بحث ودراسة مفيدة عن حماية الحيازة في الفقه الإسلامي و القانون المدني المصري

محمد سادات – مدرس مساعد بقسم القانون المدني.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , النبى المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن دعى بدعوته واستن بسنته إلى يوم الدين.

وبعــد ،,
تعد الحيازة وهي السلطة الفعلية للشخص علي شئ من الأشياء والذي يستعمله بصفته مالكا له أو صاحب حق عيني عليه , إحدى مظاهر الحق , ووسيلة لاكتساب الحقوق , والتي يحميها الفقه الإسلامي والقانون.
%أهمية موضوع البحث
لقد كثرت في الآونة الأخيرة الدراسات المقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي , ولهذه الدراسات لها أهمية بالغة في توضيح أوجه الشبه بين الشريعة والقانون , ولهذا فلقد اخترت موضوع هام لدراسته وتوضيح أحكامه سواء في الفقه الإسلامي أو في القانون المدني المصري , وهذا الموضوع هو حماية الحيازة في الفقه الإسلامي والقانون المدني المصري.
وكما ذكرنا من قبل فان الحيازة تعد وهي السلطة الفعلية للشخص علي شئ من الأشياء والذي يستعمله بصفته مالكا له أو صاحب حق عيني عليه , إحدى مظاهر الحق ووسيلة لاكتساب الحقوق , وتستند حماية الحيازة الي اعتبار هام يتعلق بالصالح العام , ويتمثل في ضرورة احترام الأوضاع الظاهرة والمستقرة وعدم التعرض لها , لان اعتراض حيازة الشخص بأي أمر من الأمور يؤدي الي تهديد الأمن والنظام في المجتمع , ومن هنا نشأت الحاجة الي حماية الحيازة , وبخاصة حماية حيازة العقارات, فعن طريق تلك الحماية تستقر المعاملات في المجتمع يما يؤدي الي استقرار الامن في المجتمع.
ولكن يجب أن أنبه إلى أمر هام هو أننا بمقارنتنا هذه بين الدية في الشريعة الإسلامية والتعويض عن الجرائم فى القانون الوضعى لا نساوى بين القانون الوضعى الذى تكفل بوضعه البشر وبين الشريعة الإسلامية التى تكفل بوضعها خالق البشر الله عز وجل , أو نضعهما فى منزلة واحدة , إذ كيف يستوى لعقل أن يقيس بين نفسه وبين ربه , فالشريعة الإسلامية تمتاز عن القوانين الوضعية بمميزات جوهرية منها:-

الكمال, فالشريعة الإسلامية غنية بالمبادئ والنظريات التى تكفل سد حاجات الجماعة فى الحاضر والمستقبل .
السمو, إذ أن قواعدها ومبادئها التى وضعها الله عز وجل أسمى دائما من القواعد التى وضعتها الجماعة.
الـدوام, فقواعد الشريعة الإسلامية تتميز بالدوام والثبات والاستقرار , فنصوصها لا تقبل التعديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان , على العكس من القواعد التى وضعها البشر فهي دائما متغيرة ولا تصلح لكل وقت زمان.

%خطة البحـث
ينقسم البحث إلى ثلاثة فصول , الفصل الأول نتحدث فيه عن حماية الحيازة في الفقه الإسلامي , وفيه نتحدث عن تعريف الحيازة وعناصرها, ثم عن شروط الحيازة وموانعها , وأخيرا نتحدث عن حماية الحيازة في المذاهب الفقهية المختلفة , أما الباب الثانى نتحدث فيه حماية الحيازة في القانون المدني المصري , متناولين فيه المقصود بالحيازة وعناصرها , ثم وسائل حماية الحيازة في القانون المدني المصري, والباب الثالث نقارن فيه بين قواعد حماية الحيازة في الفقه الإسلامي والقانون المدني.

الفصل الأول حماية الحيازة فى الفقه الإسلامى

تعددت التعريفات التى ذكرت فى شأن الحيازة، فكل مذهب فهى يعرفها تبعاً لوجهة نظره، وفى هذا الفصل سوف نتناول تعريف الحيازة فى اللغة وتعريفها الفقهى، كما سوف نتحدث عن عناصر الحيازة، وأقوال الفقهاء فى شأنها، ثم نتبعه بدراسة الشروط الواجب توافرها لقيام الحيازة، ثم موانع الحيازة، وذلك من خلال المباحث التالية :

المبحث الأول : مفهوم الحيازة وعناصرها

المبحث الثانى : شروط الحيازة وموانعها

المبحث الثالث : حماية الحيازة فى المذاهب الفقهية والمختلفة

المبحث الأول مفهوم الحيازة وعناصرها

فى هذا المبحث سوف نتحدث عن المقصود بالحيازة، فى اللغة وفى الاصطلاح وبعد ذلك نتحدث عن عنصرى الحيازة ، العنصر المادى والعنصر المعنوى وذلك من خلال المطلبين التاليين :

المطلب الأول مفهوم الحيازة

الحيازة فى اللغة تُطلق على عدة معان كثيرة منها الضم والجمع , فمن حاز مالاً فقد جمعه وضمه إلى بقية أمواله، وتعنى أيضاً الملك، فمن حاز الشيء فقد ملكه.
وفى الاصطلاح نجد أن الفقه المالكى قد عرَّف الحيازة بأنها وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه بواحد من أمور سكنى أو إسكان أو غرس أو زرع أو بيع أو هدم أو بناء.
ولقد عالج جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية الحيازة أو وضع اليد فى باب الدعاوى والبيان وباب الشهادات وباب القضاء.
ويستخدم غالبية الفقه لفظ وضع اليد على مال الغير مطلقاً، ولم يذكر لفظ الحيازة إلا عند بعض المالكية، هذا ولقد انفرد الفقه المالكى بدراسة الحيازة دراسة موسعة.

