بحث قانوني قيم عن فلسفة القانون

مقال حول: بحث قانوني قيم عن فلسفة القانون

بحث قانوني قيم عن فلسفة القانون

مقدمة:

إن القضايا التي تشملها عادة عبارة (فلسفة القانون) تحظى باهتمام الحقوقي المهتم بأساس دراسة القانون الوضعي وقيمته، بالإضافة إلى الذين لا ينكبون على مثل هذه الدراسات، وإنما يدفعهم الفضول إلى معرفة مدى ما تقدمه إلى معرفتنا المتعلقة بالإنسان والمجتمع.
وسنتعرض في الصفحات التالية الأجوبة التي اقترحت حول هذه القضايا بالاستناد إلى المواقف العامة التي اتخذتها بشأنها مختلف التيارات التي تتقاسم المؤلفين، سنتولى بادئ ذي بدء دراسة (الوضعية) أي مجموعة المفاهيم التي تعتبر نفسها أكثر حذرا إزاء عمل الفكر، ثم نتولى دراسة (التوجيه الاجتماعي) الذي يتجه نحو تركيز الحادث الحقوقي في نطاق الملاحظ ثم نتعرض إلى (طبيعة الأشياء) التي ورثت تقليدا طويلا ومعقدا ونولي اهتماما خاصا بدور الفكر في إنشاء القانون وصياغته، وقد توسعنا في شرح هذا الدور في البحث الذي أطلق عليه في الاصطلاح الحديث (البحث عن القيم).
ولقد وجهت هذه الاتجاهات المختلفة اهتماما، حتما، نحو فئة معينة من القضايا، أو آثرت أحد المناهج، وعبر هذه الاتجاهات تتبين لنا القضايا والمناهج.
ويبدو أن الأسلوب يناسب بشكل أفضل عرضا عاما يرمي إلى تقديم بيان، وإن كان يبدو أن مجرد النظام المتبع في البيان يستطيع أن يعرب.
إن هذه المذاهب العلمية هي حصيلة تاريخ طويل وغني لا مندوحة عن معرفته إذا توخينا إدراك المواقف المهمة والتمكن من حسن تقديرها، ومع ذلكم فإن هذا التاريخ لا يظهر في الصفحات التالية إلا بشكل إشارات موجزة تتعلق بكل اتجاه: إن نمو التطور قد يقتضي دراسة خاصة، ولكن المباشرة بحالة القضايا الحديثة يبدو مجرد تناقض ظاهري، إذ أن دراستها تثير حب الاطلاع على المنشأ الذي تستمد منه وجودها والذي ستوضحه الدراسة اللاحقة.
لقد كتب الأبحاث التالية حقوقي انطلق من تفكير عميق بالمبدأ الذي يعتنقه، ويمكن إدراك فلسفة القانون كفكرة عامة مستمدة من فلسفة معينة نظريا يجب أن يصل هذان الاتجاهان إلى نقطة التقاء ولكنهما لا يلتقيان دائما، وعلى القارئ أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار

المطلب الأول: تعريف فلسفة القانون

لقد قيل إن محاولة لتعريف فلسفة القانون لا جدوى منها ووقت ضائع، لأنه لواء هذه التسمية تعددت الدراسات واختلفت مضامينها كلما زاد التعمق فيها . ولكن إلا تسعفنا في هذا المجال التسمية نفسها التي أوجدها لأول مرة عام 1821 الفيلسوف الألماني هيغل، وتكون “فلسفة القانون” هي الفلسفة مطبقة على القانون؟ هذا الرأي يمكن أن يكون مقبولا إذا صدر عن الفلاسفة إلا أن هناك من القانونيين من يؤيد هذا الاتجاه فالأستاذ البلجيكي هيزر يرى أن فلسفة القانون “… هي الفلسفة في نطاق القانون مفهوما للعالم فأي عرض مقنع وعلمي لفلسفة وحدهم مختصون بفلسفة القانون باستثناء القانونيين، ففلسفة القانون ليست بفرع من فروع القانون… ولا هي بعلم وسيط بين القانون والفلسفة، وميدانها يقتصر على الفلسفة فقط .
إلا أن مثل هذا الاتجاه ضعيف في الأساس الذي يقوم عليه وبالتالي خاطئ في النتائج التي يتوصل أو يعتقد التوصل إليها، فكلمة “فلسفة” تعني المعرفة العقلية، العلم بالمعنى العام للكلمة .
فالفلسفة إذن هي دراسة متعمقة لفرع من فروع المعرفة البشرية ومنها القانون، فمحاولة إدراك طبيعة القانون الوضعي هي عمل فلسفي، فماذا يعني “التفلسف” غير محاولة فهم الواقع عن طريق التفكير .
حين ينصب مثل هذا التفكير أو الدراسة المتعمقة على القانون فيكون من المنطقي، بل من الطبيعي أن يقوم بها المشتغلون بالقانون، فهي إذن من ميدان الدراسات القانونية أولا وأخيرا، ففي دراستنا لأساس القانون وطبيعته، لا ننطلق ولا يمكن أن ننطلق من ” نظام فلسفي” معين، بل من استقرأ الواقع القانوني للقانون انطلاقا من معطيات القانون الوضعي، وخير من يقوم بهذه المهمة هم القانونيين وحدهم، فلسفة القانون، إذن هي من نطاق القانون لا الفلسفة بل هي كما قيل القانون الوضعي حين يكون محلا لفكر التأملي .
حقيقة أن القانوني حين يرجع إلى أسس القانون ويحاول أن يحدد طبيعته لا يمكن أن يبقى بمعزل عن التفسيرات أو “الاختيارات” الرئيسية التي طرحت لفهم أو لإدراك عالمنا، كما أنه لا يمكن أن يجهل أو يتجاهل مقدار تأثير هذه التيارات أو المواقف الفلسفية في الأفكار والنظريات التي طرحت في ميدان علم القانون، والقانوني إنسان وبالتالي لا يمكن أن نعزل مفهومه للقانون عن مفهومه للعالم والحياة وإذا كانت الفلسفة في الواقع تفكيرا في الإنسان ومصيره، فإن القانوني لا يمكن أن يتجاهلها لذا فإن كل نظام قانوني يتضمن موقفا فلسفيا في الحقيقة يسلم به المشرع لا بل إن بعض الحلول القانونية داخل النظام القانوني داخل النظام القانوني الواحد يمكن أن تكون محل مواقف فكرية متباينة، يكفي أن نسوق على سبيل المثال الحلول القانونية المتعلقة بالإجهاض والطلاق والتبني في النظام القانوني الفرنسي . لكن هذا لا يعني ولا يمكن أن يعني أن القانون يخرج من ميدان القانون أو من ميدان الدراسة القانونية حين يؤصل أو يحاول يؤصل موضوع دراسته ما دام قد انطلق من القواعد القانونية أو من الأنظمة القانونية محور مشاهدته واستقرائه، وحتى المشتغلون بالعلوم الطبيعية أو الرياضية لا يمكنهم إلا أن ” يتفلسفوا ” بهذا المعنى وبالتالي لا يمكن أن يقال أنهم خرجوا من نطاق علمهم وأصبح هذا الأخير من اختصاص “الفلاسفة” كما أن هذا لا يعني أيضا أن الفلسفة قادرة على أن تقدم تعريفا للقانون ففي أغلب مؤلفات “الفلاسفة” عن القانون نجد الفلسفة فيها أكثر من القانون ومن الجائز أنهم لم يفتحوا مدونة أو مجموعة أحكام قضائية أو حتى كتابا في القانون.
إلا أنه في هذا المجال … يقول العميد دابا، يصنع القانون ويكون محل تفكير في تجربة معاشة تدعو إلى التأمل أولا، أولئك الذين اختاروا مهنة القانون .

ويقول العميد ربير: “ليس المطلوب أن يفسر القانون بالفلسفة بل أن نرى ما يمكن أن نجد من فلسفة في القانون .
وعليه فإن موقف الفلاسفة من القانون لا يمكن أن يغير صفة “فلسفة القانون” فالفلاسفة الذين انطلقوا من “نظام فلسفي” معين أي من تفسير طرحوه للعالم، حاولوا أن يدخلوا القانون في هذا “النظام” لكي يكتمل “تفسيرهم للحياة” وحاولوا بناء عليه، أن يقدموا مفاهيم وتصورات عن القانون تنسجم مع أنظمتهم الفكرية.
وموقف كهذا لا يمكن إلا أن يشوه دراسة القانون وتعميقه ونقول ” فلسفة القانون” بالمعنى الدقيق لأنه يعطيها طابعا “ايدولوجيا” معينا ينسجم مع معتقدات وأفكار الفيلسوف الذي عرج على القانون وهكذا فعل، مثلا أفلاطون، أرسطو، توما الاكويني، كانط وهيغل وحتى ماركس.
فهؤلاء الفلاسفة لم يهتموا بمعرفة القانون بذاته أو في طبيعته أو في الأسس التي يقوم عليها ولم يحاولوا أن يحددوا الظاهرة القانونية بقدر ما اهتموا بالقوانين العادلة وغير العادلة وبتصورات عن القانون دون أن يركزوا الجهد على دراسة حقيقته وواقعه، فكانت بهذا المعنى “فلسفات” عن القانون.
إلا أن مثل هذه الاهتمامات كانت قد سبقت تأريخي الاهتمام الحديث بدراسة أساس وطبيعته بعيدا عن “الفلسفة” وأحكامها القيمية وعن أنظمتها ومواقفها الذاتية بيد أن الحقيقة تقضي بأن تكون معالجة فلسفة القانون انطلاقا من القانون لا من الفلسفة، يعالجها المشتغلون بالقانون لا الفلاسفة.
فما نحتاجه إذن في معالجة “فلسفة القانون” هو قانوني – فيلسوف، إن صح التعبير وليس فيلسوفا- قانونيا، فالأول هو أدرى وأكثر تأهيلا لمعالجة الموضوع من الثاني الذي هو طارئ على القانون وبالتالي على “فلسفته”!
شاع استخدام عبارة فلسفة القانون منذ بداية القرن التاسع عشر وبخاصة بعد صدور مبادئ فلسفة القانون للفيلسوف الكبير هيغل.
وحتى وقت قريب كانت فلسفة القانون تمارس بصورة مختلفة بحسب البلد. وفي فرنسا كان دور فلسفة القانون لفترة طويلة ضعيفا.

