقدم عليه البنكي بصدد تقديمه للتصريح بالاشتباه، إنما قام بشل نصوص التجريم بقانون آخر[33]-وهو في هذه الحالة نص المادة 25 أعلاه- يسمح أو يلزم البنكي بإتيان فعل يمنعه القانون تحقيقا لمصلحة عليا هي حماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي.

3- التصريح بالاشتباه عذر معفي من العقوبة
إن أسباب الإعفاء من العقاب أو”الأعذار المعفية” كما سماها المشرع المغربي واردة في القانون على سبيل الحصر بحيث لا يجوز للقاضي القول بوجودها وإعفاء الفاعل تبعا ما لم يكن منصوصا عليها في نص قانوني[34]، ويمكن أن نشير في هذا المقام إلى عبارة “أو أن تصدر أية عقوبة خصوصا من أجل الوشاية الكاذبة” الواردة في المادة 26 والتي نص فيها المشرع صراحة على عدم جواز معاقبة الشخص الخاضع من أجل الوشاية الكاذبة، وهذا يدل دلالة صريحة على كون التصريح بالاشتباه في حدود هذه المادة عذرا معفيا من العقاب إذ لو افترضنا أن البنك قدم تصريحا بالاشتباه وتبين أنه كاذب، فلا يجوز معاقبة المصرح ما دام حسن النية، ويعتبر “حسن النية” مسألة شخصية ونفسية يصعب التحقق منها واقعيا، إلا أنها تقبل الخضوع للمراقبة من خلال الظروف الخارجية والمبررات التي جعلت البنك يشتبه في سلوك زبونه[35].
ويرى أحد فقهاء[36] القانون الجنائي عدم صحة اعتبار الإخطار بمثابة مانع من العقاب، ذلك أن موانع العقاب هي أسباب قانونية تمنع إيقاع العقوبة الجنائية على الجاني رغم اكتمال أركان الجريمة، ولكن لسبب خاص نص القانون عليه يمتنع عقاب الجاني.
لذلك لا يستقيم القول بالإعفاء من المسؤولية الجنائية أو انتفاء المسؤولية الجنائية في ظل توافر موانع العقاب إذ لا علاقة لموانع العقاب بأركان الجريمة وإنما يقتصر أثرها على منع توقيع العقوبة كاملة أو بصفة جزئية[37].

ومع تقديرنا للآراء السالفة وعلى غرار بعض الباحثين[38]، نوافق ما ذهب إليه الاتجاه الأول الذي يرى أن التصريح بالاشتباه يعد مانعا من موانع العقاب، ذلك أن مانع العقاب لا يؤثر على أركان الجريمة التي توافرت، ولكن لأسباب شخصية تتعلق بالجاني امتنع توقيع العقوبة عليه، والعذر القانوني الشخصي في هذه الحالة هو قيامه بالإخطار عن العمليات المالية المشبوهة.

[1]- Raymond Gassin, Criminologie, 4e Édition, anneé 1998, Éditeur : Dalloz-Sirey, dalloz, p 340.
[2] – Paul Ashin, le blanchiment est le processus qui permet de donner une légitimité apparente a des fond illicites, revue de finances et développement, numéro 2, juin 2012, P 38.
[3]- محمد الأمين البشرى، التحقيق في جرائم غسل الأموال، مجلة الشرطة- دولة الامارات العربية المتحدة- س 32 – نونبر 2002 العدد 383، ص 38.
[4]- أنظر المادة 2 من القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال.
[5]- والملاحظ في هذا المقام أن المشرع المغربي سجل تأخرا ملحوظا في مجال تجريم غسل الأموال مقارنة مع باقي التشريعات الأجنبية وبعض التشريعات العربية،(تميزت بعض التشريعات العربية بكونها سباقة نسبيا إلى تجريم غسل الأموال: فبالنسبة للعراق فقد شهدت صدور الأمر رقم 93 لسنة 2004 عن سلطة الئتلاف المؤقتة بمثابة قانون مكافحة غسل الأموال وبالنسبة لمصر فقد شهدت كذلك إصدار القانون رقم 80 لسنة 2002 متعلق بمكافحة غسل الأموال)، إلا أن هذا التأخر لا يلغي بعض المجهودات التي قام بها المغرب من أجل تطويق هذه الظاهرة، من قبيل مصادقته على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (لأكتوبر 1992)، واتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة عبر الوطنية (ليوليوز 2002)، وكذا الاتفاقية المتعلقة بزجر تمويل الإرهاب، بالإضافة إلى المساهمة في إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
[6]- تنص المادة 3 من القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال على أنه:” يجب على الأشخاص الخاضعين جمع كل عناصر المعلومات التي تمكن من تحديد هوية زبنائهم المعتادين أو العرضيين والمستفيدين الفعليين والتحقق منها”.