المطلب الثانى عناصر الحيازة

تتكون الحيازة من عنصرين رئيسيين، أولهما هو العنصر المادى وثانيهما هو العنصر المعنوى.
فالحيازة تحتاج لمظهر مادى يدل عليها، كأن يمنع الحائز غيره من استعمال الشيء الذى يحوزه، أو أن يقوم الحائز بتأجير الشيء الذى يحوزه إلى الغير، أو أن يقوم الحائز بأعمال الهدم أو البناء.
ويقول الحطاب ” الحيازة تكون بثلاثة أشياء، أضعفها السكنى والإزدراع ويليها الهدم والبنيان، والغرس والاستغلال، ويليها التفويت بالبيع والهبة والصدقة، والعتق، والكتابة، والتدبير والوطء وما أشبه ذلك، مما لا يفعله الرجل إلا فى ماله.
ويكون الاستخدام فى الرقيق، والركوب فى الدابة، والسكنى فيما يسكن والازراع فيما يزرع، والاستغلال فى كالهدم لبنيان فى الدور، والغرس فى الأرض(، ويتضح هنا من عبارات الحطاب أنه يقيس الأعمال المادية فى حيازة المنقول على الأعمال المادية فى حيازة العقار.
وبالنسبة لهدم البناء فإنه لا يعد فعلاً من الأفعال المثبتة للحيازة إلا إذا كان ذلك الهدم للبناء له ضرورة.
ولا يكفى أن يحاز المال بل يجب أن يتصرف فيه الحائز تصرف المالك لأن التصرف فيه من خواص الملك، ولا يشترط أن يكون التصرف مستمراً فيكفى أن يكون موسمياً.
وكذلك ذكر السرخسى فى كتابه المبسوط ما يدل على السيطرة المادية على الشيء المحوز حيث قال “يزرع الأرض ويحصد الزرع ويقطع الشجر ويبنى الدار ويسكنها ويهدمها , ويبيع الشيء الذى يحوزه ويمنع غيره من التصرف فيه.
ومن ذلك أيضاً ما ذكره ابن قدامه ” فإن كان فى يد رجل داراً أو عقاراً يتصرف فيه تصرف الملاك بالسكنى والإعارة والإجارة والعمارة والهدم والبناء من غير منازع يجوز أن يشهد له بملكيتها.
ويستخلص من أقوال الفقهاء السابقة أن السيطرة المادية تتحقق إما بالإستحواز الفعلى من الحائز وبالتصرف فيه بأنواع التصرف المختلفة.
وتكون الحيازة أيضاً فى الفقه الإسلامى بالواسطة،كان يباشر الحيازة بواسطة خدمه.
أما العنصر الثانى للحيازة، ألا وهو العنصر المعنوى، فيتمثل فى الفقه الإسلامى، فى وجوب ادعاء الحائز أنه مالك فعلا للعين التى يحوزها.
وفى هذا الشأن فإن للفقهاء أقوالاً كثيرة منها : –
ما قاله الحطاب ” وإدعاه ملكاً لنفسه بإبتياع أو صدقة أو هبة.
ويقول العلامة الدسوقى ” ويبقى شرط خامس وهو أن يدعى الحائز وقت المنازعة الشيء المُحاز.
ولم يذكر بعض الفقهاء هذا الركن صراحة لأنهم يرون عدم سقوط الحق بمضى المدة، لأن الظاهر يدل على أن من يتصرف فى الشيء المُحاز تصرف المالك فى الزمن الطويل أنه مالك له، لأنه يدعيه لنفسه.
أما جمهور الفقهاء فيرون أنه يشترط فى الحائز أن يدعى ملكية المال المُحاز لأن الحيازة عندهم دليل على الملك.

المبحث الثانى شروط الحيازة وموانعها

فى هذا المبحث سوف نتحدث عن الشروط الواجب توافرها حتى يتسنى للحائز المطالبة بالشيء الذى فى حيازته، ويستند فقهاء المالكية فى تحديد شروط الحيازة إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين، فهو أحق به منه”، ولقد وضع هذا الحديث شرطين فقط ألا وهما، شرط وضع اليد على الشيء، والشرط الثانى هو شرط المدة وهو عشر سنين وأضاف الفقهاء شروط أخرى للحيازة منها سكوت المحاز عليه، وتصرف الحائز فى هذا الشيء. وسوف نتحدث بعد ذلك عن الموانع التى من شأنها تعطيل قيام الحيازة.

المطلب الأول شروط الحيازة

الشرط الأول : حضور المحاز عليه وعدم اعتراضه .

يقصد بحضور المحاز عليه، أن يكون موجوداً بالبلد الذى يوجد به المال المحاز ولايكفى الحضور فقط، وإنما يجب أن يثبت رؤيته للحائز وهو يتصرف فى المال المحاز.
ومعنى ذلك أن يشاهد المحاز عليه الحائز يستعمل الشيء الذى يدعى هو ملكيته استعمالاً مألوفاً، أى فيما أعد له هذا الشيء وبما يناسب طبيعته، فالأرض تزرع أو ترعى، أو يغرس فيها الأشجار، والدور تسكن.
والأمر كذلك بالنسبة للمنقولات، فالدواب قد تكون للركوب أو لأعمال الزراعة.
وفى شأن ذلك يقول الحطاب ” فإذا كان هذا المدعى حاضراً يراه يبنى ويهدم ويكرى فلا حجة له.
ومن الملاحظ أن بعض الفقهاء يتطلبون التصرف فى الشيء، عقاراً كان أو منقولاً, لأنهم لا يفرقون فى الحيازة بين العقار والمنقول.
ويشترط فى الحيازة أن يكون المحوز عليه غير خائف من الحائز ولا بينه وبين المحوز عليه قرابة ولا مصاهرة ولا مصادقة، وهذا ما سنتحدث عنه فى موانع الحيازة.

الشرط الثانى : علم المحوز عليه بالحيازة.

يشترط الفقهاء أن يعلم المحاز عليه بحيازة الشيء المملوك له , وفى شأن ذلك تعددت أقوال الفقهاء , فيقول السرخسى “وسبب الملك هو اليد وما يعاينه كل أحد”.
ويقول أبو يوسف ” على معاينة الشاهد لذى اليد يتصرف فى المال تصرف المالك من غير منازعة على أن يكون مقتنعاً أنه المالك فعلاً للمال الذى فى يده.
فإذا تأكد علم المحوز عليه بحيازة ماله، وتصرف الحائز فيه تصرف المالك فيما يملك ومع ذلك لم يعترض عليه ولم يطالب بحقه، فإنه بذلك يكون متنازلاً عنه.
وفى شأن إثبات علم المحوز عليه بحيازة ماله فلقد اختلفت آراء الفقهاء إلى ثلاثة آراء , الرأى الأول يذهب إلى أنه يفترض أن المحوز عليه الحاضر محمول على العلم حتى يتبين خلافه، وهذا الرأى غير مأخوذ به لأنه لا يتفق مع الاتجاه السائد فى الفقه المالكى الذى يحرص أشد الحرص على حماية حقوق المحوز عليه.
والرأى الثانى يفرق بين إذا ما كان المحوز عليه وارثاً أم لا، فإن كان وارثاً فهو محمول على عدم العلم حتى يتبين خلافه، أما إن لم يكن وارثاً فهو محمول على العلم حتى يتبين خلافه.
أما الرأى الثالث وهو الرأى الذى نأخذ به، فهو يحمل الحائز تبعة إثبات علم المحوز عليه بحيازة ماله، وهذا الرأى يتفق مع ما سار عليه فقهاء المذهب المالكى من إتباع شروط مشددة فى شأن الحيازة مراعيين مصلحة المحوز عليه.