يقصد بفلسفة القانون عموما البحث في الموضوعات الأشد عمومية في مجال القانون، وهي مجال واسع لبحث الموضوعات الأكثر أهمية في مجال القانون مثل أساس الإلزام في القانون ويقصد بذلك بحث مسألة العدل والعدالة وأغلب موضوعات مادة المدخل إلى القانون التي تدرس في السنة الأولى بكليات الحقوق في جامعات مصر تنتمي فعلا لمجال فلسفة القانون.
وتنقسم فلسفة القانون إلى عدد من المباحث هي الوجود القانوني والقيم القانونية والمعرفة القانونية ويضيف إليها البعض علم الاجتماع القانوني.
ويبيح الوجود القانوني في تعريف القانون وأساس إلزامه. وهنا يجري التمييز عادة بين النص القانوني الصادر عن المشرع LEX وبين القانون المجرد أو الموضوعي الذي يشير إلى معنى العدل الأسمى JUS.
والقيم القانونية هي المبادئ والمثل الحاكمة للقانون هل هي العدل مثلا أم الأمن والاستقرار أم الحرية أم كلها معا. وما المقصود بكل منها.
والمعرفة القانونية هي الوسائل التي يمكن بها التعرف على القانون: هل هي مجرد العقل أم التجربة والملاحظة، وما هي أدوات المعرفة القانونية. أما علم الاجتماع القانوني فيبحث في العلاقة بين القانون والمجتمع.
وتتعدد مدارس أو مذاهب فلسفة القانون بتعدد الحضارات الإنسانية وأنساقها الثقافية.
ولعل أهم مقابلة بين مذاهب فلسفة القانون هي تلك التي تجرى بين مذاهب القانون الطبيعي وفلسفة القانون الوضعية والفلسفة الاجتماعية في القانون ومذهب المادية التاريخية.
فلسفة القانون عموما البحث في الموضوعات الأشد عمومية في مجال القانون، وهي مجال واسع لبحث الموضوعات الأكثر أهمية في مجال القانون مثل أساس الإلزام في القانون ويقصد بذلك بحث مسألة العدل والعدالة وأغلب موضوعات مادة المدخل إلى القانون التي تدرس في السنة الأولى بكليات الحقوق في جامعات مصر والعراق تنتمي فعلا لمجال فلسفة القانون. وتنقسم فلسفة القانون إلى عدد من المباحث هي الوجود القانوني والقيم القانونية والمعرفة القانونية ويضيف إليها البعض علم الاجتماع القانوني. ويبحث الوجود القانوني في تعريف القانون وأساس إلزامه، وهنا يجرى التمييز
عادة بين النص القانوني الصادر عن المشرع LEX وبين القانون المجرد أو الموضوعي الذي يشير إلى معنى العدل الأسمى JUS. والقيم القانونية هي المبادئ والمثل الحاكمة للقانون هل هي العدل مثلا أم الأمن والاستقرار أم الحرية أم كلها معا. وما المقصود بكل منها.

والمعرفة القانونية هي الوسائل التي يمكن بها التعرف على القانون: هل هي مجرد العقل أم التجربة والملاحظة، وما هي أدوات المعرفة القانونية، أما علم الاجتماع القانوني فيبحث في العلاقة بين القانون والمجتمع. وتتعدد مدارس أو مذاهب فلسفة القانون بتعدد الحضارات الإنسانية وأنساقها الثقافية، ولعل أهم مقابلة بين مذاهب فلسفة القانون هي تلك التي تجرى بين مذاهب القانون الطبيعي وفلسفة القانون الوضعية والفلسفة الاجتماعية في القانون ومذهب المادية التاريخية. أهم المراحل التي مر بها القانون/القوة تنشئ الحق وتحميه.

المطلب الثاني: لماذا فلسفة القانون

الفرع الأول: ما هي فلسفة القانون

في البداية لنعرّف العبارة. ماذا تعني الكلمة؟ الفلسفة في الاشتقاق اليوناني الأصلي تعني ” حب المعرفة”، عمر عمل الفلسفة من عمر الإنسان. منذ القدم والإنسان يمارس هذا النشاط الفكري الذي يصعب تحديده، لا أحد استطاع إيجاد تحديد واضح ونهائي للفلسفة لأن المسألة مرتبطة بفكر كل فيلسوف أو كاتب وبمنهجه، يمكننا اقتراح هذا التعريف: الفلسفة هي معرفة شاملة تطمح إلى تقديم تفسير شامل للعالم وللوجود الإنساني، كما هي أيضا تساؤل بامتياز حول كافة أمور الحياة.

أم أهدافها فهي بنظر البعض البحث عن الحقيقة، أو عن الخير بنظر البعض الآخر أو عن الجمال. وأيضا عن معنى الحياة والسعادة. الفلسفة هي التفكر الدائم وعرض الأفكار على الآخرين المعارضين لأفكارنا بهدف إثارة الجدل. الفلسفة هي أيضا خلق المفهومات وتحليلها.

لماذا الفلسفة؟

في العصور القديمة كانت المعارف مندمجة في بعضها البعض تحت إشراف أم العلوم ونعني الفلسفة التي كانت تمثل في آن العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية بمجملها: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، التاريخ، الجغرافيا، التربية، الشعر، أضف إلى ذلك قيم الجمال والحسن والأخلاق والعدل…الخ، كان ينبغي أن يلم الحكيم بكل هذا كي يدخل باب الفلسفة الملوكي.

الفرع الثاني: العلاقة بين الفلاسفة والقانون

لا يحب الفلاسفة لا القانون ولا العاملين في القانون لأنهم مثاليون يتطلعون إلى مدينة فاضلة لا نزاعات فيها ولا محاكم، هذا هو رأي فيلسوف القانون شارل برلمان: قلة نادرة هم الفلاسفة الذين يحفظون مكانا لصيرورة صناعة وتطبيق القانون لأن الفلاسفة، تقليديا، يبحثون في الحقيقة، في الكينونة، في الخير وفي العدل المطلق، وهكذا فهم يصبون إلى بناء منظومة نظرية ومثال اجتماعي يعفي البشر من اللجوء إلى التقنيات القانونية.

الفقرة الرابعة: القانونيين والفلاسفة

من الشائع أن الفلسفة بعيدة بامتياز عن مجال القانون، أي أن العاملين في القانون ( قضاة، فقهاء، ومحامون) نادرا ما يشعرون بالحاجة لبلورة أفكار فلسفية لدعم حججهم، ويعتقد أن الانتماء الوضعي ( الانتماء إلى المذهب الوضعاني) لكبار فقهاء القانون ( جيز، دوغي، باتيفول…) كان يمنعهم من الإفراط في إدخال تحاليل فلسفية، ولكن إذا نظرنا إلى هذا الأمر بعمق لوجدنا أن الفلسفة ليست غائبة إطلاقا عن مقاربتهم للقانون.

سواء تمَّ التعبير عن ذلك صراحة أم لا فإن الفلسفة هي الحاضر دوما في أي نص قانوني وفي أي مجال اختصاصي: قانون مدني، جزائي، تجاري، الفلسفة حاضرة في أي نص متعلق بالإفلاس ومفاعليه على سبيل المثال، بالقتل عمدًا، بالقبول الضمني في العقود….الخ.

سواء في صياغة القاعدة القانونية أم في الأحكام الصادرة عن المحاكم مكان الفلسفة محجوز: ؟أو ليس العدل هو غاية القانون ، وإن كانت مقاربته مختلفة من شخص لآخر.

المطلب الأول: مهام فلسفة القانون

نظريا مهام فلسفة القانون هي ذات طابع أكاديمي وتنظيري Spéculative ، أي أنها تجهد للإمساك بغاية القانون وجوهره.

عمليا فلسفة القانون هي مستند يدعم حجج المشتغلين في القانون من قضاة ومحامين وفقهاء، وبالفعل فإن الخروقات الاجتهادية للقانون التشريعي تستند دوما إلى مبادئ فلسفية، لقد اكتشف المشتغلون في القانون أن القياس القضائي ليس بكاف، لذا يلجأ هؤلاء إلى وسائل أخرى من مثل الهيرمينوطيقا وفن البيان.

المطلب الثاني: ماهية فلسفة القانون

يعرض ميشيل تروبير للمقارنة بين “النظرية العامة للقانون” و “فلسفة القانون” لمحاولة كشف تحديد كل منهما. فيقول إن عبارة ” النظرية العامة للقانون” ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر تحت تأثير الوضعانية والتجريبية وكردة فعل ضد فلسفة القانون كما كانت تمارس حتى ذلك الحين، كان مؤيدو النظرية العامة للقانون ينتقدون فلسفة القانون التقليدية لطابعها المحض نظري. هكذا فإن فلسفة القانون هي مثالية، أما النظرية العامة فهي عملية لأنها تعالج القانون كما هو، القانون الوضعي.

المطلب الأول: أهمية فلسفة القانون

لقد شك البعض في جدوى فلسفة القانون وتساءلوا: لماذا فلسفة القانون؟ أولا، لأن لها أهمية تعليمية وعلمية، حيث أنه من المفيد جدا أن يختم الطالب والباحث في القانون دراسته وبحوثه في كامل المشاكل الكبرى للقانون لتكوين نظرة شمولية وعميقة عن القانون، وفلسفة القانون تفرضها، ثانيا “طبيعة الأشياء” فمهما كان تعامل القانوني مع المشاكل القانونية، فإن هناك حالات لابد من أن يحدد موقفا منها وأن يكون قادرا على تبرير قناعاته، أنخضع أو لا نخضع إلى القانون: سؤال يثير في النفس، بدون شك مشكلة قيمة القانون وحتمية مواجهة أساس وطبيعة القانون.

ويروي الأستاذ بريمو أن شابا الماعيا من المختصين بالقانون الإداري قال له:” أنا انتظر أن تثبتوا لي فائدة فلسفة القانون حتى أؤمن بها”، فكان جوابه أن فائدة فلسفة القانون موجودة في كل صفحات كتب القانون الإداري التي يستخدمها فهل يستطيع القانون الجدير بهذا الاسم أن يجهل أن القانون الإداري الفرنسي قد جددته بكامله النظريات الموضوعية للعميد دكي، وأن المفاهيم القانونية التي يستخدمها يوميا أساتذة القانون الإداري لا يمكن أن تبرر إلا بفضل مذهب العميد دكي عن القانون والدولة[1].

وفي هذا السياق يقول الأستاذ دبيرو أن الفكر القانوني الفلسفي حين انصرف إلى دراسة المشاكل النظرية الكبرى مستخلصا مبادئها الحقيقية، قد أثر في التطور الوضعي للقانون وفي إقامته وتطبيقه تأثيرا كبيرا وحصل على نتائج أكثر فاعلية من تلك التي تنسب إلى الذين تمسكوا بالتكنيك القانوني فقط، فه يستطيع أحد انكار تأثير التجديد الفقهي الذي حصل منذ مطلع القرن العشرين في التشريع وفي القضاء وكذلك في التوجيه العام للأفكار والعادات في فرنسا.