[7]- للمزيد من الإطلاع أنظر:
– المنشور رقم 40/و/2007 الصادر عن والي بنك المغرب بتاريخ 2 أغسطس 2007 يتعلق بالمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5581 بتاريخ 15 ذو القعدة 1428 الموافق ل 26 نوفمبر 2007، ص 3649.
– المنشور رقم 41/و/ 2007 الصادر عن والي بنك المغرب بتاريخ 2 أغسطس 2007 يتعلق بواجب اليقظة المفروض على مؤسسات الائتمان، منشور الرسمية عدد 5581 بتاريخ 15 ذو القعدة 1428 الموافق ل 26 نوفمبر 2007، ص 3671.
[8]- قام المشرع المغربي بتعداد الجرائم التي يحتمل أن تكون مصدرا غير مشروع للأموال المشتبه فيها، في الفصل 574-2 من القانون الجنائي وهي : (الاتجار غير في المخدرات والمؤثرات العقلية، الاتجار في البشر،تهريب المهاجرين، الاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخيرة، الرشوة والغدر واستغلال النفوذ واختلاس الاموال العامة والخاصة، الجرائم الإرهابية، تزوير أو تزييف النقود وسندات القروض العمومية ووسائل الاداء الاخرى، الانتماء الى عصابة منظمة انشئت أو وجدت للقيام بإعداد أو ارتكاب فعل ارهابي أو أفعال ارهابية ، الاستغلال الجنسي، اخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة …).
لمزيد من الإطلاع حول المفهوم الموسع والمفهوم الضيق لجريمة غسل الأموال في القانون المغربي أنظر:
– Hafid Ezzaidi, moyens et mécanisme de lutte contre le blanchiment de capitaux, 1ére edition, anneé 2009, librairie dar assalam, rabat, P 71.
ونفضل من وجهة نظرنا لو أن المشرع تجنب التعداد الحصري للأنشطة الإجرامية التي تنتج عنها أموال غير مشروعة (كما فعل المشرع الفرنسي بعد تعديل 13 ماي 1996- المادة 1-324 والقانون الكويتي رقم 35 لسنة 2002 – المادة 1) وذلك لسبب رئيسي وهو أن الأساليب الإجرامية في تطور مستمر وأن ميدان الإجرام يشهد دائما جرائم مستحدثة، وبالتالي كان على المشرع المغربي أن يأخذ بما تضمنته توصية لجنة العمل المالي من خلال جعل التصريح يشمل جميع الأموال المستقاة من أنشطة اجرامية بغض النظر عن صنفها.
وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين:”ومن هنا نعتقد أن تحديد المفهوم القانوني لهذه الظاهرة يستلزم الإقرار بوجود تباين في تحديد نطاق هذه الجريمة، وهو ما ذهب بالبعض إلى استحداث جريمة عامة للتبييض un délit général du blanchiment تتحقق بصرف النظر عن طبيعة المصدر غير المشروع للأموال، وعن مدى كونه جريمة مخدرات أو جريمة أخرى، وهذا ما نلمسه في التعريفات الفقهية الحديثة لجريمة غسل الأموال فهي: مجموع العمليات ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية التي تهدف إلى إدخال رؤوس أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة في دائرة الأنشطة المشروعة، بصفة تقليدية عائدات الاتجار في المخدرات، واليوم بشكل أعم عائدات كل جريمة جنائية على درجة معينة من الخطورة”.
– محمد سعيد الرياحي، صلاحية القاضي الإداري في تطبيق مقتضيات مكافحة غسل الأموال ومتطلبات التنمية الشاملة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون والعلوم الإدارية للتنمية، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2009/2010، ص 42.
[9]- باخوية دريس، جريمة غسل الأموال ومكافحتها في القانون الجزائري-دراسة مقارنة- ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الجنائي الخاص، جامعة أبو بكر بلقايد، كلية الحقوق والعلوم السياسية، تلمسان، السنة الجامعية 2011/2012، ص 288.