الشرط الثالث : ادعاء الحائز ملكية المال المحاز.

لكى تكون الحيازة شرعية مستوفية لشروطها، يجب على الحائز أن يدعى ملكية الذى يحوزه.
ومن أقوال الفقهاء فى هذا الشأن ما قاله الدسوقى “ويبقى شرط خامس وهو أن يدعى الحائز وقت المنازعة ملك الشيء، أما إذا لم يكن له حجة إلا مجرد الحوز فلا ينفعه”.
وقال الإمام الشافعى ” إذا تداعى الرجلان الشيء وهو فى يد أحدهما دون الآخر فالقول لصاحب اليد بيمينه.
ويقول ابن تيمية ” الأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكاً له إذا ادعى ذلك”.
ومعظم فقهاء المالكية لم يتعرضوا لهذا الشرط، ولكن هذا الشرط مفهوم ضمناً لأن الأصل فى نظام الحيازة كله، عند معظم فقهاء المذهب المالكى أنها دليل الملك، وأنها تجعل المالك فى وضع متميز من حيث عدم مطالبته بإثبات ملكيته.

الشرط الرابع : استمرار الحيازة مدة معينة.

اشترط الفقهاء استمرار حيازة الشخص للمال الذى يحوزه مدة معينة مع استمرار قيام بأعمال الحيازة كالاستعمال والتصرف.
وبعد شرط المدة شرط أساسى لقيام الحيازة، وقد حددها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله “من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين فهو أحق به”.
ويتضح من هذا الحديث الشريف أن مدة الحيازة هى عشر سنين، ولم يفرق الحديث بين مدة حيازة المنقول والعقار، وذلك لأن الشيء يشمل العقار والمنقول على السواء، وعلى ذلك فمدد الحيازة هى عشر سنوات بالنسبة للمنقول والعقار وعلى السواء.
إلا أن فقهاء المذهب المالكى يرون أن حيازة العشر سنوات تكون للعقار فقط دون المنقول، فتكون المدة فى حيازة المنقول أقل من عشر سنوات.
وقد حددها البعض بسنتين فى العبد والأمة، أما الثياب فيحددها البعض بمدة سنة أو سنتين أو ثلاثة بالنسبة لدواب الركوب.
وفى المذهب الإباضى تكون مدة حيازة الحيوان والعروض ثلاثة أيام فقط , وذلك بشرط أن يكون المال فى يده فعلاً، ويظهر أمام الناس أنه له ففى هذه الحالة يجوز أن يشهد الشهود بالمشهود أن هذا المال مملوك له.
كما تثبت الحيازة بالنتاج إذا ولد الحيوان عند الحائز، بعد الثلاثة أيام أما إذا ولد قبلها فيثبت حقه فيه إذا لم يعارض المحوز عليه قبل انتهاء مدة الثلاثة أيام.

المطلب الثانى موانع الحيازة

توسع الفقه الإسلامى فى الأسباب المانعة للحيازة من إنتاج آثارها الشرعية، ويترتب على وجود إحدى موانع الحيازة بالنسبة للمحوز عليه حفظ حقه فى المطالبة به مهما طالت مدة الحيازة، ومهما توافرت شروط الحيازة الاخرى، وتتمثل تلك الموانع فى :

1- الخوف أو الإكراه :

يشترط أن تخلو حيازة الحائز من الإكراه الذى يترتب عليه بث الخوف فى نفس المحوز عليه بما يؤدى إلى منعه من المطالبة بحقه فى ملكه.
ويتحقق الإكراه بالقول أو الفعل من الحائز، على المحوز عليه بما يضطره إلى السكوت عن المطالبة بحقه، ولذلك فإن الإكراه يعتبر عنصراً إيجابياً.
وقد يتحقق الإكراه أو الخوف من غير الحائز، كمن يستند إلى قريب له أو صديق له ذى سطوة.
ويقيس الفقهاء موقف المحوز عليه الحاضر الساكت، بموقف المالك لشيء يحضر مجلس البيع ولا يعتبر من على بيعه ولا يطالب به، فلا يجوز له بعد انتهاء المجلس أن يعترض على البيع أو أن يطالب بنقضه.
ومن أقوال الفقهاء فى ذلك الشأن قول الحطاب ” الخوف أى خوف المدعى من الذى فى يده العقار لكونه ذا سلطان أو مستند إلى ذى سلطان.

ويقول الدردير “أو قام به مانع من إكراه ونحوه”.
ويقول الدسوقى ” خوف الحاضر من سطوة الحائز أو من سطوة من استند إليه الحائز”.
ويتضح من أقوال الفقهاء السابق ذكرها أن العبارات التى استخدموها للتعبير عن الخوف والإكراه تدل على درجات مختلفة من الإكراه والخوف وأقوى هذه الدرجات هو الحائز ذو سلطان وأدنى هذه الدرجات هو خوف المدين المحوز عليه من أن يطالب الدائن الحائز بحقه.

2- المصاهرة والقرابة :

تعد القرابة عند بعض الفقهاء إحدى موانع الحيازة، وهناك من تشدد فى اعتبارها سبباً للحيازة، واشترطوا شروطاً خاصة ومشددة حتى تعتبر سبب للحيازة، فبالنسبة للحيازة بين الأب , تشدد الفقهاء فلقد ذكروا أنها لا تكون بالسكنى أو الإزراع، ولكن تكون بأعمال التفويت (وهى التى يتم بها نقل ملكية شيء من شخص إلى آخر كالبيع والهبة والصدقة).
كما اشترط الفقهاء أن تكون مدتها ستين سنة، ومن أقوال الفقهاء فى هذا الشأن ما قاله الدسوقى “لا يصح حوز أحدهما على الآخر إلا أن يطول معهما، أى أمد الحيازة بين الأب والإبن طولاً، بحيث يكون من شأنه أن تهلك فيه البنيان.
وكذلك يقول العلامة الدردير “ولا يكون حيازة بين الأب وابنه وإن سفل إلا بهبة، إلا أن يطول معهما الهدم والبناء مما تهلك فيه البنيان ويتقطع العلم.
وعلى هذا فإن الحيازة بين الأب وابنه لا تكون إلا بأعمال التفويت، وهى التى يفوت بها ملكية الشيء فتنتقل ملكيته من شخص لآخر، وأنها لا تكون بالسكنى وإلازراع، ولقد اختلف الفقهاء فى أنه هل يمكن أن تكون الحيازة بين الأب وابنه بالهدم والبناء، هنا اختلف الفقهاء على قولين أحدهما ينفى الحيازة بينهما والثانى يجيز ذلك.
وبالنسبة للأقارب الشركاء، فلقد اختلف الفقهاء فى أنه هل تصح الحيازة بينهم أم لا. ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز الحيازة بين الشركاء الأقارب بشرط التغيير فى العقار المحاز كالهدم والبناء، مع اختلافهم فى مدة الحيازة فقيل عشر سنوات، وقيل أربعين سنة.

