دراسة هامة في التنظيم القانوني لعقد البناء و التشغيل و نقل الملكية

عقد البوت
دراسة في التنظيم القانوني لعقد البناء والتشغيل ونقل الملكية
د.علاء الجوعاني

ملخص البحث:

تناول البحث الجوانب القانونية لأحد الأساليب الاستثمارية الجديدة وهو الاستثمار بنظام عقد البناء والتشغيل ونقل الملكية والذي يعرف بعقد البوت (B.O.T) ولقد حاول الباحثان تأصيل فكرة هذا العقد من الناحية القانونية ومدى إمكانية قبوله في النظام القانوني العراقي وتطبيقه في ظل هذا النظام باعتباره من العقود الإدارية وذلك بالوقوف على موقف قانون الاستثمار العراقي لسنة 2006 وقانون العقود الحكومية لسنة 2004 وتعليماته الصادرة سنة 2008 والشروط العامة لمقاولات أعمال الهندسة المدنية الصادرة عام 1988.
ولقد تبين من خلال البحث إن لهذا النظام الاستثماري الكثير من المزايا التي يمكن توظيفها لإعادة أعمار البني التحتية في العراق بما يؤهله الاندماج في النظام القانوني العراقي, وما قيل عن مخاطره يمكن معالجتها بإصدار تشريع خاص بهذا العقد لا سيما وان قانون الاستثمار العراقي كما تبين لنا يعاني من القصور عن مواكبة الأساليب المستحدثة للاستثمار وان نصوصه لا توفر الحماية الكافية للاقتصاد الوطني.

المقدمة:

تجد عقود البوت جذورها الأولى في القانون الإداري فقد نسب تبنيها إلى رئيس الوزراء التركي (توجورت اوزال) الذي كان أول من أطلق هذا التعبير في أوائل الثمانيات , خلال اجتماعه بعد نجاحه في الانتخابات البرلمانية برجال الإعمال والمستثمرين, وأصحاب شركات المقاولات من القطاع الخاص حيث شرح إستراتجيته الجديدة في التنمية والإصلاح الاقتصادي وذلك بإسناد المشروعات الجديدة في مجال البنية الأساسية إلى القطاع الخاص على أساس نظام (B.O.T) فضلاً عن خصخصة شركات القطاع العام طبقا لبرنامج انتخابي كان قد تقدم به ونجح على أساسه, وعليه فقد صار نظام (B.O.T) تعبيرا عن النهج الاقتصادي في تركيا ().
في حين أرجعه بعض الفقهاء إلى عقد إنشاء قناة السويس الذي قام على امتياز منحته الحكومة المصرية إلى المقاول الفرنسي (دليسبس) الذي قام بإنشاء القناة وتشغيلها عبر شركة قناة السويس البحرية(). وذهب البعض الأخر إلى إن بداياته تعود إلى القرن الثامن عشر ممثله بالعقد الذي ابرم بين بلدية باريس وشركة بيريه الفرنسية لتوريد الماء النقي إلى مدينة باريس() .

وعلى كل حال نشأت فكرة البوت وتم الترويج لها لخدمة أغراض التنمية في الدول النامية حيث باتت هذه الدول تهتم بالمشروعات التي تنشئ وفق هذا النظام لتحقيق التنمية الاقتصادية فيها وتحسين بناها التحتية , حيث نصحت الأمم المتحدة البلدان النامية بتمويل البنية التحتية فيها بنظام البوت (B.O.T) كما جاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (انيسترال ) الدورة 29 في نيويورك في 28 مايو – 14 يونيو بعنوان (الإعمال المقبلة المتعلقة – مشاريع البناء والتشغيل ونقل الملكية) وأطلق عليه في عام 1997 مشاريع الهياكل الأساسية ذات التمويل الخاص واستمر تداول هذا الاصطلاح مع تعديل طفيف في عام 1998 حيث أطلق عليه مشاريع الهياكل الأساسية المحمولة عن طريق القطاع الخاص , وفي تقرير عامي 2000 و 2001 أطلقت عليه عنون ( الإعمال الممكنة في المستقبل بشان مشاريع البنية التحتية الممولة من القطاع الخاص)().

ولما حققه نظام البوت من مزايا للدول التي تعمل بموجبه لتطوير بنيتها التحتية بعد ان استولى فيها هذا النظام على سوقه وجنت من ثماره فأننا شعرنا بضرورة بحثه وبيان كافة جوانبه القانونية للفت أنظار الحكومة والمشرع العراقي إلى هذا النظام المتطور في إدارة المشاريع العملاقة للبنية التحتية , فنحن في العراق بأمس الحاجة للعمل بنظام البوت لإعادة أعمار البنية التحتية للبلد التي دمرتها الحروب المتوالية وما جرت عليه من أزمات سياسية واقتصادية طاحت بالبناء التحتي للدولة العراقية وبغية توظيفه والاستفادة من مزاياه في ظل النظام القانوني العراقي لابد من تسليط الضوء على كافة مفاصله القانونية وهذا يستلزم بحثه من ثلاثة محاور , نحاول في المحور الأول تأصيل فكره عقود البوت من الناحية القانونية وبيان المقصود بها وتحديد خصائصها وأهميتها وتميزها عن غيرها, ونتناول في:

المحور الثاني النظام القانوني لعقد البوت من كيفية إبرامه وآثاره.
أما المحور الثالث فنتناول فيه كيفية تسوية المنازعات الناشئة عنه.