“لنأخذ يقول الأستاذ دبيرو إحدى النظريات المعاصرة التي أثارت معارضة كبيرة وهي نظرية دكي، إلا أن تأثير هذا القانوني الكبير كان حاسما في العالم القانوني المعاصر فبفضل المناقشات الكبرى التي أثارها … فإن آراءه دخلت في كل تنظيماتنا الإدارية، وساهمت بدون أن نشعر في تغييرها وحتى هذه الفكرة التي تتردد في مؤلفاته يجب تقييد الدولة بالقانون.. فمن كثرة أن ينادي بالتقييد ومن كثرة ما يؤكد ضرورتها ويفضح مخاطر عدم تقييد الدولة…المهم نصل في الواقع إلى إيقاف التصرفات التحكمية… في أمور جوهرية[2].

هذا عن أهمية فلسفة القانون، وإذا كان الأمر كذلك فإن دراستها ستفرض في الزمان والمكان.

المطلب الثاني:دراسة فلسفة القانون

فمنذ بداية القرن التاسع عشر الأوروبي بدأ الكلام وبدأت المؤلفات عن فلسفة القانون، فصدر عام 1823 مؤلف الفقيه الانجليزي أوستن: “محاضرات في علم القانون أو فلسفة القانون الوضعي”[3].

وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر العديد من المؤلفات في “النظرية العامة للقانون” ثم تراكمت المؤلفات في “فلسفة القانون”.

وتحتل فلسفة القانون مكانا مرموقا في مناهج كبرى الجامعات الأوروبية في اسبانيا وايطاليا وألمانيا والنمسا وهولندا وفي انجلترا وتكون غالبا تحت اسم “علم القانون”[4].

وزاد الاهتمام بفلسفة القانون بشكل ظاهر بعد الحرب العالمية الثانية.

أما في فرنسا فإن القانونيين لم يهتموا لفترة طويلة بفلسفة القانون ولم يتناولوها إلا بشكل عارض، الأمر الذي حدا بأحد كبار القانونيين وهو “الفونس بواتيل” أن يعلن في محاضراته في فلسفة القانون التي نشرها عام 1899، أن استبعاد هذه المادة من مناهج الجامعات أمر غير طبيعي بالنسبة للتعليم العالي[5].

الفرع الأول: مناهج فلسفة القانون

طرح المشكلة: كل بحث في القانون يتضمن مستويات مختلفة تميزها درجة التعمق في مسائل القانون، وفي المستوى الأول يقضي المنهج السليم في البحث مواجهة القانون ككل بانتظار دراسة أجزائه، أي إعطاء صورة واضحة عن القانون تاركين التفاصيل والمتغيرات ومتجهين صوب الثوابت والأسس المشتركة.

فالدراسة الأولى للقانون تتضمن، إذن إعطاء الأفكار والمفاهيم والمبادئ الأساسية والوسائل التي تساعد على فهم أقسام وفروع القانون الأساسية وكل ذلك سيكون من ميدان ” المدخل إلى القانون”.

وعند التعمق في دراسة الأفكار والمبادئ والمفاهيم والنظريات القانونية التي تكونت عبر الزمن وعبر مواقف فكرية ومذهبية متعددة، وكل ذلك انطلاقا من معطيات القانون الوضعي، نكون قد انتقلنا إلى مستوى أعلى في معرفة القانون تبدأ من حيث ينتهي علم القانون الوضعي[6]. في حين ان فلسفة القانون هي امتداد لعلم القانون[7].

إن فلسفة القانون لا يمكن أن تكون غير مرحلة أو مستوى متقدم في تعميق علم القانون ومفاهيمه الأساسية فمع فلسفة القانون نبقى إذن في علم القانون الوضعي ومنه ننطلق لنصل إلى مستوى آخر لفهم القانون وإذا كان هناك من استقلال لفلسفة القانون عن علم القانون الوضعي فهو استقلال في الدرجة، وفي المستوى البحثي وليس في طبيعة المشاكل محل المعالجة فعلم القانون وفلسفة القانون مستويان في البحث لفهم النظام القانوني: الفلسفة تعميق لبعض جوانبه ولمشاكله الكبرى وليس نظرة فوقية تعلو عليه وتنفصل عنه.

إلا أن البعض يعتقد أن هذه المهمة من اختصاص “النظرية العامة للقانون” ما دمنا في إطار القانون الوضعي والنظام القانوني، لكن التمييز بين النظرية العامة للقانون وفلسفة القانون ليس إلا مسألة تعوزها الدقة، في الرؤية لأنهما وجهان لحقيقة واحدة فإذا استعرضنا ما كتب تحت عنوان ” النظرية العامة للقانون” نجد أنه ضمن فلسفة القانون في الحقيقة سواء من حيث طبيعة المشاكل محل المعالجة أم من حيث منهج تناولها.

ويكفي لكي نقتنع أن نرجع إلى مؤلفاته ربية ودابا وهيرز في النظرية العامة للقانون ” أن مسألة فلسفة القانون يقول العميد دلفيكيو، قد عولجت حتى بافتقاد كرسي لفلسفة القانون والحالة الأكثر إشراقا نجدها في فرنسا حيث تناولها… بسعة في أعمال غالبا ذات قيمة عالية رغم أنها تقدم تحت عنوان النظرية “العامة للقانون وليس فلسفة القانون”[8].

ومهما اختلف تناول الكتاب لمسائل فلسفة القانون فإنها يمكن أن ترد في آخر الأمر إلى مسألتين جوهريتين: أساس القانون وطبيعة القانون.

الفرع الثاني: أساس القانون

يقول الأستاذ روبيه في مطلع كتابه ” النظرية العامة للقانون”، “أن من يأخذ على عاتقه دراسة القانون، لا يمكنه إلا أن يتعجب من الاختلاف الهائل بين القانونين حول تعريف وأساس القانون… لا شك أن هناك اتفاقا في القول بأن هدف القانون هو إقامة نظام اجتماعي منسجم وحل النزاعات بين الأفراد، لكن منذ أن نتجاوز هذه المعطية … فإن الاختلافات تظهر بحيث لا يوجد كمثيلها في أي فرع من فروع المعرفة[9].

في لحقيقة إذا كان القانون هو قواعد سلوك اجتماعية تفرض الامتناع عن بعض الأعمال أو التصرفات أوة تأمر بالقيام ببعض الأعمال بغية الحفاظ على حياة المجتمع واستمراره وتطوره، فإن عدة تساؤلات تثار بهذا الصدد، هذه القواعد القانونية المحددة لسلوك الأفراد في المجتمع من أين جاءت؟ هل تفرضها ضرورات الحياة في الجماعة أم أن الإنسان وضعها عن قصد وتفكير؟ هل هذه القواعد ذات وجود موضوعي يكتشفها العقل القويم أم تفرزها حاجات المجتمع وضروراته أم أن إرادة معينة أرادتها ومن ثم فرضتها؟ وإذا كان من الصعب تصور وجود مجتمع بدون سلطة أي بدون حكام يقبضون على السلطة ويستطيعون بالتالي فرض إرادتهم على أعضاء المجتمع الآخرين أي على المحكومين والحكام يحكمون، أو يمارسون السلطة بواسطة قواعد معينة من وضعهم، لذا فإن القانون يجد أساسه في إرادة الحكام أو أنه مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم سلوك الأفراد والتي تفرضها السلطة في المجتمع. فالقانون سيكون عندئذ مجموعة قواعد آمرة تضعها السلطة أو بعبارة أدق الحكام القابضون على السلطة في المجتمع وهذا هو في الحقيقة الأساس الوضعي للقانون.

إلا أن البعض وإن أقر هذه الواقعة يرى أن القانون هو ليس ما يفرضه الحكام القابضون على السلطة بل هو مجموعة مبادئ تتماشى مع طبيعة الأشياء وبالتالي مع العقل ومن ثم تفرض على الحكام بحيث تتماشى معها قوانينهم وإلا أصبح المحكومين في حل من طاعاتهم للحكام، فهناك إذن قانون يعلو على الحكام ومنه تستمد القوانين الوضعية صفة الزامها، ذلك هو الأساس الطبيعي للقانون.

غير أن فئة ثالثة من المفكرين ترى أن القانون هو ليس ما يفرضه أو يضعه الحكام – الدولة- ولا هو ما يتماشى مع الطبيعة والعقل، بل هو وليد حياة الجماعة بحيث يولد تلقائيا من المجتمع نفسه وتفرضه أعضاء الفئة الاجتماعية ضرورات العيش نفسها في المجتمع. فالقانون سيكون إذا أساس اجتماعي لا يدين بوجوده إلا لحياة الجماعة وضروراتها ولا يفرضه السلطان، سواء أكان السلطان الأفراد أم سلطان العقل. وذلك هو السلوك الاجتماعي للقانون.

[1] انظر: بريمو، الاتجاهات الكبرى لفلسفة القانون والدولة، المرجع السالف الذكر، ط2، 1968، ص 8.

[2] PARISD.SIEREY.1938.PP29.30.30.2-H.Duperoux ; Les grands problèmes du droit A.P.D. N°1.

[3] Lectures ON jurisprudence or The Philosophy of positive law.

[4] انظر: دلفيكيو، فلسفة القانون، المرجع السالف الذكر، ص 6.

[5]Cf.Michel Villey : Philosophie du droit. 4ème éd. PARIS. DALLOZ.1986.PP.1-2.

[6] انظر دلفيكيو، فلسفة القانون، المرجع السالف الذكر، ص 19-20.

[7] انظر: فيرالي، الفكر القانوني، المرجع السالف الذكر، ص

[8] انظر: دلفيكيو فلسفة القانون، المرجع السالف الذكر، ص 6.

[9]Roubier : Théorie générale du droit, 2ème éd, PARIS, SIREY, 19521, P2.

القانون والفلسفة هما نمطين فكريين متلازمين من حيث النشأة، حيث كان نمو وتطور أحدهما مواكبا لتطور الآخر، الشيء الذي يجعل هدفهما متشابها حيث أن كليهما يهتمان بالبحث ويعتمدان على التأمل والمعرفة.

ويكمن وجه الاختلاف بينهما في كون القانون ينطلق من وضعية ليتوصل إلى شيء موجود، كما تكون له حاجة مباشرة ويتقيد بحدود. في حين أن الفلسفة فكر مطلق ينطق من ما هو موجود ليتوصل إليه القانون وتشكك فيه في بعض الأحيان. وهذا ما يجعل العلاقة بين القانون والفلسفة علاقة نقدية.

E الدكتور منذر الشاوي أستاذ القانون الدستور وفلسفة القانون، وزير العدل والتعليم العالي في العراق، الطبعة الأولى، الاصدار الأول، 2009، دار الشارقة للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية/ رقم الايداع لدى دائرة المكتبة الوطنية 2949/8/2008.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 25.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 26.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 27 .