ومن أقوال الفقهاء فى هذا الشأن ما قاله الدردير “وفى حيازة الشريك القريب معهما قولان أى الهدم والبناء وما يقوم مقامهما قولان، الأول عشر سنوات والثانى الزيادة على الأربعين عاماً وهو الأصح.
والقول الثانى أنه لا تصلح الحيازة بينهما.

3- الغيبة :

تعتبر الغيبة إحدى موانع الحيازة، فلقد أجمع الفقهاء على أنه لا حيازة على الغائب، والمراد بالشخص الغائب هو الشخص الذى لا يكون موجوداً بالبلد التى يوجد بها المال المحاز.
ويعد الغياب مانعاً إذا كان غياب الشخص يحول بينه وبين العلم بحيازة ماله، أو إذا علم بهذه الحيازة ولكن وجد إلى جانب غيابه عذراً آخر لا يستطيع معه اتخاذ أى إجراء نحو الحائز، سواء بالحضور إلى موضع المال المحاز والاعتراض عليه، أو أن يوكل شخصاً آخر يقوم مقامه فى المطالبة بحقه.
وقد اختلف الفقهاء فى تحديد المسافة التى يعتبر الشخص بعدها غائباً، فيرى البعض أنه إذا كان على مسيرة أربعة أيام من موطنه فإنه يعتبر غائباً، وحددها البعض بمسافة سبعة أيام.
ومن موانع الحيازة أيضاً عوارض الأهلية، ولقد أطلق الفقهاء هذا المانع دون قيد بحيث يتحقق مادام المحجوز عليه صغير السن حتى ولو كان له ولي.

المبحث الثالث حماية الحيازة فى المذاهب الفقهية المختلفة

سوف نتحدث فى هذا المبحث سوف نتحدث عن حماية الحيازة فى الفقه الإسلامى، وسوف نعرض لآراء الفقهاء فى هذا الشأن، وسوف نتحدث عن الحيازة العرضية والحيازة الشرعية من حيث وسائل حمايتها فى الفقه الإسلامى.

أولاً : حماية الحيازة العرضية.

الحيازة العرضية هى التى يتوافر لها العنصر المادى دون العنصر المعنوى، كحيازة المستأجر والمرتهن، ونجد أن الفقه الإسلامى قد عنى بحماية ذلك النوع من الحيازة.
ويقصد بالحيازة العرضية أن يسيطر الحائز على الشيء المحاز سيطرة مادية تامة دون أن تكون عنده نية تملكه.
ويميز الفقه الإسلامى بين نوعين من الحائزين العرضيين :

النوع الأول : وهم الذين يحوزون لحساب غيرهم بمقتضى سند شرعى ولا يعتبرون أتباعاً للمالك وهم كالمستأجر.
النوع الثانى : وهم أتباع الحائز الأصلى الذين يأتمرون بأمره وليس لهم حرية التصرف إلا فى حدود أوامره، وهم كالوكيل والحارس.
وبالنسبة لحماية حيازة المستأجر نجد أنه يشترط توافر شرطين حتى يحمى الفقه الإسلامى تلك الحيازة.
الشرط الأول : ألا يكون المؤجر غاصباً للعين المحازة.
الشرط الثانى : ألا يكون المستأجر عالماً بهذا الغصب أى أن يكون حسن النية وعلى هذا إذا كان المؤجر غاصباً والمستأجر لا يعلم بهذا الغصب، فإنه وفقاً للمذهب المالكى يكون له الحق فى حماية حيازته.

ثانياً : حماية الحيازة الشرعية.

الحيازة الشرعية هى التى يتوافر لها عنصراها المادى والمعنوى وهى التى تستأهل الحماية فى الفقه الإسلامى.
وفى الفقه الحنفى نجد أنه يحمى ذى اليد الأولى عند الاعتداء عليها من ذى اليد الأخرى.
ويقصد باليد هنا : هى اليد الدالة على الملك لا اليد العارضة، وفى هذا الشأن يقول الكاسانى “أن اليد المتصرفة فى المال من غير منازع دليل الملك فيه”.
وفى الفقه المالكى نجد أن الحيازة الشرعية المستوفية لأركانها وشروطها تجعل الحائز أحق بالمال المحاز من المالك الذى أهمل ملكه وتركه بعلمه ورضاه، ويعتبر هذا إقرار منه بأنه لا حق له فيه.
وعلى هذا فالحائز الذى استوفيت حيازته لشروطها وأركانها، ولم ينازعه فيها أحد هو أحق وأجدر بالحماية من المالك الذى أهمل ملكه وتركه.
وفى الفقه الشافعى يحمى المدعى عليه والحائز “ضد من يدعى أن هذا المال كان فى يده فى وقت سابق، وذلك كان يكون هذا المال فى يده كوديعة أو إجارة أو غصب أو إعارة، أما إذا لو أثبت المدعى أن هذا المال كان فى يده واستولى عليه الحائز بسبب غير مشروع، فإنه يجب رد هذا المال إلى المدعى (المالك).
وفى الفقه الحنبلى نجد أنه إذا لم يكن للمدعى بينة تشهد بملكيته للمال المحاز فصاحب اليد يستحق ما فى يده مع يمينه.
وفى هذا الشأن يقول ابن القيم ” وإذا أدعى على رجل عيناً فى يده أو ديناً فى ذمته فأنكره ولا يبينه له فالقول قول المنكر مع يمينه، ولأن الأصل براءة ذمة من الدين والظاهر من اليد الملك”.
ونخلص من آراء الفقهاء اتفاقهم على حماية الحيازة وذلك احتراما للأوضاع الظاهرة واستقراراً للمعاملات بين الناس.