المبحث الأول التأصيل القانوني لعقد البوت (B.O.T)

تسعى معظم الدول وخاصة الدول النامية كالعراق إلى استخدام أسلوب جديد في إدارة مشاريعها لاسيما الضخمة منها وذلك في سبيل توفير بنية أساسية قوية من مطارات وموانئ بحرية وشبكات للطرق وكهرباء وغيرها من المرافق التي ترتبط بحاجات الجمهور وذلك عن طريق إبرام عقود لإقامة هذه المشاريع مع أشخاص أو شركات من القطاع الخاص لإنشاء وتشغيل هذه المشاريع وتمويلها من قبلهم بأسلوب حديث التطبيق يعرف بنظام البوت (B.O.T ) ويراد به عقود البناء والتشغيل والتحويل (نقل الملكية).
وللإحاطة بالجوانب القانونية لعقد البوت لابد من تأصيل فكرة هذا العقد وذلك من حيث بيان معناه وتحديد خصائصه وأهميته وتميزه عن غيره . وذلك في المطالب الأربعة الآتية.

المطلب الأول/ تعريف عقد البوت (B.O.T):

انحدرت فكرة البوت (B.O.T) من نظريات القانون الإداري وجاءت كتطور تاريخي لعقد التزام المرافق العامة , ومصطلح (B.O.T) يمثل الأحرف الأولى لمصطلحات انكليزية ثلاثة وهي Built ويعني البناء أو الإنشاء ويرمز له بالحرف B ,و Operateويعني التشغيل أو الإدارة ويرمز له بالحرف O, و Transfer ويعني التحويل ونقل الملكية ويرمز له بالحرف T ,وقد شاع استخدام هذه المصطلحات الانكليزية في اللغة القانونية للفقه تعبيرا عن عقد البوت وهو ما جرى الفقه الفرنسي على استخدامه().
ويراد بهذا العقد أن تعهد الدولة إلى المستثمر – وطني ام أجنبي – أنشاء مشروع على نفقته الخاصة وإدارة هذا المشروع فترة معينة من الزمن, ويحصل فيها على إرباح تغطي تكاليف المشروع مع تحقيقه نسبة من الأرباح له, ويكون تحت إشراف الدولة أو إحدى إداراتها ويلتزم المستثمر بنقل حيازة المشروع إلى الدولة في نهاية العقد().

وقد عرف بأنه مجموعة الترتيبات القانونية المشتملة على عدد من العقود والاتفاقيات بين الأطراف المتعددة للقيام بعمل يتصل بمرفق عام أو خدمة عامة, خلال فترة محددة بانتهائها تتحول أي أصول ومنقولات متعلقة بهذا العمل لأحد الأطراف().
وقيل انه عقد بين طرفين احدهما مالك المشروع قد يكون الدولة أو احد وحداتها والثاني مستثمر من القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي على أن يقوم المالك بتقديم الأرض اللازمة الكائنة ضمن مشروعه , بينما يقوم المستثمر بإنشاء المشروع بتمويل من عنده ومن ثم تشغيله وإدارته فترة من الزمن – يتم الاتفاق عليها – يستغل فيها المستثمر المشروع ليستعيد ما خسره من نفقات ويحقق أرباحا مناسبة وفي نهاية المدة المتفق عليها يعيد المشروع الى مالكه الأصلي().

وذهب جانب من الفقه إلى إن عقد البناء والتشغيل ونقل الملكية ما هو إلا نظام لتمويل مشروعات البنية الأساسية بواسطة القطاع الخاص وبمقتضاه تمنح الدولة ترخيصا أو امتيازا لأحدى الشركات الخاصة الوطنية أو الأجنبية تعرف في العمل بشركة المشروع من اجل إنشاء احد المشاريع الاسايسة واستغلاله مدة محددة من الزمن تكون كافية لاسترداد التكاليف التي أنفقت فضلا عن قدر من الربح على أن تلتزم شركة المشروع في نهاية المدة بإعادة المشروع إلى الدولة بحالة جيدة ودون مقابل().
وقد عرف قانون الاونيسترال الصادر عن لجنة القانون التجاري الدولي في هيئة الأمم المتحدة عام 2001 هذا العقد بأنه (شكل من أشكال تمويل المشاريع تمنح بمقتضاه حكومة ما لفترة من الزمن احد الاتحادات المالية الخالصة ,ويدعى شركة المشروع امتيازا لتنفيذ مشروع معين , وعندئذ تقوم شركة المشروع ببنائه وتشغيله وإدارته لعدد من السنوات وتسترد تكاليف البناء وتحقق أرباحا من تشغيل المشروع واستغلاله تجاريا , وفي نهاية مدة العقد تنتقل حيازة المشروع إلى الحكومة)().

في حين عرفت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيرو ) البوت (B.O.T ) بأنه اصطلاح أو صياغة لاستخدام القطاع الخاص ليقوم بمشروعات التنمية الأساسية التي كانت قبل حكرا على القطاع العام, ذلك إن تمول المشروعات هو زاوية الأساس لعقود (B.O.T)().
وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف عقد البوت بأنه العقد الذي تمنح بمقتضاه الدولة أو إحدى الجهات الإدارية التابعة لها امتيازا لأحد الأشخاص الطبيعية أو المعنوية الخاصة (وقد تكون عامة) الوطنية أو الأجنبية من اجل إنشاء إحدى المرافق العامة الضرورية واستغلالها مدة من الزمن تحت إشراف الجهة الإدارية المتعاقدة ورقابتها على أن يعود المرفق للإدارة بعد نهاية العقد بحالة جيدة ودون مقابل.