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 28.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 29.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 30.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 31.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 32.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 33.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 34.

E الدكتور منذر الشاوي، المرجع السابق، ص 35.

E فلسفة القانون باتيفول، الطبعة الأولى، نسيان 1972، لدار منشورات عويدات، بيروت، لبنان.

هي المذاهب التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية، فلا تنظر إلا إلى الشكل الذي تخرج به هذه القاعدة إلى الوجود في صورة ملزمة ولذلك فهي ترجع تكوين القاعدة القانونية إلى السلطة التي اكتسبت هذه القاعدة عن طريقها قوة الإلزام في الحياة العملية إذن فهي تربط بين القانون والسلطة التي تكسبه قوة الإلزام في العمل.

وقد نادى بهذه المذاهب الشكلية كثير من الفقهاء والفلاسفة اتفقوا جميعا من حيث المبدأ وهو رد القانون إلى إدارة الحاكم أوالسلطان مع خلافات بسيرة في بعض الجزيئات لا تحل ولا تتقص من اتفاقهم على المبدأ ومن هؤلاء الفلاسفة والفقهاء.

مذهب أوستن

الفيلسوف الإنجليزي شغل منصب أستاذ في فلسفة القانون في جامعة لندن في النصف الأول من القرن 19 استمد مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القدم إذ كانوا يرون أن القانون مبدأ للقوة كما تأثر بما جاء به الفقيه الإنجليزي “توماس هوين” من أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر عن حاكم بل القانون هو إدارة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة إلا أن له الفضل في سياقة هذه الأفكار بشكل نظري والفكرة التي تقوم عليها مذهب أوستن بحيث عرف القانون بأنه أمر أو نهي يصدرهالحاكم إسنادا إلى سلطة السياسية ويوجه إلى المحكومين ويتبعه انجزاء ومن هذا التعريف يتبين أنه لكي يوجد قانون لابد من توفر ثلاث شروط:

1- وجود حاكم سياسي: فالقانون في نظر أوستن لا يقوم إلا في مجتمع سياسي يستند في تنظيمه إلى وجود هيئة عليا حاكمة لها السيادة السياسية في المجتمع وهيئة أخرى خاضعة لما تصدره الهيئة الحاكمة من أوامر ونواهي

2- وجود أمر أو نهي: القانون في منظور ليس مجرد نصيحة أو إرشاد للأفراد إن شأوا التزموا به أو خالفوه بل هو أمر ونهي لا يجوز مخالفة وقد يكون صريحا أو ضمنيا. وكذلك بالنسبة لقواعد قانون العقوبات أحيانا تقتصر على تحديد العقوبة التي توقع على من يرتكب جريمة معينة وهي بذلك لا تصدر في صيغة أمر او نهي ولكنها ضمنيا تأمر بعدم ارتكاب الجرائم أو تنهي عنها.

3- وجود الجزاء : فكرة الجزاء لدى أوستن هي فكرة جوهرية في القاعدة القانونية بغيرها لا توجد القاعدة القانونية فالحاكم السياسي له من القوة والسلطة ما يمكنه من فرض إدارته على المحكومين عن طريق الجزاء على من يخالفه.

النتائج المترتبة عن مذهب أوستن

j إنكار صفة القانون على القانون الدولي العام لأنه يرى بأن جميع الدول متساوية في السيادة ولا توجد في المجتمع الدولي سلطة عليا فوق سلطة الدول توقع الجزاء على الدول التي تخالف القواعد القانونية وعلى هذا الأساس يعتبر أوستن أن قواعد القانون الدولي ما هي إلا مجرد مجاملات تراعيها الدول في سلوكها فيما بينها.

k إنكار صفة القانون على القانون الدستوري: لأن قواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات العامة داخل الدولة وعلاقتها بعضها ببعض كما تبين حقوق الأفراد السياسية وحرياتهم والمقومات الأساسية للمجتمع وعليه فإن قواعد القانون الدستوري هي قواعد بمحض اختياره وبما أنه هو الذي يصدر هذه القواعد فهو يستطيع دائما مخالفتها لأنها من ناحية ليست صادرة من سلطة أعلى منه ومن ناحية أخرى غير مقترنة بجزاء يوقع في حالة مخالفته لأنه لا يعقل أن يوقع الحاكم الجزاء على نفسه على هذا الأساس يرى أوستن أن قواعد القانون الدستوري ماهي إلا مجرد قيود أو قواعد الأخلاق الوضعية على حد تعبيره تنظم علاقة الحاكم بالأفراد لم تلزمه بها سلطة أعلى منه.

l جعل التشريع هو المصدر الوحيد لقواعد القانونية باعتباره يتضمن أمرا أو نهيا يصدره الحاكم إلى المحكومين وعدم الاعتراف بالمصادر الأخرى كالعرف مثلا لأنه لا يصدر من الحاكم إلى المحكومين وإنما ينشأ من إتباع الناس سلوك معين ومنا طويل مع شعورهم بالتزاميته .

m وجوب التقيد في تفسير نصوص القانون بإدارة المشرع وقت وضع هذه النصوص وعدم الأخذ بما يطرأ بعد ذلك من ظروف جديدة لأن العبرة بإرادة الحاكم وقت وضع النص ولا عيره يتغير الظروف .

النقد الموجه لأوستن :

· يخلط بين القانون والدولة وكذلك بين القانون والقوة .

· يؤخذ عنه أن التشريع المصدر الوحيد .

· إنكاره للقانون الدولي العام .

· إنكاره للقانون الدستوري.

· يؤخذ عليه التعبير بإدارة المشرع وقت وضع النصوص .

مذهب الشرح على المتون
يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن لأنه لم يكن نتاج رأي فقيه واحد وإنما كان ثمرة لأراء مجموعة من الفقهاء الفرنسيين الذين تعاقبوا خلال القرن 19 على فكرة تجميع أحكام المدني الفرنسي في مجموعة واحدة أطلق عليها ” تقنين نابليون” وكذلك يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن في أن فقهاء مذهب الشرح على المتون ليسوا هم الذين نادوا بهذا المذهب ذلك أن هذا الأخير ما هو إلا مجرد طريقة تفسير وشرح القانون أستخلص منها الفقهاء في أوائل القرن 20 المبادئ والأسس التي قام عليها هذا الأسلوب بالشرح والتفسير وساقوا منها مذهبا له مميزاته الخاصة وحددوا أسماء الفقهاء الذين ساروا على هذا الأسلوب وأطلقوا عليه اسم مذهب أو نظرية الشرح على المتون نظرا لطريقة التي سار عليها هؤلاء الفقهاء في شرح تقنين نابليون مثنا متنا وبنفس الترتيب الذي وردت به هذه النصوص في التقنين وقد سميت المدرسة التي تكونت من فقهاء الشرح على المتون ” بمدرسة التزام النصوص” والأسس التي تقوم عليها مذهب الشرح على المتون على أساسين هما:

j تقديس النصوص التشريعية: لقد أحدثت تقنيات نابليون جوا من الإبهار والإعجاب دفعت برجال القانون إلى قصر مفهوم القانون على المدونات التي يتم الإعلان عنها رسميا من طرف أجهزة الدولة فالتقنين أصبح هو الوجه المعبر للقانون وإدارة المشرع هي الترجمان الوحيد لإدارة الدولة ولعل السبب في تقديس فقهاء الشرح على المتون للنصوص القانونية يرجع إلى أن النظام القانوني السائد في فرنسا قبل صدور التقنين المدني الفرنسي الذي عرف باسم تقنين نابليون يختلف من الشمال إلى الجنوب فقد الجزء الشمالي يخضع لنظام قانوني أساسه قواعد العرف والتقاليد بينما الجزء الجنوبي يخضع لنظام قانون مستمد من القانون الروماني وقد كان توحيد القانون بلورة تقنين جديد شامل جامع ومانع أمل رجال الثورة الفرنسية غير أن هذا الأمل لم يتحقق إلا في عهد نابليون بصدور تقنية المعروف باسمه وقد قال تقنينه ” إن القانون الوضعي مهما بلغ من التطور والدقة لا يمكنه حل محل العقل الطبيعي ” مشيرا بذلك إلى محدودية التقنين وقصوره عن الإتعاب الكامل للظواهر القانونية ونظرا للمزايا الكبيرة التي حققها هذا التقنين بتوحيده لنظام القانوني في فرنسا فقد شعر رجال القانون بعاطفة قوية تدفعهم إلى احترام وتقديس هذا التقنين باعتباره المصدر الوحيد للقانون فهو بنظرهم قانون شامل كالكتاب المقدس قد أحاط بكل شيء مما جعلهم يتبعون في شرح هذا التقنين الطريقة التي تتبع في شرح الكتب المقدسة وهي شرح نصوصه نصا بعد نص.

k اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون: ذلك أن النصوص القانونية في منظور فقهاء مذهب الشرح على المتون تتضمن جميع الأحكام القانونية وتضع جميع الحلول لشتى الحالات وبذلك يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره المعبر عن إدارة المشرع ولقد ترتبت نتائج على هذا المذهب وهي:

أ-التزام القاضي بأحكام النصوص التشريعية إذ لا يجوز له الخروج عنها أو المسار بها نظرا لقدوسيتها فمهمته تتمثل في الحكمبمقتضى القانون وليس الحكم على القانون .
ب- إذا عجز الشارع عن استخلاص قاعدة ما من النصوص التشريعية فإن اللوم والعيب في المشرع ذلك لأن التشريع يحوي جميع القواعد والمبادئ اللازمة في جميع الحالات .
جـ- وجب الخضوع إلى نية وإرادة المشرع وقت وضع النصوص وهذا عند تفسير وشرح النصوص التشريعية .

النقد الموجه لمدرسة الشرح على المتون هي:

· أنه يعتمد على التشريع كمصدر وحيد للقانون.

· الاكتفاء بإدارة المشرع وقت وضع النصوص .

· تقديس النصوص يؤدي إلى النزعة الاستبدادية .