الفصل الثانى حماية الحيازة فى القانون المدنى المصرى

فى هذا الفصل سوف نتحدث عن تعريف الحيازة، وسوف نتناول عنصراها من عنصر مادى وعنصر معنى متناولين المقصود بكل عنصر، ثم نختم دراستنا بالحديث عن الوسائل التى وضعها القانون المدنى المصرى لحماية الحيازة وذلك من خلال المبحثين التاليين :

المبحث الأول : تعريف الحيازة وعناصرها

المبحث الثانى : وسائل حماية الحيازة فى القانون المدنى المصرى

المبحث الأول تعريف الحيازة وعناصرها

فى هذا المبحث سوف نتحدث عن التعريف الفقهى للحيازة من الوجهة القانونية، وكنا قد عرفنا الحيازة فى اللغة وتبين أنه يقصد بها الضم أو الجمع أو الملك، وعرفها الفقهاء بأنها وضع اليد أو السيطرة المادية على الشيء، وسوف نتحدث بعد ذلك عن عناصر الحيازة وذلك من خلال المطلبين التاليين :

المطلب الأول تعريف الحيازة

كان المشروع التمهيدى للقانون المدنى المصرى يعرف الحيازة بأنها “عبارة عن وضع مادى يسيطر الشخص سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل فيه، أو يستعمل بالفعل حق من الحقوق . وعند صدور القانون لم يرد المشرع تحديد تعريف معين للحيازة تاركاً المجال للفقهاء لتعريفها.
وقد عرفها الفقه المصرى بأنها “عبارة عن سلطة فعلية لشخص على شيء من الأشياء يستعمله بصفته مالكاً له أو صاحب حق عينى عليه، سواء استندت هذه السلطة إلى حق من الحقوق أو لم تستند.
وقيل أيضاً بأنها سيطرة شخص سيطرة فعلية مادية على حق سواء كان حقاً شخصياً أم حقاً معنوياً.
وعرفت أيضاً بأنها سيطرة الشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادى ظاهراً عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عينى أو شخصى ويباشر عليه الأعمال التى يباشرها عادة صاحب الحق.

المطلب الثانى عنصرا الحيازة

الحيازة تتكون من عنصرين هما العنصر المادى والعنصر المعنوى.

أولاً : العنصر المادى (السيطرة المادية)

يتكون الركن المادى من مجموعة الأعمال المادية التى يقوم بها الحائز، والتى تصدر عادة ممن يملك الشيء أو يستعمل عليه حقاً من الحقوق العينية.
وتتحقق السيطرة المادية للحيازة فى عدة صور منها :

1- السيطرة الفعلية : تتحقق تلك السيطرة على الشيء محل الحيازة بأن يحرز الشيء فى يده إحرازاً مادياً، ويباشر عليه من الأعمال المادية ما يباشره المالك فى ملكه عادة، وعلى ذلك إذا كان محل الحيازة أرضاً زراعية فتكون السيطرة الفعلية عليها بحيازتها واستزراعها.
ولا يشترط أن تكون الأعمال التى يباشرها الحائز على العقار متواصلة، بل يكفى أن تكون على اتصال مباشر بالعقار المحار وفقاً لطبيعة العقار.

2- السيطرة الفعلية بواسطة الغير (الاستخلاف)
تنص المادة 951 مدنى على أنه تصح الحيازة بالواسطة متى كان الوسيط يباشرها باسم الحائز، وكان متصلاً به اتصالاً يلزمه الإئتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة.
والأمثلة على ذلك النوع من الحيازة كثيرة منها أن يباشر الحائز السيطرة المادية بواسطة خدمه وأتباعه وعماله ومستخدميه، أو يكون الحائز شخصاً معنوياً كالشركات أو المؤسسات، فيباشر باسمه الأشخاص الذين يفوضهم.

ثانياً : العنصر المعنوى.

يقصد بالعنصر المعنوى انصراف نية الحائز فى أن يظهر على الشيء المحاز بمظهر المالك أو صاحب حق عينى عليه. ويحدده البعض بأنه عبارة عن نية الحائز فى استعمال حق من الحقوق.
ونظراً لأن العنصر المعنوى للحيازة قوامه نية الحائز، فإنه يشترط فى الحائز أن يكون مميزاً، أما إذا كان غير مميز فتتم الحيازة عن طريق نائبه القانونى.
ولقد افترض المشرع المصرى تواجد الركن المعنوى لدى الحائز بمجرد توافر الركن المادى، فمتى أثبت الحائز أن له سيطرة مادية على الشيء المحاز افترض أنه يحوز لحساب نفسه واعتبرت بالتالى حيازته حيازة قانونية.

المبحث الثانى وسائل حماية الحيازة فى القانون المدنى المصرى

التقنين المدنى المصرى شأنه شأن الفقه الإسلامى قد وضع العديد من القواعد التى من شأنها حماية الحيازة، ووقع المشرع المصرى العديد من الدعاوى، دعوى استيراد الحيازة، ودعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة، وسوف نتحدث عن الحماية التى أقرها المشرع المصرى فى القانون المدنى المصرى من خلال التحدث عن تلك الدعاوى.

– خصائص دعاوى الحيازة :

تتميز الدعاوى الخاصة بحماية الحيازة بالعديد من الخصائص منها :
1- دعاوى الحيازة تحمل طابع الاستعجال :
تحمل دعاوى الحيازة طابع الاستعجال إذا توافر لها شرط الاستعجال، وتدخل تلك الدعاوى فى اختصاص القاض الجزئى.
2- دعاوى الحيازة ليست دعاوى تعويض :
لا يقصد بدعاوى الحيازة التعويض عن ضرر أحدثه المتعرض أو المغتصب، ولذلك فليس من شروط قبولها توافر الخطأ ولا يشترط لقبول الدعاوى سوء نية المغتصب.
3- دعاوى الحيازة تحمى حيازة العقار دون المنقول :
خص القانون المدنى دعاوى الحيازة لحماية العقار وما يقع عليه من حقوق عينية مثل حيازة حق الاستعمال والسكنى , ويشترط فى العقار أن يكون قابلا لا ترد عليه الحيازة حتى يمكن حمايته.

أولاً : دعوى استرداد الحيازة :