المطلب الثاني/ خصائص عقد البوت (B.O.T):

من خلال تعريف عقد البوت (B.O.T) تتجلى أهم خصائصه التي تميزه عن العقود الأخرى وهي كالأتي:

أولاً/ من حيث إطرافه فهو يبرم بين طرفين احدهما الدولة او احد أشخاص القانون العام والطرف الثاني من أشخاص القانون الخاص:

عقد البوت (B.O.T) كأحد وسائل تمويل المشاريع العامة التي يكون احد أطرافه الدولة أو إحدى الجهات الإدارية كطرف رئيسي فيه فهي توافق على منح الامتياز لإحدى الشركات أو المستثمرين , وهي وان خولت المستثمر حق الانتفاع من المشروع إلا أنه لها الدور الأساسي في متابعة عمل الطرف الثاني من حيث التزامه بالتنفيذ حسب المواعيد المتفق عليها ولها حق تحميل المتعاقد المتأخر عن التنفيذ غرامات تأخير وغيرها من حق الرقابة والإشراف, والتأكد من مدى مطابقة تنفيذ العقد للشروط الفنية والقانونية والاقتصادية والمالية المتفق عليها في هذا العقد().

ثانياً/ من حيث أهدافه فهو يهدف إلى إنشاء مرافق عامة لإشباع حاجات عامة وتقديم خدمات ذات نفع عام:

إن هدف وغاية عقد البوت إنشاء مرفق عام , ولفكرة المرفق العام مدلولان مدلول شكلي أو عضوي ومدلول موضوعي أو مادي ,ويراد بالمدلول الشكلي للمرفق العام الجهة أو الهيئة التي تتولى إشباع الحاجات العامة وتحقيق النفع عام(), أما المدلول الموضوعي أو المادي فيراد به النشاط الذي تتولاه الدولة أو إحدى هيئاتها أو تعهد به إلى جهة أخرى لإشباع الحاجات العامة وتحقيق النفع العام().
والدولة عندما تلجا إلى عقد البوت تلجا إليه لتحقيق أهداف معينة ترمي منها خدمة مصالح رعاياها والجمهور من توفير خدمات وتحسين البنية التحتية للدولة وغيرها من المشاريع الهامة التي لها الدور الأساسي والهام في توفير الخدمات العامة وتحقيق النفع العام, حيث تشترط الدولة عند إبرامها عقد البوت على الطرف الأخر تحقيق الغاية التي تسعى إليها الدولة المتعاقدة().

ثالثاً/ من حيث سلطات الجهة الإدارية في الأشراف والرقابة خلال مرحلة التشييد والاستغلال:

يعتبر حق جهة الإدارة في الرقابة والإشراف على تنفيذ العقد من الحقوق الأساسية التي تتمتع بها الإدارة في العقود الإدارية إذ تضمن من خلالها حسن سير المرفق العام وتحقيق الغاية التي تسعى إليها الإدارة من إبرامها للعقد , وحق الأشراف والرقابة يعني التحقق من إن المتعاقد قام بتنفيذ العقد تنفيذا صحيحاً متفقاً مع شروط العقد سواء من الجوانب الفنية أو الإدارية أو المالية(), وفي عقود البوت (B.O.T ) فأن أهميتها وطول مدتها يستدعي أن تكون للدولة حق الأشراف والرقابة والتحقق من أن المتعاقد نفذ العقد تنفيذا صحيحا متفقا مع شروط العقد وبما يضمن سلامة المرفق وحسن سيره وتحقيق الغاية منه().

رابعاً/ من حيث ملكية المرفق خلال مدة العقد:

ثمة خلاف في الفقه القانوني حول ثبوت حق الجهة الإدارية المتعاقدة أو شركة المشروع في تملك المشروع ذاته, فرأي يذهب إلى ثبوت ملكية الجهة الإدارية المتعاقدة للمشروع, وآخر يذهب إلى إن الملكية في بعض صور عقود البوتB.O.T) ) تعود إلى شركة المشروع ملكية مؤقتة خلال فترة العقد وفي بعضها تملك المشروع ملكية نهائية, بينما ذهب رأي ثالث وهو الرأي الغالب إلى إن شركة المشروع تملك المرفق ملكية ثابتة وذلك حتى تتمكن من تنفيذ التزاماتها().

المطلب الثالث/ الأهمية القانونية لعقود البوت (B.O.T ):

تحظى عقود البوت (B.O.T ) بأهمية كبيرة كونها تساعد على جذب الاستثمارات المحلية والاجنبية وتحسين وتطوير المرافق العامة وتحقيق التنمية الاقتصادية ,إلا ان لها بعض المخاطر والسلبيات على الدولة المقام فيها المشروع , وسوف نعرض هذه المنافع والمخاطر في الفرعين الآتيين.

الفرع الأول/ منافع عقد البوت (B.O.T):

إن لعقد البوت الكثير من المنافع سواء للدولة المقام فيها المشروع أو للمستثمر وكالاتي:

أولاً/ بالنسبة للدولة:

1. تخفف هذه العقود العبء عن الموارد الحكومية المحدودة حيث يتحمل القطاع الخاص تمويل إنشاء وتشغيل هذه المرافق وتحمل مخاطر التمويل فيها , وتتعاظم أهمية هذه العقود إذا كانت شركة المشروع مستثمرا أجنبيا مما يعني إدخال استثمارات أجنبية وتحسين ميزان المدفوعات وتخفيف العجز في الموازنة العامة().
2. إقامة مشاريع ومرافق جديدة, وضخ أموال جديدة إلى السوق الوطني وتوفير فرص عمل جديدة للأيدي العاملة الوطنية والتغلب على مشكلة البطالة وزيادة الدخل القومي().
3. توفير البيئة المناسبة للتنمية الاقتصادية من خلال نقل الأساليب التكنولوجية الحديثة والوسائل التقنية إلى الدولة خاصة عندما تكون من الدول النامية().
4. يمكن عقد البوت الحكومات من الاستفادة من خبرة القطاع الخاص في تقديم الخدمة العامة , لما تتمتع به الإدارة الخاصة من كفاءة وفعالية أكثر من الإدارة العامة, مما يحسن من أداء هذه الخدمات().