مذهب هيجل

وهو فيلسوف ألماني وأستاذ له عدة مؤلفات منها كتابه الذي صدر سنة 1821 م بعنوان ” مبادئ فلسفة القانون ” يرى هيجل أن الدول الحقيقية الواقعية هي التي توقف في حسم التناقض الأساسي بين الوجدان الفردي والمصلحة العامة فالدولة وفقفلسفة هيجل هي تجسيد لإرادة الإنسان وحريته فلا أساس ولا شرعية للقانون إلا إذا كان صادرا عن الدولة فالقانون هو إرادة الدولة سواءا في الداخل أو الخارج ففي الداخل لا يمكن للمجتمع أن يرقى في مصاف الدولة إلا إذا اندمج الأفراد في كيان الدولة فتذوبإرادتهم وحريتهم داخل الكيان من أجل تحقيق صالح عام يبغي أن يكون قاسما مشتركا بين الأفراد وهذا يقتضي خضوع الأفراد المطلق للدولة ويقتضي أن تكون سيادة الدولة واحدة لا تتجزأ تتجسد في شخص واحد له السلطان المطلق وقراره واجب النفاذ باعتباره معبر عن الإدارة العامة التي تذوب في وحدتها جميع الاختلافات، أما في الخارج فطالما أن جميع الدول متساوية في السيادة وطالما أنه لا توجد سلطة عليا تختص في الفصل في النزاعات التي تنشئ بين الدول إذ أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ إدارة الدولة فيالمجتمع الدولي وحل النزاع يكون لصالح الدولة الأقوى طبقا لمبدأ البقاء للأقوى.

والنتائج المترتبة عن هذا المذهب هي :

1- تدعيم وتبرير الحكم الاستبدادي المطلق طالما أن إدارة الحاكم هي القانون الواجب النفاذ .
2- اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره هو المعبر عن إرادة الحاكم
3- لا مجال للاعتراف بقواعد القانون الدولي فالقوة وحدها هي السبيل الوحيد لتنفيذ رغبات الحاكم وقض النازعات كذلك الشأنبالنسبة لقواعد القانون الدستوري فالحكم له السلطان المطلق في علاقته مع الأفراد .

أما فما يخص النقد الموجه لهيجل هو:

-الإدعاء بوجود مصدر وحيد للقانون هو التشريع.

-التوحيد بين إدارة الحاكم المعززة بالقوة وبين القانون يؤدي إلى الاستبداد المطلق لكونه
ألماني يريد إعطاء الشرعية حتى يسيطر الشعب الألماني على العالم .

مذهب كلسن :

كلسن فيلسوف نمساوي اشتغل منصب أستاذ في مادة فلسفة القانون بجامعة فينا سنة 1917 كون مذهبا عرف بـ ” النظرية الصافية ” ووفقا لكلسن يجب أن يقتصر علم القانون على دراسة السلوك الإنساني مجرد من الاعتبارات والضوابط الأخرى التي هي من اختصاص علوم أخرى كعلم الاقتصاد والسياسة …إلخ فالنظرية الصافية للقانون تبحث في تحديد ما هو القانون وكيف يتكون غير مبالية بما يجب أن يكون عليه

الأسس التي يقوم عليها مذهب أوستن هي :

أ‌- استبعاد جميع العناصر غير القانونية : يرى كلسن وجوب استبعاد كافة العوامل الغير قانونية كالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والمبادئ الأخلاقية والمفاهيم السياسية وغيرها فالقانون البحت يجب أن يقتصر في دراسته على القانون كما هو والبحث عن صحة صدوره من الهيئة أو الشخص صاحب

الاختصاص والتحقيق من مدى إتباعه كما حددته السلطة المختصة أو عدم إتباعه دون البحث في مضمونه إذ كان عادلا أم لا متفق مع مصلحة الجماعة أم غير ذلك إن البحث يتضمن أسباب نشأة القواعد هو من اختصاص علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ فالقانون حسب كلسن هو مجموعة الضوابط القانونية ويتكون من قواعد قانونية عامة وفردية .

ب‌- وحدة القانون والدولة : القانون ليس تعبيرا عن إرادة الدولة وليست الدولة صانعة للقانون بل القانون هو الدولة والدولة هي القانون والقانون هو مجموعة إرادات في شكل هرمي إذن فالقانون هو نظام هرمي كل قاعدة تحيا وتستمد شرعيتها وفعاليتها من القاعدة الأعلى منها وصولا إلى نظام القانون هو الدولة فالدولة ليست شخص معنوي بل هي مجموعة من القواعد القانونية وفق تدرج تسلسلي يبدأ من الأوامر الفردية أو القرارات وصولا إلى الدستور الذي هو النهاية الحتمية والسامية لهذه القواعد، أي الدستور وما يتفرع عنه من قواعد قانونية هي الدولة إلا أن كلسن لا يعتبر هذا النظام القانوني دولة إلا بوجود جهات مركزية مختصة بالتعبير عن القواعد القانونية التي تكون منها هذا النظام القانوني وتطبقها عن طريق الإلزام وعلى هذا النحو يدخل كلسن في هذا النظام القانوني الهرمي جميع الضوابط القانونية سواء كانت تتعلق بالنشاط الخاص بالأفراد أو النشاط الإداري أو باستعمال القوة الجبرية مثلالمحضر القضائي عمله تعبير عن إرادة الدولة إذ هو مكلف تنفيذ حكم قضائي صادر من القاضي تطيقا لقاعدة عامة وضعها المشرع ومن أهم النتائج المترتبة على هذا المذهب هي :
* رفع التناقض بين اعتبار القانون إرادة الدولة وبين ضرورة تقيد الدولة بسلطان القانون

*وحدة القانون وعدم جواز تقسيمه إلى قانون عام وخاص .

النقد الموجه لكلسن هو :

* أنه يخفي مشكلة أساس القانون(لم يتمكن من إسناد الدستور إلى قاعدة أعلى منه).

* دمج الدولة في القانون (أغلب الدساتير تنص على وجوب تقيد سلطة الدولة).
-التشريع المصدر الوحيد.

-أقفل قواعد القانون الدولي.

-القول بوجود قواعد قانونية فردية.

-تجريد القانون من كافة العناصر والعوامل غير القانونية .

المدرسة الموضوعية

مذهب التطور التاريخي

ظهرت بوادر المذهب التاريخي أو المذهب التطور التاريخي منذ القرن الثامن عشر في فرنسا إذ أظهر بعض الفقهاء والفلاسفة أثر البيئة والظروف المحيطة بها في اختلاف القوانين ورأوا أن القوانين يجب أن تتناسب وطبيعة البلاد التي تصدر فيها ومن أهم الفلاسفة الذين ربطوا القانون بالبيئة الفقيه منتيسكيو في كتابه روح الشرائع وكذلك الفقيه بورتاليس أحد واضعي التقنين المدني الفرنسي في القرن التاسع عشر الذي عبر عن مبدأ ممن مبادئ التي قام عليها فيما بعد المذهب التاريخي ومحتواه هو : أن القانون يوجد ويتطور آليا مع تقدم الزمن دون تدخل من الإرادة الإنسانية ومقولته المأثورة في هذا الشأن 🙁 تتكون تقنيات الشعوب مع الزمن فهي في حق لا تصنع وقد تبلورت هذه الأفكار في مذهب واضح المعالم على يد الفقيه الألماني سافيني سمي بالمذهب التاريخي الذي جعل من مبادئه وأسسه بديلا للاعتراض على فكرة التي ظهرت في ألمانيا سنة 1814 والتي تدعو إلى التقنين القانون المدني الفرنسي الذي جمعه نابليون في مجموعات سميت تقنينات والتي كانت تتفق مع المبادئ القانون الطبيعي وما تقوم عليه من مسلمات أولية لا تستند إلى دليل من الواقع المادي

ومن المآخذ التي أثارها أن تجميع القوانين وعدم نطورها وأن الغبرة عند سافيني بالنسبة للقانون هي قواعد السائدة التي تسجلها المشاهدة وتعززها التجربة في مجتمع معين وأن التجارب قد دلت أن القانون ليس واحد ثابتا ولكنه متغير في الزمان والمكان تأثر في ذلك بعوامل البيئة المختلفة المتعددة ومسايرا لتطور ها واختلافها مما يستبعد معه تثبيت نصوصه وقواعده في التقنين يقضي إلى جمود وقعوده عهن حركة التطور لأسس التي يقوم عليها

يقوم الذهب التاريخي على تعاليم وأسس تتمثل في :

1- إنكار وجود القانون الطبيعي : في منطق المذهب التاريخي أن القانون ليس من وحي مثل عليا حيث يرى سافيني بأنه لا توجد قواعد ثابتة أبدية يكشف عنها العقل بل القانون عنده من صنع الزمن ونتائج التاريخ .

2- القانون وليد حاجة الجماعة : يرى المذهب التاريخي بأن القانون وليد البيئة الاجتماعية وحدها وأنه يتطور حسب ظروف كل مجتمع ويختلف من دولة إلى دولة أخرى بل ويتغير في دولة نفسها من جيل إلى أخر تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية وأن الجماعة لا يحدها زمن معين أو جيل معين بل هي كالسلسلة تندرج في خلفياتها الأجيال وتتعاقب على مر الزمان فيرتبط فيها الحاضر بالماضي ويمهد الحاضر للمستقبل ومن ثمة فليس القانون ثمرة جيل معين من أجيال الجماعة وإنما هو ثمرة التطور التاريخي له>ة الجماعة

3- القانون يتكون ويتطور آليا: في منظور المذهب التاريخي أن القانون ينبعث من جهد جماعي مشترك نسهم فيه الأجيال المتعاقبة في دولة معينة ويكتسب يذلك صفة قومية فهو يتكون ويتطور في تفاعل مستمر في الضمير الجماعي لكل أمة وهو بذلك يتكون تكوينا ذاتيا آليا لا تخلقه إرادة إنسانية أو تحوله عن الطريق المرسوم وفي نظر هذا المذهب يعتبر العرف هو الشكل الأكمل والأصدق للقانون وهو تعبير مباشر وآلي عن الضمير الجماعي الوطني والحاصل أن القانون يخلق نفسه وأن دور المشروع يقتصر على مجرد تسجيل الضمير الجماعي وتطوره على مر الزمن وأن من مخاطر التشريع والتقنين هو موقف التطور التلقائي والجاري للقانون

نقد المذهب :

لقد أسهم هذا المهب إلى تبيان الارتباط الحميم بين القانون والبيئة كما أسهم في تبيان أن القانون ليس هو تعبير عن إرادة الحاكم بل هو نتاج المجتمع وبالتالي المشرع لا يفرض على الجماعة قانونا لا يستحبب لحاجاتها ورغباتها وينبع من حقيقة مشاكلها كما أسهم أيضا في تبيان دور العرف كمصدر من مصادر القانون بعد أن أغفلت القوانين الأخرى إلا أن ذلك لا يمنعنا من تسجيل بعض النقاط عليه.

· أغفل دور الإنسان في تطور القانون حيث ألغى دور المشرع في توجيه القانون واختيار أنسب القوانين كذلك أهمل دور الأفراد فنتيجة كفاح الشعوب تم إلغاء القانون الرق وتم الاعتراف بأهم الحقوق والحريات الأساسية

معارضة المذهب التاريخي لحركة تجميع القوانين لا تلقى الإجماع فللتقنين مزايا فهو وسيلة لتوحيد القانون في مختلف أجزاء الدولة كما أنه يضفي على القواعد القانونية نوع من الثبات والاستقرار.