نظم المشرع دعوى استرداد الحيازة فى ثلاث مواد (958-959-960مدنى)، ويقصد بها ” تلك الدعوى التى يرفعها حائز العقار الذى فقد حيازته ضد الغير طالباً فيها رد حيازته للعقار التى سلبها منه بالقوة.
وتتأسس تلك الدعوى على حماية الأمن العام والنظام، باعتبار أنه مغتصب الحيازة يعتبر معتديا على حق الملكية بما يؤدى إلى الإخلال باستقرار المعاملات.
ويشترط فى دعوى استرداد الحيازة عدة شروط منها :
– الشرط الأول : أن يكون المدعى حائزاً لعقار.
تتضمن الفقرة الأولى من المادة 958م على أنه لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب …. ردها إليه” ويتضح من تلك الفقرة أنه يجب أن يكون المدعى حائزاً للعقار المطلوب استرداد حيازته حيازة مادية صحيحة.
– الشرط الثانى : أن يقع اعتداء على الحيازة يؤدى إلى سلبها.
تنص المادة 958/1 مدنى على أن “…… لحائز العقار إذا فقد الحيازة “ومعنى فقد الحيازة أى سلبها من الحائز. حرمانه من الانتفاع الكامل بها.
ويتخذ سلب الحيازة صوراً عديدة قد تكون عن طريق القوة الظاهرة أو فى صورة خفية، وقد يتخذ صورة القوة المادية عن طريق الغصب سواء كان ذلك الغصب مصحوباً بالاعتداء على الحائز الأصلى أم لا. وقد يكون عن طريق استعمال الحيل والتدليس وأساليب الغش والخداع.
ويشترط فى العمل الذى يقع من المعتدى ثلاثة شروط.
1- أن يكون عملاً عدوانياً :
فلا يشترط أن يكون هذا العمل من الأعمال التى تعد جريمة فى القانون الجنائى، بل يكفى أن يكون هذا العمل عملاً غير مشروعاً من الناحية المدنية، ويكون اعتداءاً إيجابياً على حيازة العقار.
2- أن يقع الاعتداء على العقار الذى هو فى حيازة الحائز.
3- أن يكون هذا العمل العدوانى قد انتهى إلى سلب الحيازة من الحائز.
– الشرط الثالث : استمرار الحيازة مدة لا تقل عن سنة.
مدة حيازة المدعى سنة كاملة بدون انقطاع قبل سلبها منه، وذلك حتى يتمكن من رفع دعوى استرداد الحيازة، طبقاً للقاعدة العامة فى الحيازة، إلا أن المشرع قد خرج على تلك القاعدة، وأجاز للمدعى أن يطلب استرداد حيازته حتى ولو لم يكن قد مضى على حيازته سنة كاملة قبل فقدها وذلك فى الحالات التالية :
الحالة الأولى : إذا كان الحائز قد فقد حيازته بالقوة أو العنف، ففى هذه الحالة فإنه يكون له الحق فى طلب استرداد حيازته ولو لم يكن قد مضى عليها سنة.
الحالة الثانية : إذا كانت حيازة المدعى تقوم على سند قانونى دون حيازة خصمه كأن يكون حائزاً للعقار بمقتضى حكم صادر له أو عقد لم يكن الشخص المنازع له فى الحيازة طرفاً فيه.
الحالة الثالثة : إذا تعادلت السندات التى يتخذها كل حائز سبباً لحيازته، أو لم يكن بيد أحد منهم سنداً، فتكون الحيازة الأحق هى الأسبق فى التاريخ.
– الشرط الرابع : أن ترفع الدعوى خلال سنة من تاريخ السلب.
يجب على الحائز أن يرفع دعوى استرداد الحيازة خلال سنة من تاريخ سلب الحيازة، إذا كان هذا السلب قد وقع بالقوة. لأن الحائز فى هذه الحالة يكون عالماً بوقت سلب حيازته، أما إذا كان السلب قد وقع خفية ففى هذه الحالة تبدأ مدة السنة من تاريخ انكشاف سلب الحيازة.
– الشرط الخامس : أن يتوافر شرط الاستعجال فى الدعوى.
يشترط لاختصاص القضاء المستعجل ينظر دعوى الاسترداد توافر شرط الاستعجال، واذا تخلف هذا الشرط، كان ترفع الدعوى بعد مرور سنة ففى هذه الحالة يجب على القاضى الحكم بعدم قبول الدعوى لعدم رفعها فى الميعاد.
– الشرط السادس : عدم المساس بأصل الحق.
إذا اتضح للقاضى المستعجل أن الفصل فى دعوى الاسترداد يقتضى بحث موضوعى يتطرق إلى أصل الحق المتنازع فيه ففى هذه الحالة يجب على القاضى أن يحكم بعدم الاختصاص.

ثانياً : دعوى وقف الأعمال الجديدة.

نظم المشرع المصرى تلك الدعوى فى المادة 962 من القانون المدنى، حيث نص على :
1- من حاز عقاراً، واستمر حائزاً له سنة كاملة، وخشى لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته، كان له أن يرفع الأمر إلى القاضى طالباً وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء فى العمل الذى يكون من شأنه أن يحدث الضرر.
2- وللقاضى أن يمنع استمرار الأعمال أو يأذن فى استمرارها.
ومن النص السابق فإنه يمكن تعريفها بأنها الدعوى التى يرفعها الحائز ضد الغير الذى شرع فى عمل لو تم لأصبح تعرضاً للحيازة، وذلك بطلب منه من إتمام هذا العمل
وتتأسس تلك الدعوى على توافر مصلحة قائمة وحاله للحائز فى درء التعرض قبل حصوله، لأنه ليس من المتصور حرمان الحائز من الحماية القانونية إلى أن يتم الاعتداء على حيازته.

ويشترط لقبول دعوى وقف الأعمال الجديدة بعض الشروط منها :
1- أن يكون المدعى حائزاً للعقار.
وهذا الشرط نصت عليه المادة 962 مدنى بقولها “من حاز عقاراً ” فيجب أن يكون المدعى حائزاً للعقار المطلوب وقف الأعمال الجديدة، التى لو تمت لأصبحت تعرضاً لحيازته، ويشترط فى حيازة المدعى أن تكون صحيحة وقانونية أى يتوافر فيها ركنى الحيازة المادى والمعنوى.
2- أن يشرع المدعى عليه فى عمل لو تم من شأنه أن يصبح عرضاً للحيازة.
ترفع دعوى وقف الأعمال الجديدة إذا شرع المدعى عليه فى القيام بأعمال يخشى لأسباب معقولة، إذا تركت أن تصبح تعرضاً لحيازة المدعى ويشترط فى تلك الأعمال :
أ – أن يكون المدى عليه قد شرع فيها فعلاً أو على وشك القيام بها
ب- أن تكون تلك الأعمال قد بدأت فى عقار المدعى عليه. ليس فى عقار المدعى أو الغير.
ج- أن تؤدى تلك الأعمال إلى التعرض للحيازة ذاتها لا إلا مجرد الإضرار بالحائز.
3- أن تستمر مدة الحيازة سنة كاملة.
يشترط أن تستمر مدة الحيازة سنة كاملة بدون انقطاع وذلك قبل شروع المدعى عليه فى الأعمال الجديدة.
4- أن ترفع الدعوى خلال سنة من تاريخ بدء الأعمال.
يجب على المدعى رفع الدعوى خلال سنة من تاريخ بدء الأعمال التى تمثل اعتداء على وشك الوقوع على الحيازة، ومدة السنة هى مدة سقوط وليست مدة تقادم.
وينعقد الاختصاص بنظر تلك الدعاوى للمحكمة التى يقع فى دائرتها العقار الذى يوشك أن يقع الاعتداء على حيازته.