ثانياً/ بالنسبة للمستثمر:

يحقق عقد البوت للمستثمر فوائد هامة أهمها:
1. الدخول في مجالات استثمارية مرتفعة العائد حيث يمكن للمستثمر في عقود البوت أن يحقق أرباحاً كبيرة بالمقارنة بالمشروعات الأخرى.
2. عقود البوت تفتح الأبواب أمام المستثمرين الصغار عن طريق شراء أسهم وسندات المشروع.
3. عقود البوت تفتح الأبواب أمام مؤسسات التمويل عن طريق تحريك أموالهم الراكدة بتقديم قروض وتسهيلات ائتمانية إلى المستثمر المتعاقد وفقاً لعقود B.O.T ().

الفرع الثاني/ مخاطر عقد البوت (B.O.T ):

رغم ما يوفره عقد البوت من منافع ومميزات إلا أن التجارب العملية أظهرت أن الأخذ بنظام البوت B.O.T قد يولد عبأ اقتصاديا على الدولة المتعاقدة للأسباب الآتية:
1. لجوء المستثمر سواء كان وطنيا ام أجنبيا الى السوق المحلية للحصول على التمويل اللازم للمشروع ثم بعد ذلك يستخدم هذا التمويل الداخلي لاستيراد المعدات والأجهزة من الخارج , مما يؤدي الى زيادة الطلب على العملات الأجنبية والضغط على السيولة المتاحة في السوق الداخلي , فينتج عن ذلك انخفاض قيمة العملة الوطنية().
2. طول الفترة المحددة لمنح الالتزام إذ وصلت إلى 99 عاماً حسب التعديلات التشريعية الحديثة للقانون رقم 129 لسنة 1948 في مصر, وهو أمر شديد الخطورة , إذ أن هذه المدة من الزمن تقيد أجيالا من بعدها أجيال().
3. الإفراط في منح الملتزم المزايا المرتبطة بالعقد ومن ذلك التزام الدولة بشراء الخدمة وضمان الحكومة لسداد حد أدنى لمقابل هذه الخدمة .
4. قد يكو ن عقد البوت طريقا الى الاحتكار ,عندما تشترط الشركة عدم منافستها في موضوع العقد حتى تضمن سيطرتها على السوق وما يترتب على ذلك من مساوئ وإضرار .
5. ارتفاع تكلفة المشروعات على المدى الطويل خاصة إذا تعلق الأمر بشراء الدولة للمنتج ذلك ان هدف المستثمر في أنشاء المشروع هو الربح الكبير وليس الفائدة , فعلى سبيل المثال في مصر تم التعاقد على إنشاء وتشغيل محطات الكهرباء بالصورة الآتية:
1 مشروع محطة توليد سيدى كرير بقدرة 650 ميجاوات تم التعاقد عليه في 22/7/1998 وبسعر شراء 2,54 سنت / كيلو وات ساعة .
2 مشروع محطة توليد خليج السويس بقدر 650 ميجاوات , تم تعاقد عليه في 3/10/1999 وبسعر شراء 2,37 سنت / كيلو وات ساعة .
3 مشروع محطة توليد شرق بورسعيد بقدر 650 ميجاوات , تم تعاقد عليه في 3/10/1999 وبسعر شراء 2,37 سنت / كيلو وات ساعة .
فيلاحظ ارتفاع أسعار أول محطة وانخفاضها في المحطات التالية في حين قد تم تعاقد عليها قبل المحطتين التاليتين بسنة على الاقل , والمنطق يقضي بان الأسعار ترتفع لا تنخفض().
موازنة وترجيح
رأينا أن عقد البوت يوفر الامتيازات والمنافع الكثيرة للدولة ولاسيما إن كانت من الدول النامية كالعراق حيث لا توجد فيه بنى تحتية فاعلة يرتكز عليها لتعمير الاقتصاد الوطني فيمكن للدولة العراقية الاستفادة من مزيا هذا النظام بتوفير السيولة النقدية وتخفيف العبء عن الموازنة الحكومية وتوظيف الوسائل التقنية الحديثة في تعمير البلد وتوفير فرص العمل والحد من البطالة ,وهو ما يساهم دون شك في اعادة النهوض في البنية التحتية للدولة وتحقيق قفزات متسارعة في النمو الاقتصادي فضلا عما يوفره هذا العقد من مزايا للمستثمر, أما ما قيل عن مخاطره على الدولة المتعاملة فانه يمكن الحد من هذه المخاطر بإصدار تشريعات خاصة تحد من الامتيازات التي يحاول المستثمر الحصول عليها بمد زمن العقد أو رفع أسعار الانتفاع بالمرفق , فان مثل هذه التشريعات يمكن ان توفر الحماية للاقتصاد الوطني ولعملته المحلية, لذا فنحن نرجح العمل بنظام البوت في ظل النظام القانوني العراقي بعد إيجاد البيئة القانونية المتمثلة بالتشريعات المناسبة لحماية الاقتصاد الوطني .

المطلب الرابع/ الطبيعة القانونية لعقود البناء والتشغيل ونقل الملكية B.O.T وتمييزه عما يشتق منه من عقود:

نحاول في هذا المطلب تحديد الطبيعة القانونية لعقد البوت ومن ثم تميزه عن غيرة من العقود المشتقة منه وذلك في الفرعين الآتيين.

الفرع الأول/ الطبيعة القانونية لعقد البوت B.O.T:

يرى اغلب الفقهاء ان عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية B.O.T بتفريعاتها المختلفة خرجت من رحم عقد التزام المرافق العامة () لذا فهي عقود التزام مرافق عامة، إلا أن بعض الفقهاء كان لهم وجهة نظر مختلفة وسوف نتناول ذلك وكما يأتي:

الرأي الأول/ عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية هي عبارة عن تنظيم لائحي:
ويعني ذلك ان البوت ليس اتفاقا أو عقدا وانما هو تنظيم اقتصادي يلزم لتنفيذه إبرام العديد من الاتفاقات المتشابكة والمتعددة بين أطراف مختلفة قد تتعارض مصالحها (). إلا أن هذا الرأي منتقد لإنكاره الصفة التعاقدية لعقد البوت بدعوى انه يتضمن العديد من الاتفاقات التي قد تتعارض فيها مصالح أطرافها ، فالاتفاقات الفرعية إنما ترتبط في وجودها بالعقد الرئيس بين جهة الإدارة وشركة المشروع فان كانت هناك عقود فرعية فهي لا تؤثر على طبيعة العقد الرئيسي.