مذهب الغاية الاجتماعية :

هو مذهب من المذاهب الواقعية نادى له الفقيه الألماني إيرينج كرد فعل مباشر على المنهج التاريخي، أبرزه في مؤلفاته أهمها : « الكفاح من أجل القانون» و «الغاية من القانون»

الفلسفة التي يقوم عليها :

يرى إيرينج أن القانون في تطور مستمر و لكنه ليس تطورا تلقائيا كما يزعم أنصار المذهب التاريخي بل هو تطور يخضع إلى حد كبير لإرادة الإنسان والقانون ظاهرة اجتماعية والظواهر الاجتماعية تختلف عن الظواهر الطبيعية من حيث خضوعها لقانون الغاية دون قانون السببية ، فالظواهر الطبيعية كتعاقب الليل و النهار بسبب دوران الأرض ، أو سقوط الأجسام من أعلى إلى أسفل بسبب الجاذبية ، تحدث كلما توافرت أسبابها دون أن يكون لإرادة الإنسان دخل في حدوثها أو دفعها نحو تحقيق غاية معينة ، ومن ثم فهي تخضع لقانون السببية ، أما الظواهر الاجتماعية فلا تتم إلا بتدخل الإرادة البشرية تدفعها نحو تحقيق غاية معينة و من ثم فهي تخضع لقانون الغاية .والقانون باعتباره ظاهرة اجتماعية ، تلعب إرادة الإنسان دورا كبيرا و ايجابيا و نشأته و تطوره ، وقد يصل هذا الدور إلى درجة الكفاح و استخدام القوة و العنف لتوجيه القانون نحو تحقيق الغاية المرجوة، ذلك أن التطور قد يؤدي إلى تغيير بعض النظم القانونية القائمة في المجتمع و التي يحرص المستفيدون منها على بقائها و عدم تغييرها ، الأمر الذي يؤدي إلى قيام الصراع والكفاح بين هؤلاء المستفيدين وبين من يريدون تعديل هذه النظم، ويتوقف بقاء أو تغيير هذه النظم على نتيجة هذا الصراع والكفاح، بحيث إذا تغلب أنصار التعديل أو التغيير ظهرت نظم قانونية جديدة وأدى ذلك إلى تطور القانون، فالثورات الاجتماعية وحركات التحرير الكبرى التي شهدتها الإنسانية في عصورها المختلفة كانت تقوم دائما دغاعا عن مبادئ قانونية، وكفاحا من أجل تعديل أوضاع قانونية لم تكن تتفق مع الظروف الاجتماعية القائمة، فمثلا تحرير الفلاحين من الإقطاعيين، لم يتحقق إلا بعد كفاح طويل وتضحيات مريرة لتعديل وتغيير الأنظمة القانونية التي كانت سائدة. وعلى هذا النحو فإن القانون في طبيعته وجوهره، وفقا لمذاهب إيرينج ليس إلا ثمرة الغاية والكفاح، الغاية هي حفظ المجتمع وأمنه وتقدمه والكفاح من أجل تحقيق هذه الغاية ، و لذلك فإن هذا المذهب يسمى أيضا بمذهب الغاية والكفاح أو مذهب الكفاح .

نقــــــده رغم واقعية هذا المذهب أن ابرز دور الإرادة الإنسانية نشأة القانون وتطوره كما أبرز خطأ المذهب التاريخي الذي ألبس القانون ثوب الآلية والتلقائية دون التوجيه الإنساني إلا أن ما يعاب عليه جعل غاية القانون هي حفظ المجتمع وليس إقامة العدل كذلك يؤخذ عليه أنه جعل الكفاح أساس تطور القانون وهذا تبرير لمنطق القوة حتى ولو لم تكن على حق وتبرير لمنطق الغاية تبرر الوسيلة كذلك يؤخذ عليه أنه أفرط في جعل تطور القواعد القانونية كلها رهنا على إرادة الإنسان وهذا ينافي الأعراف التي هي من مصادر القانون ولا تظهر فيه إرادة الإنسان بشكل جلي وواضح كذلك المجتمع يجعل القانون وإذا ما طالب عن حقوقه فإن مطالبه عادة ما تكون اجتماعية بحتة.

مذهب التضامن الاجتماعي

الفلسفة التي يقوم عليها لقد أسس الفقيه الفرنسي دوجي في أواخر القرن التاسع عشر مذهب التضامن الاجتماعي وبين القواعد التي يقوم عليها هذا المذهب في مؤلفه المطول في القانون الدستوري الذي تجلى من خلال تأثر دوجي بالنزعة العلمية التي تنطلق من الواقع وترتكز على الملاحظة والتجربة وهذا التأثر مع انتشار تطبيق المنهج التجريبي على العلوم الاجتماعية ومن هنا أخذ دوجي بهذه الفكرة في تحديد النشأة و تطور القاعدة القانونية ليخرج مجموعة من الحقائق العلمية الواقعية التي يرى بأنها أساس القاعدة القانونية أما مدى هذه الحقائق الملموسة مثل الحقائق المثالية فإنها حسية واهية لا يمكن الأخذ بها وهذا ما جعل دوجي ينكر العديد من الأفكار والأسس التي يقوم عليها القانون مثل : الشخص المعنوي ، السيادة ، الحق ….وهذا ما يوضح تأثر دوجي بالنزعة الواقعية العلمية في أواخر التاسع عشر إذ ذاعت بين جمهور العلماء الاجتماعيين عموما والقانون خصوصا فكرة تطبيق المذهب التجريبي على هذه العلوم فقد أسس دوجي مذهبه على أساس حقائق واقعية ملموسة أولاها المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان مع أقاربه و ثانيها التضامن الذي ينشأ بين أفراد هذا المجتمع ذلك أن الفرد لا يمكن أن يفي كل حاجاته ومتطلباته بنفسه دون الحاجة إلى مساعدة من الآخرين وهنا ينشأ التضامن الذي يزداد حاجة الفرد كلما زاد تطور المجتمع وتنوعه ولقد ميز لا دوجي بين نوعين من التضامن:

1- التضامن بالاشتراك (التشابك) : الذي ينشأ عند تشابك حاجات أو رغبات الأفراد ويتطلب عندئذ تحقيقها تضامن الأفراد فيما بينهم تكاثف الجهود.

2- التضامن بتقسيم العمل : الذي ينشأ عند اختلاف الأفراد في ميولهم واستعداداتهم هذا ما يجعل كل فرد يتخصص في نشاط أو عمل معين يتضامن مع غيره من الأفراد من خلال تبادل الخدمات والسلع وبالتالي تبادل المنفعة ويزداد هذا النوع من التضامن مع تطور البنيان الاجتماعي .

إن وجود مجتمع يترتب عليه التضامن من وجب حمايته عن طريق مجموعة من الضوابط والقواعد التي تنظم سلوك الأفراد من أجل الحفاظ على التضامن نجد ذاته وقد يؤدي ذلك إلى نشأة الحد الاجتماعي الذي يميز ما بين الأفعال التي يجب القيام بها والأفعال التي وجب تركها والامتناع عنها أي الحد الفاصل بين ما هو صالح وما هو طالح ويتفرع على هذا الحد الاجتماعي قواعد اجتماعية تنظم الأفراد .

لقد عزز دوجي القاعدة القانونية بأساس آخر هو الشعور بالعدل، الشعور بالتضامن الاجتماعي كاف حسب دوجي أن المقصود بالعدل هو المعنى الواقعي للفكر بعيدا عن المعنى المثالي أي أن الإنسان يشعر بالتضامن والعدل في آن واحد غير أن القاعدة القانونية حسب دوجي لا تقوم على إجبار الدولة لكفالة احترامها كما تنادي المدرسة الشكلية التي ترجع القانون إلى إرادة الدولة ولأهم القاعدة التي تخضع للمثل الأعلى كما يدعي المنصب القانون الطبيعي لكن هي القاعدة التي يشعر أفراد المجتمع أنها ضرورة للحفاظ على التضامن الاجتماعي وأنه من العدل استعمال قوة الجبر في الجماعة لكفالة احترامها والانصياع لها .

لقد وجهت لمذهب لا التضامن الاجتماعي جملة من الانتقادات تمثلت في :

1- إن تطبيق المناهج العلمية التجريبي على الظاهرة الاجتماعية القانون صعب ويستحيل في بعض الحالات و هذا لأن العلوم الاجتماعية تخضع لمبدأ الغائية أي أن كل ظاهرة اجتماعية هدف أو غاية تحققها القانون === تنظيم المجتمع عكس العلوم الطبيعية التي تخضع لمبدأ السببية وبالتالي يسهل تطبيق المنهج التجريبي كما أن العلوم الاجتماعية تهدف إلى معرفة ما هو كائن وما يجب أن يكون وهنا فهي تخضع لمبدأ التنبؤ والتطلع والذي يخرج عن دائرة الملاحظة والتجريب وليصل إلى التفكير كما أن الظاهرة الاجتماعية تمتاز بالتشابه والتغيير المستمر هذا ما يجعل تطبيق المنهج التجريبي عليها شيء صعب وعسير ومن ثمة ففكرة لا دوجي فيما يخص تطبيق الملاحظة و التجربة على الظاهرة الاجتماعية على فكرة نسبية لا نستطيع الأخذ بها خصوصا في العلوم الاجتماعية .

2- لقد حملت فكرة دوجي نوعا من التناقض من خلال خروجه عن الأساس الواقعي التجريبي من خلال اعتماده على التضامن بين الأفراد كأساس للقاعدة القانونية وإغفاله بالتنافس والتنازع بين الأفراد وهذا الاختيار لا يتأتى إلا بالرجوع إلى مثل أعلى يغلب اختيار التضامن على التنافس ومن هنا فقد خرج دوجي ونزعته الواقعية باعتماده النزعة المثالية وهذا من خلال ارتكازه على مثل أعلى من أجل حقيقة التضامن بين الأفراد وترك حقيقة التنافس والتنازع ، كما أن التضامن يكون في الخير و يكون كذلك في الشر الشيء الذي يجعل دوجي يستند على مثل أعلى من أجل التسليم بالتضامن بالخير وترك التضامن بالشر وهذا أيضا خروج عن أساس فكرته الواقعية والاعتماد على أساس مثالي وهذا يثبت استحالة اتخاذ الواقع بمفرده كأساس للقانون.