[10]- تنص المادة 4 من المقرر رقم D.4/11 المتعلق بالتصريح بالاشتباه وبتبليغ الوحدة بالمعلومات على الآتي:
إن التصريح بالاشتباه هو نتيجة لتحليل المعطيات التي تمكن، إذا اقتضى الأمر، من تحديد طابع الشبهة حول العملية أو العمليات المعنية.
[11]- تنص المادة 8 من القانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال على أنه: تلزم المؤسسات المالية بإخطار الوحدة عن العمليات المالية التي يشتبه في أنها تتضمن غسل أموال المشار إليها في المادة(4) من هذا القانون وعليها وضع النظم الكفيلة بالحصول على بيانات التعرف على الهوية والأوضاع القانونية للعملاء والمستفيدين الحقيقيين من الأشخاص الطبيعيين، والأشخاص الإعتبارية، وذلك من خلال وسائل اثبات رسمية أو عرفية مقبولة وتسجيل بيانات هذا التعرف.
[12]- يوسف بنباصر، جرائم غسل الأموال بالمغرب وتحديد المرحلة: أي توجيهات لتطويق المد التصاعدي لهذه الجرائم وأية آليات تشريعية للتصدي والمكافحة، مقال منشور بمجلة الواحة القانونية العدد الثالث سنة 2008، ص 152 .
[13] – يوسف بنباصر، نفس المرجع، ص 152.
[14]- وهو التعريف الذي صاغه كل :
– عزت محمد العمري، جريمة غسل الأموال، الطبعة الأولى، سنة 2006، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 297.
[15]- أحمد سفر، ، جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التشريعات العربية، (الطبعة غير مذكورة)، سنة 2006، المؤسسة الحديثة للكتاب لبنان ، ص 198.
[16]- التقرير السنوي الصادر عن وحدة معالجة المعلومات المالية، سنة 2011، ص 9.
[17]- محمد عبد اللطيف عبد العال، جريمة غسل الأموال ووسائل مكافحتها في القانون المصري،(الطبعة غير مذكورة)، سنة 2003، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 108.
[18]- أحمد سفر، مرجع سابق، ص 198.
[19]- لم يحدد المشرع المغربي مبلغا معينا يجب التصريح بالاشتباه إذا تم تجاوز سقفه، لكن بالرجوع إلى مقرر الوحدة رقم D.1-09 متعلق بالمبالغ الدنيا المرتبطة بواجبات اليقظة (ملغى) نجده ينص على ما يلي :
– يحدد في 50.000 درهم المبلغ الأدنى للعمليات التي تستوجب تأكد الأشخاص المؤهلين لفتح حساب من هوية زبنائهم العرضيين.
– يجب توجيه تصريح بالاشتباه الى الوحدة، كيفما كان مبلغ العملية المعنية، عندما يقود تحليل الوقائع الشخص الخاضع الى الاشتباه في غسل الأموال أو تمويل الارهاب، إلا وجب عليه حفظ الملف وفقا لأحكام المادة السابعة من القانون 43.05 المتعلق بغسل الأموال.
[20]- يشير تقرير 2011 الصادر عن وحدة معالجة المعلومات المالية في الصفحة 6 منه إلى أنه: ” نظرا لمستوى الاقتصاد المغربي وكذا القطاع المالي فإن المنظومة الوطنية الحالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب لا تعتمد مبدأ التبليغ الأوتوماتيكي “.
[21] – بالرجوع الى المقرر رقم D5/12 المتعلق بالالتزامات الواجبة على الأشخاص الخاضعين لمراقبة وحدة معالجة
المعلومات المالية و بأشكال المراقبة لسنة 2012 نجد أنها تنص في مادتها الثالثة على أنه:
” تطبق المقتضيات التالية على الأشخاص الخاضعين المذكورين أدناه:
– تجار الأحجار الكريمة أو المعادن النفيسة عندما يقومون بعملية واحدة أو عمليات متعددة نقدا
تبدو مترابطة فيما بينها و يفوق مبلغها 105.555 درهم؛
– الأشخاص الذين يقومون بالاتجار بشكل اعتيادي في العاديات و الأعمال الفنية و ذلك من خلال
عملية واحدة أو عمليات متعددة نقدا تبدو مترابطة فيما بينها و يفوق مبلغها 105.555 درهم.