الرأي الثاني : عقد البوت من عقود القانون الخاص:
ذهب البعض إلى أن عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية من عقود الإدارة العادية التي تخضع منازعاتها للقانون الخاص والقضاء العادي(). ذلك لان هذه العقود تختلف في مواصفاتها عن الصفات المميزة للعقود الإدارية فهي لا تقبل بطبيعتها ان تتضمن شروطا استثنائية ، فمتطلبات التجارة الدولية تلزم ان يكون شأن الدولة شأن الأفراد العاديين في التعاقد معهم فوجود طرف أجنبي في العلاقة التعاقدية يمنع الإدارة من تضمين عقودها مع هذا الطرف الأجنبي شروطا استثنائية على اعتبار إن سيادة الدولة محددة داخل إطار إقليمها الجغرافي()، ومن ثم يجب أن تقف الإدارة موقف المساواة مع المتعاقد معها إذا كان أجنبيا(), كما ان هذا العقد يختلف اختلافا جوهريا عن عقد التزام المرافق العامة لان شركة المشروع تتولى في عقد البوت إنشاء مرفق من العدم بينما يتولى الملتزم في عقد الالتزام ادارة مرفق موجود سابقا (), والدولة من ناحية ثالثة تتنازل عن ملكية المشروع للمستثمر حتى يتمكن من رهن أصوله والحصول على التمويل وهذا دليل على عدم خضوع العقد لقواعد القانون العام التي تفترض دائما ملكية الدولة للمشروع ودليل على خضوعه للقانون الخاص(). وفي الحقيقة ان هذا الرأي كان محل انتقاد من بعض الفقه الذي يرى بان عقد البوت من العقود الإدارية وكما يأتي.

الرأي الثالث/ عقد البوت من العقود الإدارية:
ينتقد أصحاب هذا الرأي التوجه السابق ويذهبون إلى القول بان عقود البوت وان كانت من عقود الاستثمار التي تبرمها الدولة الا انها تعد من قبيل العقود الإدارية من حيث كون السلطة العامة طرفا فيها، وتشتمل جميعها على شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص وان تنازلت الدولة فيها عن بعض امتيازاتها فذلك لتسيير المرفق العام().
ويضيف أصحاب هذا الرأي ان البوت هو عقد إداري بطبيعته بمجرد ان تكون الإدارة طرفا فيه وان يتصل بنشاط مرفق عام، لأنه حين تعهد جهة الإدارة لفرد أو شركة بإدارة وتشغيل مرفق عام ، فأن ذلك يعد أمرا استثنائيا غير مألوف يثبت به للعقد صفته الإدارية ولايمكن التسليم معه بخضوع العقد للقانون الخاص لان ذلك سيؤدي الى نوع من المساواة غير المنطقية بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة وما يجر ذلك الى احتمال توقف المرفق عن الخدمة بسبب تطبيق القانون الخاص(), وعلى هذا تقترب عقود البوت من عقود التزام المرافق العامة مما يؤكد طبيعتها الإدارية فما من شك ان عقد الالتزام يعتبر أهم العقود الإدارية ، وهو عقد إداري بطبيعته أي انه يكون إدارياً في كل الأحوال متى كانت الإدارة طرفا فيه واتصل بنشاط مرفق عام , وإذا كانت الصورة التقليدية لعقد الالتزام هي اعتباره أسلوبا لإدارة المرافق العامة ، إذ ترى الدولة لأسباب كثيرة ان تتخلى عن إدارة مرفق وتعهد به إلى الملتزم , لكن هذا لا يمنع ان يقوم الملتزم ـ بداية ـ بإنشاء المرفق وتشغيله كما في البوت().

بيد انه يلاحظ إن عقد البوت يعد عقدا إدارياً ذا طابعا دوليا فالعقد الإداري ذا الطابع الدولي هو ذلك العقد الذي يبرمه شخص معنوي بقصد تنظيم مرفق عام أو تسييره مستخدما وسائل القانون العام وذلك بتضمين العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ، ويخضع لنظام قانوني واحد بالرغم من اتصال عناصره بأكثر من دولة ، حيث يخضع لقانون الدولة التي يتبعها الشخص المعنوي العام المتعاقد (), ومعيار التفرقة بين العقد الإداري الوطني والعقد الإداري ذا الطابع الدولي يقوم على أساس تعلق العقد بمصالح التجارة الدولية ، ونقله للأموال والخدمات عبر الحدود وهو ما يسميه الفقه بالمعيار الاقتصادي().

الفرع الثاني/ تمييز عقد البوت (B.O.T ) عن غيره من العقود المشتقة منه:

عقود البوت B.O.T (البناء والتشغيل ونقل الملكية) ليست شكلا واحدا وإنما تتعدد صورها وتتباين فتختلف هذه العقود المشتقة عن العقود الام ( البوت B.O.T) في كل او بعض عناصرها , وعلى النحو الآتي:

أولاً/ عقد البناء، والتملك،والتشغيل، والإعادة: Built – Own – Operate – Transfer: ويعرف هذا النوع من العقود اختصاراً بـ ” BOOT وهو من الاشتقاقات الهامة الكثيرة الاستخدام لنظام “البوت”، ويختلف عن النموذج الكلاسيكي ” للبوت” في كون الشخص الخاص المتعاقد مع مانح الامتياز يتملك أصول المشروع طوال فترة الامتياز ومن ثم يقوم بإعادتها، وهذه الخاصية – خاصية التملك – لها انعكاساتها فيما يتعلق بتمويل المشروع وملائمة الشخص الخاص للتعاقد().