ثالثاً : دعوى منع التعرض.

تعتبر دعوى منع التعرض إلى الدعوى الرئيسية لدعاوى الحيازة، وذلك لأنها تحمى الحيازة فى ذاتها، لذا يصفها الشراح بأنها أهم دعاوى الحيازة.
ولقد نظم المشرع المصرى أحكام هذه الدعوى فى المادة 961 مدنى حيث نص على أنه “من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة ثم وقع له تعرض فى حيازته جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى منع التعرض”.
ويمكن تعريف تلك الدعوى بأنها الدعوى التى يرفعها الحائز ضد المتعرض أو للغير، طالباً منع التعرض له فى حيازته للعقار.
وللتعرض الذى يبيح رفع هذه الدعوى هو كل عمل مادى أو قانونى من شأنه أن يعرقل انتفاع الحائز بالعقار ويتضمن إنكاراً لهذه الحيازة.
وللتعرض الذى يعرقل الانتفاع قد يكون فى صورة مادية أو قانونية، والتعرض المادى هو كل عمل مادى من أعمال التعدى الذى يضمن منازعة الحائز فى حيازته. وقد يتم ذلك بطريقة مباشرة، وذلك كان يقوم شخص بأعمال تمنع الحائز من ممارسة حق الارتفاق المقرر له على عقاره.
ولا يشترط فى التعرض أن يكون قد ألحق ضرراً بالمدعى، ولا يشترط كذلك أن تقع أعمال التعرض فى العقار الذى يحوزه المدعى، فقد تقع أعمال التعرض فى عقار المعتدى أو الغير ولكن يترتب عليها إضرار بالحائز.
أما التعرض القانونى فهو يقوم على تصرف يصدر من المدعى عليه (المعتدى) يعلن به عن نيته فى المعارضة فى حيازة الحائز، وذلك كان ينفرد المدعى عليه المستأجر بدفع الأجر له دون المدعى.

والتعرض القانونى قد يكون تعرضاً قضائياً أو تعرضاً غير قضائياً.
والتعرض القانونى قد يكون فى شكل خصومة أمام القضاء، أما التعرض غير القضائى هو الذى لا يكون بصدد خصومة قائمة أمام القضاء، وإنما يكون تمهيداً لقيام تلك الخصومة، وذلك كالإنذارات التى توجه للحائز وتتضمن تعرضاً له فى حيازته، كان يوجه المدعى عليه إنذاراً للحائز وعدم البناء فى العقار الذى يحوزه.
ويشترط فى تلك الدعوى ما يلى :
1- أن يكون المدعى حائزاً للعقار وقت التعرض الحاصل له حيازة قانونية صحيحة، أى مستوفية لشروطها وأركانها، وعلى هذا فإن تلك الحيازة المراد حمايتها يجب أن تكون حيازة قانونية وليست عرضية، أى يحوز الحائز لحساب نفسه لا لحساب غيره، لأن دعوى منع التعرض لا يحمى بها سوى الحيازة القانونية.
2- أن تستمر مدة الحيازة سنة كاملة بدون انقطاع.
3- أن يقع للحائز تعرض فى حيازته للعقار.
4- أن ترفع الدعوى خلال سنة من تاريخ التعرض، فسكون الحائز مدة تزيد عن سنة عما يحدث له من تعرض دليل على اعترافه بأحقية للمعترض فى اعتراضه.
ومما سبق يتضح لنا أن القانون قد حمى الحيازة شأنه فى ذلك شأن الفقه الإسلامى وذلك بأن قرر للحائز العديد من الدعاوى التى يجوز له الالتجاء إليها حالة وقوع اعتداء على حيازته.

الفصل الثالث مقارنة بين حماية الحيازة فى الفقه الإسلامى والقانون المدنى المصرى

فى هذا الفصل سوف نقارن بين الحماية المقررة للحيازة في الفقه الإسلامي والحماية التي قررها القانون المدني المصري.
فبالنسبة لتعريف الحيازة , نجد أن الفقه الإسلامي عرفها بانها وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه بواحد من أمور سكنى أو إسكان أو غرس أو زرع أو بيع أو هدم أو بناء
اما في القانون المدني نجد أن الفقهاء عرفوها بأنها السيطرة لشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادى ظاهراً عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عينى أو شخصى ويباشر عليه الأعمال التى يباشرها عادة صاحب الحق.
ومن هنا نجد تشابه كلا التعريفين في الفقه الإسلامى والقانون المدني , فالفقه الإسلامى يعرفها بانها وضع اليد علي الشي , وهو ما يمثل السيطرة لشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادى ظاهراً.
وبالنسبة لعنصري الحيازة , نجد ان الحيازة في كلا من الفقه الإسلامى والقانون المدني المصري, تتكون من عنصرين هما العنصر المادي والعنصر المعنوي.
وكذلك نجد انه في الركن المادي وهو الذي يمثل وضع اليد في الفقه الإسلامى , السيطرة المادية في القانون المدني , يمكن ان تكون الحيازة بواسطة الشخص الحائز نفسه , كما يمكن ان تكون من غير الحائز (الاستخلاف) كعماله او مستخدميه الذين يأتمرون بأوامره
أما العنصر الثانى للحيازة، ألا وهو العنصر المعنوى، فيتمثل فى الفقه الإسلامى، فى وجوب ادعاء الحائز أنه مالك فعلا للعين التى يحوزها واما في القانون المدني فيتمثل في انصراف نية الحائز فى أن يظهر على الشيء المحاز بمظهر المالك أو صاحب حق عينى عليه. ويحدده البعض بأنه عبارة عن نية الحائز فى استعمال حق من الحقوق.