3- أخذ دوجي بالفكرة الواقعية للعدل وترك البعد المثالي من خلال إقراره بموجب شعور بالعدل عند كل فرد حسب رغبته وحاجته رغم أن العدل مثل أعلى يشترك فيه كل الأفراد ومن ثم فإن الإنسان يخضع لفكرة العدل و ليس العكس .

رغم أن مذهب دوجي قد حمل مجموعة من الجوانب السلبية إلا أنه أظهر أهمية الحقائق الواقعية المستمدة من الحياة الاجتماعية وأثرها في تكوين القاعدة القانونية كما أعطى بعدا علميا مبني على أساس الملاحظة و التجربة في القانون .

نقـــــده

لقد أسهم مذهب التضامن الاجتماعي في تبيان دور الحقائق الواقعية المستمدة من الحياة الاجتماعية في تكوين ونطور القانون إلا انه ومع ذلك وجهت إليه بعض الانتقادات منها :

· إذا كان المنهج العلمي التجريبي يعطي نتائج قطعية بحيث تتحقق النتيجة كلما وجد السبب فإنه على خلاف من ذلك بالنسبة للعلوم الاجتماعية ومنها القانون فإنها تتسم بالنسبة كذلك لدوجي لم يلتزم بالمنهج الواقعي التجريبي عندما أقر أن أساس القاعدة القانونية هزو الشعور بالتضامن بين الأفراد المجتمع كحقيقة واقعية وأهمل حقيقة واقعية أخرى تثبتها المشاهدة والتجربة هي حقيقة التنازع والتنافس بين الأفراد في المجتمع نتيجة تعارض مصالحهم وكذلك لا يقتصر التضامن على الخير فقط أيضا التضامن في الشر وهو حقيقة واقعية وترتيبا على ذلك فالتضامن كحقيقة واقعية لا يصلح أساسا للقاعدة القانونية إلا بإعطائه قيمة مثالية كذلك دوجي جعل مجرد الشعور بالعدل أساس القاعدة القانونية وهذا معناه تحكيم الأهواء الشخصية وهذا يؤدي إلى الفوضى في حين أن القانون يجب أن يستند إلى الحقائق الموضوعية ومن العدل كحقيقة ثابتة كما يفرضها العقل وليس كما يشعر به الأفراد، فالأفراد هم الذين يخضعون للعدل وليس العدل هو الذي يخضع للأفراد .

المدرسة المختلطة

ومؤسس هذه المدرسة هو الفقيه جيني حيث قامت نظريته على أنقاض المدرستين الشكلين والموضوعية ودمجهما في نظرية واحدة فأخذ عن المدرسة الشكلية فكرة تدوين القواعد القانون وسماه بعنصر الصياغة وأخذ عن المدرسة الموضوعية الحقائق الطبيعية والتاريخية وغيرها وسماه بعنصر العلم وهو ما تأثر به الفقه الحديث .

الأسس التي تقوم عليها نظريته :

· عنصر الصياغة : لقد أخذ جيني عن المدرسة ضرورة أن تكون القواعد القانونية في قالب مدون وعلى شكلية معينة أي أن تحرر على شكل نصوص تراعي فيها القواعد الإجرائية حتى يسهل توصيلها للأفراد .

· عنصر العلم : وهو مأخوذ من المدرسة الموضوعية وهي عبارة عن مجموعة من الوقائع :

الوقائع الطبيعية : وهي عبارة عن مجموعة الوقائع التي تحدث من خلال الطبيعة دون أن يكون للإنسان دخل فيها وإنما تقدم له خدمات وتولد له حقوق ومن هنا لا بد من الاعتراف بهذه الحقوق وهي حقوق تكون متولدة مع الإنسان كذلك .

الوقائع التاريخية : وهي عبارة عن مجموعة الوقائع التي تكونت عبر التاريخ وقدمت خدمات للإنسان وولدت له حقوق .

الوقائع العقلية: وهي التي تقوم باستنباط الحقوق من الحقوق الطبيعية وكذلك من الوقائع التاريخية.

الحقائق المثالية : وهو أسمى الحقائق وهو الذي يسعى الإنسان إلى الوصول إليه وهو درجة السمو القانوني .

جوهر القاعدة القانونية في الفقه الحديث :

لقد اتجه الفقيه الحديث اثر النقد الموجه إلى مذهب جيني إلا أن الحقائق الأربع التي يتكون منها جوهر القاعدة القانونية لا يصدق عليها جميعا وصف العلم هذه الحقائق لهذا فقد تم جمع الحقائق التي يتكون منها جوهر القاعدة القانونية في نوعين من الحقائق

أولا : حقائق علمية تجريبية تخضع للمشاهدة والتجربة

فالقاعدة القانونية هي نتاج واقع يجب تقويمه بالقياس على مثل أعلى يستخلصه العقل فالفقه الحديث أعطى لجوهر القاعدة القانونية عنصرين عنصر واقعي فالعنصر الواقعي يعتمد على :

حقائق سياسية:وهي عبارة عن مختلف المتغيرات السياسية وتغير أنظمة الحكم في المجتمعات مما يؤثر على المجتمع وحقوقه وبالتالي لابد من وجود قواعد قانونية لتنظم هذه التغيرات .

حقائق تاريخية :وهي عبارة عن مختلف المتغيرات التاريخية التي تساهم في تكوين الجماعة وحقوقها ولا بد من قانون لينظم هذه الحقوق .

حقائق دينية: وهي مجمل الحقائق المستخلصة من أحكام الدين والتي قد تساعد إظهار القواعد القانونية.

حقائق طبيعة اقتصادية واجتماعية :وهي عبارة عن مجموعة المتغيرات داخل المجتمع التي تكون بتدخل المجتمع بتدخل الطبيعة والتغيرات الاقتصادية وكذلك ظروف المجتمع .

وهذا العنصر لا يكفي لتكوين القاعدة القانونية بل يجب تقويم هذه الحقائق بالقياس على مثل أعلى يفرضه العقل ألا وهو العدل .

ثانيا : حقائق عقلية تفكيرية يستخلصها العقل

والنوع الثاني يمثل العنصر المثالي في جوهر القاعدة القانونية .

مفهوم العدل وصوره :إن للعدل مفاهيم وأنواع مختلفة

مفهوم العـدل : العدل لغة معناه المساواة الإنصاف، ومفهومه البسيط هو إعطاء كل ذي حق حقه أما المفهوم العميق فهو يتمثل في مجموعة القواعد التي بكشف عنها العقل ويوحي بها الضمير ويرشد إليها النظر الصائب فهذه القواعد هي روح العدل أو هي الفطرة التي فطره الله الناس عليها .

– العدل من حيث الشكل :

إن تحقيق فكرة العدل يستوجب تطبيق القانون بصفة ملزمة ولو عن طريق القوة إذا تطلب الأمر ذلك فالقانون هو إدارة الحاكم يجب احترامها حيث يرى الفيلسوف الإنجليزي أوستن أن القانون الذي يحقق العدل هو إدارة الحاكم ومشيئته يطبقها بالقوة على الأفراد عند الضرورة فالعدل لديه مصدره ضمير الحاكم وينبع من إدارته فالحاكم يراقب ويشرف على توزيع العدل بين الناس توزيعا متساويا، أما أنصار مذهب الشرح على المتون فيرون أن فكرة تقديس النصوص التشريعية واحترامها باعتبارها شاملا لكل مواضع الحياة فالتشريح وحدة هو الذي يتضمن جميع الأسس التي من شأنها تجسيد فكرة العدل ومفهوم العدالة .

حيث يرى هيجل أن تحقيق فكرة العدل يقوم على تطبيق القانون الذي يكون أساسه من صنع الدولة (يعر عن إرادة الحاكم) فالدولة هي المنوطة باحترام القانون وإجبار الأفراد على طاعتها بما لها من وسائل الإكراه لأجل تحقيق العدالة .

– العدل من حيث المضمون :

يرى أصحاب مذهب القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير أن فكرة تحقيق العدل ليست نابعة من قواعد قانونية ثابتة بل أنها مستلهمة من القواعد متغير ومختلفة باختلاف الظروف المحيطة بكل مجتمع .

إن القانون الطبيعي الذي يدركه الإنسان بعقله يتصف بالكمال والمثل العليا هي العدل.

إن فكرة إقامة نظام قانوني على أساس العدل ومحاربة الظلم وجدت في ضمير الإنسان منذ الأزل وستبقى ثابتة لا تتغير أما الذي يتغير فهو الزمان والمكان ولكل جماعة تصورها الخاص لفكرة العدل وفقا لظروفها الاجتماعية فمما يعتبر عدلا في مجتمع ما قد يصبح ظلما مع مرور الزمن في نفس المجتمع ، مثال : الرق ، وقد وجهت انتقادات لهذا الاتجاه يحث أ، فكرة العدل عندهم تؤدي إلى فكرة القانون الطبيعي ذاتها. لأن القانون هو الذي يجعل من العدل مثلا أعلى خاصا بجماعة معينة وفق لظروفها وتصورها لفكرة العدل، فما هو عدل في مكان معين وزمان معين يصبح ظلما في مكان آخر وزمان آخر وهذا ما لا يمكن التسليم به فالعدل ليس تصورا شخصي بل هو إنساني عام فظاهرة الرق مثلا إذا كانت قد أجيزت في مجتمع ما وفي وقت ومكان معين فهذا النظام ليس عادلا فالرق في حكم حقيقة العدل ظالم .

يرى ديجي أن الشعور بالتضامن الاجتماعي لدى الأفراد هو أساس القاعدة القانونية وهو يتمثل في الشعور القائم لدى الجماعة بماهية العدل كما هو وليس العدل وليس المثل الأعلى للعدل أو فكرته في ذاتها فليست القاعدة القانونية هي التي توضع وفق المثل العليا (العدل) بل هي القاعدة التي تشعر بها الجماعة أنها ضرورية ولازمة إلى صيانة التضامن الاجتماعي ومن العدل تسخير قوة الإجبار في الجماعة لكفالة احترامها.

إن هذا الرأي قد يؤدي إلى تحكيم الأهواء والنزعات الفردية في حين انه يجب أن يسند هذا المثل الأعلى إلى حقائق موضوعية فالعدل يفرضه لعقل وليس ما تعتقده الجماعة .

المطلب الثاني : صور العدل

يصف الفقهاء العدل إلى نوعان : العدل الخاص والعدل العام

* العدل الخاص: هو الذي يحكم العلاقات بين الأفراد ويقوم على أساس المساواة التامة المتبادلة بينهم ويسمي بالعدل التبادلي .

* العدل العام: هو الذي يقوم على أساس اعتبار الفرد جزء من المجتمع باعتبار المجتمع هو الكل، فالعدل في هذه الحالة يرمي إلى تحقيق المصلحة العامة ويتم عن طريق إقامة تفاصل بين القيم والأفراد من حيث الحاجة أو لقدرة أو لكفاءة ويشمل العدل توزيعي والعدل الاجتماعي .