ثانياً/ عقد التصميم والبناء والتمويل والتشغيل: Design, Build, Finance and Operate, ويشار اليه اختصارا D.B.F.O, وفيه يتولى منفذ المشروع تصميمه وتمويله وتشغيله وفقا للضوابط التي تضعها الحكومة مقابل حصول الاخيرة على بدل الأرض وعلى نسبة من الإيرادات مقابل منح الامتياز , ويحق لها فيه تحويل الامتياز لمستثمر أخر مع دفع التعويض المناسب للمستثمر مالك المشروع().

ثالثاً/ عقد البناء والتمليك والتأجير و التحويل:
B.O.L.Tب: ويعرف اختصارا Build, own, Lease, and Transfer
وبموجب هذا العقد تعهد الدولة إلى المستثمر بإنشاء مشروع على نفقته الخاصة وتشغيله وتأجيره للغير طوال فترة العقد بحيث يستطيع تغطية تكاليف المشروع وتحقيق نسبة من الأرباح من قيمة الإيجار على ان يلتزم في نهاية العقد بنقل المشروع الى الدولة المتعاقدة().

رابعاً/ عقد التأجير و التجديد و التشغيل و نقل الملكية:
Lease ,Renovate , Operate and Transfer
ويعرف بـ L.R.O.T وفيه تستأجر الجهة المنفذة المشروع وتتولى تجديده وتشغيله وتحصيل عوائده ثم تعيد حيازة المشروع إلى الدولة في نهاية مده الإيجار().

خامساً/ عقد البناء ونقل الملكية والتشغيل:
Build, Transfer and Operate
ويعرف بالاختصار B.T.O وتتعاقد الحكومة في هذا النوع من العقود مع المستثمر الخاص على بناء المشروع او المرفق العام ثم التخلي عن ملكيته للحكومة التي تبرم عقدا أخرا لإدارة وتشغيل المشروع خلال فترة الامتياز وذلك مقابل الحصول على إيرادات التشغيل وبذلك تصبح الحكومة مالكة ابتداء ومن أهم مجالات هذا النوع من الاستثمار الفنادق().

سادساً/ عقد البناء والملكية والتشغيل
Build, Own and Operate
يشار الية بالاختصار B.O.O وبموجب هذا العقد يقوم المستثمر بتمويل المشروع وبنائه وتشغيله طيلة فترة العقد الا انه لا يلتزم بتحويل المشروع الى الدولة مثل العقود السابقة , أي أن هذا النوع لا يتضمن عنصر نقل الملكية , إذ انه ينتهي بانتهاء العمر الافتراضي للمشروع مع قيام الدولة بتعويض الملاك عن حصص الملكية().

سابعاً/ عقد التحديث والتمليك والتشغيل ونقل الملكية:
Modernize , Own ,Operate and Transfer
وتعرف ب M.O.O.T وتستخدم هذه الصورة في مشروع قائم يراد تحديثه وتطويره بتقنية ليست متاحة لدى الدولة ويتملكه منفذ المشروع مع اقتسام العوائد بينه وبين الدولة إلى حين إعادته إليها().

المبحث الثاني النظام القانوني لعقود البوت (B.O.T)

نتناول في هذا المبحث إبرام عقد البوت وأثاره القانونية في مطلبين الأول نبين فيه إجراءات إبرام العقد والثاني نعرض فيه ما يرتبه العقد من آثار بحق المتعاقدين من حقوق والتزامات.

المطلب الأول/ كيفية إبرام عقد البوت (B.O.T):

كما بينا سابقا عقد البوت يبرم بين طرفين احدهما في الغالب الدولة أو إحدى الجهات الإدارية التابعة لها والطرف الثاني في الغالب شخص من أشخاص القطاع الخاص يقوم بتنفيذ المشروع خلال فترة زمنية معينة ,وتمر عملية انعقاد عقد البوت بعدة مراحل تتمثل بتحديد المشروع ودراسة الجدوى منه ومن ثم طرح المشروع للتعاقد وصولا لإبرام العقد وسنتناول ذلك في الفروع الآتية.

الفرع الأول/ اطراف عقد البوت (B.O.T):

يبرم عقد البوت كغيره من العقود الأخرى بين طرفين , فضلا عن وجود شخص ثالث في عملية البوت وهو المستفيد من المشروع() وسنعرض أطراف العقد فيما يأتي:

أولاً/ الحكومة:
تعد الحكومة الطرف المالك للمشروع ويكون لها دوراً أساسيا في العقد رغم أنها تتنازل عن ملكية المشروع للملتزم لفترة من الزمن حتى يعود في نهايتها إلى الحكومة , ويلاحظ أن دورها لا يقتصر على إبرام العقد وإنما يستمر في جميع مراحل المشروع من حيث متابعة عمل الشركات ومدى التزامها بالتنفيذ والتأكد من مطابقة التنفيذ للموصفات المتفق عليها في العقد, وتمارس أيضا دورا رقابيا في متابعة حسن سير العمل وحسن إدارة المشروع وصيانته لحين نقل ملكيته إليها بعد انتهاء مدة العقد().

ثانياً/ شركة المشروع:
وهي الطرف الثاني في العقد تقوم بتصميم وبناء وتشغيل المشروع طيلة فترة العقد وحسب ما متفق عليه في بنود العقد حيث تتولى بنفسها إدارته وتؤول لها الحقوق و المنافع والامتيازات المترتبة بموجب العقد المبرم().