وبالنسبة لحماية الحيازة , نجد انه في الفقه الاسلامي , قد فرق بين الحيازة الشرعية هى التى يتوافر لها عنصراها المادى والمعنوى , وبين الحيازة العرضية هى التى يتوافر لها العنصر المادى دون العنصر المعنوى، كحيازة المستأجر.
فنجد انه في الحيازة الشرعية يحمي الفقه الحنفى ذى اليد الأولى عند الاعتداء عليها من ذى اليد الأخرى.
وفى الفقه المالكى نجد أن الحيازة الشرعية المستوفية لأركانها وشروطها تجعل الحائز أحق بالمال المحاز من المالك الذى أهمل ملكه وتركه بعلمه ورضاه، ويعتبر هذا إقرار منه بأنه لا حق له فيه.
وفى الفقه الشافعى يحمى المدعى عليه والحائز “ضد من يدعى أن هذا المال كان فى يده فى وقت سابق، وذلك كان يكون هذا المال فى يده كوديعة أو إجارة أو غصب أو إعارة، أما إذا لو أثبت المدعى أن هذا المال كان فى يده واستولى عليه الحائز بسبب غير مشروع، فإنه يجب رد هذا المال إلى المدعى (المالك).
وفى الفقه الحنبلى نجد أنه إذا لم يكن للمدعى بينة تشهد بملكيته للمال المحاز فصاحب اليد يستحق ما فى يده مع يمينه.
وما هو الشأن في الحيازة الشرعية, نجد ان الفقه الإسلامى قد عني ايضا بحماية الحيازة العرضية.
ونخلص من آراء الفقهاء اتفاقهم على حماية الحيازة بنوعيها , وذلك احتراما للأوضاع الظاهرة واستقراراً للمعاملات بين الناس.
اما في القانون المدنى نجد انه ايضا قد حذا حذو الفقه الإسلامى في حماية الحيازة , وذلك بان قرر لها العديد من الدعاوي التي يجوز ان يلجا اليها الشخص الذي تم الاعتداء علي حيازته , ومنها دعوي منع التعرض , ودعوي وقف الاعمال الجديدة , ودعوي استرداد الحيازة.

} الخـــاتــمـة{

أولا وقبل كل شئ أحـمد اللــه عـز وجـل وأشكـره على فضله ونعمته علـىّ بأن أعانني ووفقني عـلـى إتمام هـذا البحـث.

وبعــد ,,

فإننا لا نقصد بهذه الخاتمة وضع تلخيص لما أشتمل عليه البحث من موضوعات , وانما أردنا بها إيضاح بعض النتائج التي توصلنا إليها من خلال بحثنا , وذلك على النحو التالي:-
تحدثنا في الفصل الأول عن حماية الحيازة في الفقه الإسلامى ,وقسمنا هذا الفصل الي ثلاثة مباحث, المبحث الأول تحدثنا فيه عن تعريف الحيازة وعناصرها , وتبن أن الفقهاء يعرفون الحيازة بانها وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه بواحد من أمور سكنى أو إسكان أو غرس أو زرع أو بيع أو هدم أو بناء.
وبالنسبة لعنصري الحيازة , نجد ان الحيازة في من الفقه الإسلامى , تتكون من عنصرين هما العنصر المادي والعنصر المعنوي.
ووجدنا انه في العنصر المادي يمثل وضع اليد في الفقه الإسلامى , يمكن ان تكون الحيازة بواسطة الشخص الحائز نفسه , كما يمكن ان تكون من غير الحائز (الاستخلاف) كعماله او مستخدميه الذين يأتمرون بأوامره
أما العنصر الثانى للحيازة، ألا وهو العنصر المعنوى، فيتمثل فى الفقه الإسلامى، فى وجوب ادعاء الحائز أنه مالك فعلا للعين التى يحوزها.
وفي المبحث الثاني , تحدثنا عن شروط الحيازة وموانعها , وحددنا بعض شروط الحيازة ومنها , الشرط الأول , حضور المحاز عليه وعدم اعتراضه , والشرط الثانى علم المحوز عليه بالحيازة , والشرط الثالث إدعاء الحائز ملكية المال المحاز , والشرط الرابع استمرار الحيازة مدة معينة.
اما موانع الحيازة , فتتمثل في الخوف او الإكراه , المصاهرة او القرابة , الغيبة

وفي المبحث الثالث تناولنا دراسة حماية الحيازة في الفقه الاسلامي , ووجدنا ان الفقه الاسلامي قد فرق بين الحيازة الشرعية هى التى يتوافر لها عنصراها المادى والمعنوى , وبين الحيازة العرضية هى التى يتوافر لها العنصر المادى دون العنصر المعنوى، كحيازة المستأجر.
وخلصنا من آراء الفقهاء اتفاقهم على حماية الحيازة بنوعيها , وذلك احتراما للأوضاع الظاهرة واستقراراً للمعاملات بين الناس.
اما في الفصل الثاني تناولنا حماية الحيازة في القانون المدني المصري , وفسمنا ذلك الفصل الي مبحثين , المبحث الاول تناولنا فيه تعريف الحيازة وعناصرها , وتبين ان الفقهاء عرفوا الحيازة بانها سيطرة الشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادى ظاهراً عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عينى أو شخصى ويباشر عليه الأعمال التى يباشرها عادة صاحب الحق.
اما عناصر الحيازة , فوجدنا انها شأنها في القانون المدني شان الفقه الاسلامي , تتكون من عنصرين , عنصر مادي يتمثل في السيطرة المادية , والعنصر الثاني وهو العنصر المعنوي ويتمثل في انصراف نية الحائز فى أن يظهر على الشيء المحاز بمظهر المالك أو صاحب حق عينى عليه.
وفي المبحث الثاني , درسنا حماية الحيازة في القانون المدني المصري , واتضح ان القانون المدني المصري , قد قرر العديد من الدعاوي التي يستطيع عن طريقها الشخص الغتصبة حيازته او الشخص المهددة حيازته , اللجوء اليها لحماية حيازته , وتتمثل تلك الدعاوي في دعوي منع التعرض , ودعوي وقف الاعمال الجديدة , ودعوي استرداد الحيازة.

) قائـمة المراجع (

أولا : مـؤلفات المذاهب الفقهية

المذهب الحنفـى

المبسـوط ، شمس الدين السرخسى المتوفى , بيروت , دار المعرفة , الطبعة الثانية (بدون سنة نشر).

رد المحتار علي الدور المختار( حاشية ابن عـابدين ) , محمد أمين الشهير بابن عابدين , مصر , مطبعة مصطفى الحلبى , الطبعة الثانية سنة 1386هـ , 1966م.

المذهب الشافعـى

حاشية الباجـورى على شرح ابن قاسم , إبراهيم الباجورى , مطبعة دار إحياء التراث العربى (بدون سنة نشر).

المذهب الحنبلـى

المغنى, محمد بن عبد الله بن قدامه, مصر, مطبعة المنار, الطبعة الأولى(بدون سنة نشر).

المذهب المالكـى

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل , أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربى المعروف بالحطاب , دار الفكر , الطبعة الثانية سنة 1978م

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير، شمس الدين محمد الدسوقى، ص208، دار إحياء الكتب العر بية (بدون سنة نشر).

ثانيا : المؤلفات القـانونية

الوسيط فى شرح القانون المدنى , د.عبد الرزاق السنهورى , دار النهضة العربية , الطبعة الثالثة سنة 1981م.

الحيازة والتقادم فى الفقه الإسلامى ، د. محمد عبد الجواد محمد، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1977.