[22] – أورد الدليل الارشادي بشأن الإبلاغ عن العمليات التي يشتبه علاقتها بأنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لدولة قطر تمييزا ما بين العلم والاشتباه كالاتي:” يتوفر العلم عند وجود دلائل حقيقية واضحة، أو يمكن التوصل إلى هذه الدلائل من الظروف المحيطة بالعملية المشبوهة. يقوم الاشتباه على وجود دلائل على الاقتناع إلا أنها لا تصل لمرحلة الجزم النهائي، فالاشتباه يعني وجود شك أو ارتياب في بعض الدلائل على حدوث عملية غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو أنها على وشك الحدوث. في كلتا الحالتين، يجب إبلاغ وحدة المعلومات المالية بالعمليات المشبوهة”.
[23]- أنظر: الدليل الإرشادي بشأن الإبلاغ عن العمليات التي يشتبه علاقتها بأنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، منشور بالموقع الرسمي لوحدة المعلومات القطرية، على العنوان الالكتروني:
-http://www.qfiu.gov.qa/ar/guides/strguide_ar.php.
[24]- عبد الحق صافي، دروس في القانون المدني- مصادر الالتزامات- الطبعة الثانية، سنة 2004. ، ص 5.
[25]- كان المشرع الفرنسي ينص في القانون رقم 90-614 الصادر في 2 يوليو 1990 على إعتبار الإخلال بالالتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، والتي قد تخفي وراءها غسلا للمال، جريمة مقرر لها عقوبة جنائية (م 23)، غير أنه بموجب القانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998 قام بالنص على إلغاء العقوبات الجنائية إكتفاء بالمساءلة التأديبية عن هذا الإخلال (م 17) تمشيا مع خطته في الحد من العقوبات الجنائية وبهذا اصبح المشرع الفرنسي يكتفي بالمسؤولية التأديبية عوضا عن المسؤولية الجنائية.
[26]- للمزيد من الإطلاع أنظر:
– عبد الفتاح بيومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين الوسائط الالكترونية ونصوص التشريع،(الطبعة غير مذكورة)، سنة 2006، مطبعة دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، ص 207 وما يليها.
[27]- إن التطرق إلى عقوبة المشاركة في جريمة غسل الأموال سنتولاه بنوع من التفصيل والتحليل أثناء دراستنا لمحور المسؤولية الجنائية للبنك.
[28]- ابراهيم حامد الطنطاوي، المواجهة التشريعية لغسيل الأموال في مصر،(الطبعة غير مذكورة)، سنة 2003، دار النهضة العربية، ص 114 .
[29]- يعرف القصد الجنائي بأنه إرادة الجاني لارتكاب الجريمة كما حددها القانون وهو علم الجاني بمخالفته للقواعد القانونية والتي هناك افتراض قائم دائما أنه عالم بها، كما يعرف أيضا بأنه تعمد ارتكاب الفعل المكون للجريمة بنتيجة يعاقب عليها القانون، كما ذهب البعض إلى اعتباره إنصراف إرادة الجاني إلى الفعل الذي يأتيه وإلى النتيجة المقصودة في الغالب.
للمزيد من الإطلاع راجع:
– محمود محمود مصطفى السعيد، شرح قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة التاسعة، سنة 1974، مطبعة جامعة القاهرة، ص 424.
[30]- بداية فإن للتعريف بحسن النية كمصطلح مركب إضافي في القانون الجنائي أهمية بالغة، إذ يتوقف دوره في القانون الجنائي وفي مجال العقوبات- على وجه الخصوص- على فهم مدلول.
وقد اختلف القانونيون في التعريف به، ولهم في ذلك ثلاثة اتجاهات:
– الاتجاه الأول: عرف بعض القانونيين بحسن النية في القانون الجنائي بأنه عبارة عن “انتفاء القصد الجنائي”، وقد استدل أصحاب هذا التعريف على صحة تعريفهم بما يلي:
أ- أن القصد الجنائي هو إرادة متجهة إلى مخالفة القانون، أي متجهة إلى الاعتداء على الحقوق التي يحميها، فإن انتفت هذه الارادة لديهم فلم يكن مستهدفا مخالفة القانون أو الاعتداء على الحق، فقد انتفت لديه سوء النية، وتوافر لديه حسن النية.
ب- أن المنطق والتفكير السليم يؤديان إليه – أي إلى هذا التعريف- حتما، ذلك أن أي عمل يقترن بحسن النية يعني بالضرورة انتفاء ضدها وهو سوء النية.