الفرع الثاني/ الإجراءات السابقة على إبرام العقد:

تسبق عملية إبرام عقد البوت إجراءات لها دور فعال في إبرامه اذ لا بد من إتباع إجراءات معينة قبل أتمام العقد من خلال تحديد المشروع موضوع العقد وإعداد دراسة جدوى للمشروع, وسنبحث مسألة تحديد المشروع ودراسة الجدوى منه كما يأتي:

أولاً: تحديد المشروع:
تعمد الحكومة الى تحديد المجالات التي يمكن فيها منح الامتياز وفقا لنظام البوت لإقامة وتشغيل المرافق العامة والمشروعات الضخمة , وتعد هذه المرحلة من أهم المراحل التي تؤثر في إنجاح المشروع من عدمه من حيث بيان مواصفات المشروع الفنية ومقدرة هذا المشروع على جذب المستثمرين ومدى حاجة المواطنين له(), على ان الحكومة ملزمة عند تحديد المرفق الذي سيكون محل للامتياز باحترام الدستور والقوانين التي تنظم المرافق العامة فقد أشار دستور العراق النافذ لسنة 2005 إلى انه يجب أن تنظم بقانون الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإدارتها والتصرف فيها والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال(), كما وضع هذا الدستور آلية لإدارة وتطوير المرافق العامة من قبل الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة والتأكيد على أهمية الاستثمار وتنظيمه بقانون(), بيد أن تحديد المشروع تحكمه عدة عناصر أساسية() وهي:

  • العنصر الأول/ المكان الذي سيقام فيه المشروع وما يتوفر فيه من موارد وإمكانيات ظاهرية ومستقبلية يمكن أن تظهر أو يتم إحداثها في المستقبل .
  • العنصر الثاني/ الزمان الذي سيستغرقه إقامة المشروع وفترة العقد التي سيتم من خلالها الحصول على العائد حيث يراعى فيها ان تكون كافية لتسديد التكاليف وتحقيق أرباح مناسبة.

ثانياً/ دراسة الجدوى:
يستوجب بعد تحديد المشروع إجراء دراسة جدوى أولية له من حيث حجمه وموقعة والاختيارات الفنية اللازمة له والفحص المبدئي والموارد المتاحة وحجم العائد ومدى تحققه, وتشمل هذه الدراسة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمشروع , بالإضافة إلى المواصفات الفنية التي يجب أن تلتزم بها شركة المشروع عند إنشاء المرافق العامة التي لها تأثير كبير في إبراز أهمية المشروع وتحديده ().

الفرع الثالث/ طرح المشروع للتعاقد:

عقد البوت يفتقر إلى نظام قانوني خاص به يبين كيفية طرح المشروع للتعاقد ,لكن طالما اعتبر من العقود الإدارية فأنه يسري عليه ما يسري على إبرام العقود الإدارية فتسري عليه القواعد الخاصة بالمناقصات التي يتم فيها اختيار المتعاقد وطرح المشروع للتعاقد وعلى الإدارة إتباع هذه القواعد فهي ليست حرة في اختيار المتعاقد معها(), وسنوضح ذلك فيما يأتي.

أولاً/ القواعد والإجراءات الخاصة في اختيار المتعاقد:

عندما تقوم الحكومة بطرح المشروع للتعاقد فأنه يجب عليها الالتزام بالقواعد والشروط الآتية:
1. إن يتم اختيار المتعاقد في إطار العلانية والمنافسة الحرة والشفافية , فقد نص قانون العقود العامة العراقي رقم 87 لسنة 2004على (تطرح التعهدات العامة الحكومية على أسس تنافسية وبأقصى حد ممكن وقبل طرح التعهدات العامة لغرض التنافس…إن تبين تحريريا ثمن التعهدات المقدمة كي تكون نزيه ومعقولة)().
2. مراعاة مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المتنافسين() .
3. ان تحدد وسائل الإشراف والمتابعة الفنية والمالية التي تكفل حسن سير المرفق العام ().

ثانياً/ إجراءات طرح المشروع للتعاقد:

تسري على عملية طرح المشروع للتعاقد القواعد الخاصة بالمناقصات والتي تتعدد أساليبها فقد تكون مناقصات عامة او محدودة وقد تكون بمرحلة واحدة او بمرحلتين او تكون عن طريق العطاء المباشر او العطاء الواحد(), على ان ذلك يتطلب:
1. تحديد وثائق المناقصة
2. الإعلان عن المناقصة
3. تقديم العطاء من قبل الشركات في المواعيد والإجراءات التي حددتها جهة الإدارة .
4. البت في العطاء ويكون وفق معايير التقييم التي أعلنت عنها جهة الإدارة من كراس الشروط ويدخل في تقيم العطاءات مدى قدرة مقدم العطاء على التمويل اللازم والمؤسسات المالية الداعمة له().
بيد انه أجيز للإدارة عندما يستلزم تنفيذ المشروع طابع السرية ان تتعاقد دون التزام المنافسة والعلانية لان المصلحة العامة تقتضي ذلك() ، كما انه يجوز لمقدم العطاء التحفظ على احد شروط العطاء المعلنة وقد تكون هذه التحفظات مالية كتلك المتعلقة بالأداء المالي أو تكون غير مالية كتلك المتعلقة بسريان العقد , ويشترط حتى يكون التحفظ صحيحا أن لا يؤثر على الشروط الجوهرية المعلنة().