* العدل التبادلي : الأصل أنه كان مقصور على علاقات الأفراد التعاقدية الخاصة بالتبادل السلع والمنافع أي يجب للفرد على الفرد ولم يبقى محصورا في نطاقه الضيق من العلاقات التعاقدية بل أصبح يشمل كل ينشئ الأفراد من علاقات أيا كان مصدرها، وهو يقوم على أساس تساوي الأفراد وهذا التساوي يقتضي من الأفراد احترام كل منهم بحق الأخر إما بإعطائه له أو بالامتناع عن الاعتداء عليه وهذا الحق الذي يخص كل فرد قد يكون له ابتداء أو اكتسابا فيما يخص الفرد ابتداء كل ما يتعلق بوجوده أو كيانه المادي والنفسي ويعتبر ظلما اعتداء فرد على جسم فرد آخر بالضرب أو بالقتل أو الإهانة أو القذف، أما ما يخصه اكتسابا فهو ينصرف إلى كل ما يكتسبه من بعد يضيفه إلى نفسه كشيء خاص به والعدل هنا يكون بإقرار كل فرد على ما اكتسبه بطريق الاكتساب المشروع .

* العدل التوزيعي: يقصد به العدل الذي يجب على الجماعة اتجاه الأفراد المكونين لها في توزيع المنافع والأعباء عليه وهنا ينبغي مراعاة اختلاف الأفراد حسب حاجاتهم وقدراتهم وجدرانهم فيترتب على هذه المساواة النسبية فالأفراد لا يعاملون نفس المعاملة المتساوية ( أي يتساوون مساواة مطلقة في الحصول على الوظائف العامة في الدولة ) .

* العدل الاجتماعي: هو العدل الذي يسود علاقة الفرد اتجاه الجماعة من حيث واجباته نحو الجماعة أساس هذا العدل الاجتماعي يكمن في كون الفرد في الجماعة جزء في الجماعة وهذا الجزء مسخر لخدمة الكل فالصالح العام لا يتحقق إلا عن طريق الاشتراك بين الأفراد لأجل مصلحة واحدة وهذا العدل مبرر لإخضاع الأفراد لسلطة الحاكم الذي له الحق الأمر وكذلك باسم الحق الاجتماعي يسخر الحاكم سلطته لتحقيق الصالح العام.

تطور فكرة العدل عبر العصور :

إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات الكبرى التي أريقت فيها الدماء أزهقت في الأرواح وعانت البشرية منها ويلات الجوع والتشرد والدمار إن هاته الثورات المتعاقبة كانت تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة وأن الظلم في التفاوت ولكن أليست المساواة المطلقة ظلما؟ لقد اختلف المفكرون واختلفت المذاهب لتحديد إجابة شافية لهذا التساؤل وسنتعرض إلى الفكر الغربي ونظرته للعدل وكذا إلى الفكر الإسلامي ومكانة العدل فيه .

· تطور فكرة العدل في الفكر الغربي :لقد رأى أنصار التفاوت في الفكر الغربي لفكرة العدل أنها تتأسس على احترام التفاوت الموجود ويريدون في ذلك حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية والفوارق الاجتماعية وحجج أخرى تبرر هذه الفوارق المختلفة .يختلف الناس بالولادة في قدرتهم ومواهبهم الجسمية والعقلية فمنهم الضعيف ومنهم القوي ومنهم الذكي ومنهم الغبي، فمن الظلم أن نبوئ الغبي أو الغير الكفء منصبا إداريا ممتازا يتوقف عليه نظام بعض الشؤون الاجتماعية أو غيرها وبالتالي منحه مقابل ذلك جزاءات وامتيازات عالية فلو وفرنا له ضرورية الحياة فقط ومنحنا الباقي للقادر الذكي لكن دائما في حدود العدل، إن هاته النظرة والرأي للفيلسوف أرسطو ومن ماثله الرأي فهو يزعم أن التفاوت قانون الطبيعة من ذلك انه يعترف باسترقاق البعض الآخر هو ضرورة طبيعية ومادام الناس مختلفين من حيث الخصائص العقلية والفيزيولوجية فلابد من توسيع شقة الاختلاف بينهم يقول كاريل اليكس العامل الفيزيولوجي والجراح الفرنسي ” فبدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة العقلية والعضوية يجب أن نوسع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجال عظماء “، وبعد تحليل هذا الكلام نجد أن تقسيم سكان البلاد الحرة إلى طبقات مختلفة لا يرجع إلى المصادفة أو العرف الاجتماعي وإنما هو مؤسس على قواعد بيولوجية صلبة وكذلك على صفات الأفراد الفيزيولوجية والعقلية، ففي المجتمع الديمقراطي كما ترى ” بريطانيا وفرنسا ” استطاع كل شخص أن يبلغ المكانة أو المركز الذي مكنته مقدرته من بلوغه.

إن اليوم معظم عامة الشعب يدينون بمراكزهم وأوضاعهم إلى الضعف الوراثي لأعضائهم وعقولهم بالإضافة هذا الرأي فقد تبنى هذا الموقف بعض الأديان القديمة البراهيمية والتي بدورها تقسم الناس إلى أربع طوائف أعلاها الكهنة أو البراهمة وأدناها السفلى والأبخاس ونجد اليهود الذين زعموا أنهم وحدهم شعب الله المختار بل الإضافة إلى الحركة النازية التي قسمت الجنس البشري إلى طبقات أسماها الجنس الآري وقد علل أنصار التفاوت هذا النوع من الفوارق الاجتماعية والطبيعية بأنها كحافز يدفع الأفراد إلى السعي والنشاط ذلك أن الإنسان بطبعه مفطور على السعي لتحقيق آماله الواسعة في حياة بعض الناس في الرفاهية والعيش في النعيم يثير من حولهم ويعطيهم رغبة أقوى في العمل قصد الوصول إلى مستواهم، وهذا التفاوت لا يعني عدم مساواتهم أمام العدالة لأن ذلك يتحول إلى ظلم إلا أن هذه الطروحات تشبه إلى حد ما المبادئ التي انطلق منها التوسع الاستعمار في الحديث بدعوى أن القوة لها الحق بل ومن العدل أن يحتل القوي الضعيف ويسير شؤونهم المختلفة ويثبت العلماء أن العرق الصافي من المستحيل وجوده وأن كل بلاد العالم مزيج من العروق حتى إن الدم الذي تفتخر به ألمانيا نفسها إنما هو دم هجين إلى حد بعيد أكثر من غيره لأن العلم والواقع يؤكد أن الدم الهجين باعث على التقدم والنبوغ والحيوية .

هناك أنصار المساواة في الغربي يقول شيشرون مخاطبا شعبه الروماني ” الناس سواء وليس أشبه شيء من الإنسان والإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعليم ” وعن كتاب توماس جيفرسن في إعلان الاستقلال الأمريكي ” إن جميع الناس قد خلقوا متساوين ”

نقـد : بالرغم إنه لا يمكننا إنكار فكرة المساواة إلا انه لا يمكن مساواة الناس في الحقوق والواجبات لأنه تختلف إمكانيتهم وقدراتهم العقلية والجسدية والعملية، فإذا سلمنا بالمساواة التامة والمطلقة فكيف يخدم بعضهم البعض .

·فكرة العدل في الفكر الإسلامي: إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة والفروق الواسعة التي نشأت بين أفراد والمجتمعات بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطريق أمام الجميع وتكافئ الفرص في جميع المجالات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )، يعتبر العدل أحد المبادئ الأساسية لنظام الحكم وغايته المقصودة وقد حرص الإسلام على تقريره حفاظا على كيان المجتمع البشري فقد جاء في قوله تعالى على لسان نبيه : (وأمرت لأعدل بينكم)، ويقصد بالعدل في الإسلام بوجه عام تنفيذ حكم بمعنى الحكم بمقتضيات ما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو واجب في علاقة الفرد بنفسه وعلاقته بغيره من الناس وعلاقة الحاكمين بالمحكومين ومن شدة حرصه تعالى على العدل أنه لم يشدد على استعمال القوة مع مقترف أكبر الكبائر أي الشرك بينما شدد في استعمال القوة مع الباغي والمعتدي ومع الطرف الغير القائم بالعدل ويتضح ذلك قوله تعالى: ( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) وإذا كان الله تعالى قد وجه الخطاب بالعدل للمؤمنين( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) إن المساواة في الإسلام لها أهمية كبيرة يقول تعالى:( يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعرفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) “5”، يتضح من هذه الآية أن الإسلام يقر مبدأ المساواة بين جميع الناس ويجعلها أحد أصوله التي تجد أساها في العقيدة التي جاءت لتكريم الإنسان باعتباره من أصل واحد وهو آدم فلا مجال للإدعاء بالانتساب إلى جنس أسمى مما عداه من الأجناس أو إلى طبقة هي أرقى الطبقات فالإسلام لا يعترف إلا بمفاضلة قوامها الأعمال وليس الإنسان وللمساواة صور كثيرة في الفقه والتاريخ الإسلامي نذكر منها المساواة بين الأفراد جميعا في تطبيق القانون فالكل في مستوى واحد أما القانون فلا فرق بين الحاكم والخليفة أو من هم في مناصب السلطة العليا وبين عامة الناس وتثبت هذه المساواة كذلك أمام القضاء فلا وجود لمحاكم خاصة تختص بالنظر في خصومات طائفة معينة من المجتمع ومحاكم أخرى مختصة لعامة الناس. قال تعالى:(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ويقول: (ولو شاء ربك لا أمان من في الأرض كلهم أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقد طبق هذا المبدأ على ارض الواقع وعلى أوسع نطاق فلا يخلو كتاب من كتب الرسول صلى الله عليه وسلم منها موجه للقبائل “ومن كان يهوديا او نصرانيا فانه لا يفتن عنها وعليه الجزية” ويقول عمر بن الخطابt في معاهدته مع أهل بيت المقدس عقب فتحها ” هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إليياء من الأمان أعطاهم أمان لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانهم.. لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقصه منها ولا من خيرها ولا من صلبهم لا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم” إن الإسلام لم يعطي للإنسان مساواة مطلقة إلا في حدود الحقوق والواجبات فهناك تفاوت مكفول للإنسان بقول تعالى (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) وكل إنسان مسير لما خلق له فلكل ذي حق حقه .

شارك المقالة

1 تعليق

  1. نجم الدين احمد

    28 أكتوبر، 2018 at 5:15 م

    كل شكرا وتقدير لكل من عمل علي نشر هذه مقال الراعي وجيد في كل جوانب هذه مقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.