ج- أنهما – أي حسن النية والقصد الجنائي_ من اناحية النفسية ضدان، لا يجتمعان في وقت واحد في نفس واحدة.
د- أن أحكام القضاء هي التي أسهمت في إبراز هذا التصور_ أي انتفاء القصد عند وجود حسن النية_، والأحكام القضائية ليست سوى المنطق والتفكير السليم والاستناد إلى المبادئ القانونية.
– الإتجاه الثاني: وترى هذه الطائفة من القانونيين التعريف بحسن النية على أنه الغلط في وقائع الجريمة بعد بذل العناية والانتباه الواجبين، أو هو الغلط في الوقائع فقط.
فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن حسن النية مصطلح يقوم على عدم توفر العلم بالشيء على حقيقته، فهو الغلط مع عدم الإهمال، وهو تعريف يمكن توجيه النقد إليه بأنه مجرد استعارة لمعنى حسن النية في القانون المدني.
– الاتجاه الثالث: ويطلق هذا الإتجاه حسن النية على انعدام القصد الخاص وهو نية الإساءة او الإضرار، ومما يؤيد هذا الإتجاه تعريف احد المهتمين للنية بأنها:” عزم داخلي للتصرف في اتجاه معين- وأتبع ذلك بأنها- مسلمة نفسانية تعود على الإرادة الداخلية، تعتمد في الغالب تبعا للهدف الذي يصفها كعنصر مكون لعمل أو فعل قانوني، مثلا: نية تبرعية، نية الغش، نية الإيذاء… واحيانا كمعيار تقدير الشرعية، مثلا: نية لا أخلاقية كسبب دافع وحاسم” وفي هذا القول دليل على ارتباط الباعث أو الدافع بوصف النية بأنها سيئة أو بأنها حسنة، ذلك أن الباعث له ارتباط بتصور الغاية والتي هي الهدف النهائي.
للمزيد من الإطلاع حول موضوع حسن النية في الميدان الجنائي أنظر:
– حسن بن هندي بن محمد العماري، حسن النية وأثره في العقوبة التعزيرية، سلسلة الرسائل الجامعية عدد 98، الطبعة الأولى سنة 2008،الرياض، ص 33 وما يليها.
[31]- ومن ناحية ثانية فإنه ليس صحيحا القول على إطلاقه أن حسن النية ينفي القصد الجنائي، فكثير من الجرائم التي يتوافر فيها حسن النية لدى الجاني ولا يؤثر توافره على قيام القصد الجنائي لديه، وإنما يجب للقول بتوافر حسن النية أن يتوافر ما أجبه القضاء من أن يقيم المتهم(الدليل القاطع على أنه تحرى تحريا كافيا وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملا مشروعا كانت له أسباب معقولة.
وخطة الشارع في عدم استلزام توافر السبب المعقول لتوافر حسن النية تخالف المستقر عليه في أحكام القضاء وسوف تفضي هذه الخطة إلى تجرد حسن النية من المعيار الذي يكفل ضبطه، وهو ما سيؤدي إلى عدم تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وحرياتهم وبين آداء الموظف لواجبه)”.
– أشرف توفيق شمس الدين، دراسة نقدية لقانون مكافحة غسل الأموال الجديد ،الطبعة الأولى، سنة 2003، دار النهضة العربية، القاهرة ، ص: 74.
[32]- ابراهيم حامد الطنطاوي، مرجع سابق، ص 112.
[33]- للمزيد من الإطلاع حول هذا الموضوع أنظر:
– رنا إبراهيم العطور، دور القانون في إباحة التجريم، مجلة الشريعة والقانون، العدد الخمسون، أبريل 2012، كلية القانون-جامعة الإمارات العربية المتحدة. ص 132 وما يليها.
[34] – العلمي عبد الواحد، شرح القانون الجنائي المغربي – القسم العام- الطبعة الثالثة، سنة 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ، ص 331.
[35]- مراد العلمي، السرية المصرفية بين متطلبات العمل البنكي وتحديات الاموال غير النظيفة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق ، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، السنة الجامعية 2011/2012، ص 505.
[36]- ابراهيم حامد الطنطاوي، مرجع سابق، ص 112 .
[37]- عبد الفتاح بيومي حجازي، مرجع سابق، ص 237 وما يليها.
[38]- عبد الفتاح بيومي حجازي، مرجع سابق، ص: 240 .

ا