ثالثاً/ التفاوض على ابرام العقد:

يمكن أن تلجأ الإدارة إلى أسلوب التفاوض لإبرام العقد مع المرشحين الذين قبلت عروضهم بعد التأكد من كفاءتهم وملائمة الضمانات التي يقدموها للإدارة(), ويمكن أن تجري المفاوضات بين الحكومة وشركة المشروع من جهة وبينها وجهات أخرى كالبنوك والموردين:
1. المفاوضات مع الحكومة
نظرا لأهمية المشروعات التي تبرم بموجب نظام البوت فأنة يستلزم على الحكومة ان تتفاوض مع المستثمر المرتقب للتوصل إلى أفضل الشروط لإنشاء المرفق وتشغيله للجمهور, وفي الوقت نفسه يقوم المستثمرون بالاستعانة بعدد من الخبراء والمحامين للمفاوضة مع الحكومة ومناقشة بنود العقد حول مختلف عناصر المشروع التي قد تؤدي إلى أبرام العقد وفقا للشروط والنتائج التي ينتهي إليها التفاوض() .
2 : المفاوضات مع أطراف أخرى
يتم هذا النوع من المفاوضات مثلا مع البنوك التي ستتولى تمويل المشروع والموردين وكذلك المقاولين , ويلجأ هولاء إلى التفاوض للحصول على ضمانات أو تعهدات لنقل بعض المخاطر التي تقع على عاتقهم, ويمكن ان تتعلق هذه المفاوضات ببندين هما المخاطر والتامينات العينية():
أ. المخاطر
ومن أاهم هذه المخاطر:
1. المخاطر السياسية وتعد من اكثر المخاطر التي ترتبط بمشروعات البنية الأساسية لذا تلجا البنوك الى الحصول على تعهدات من الحكومة المتعاقدة بالامتناع عن تأميم المشروع .
2. مخاطر التشييد ويلجا المقرضون إلى إبرام عقود طويلة المدى مع الموردين للمشروع وبأسعار ثابتة لتفادي هذه المخاطر.
3. مخاطر السوق وتقوم البنوك بالاطلاع على دراسة الجدوى للاطمئنان على حالة السوق المحلية والعالمية .
4. المخاطر المالية تتعلق بتذبذب سعر الصرف وسعر الفائدة في الأسعار ومعدل التضخم والرسوم الكمر كية .
5. التأمينات العينية:
تحاول البنوك الحصول من شركة المشروع على رهن لبعض الاصول المادية وذلك لضمان وفاء الشركة بمبلغ القرض إلا ان هذه الأصول لا تكفي في كل الأحوال لرد القرض وفوائده , لذا يعول على إيرادات المشروع .

المطلب الثاني/ آثار عقد البوت (B.O.T):

عقد البوت من العقود التي تتشابك فيها العلاقات القانونية فتترتب عليه اثار متبادلة بين طرفي العقد من حيث الحقوق والالتزامات في جانب كل منهم وكما يأتي:

الفرع الأول : حقوق والتزامات الدولة
تشكل الدولة الطرف الأساس في عقد البوت وعليها ان تقوم بكل ما هو ضروري لتنفيذ العقد وفي الوقت ذاته تتمتع بمجموعة من الحقوق تضمن من خلالها حسن سير المرفق العام وكفاءة ادائه للخدمة :

اولاً : حقوق الدولة
تتمتع الدولة بمجموعة من الحقوق التي تمكنها من احكام رقابتها على تنفيذ العقد و تعديل بنوده لضمان سير المرفق العام وكما يأتي :
1. حق الدولة في الرقابة على التنفيذ
ان الدولة رغم انها عهدت ادارة المرافق العامة موضوع مشروع الاستثمار للقطاع الخاص الا ان هذا لا يعني انها ستتخلى عن هذه المرافق بل يكون لها حق رقابة ومتابعة المتعاقد في تنفيذ العقد لكون هذه المرافق جزء من تشكيلاتها يتحتم عليها مراقبة نشاطها, ويبرر حق الدولة في الرقابة من ناحيتين , الاولى طول مدة الالتزام والثانية هي التزام المتعاقد في اعادة ملكية المرفق الى الدولة بحالة جيدة بعد انتهاء مدة الالتزام , على ان نطاق هذه الرقابة والياتها يختلف من عقد الى اخر حسب طبيعة المشروع موضوع العقد() , وغالبا ما تتولى هذه الرقابة هيئات خاصة في الدولة , ففي العراق تتولى الهيئة الوطنية للاستثمار التي تشكلت بموجب قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وضع الخطط والأنظمة والضوابط ومراقبة تنفيذ هذه الضوابط والتعليمات في مجال الاستثمار حيث نصت المادة 4 من القانون اعلاه على ( اولا : تشكل بموجب هذا القانون هيئة تسمى الهيئة العامة للاستثمار ….) وقد حدد القانون اختصاصاتها في الرقابة والإشراف(), وعلى ذات الصعيد نص مشروع قانون النفط والغاز العراقي على وجوب خضوع اتفاقيات الامتياز والتراخيص التي تمنح لاستغلال الثروة النفطية لرقابة واشراف مجلس الوزراء بالتنسيق مع الأقاليم والمحافظات المنتجة(),كما نص امر سلطة الائتلاف المنحلة في العراق رقم 65 لسنة 2004 الخاص بتشكيل الهيأة العامة للأتصالات على حق هذه الهيأه في مراقبة الخدمات التي تقدمها الشركات المرخص لها ,ولها التأكيد على حقها في الرقابة ضمن نصوص وشروط العقود المبرمة مع الشركات الملتزمة (), وبنفس الاتجاه نصت تعليمات تنفيذ العقود الحكومية في العراق رقم 1 لسنة 2008 على انه يجب على الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم مراعاة تضمين عقود الاشغال العامة احكاما تلزم تطبيق شروط المقاولات لاعمال الهندسة المدنية واعتبارها جزءا من العقد في كل مالم يرد به نص() , وبالرجوع الى هذه الشروط المحال عليها نجدها تنص على ان من واجبات ممثل المهندس المراقبة والاشراف على الأعمال().

على انه يلاحظ ان سلطة الادارة في الرقابة والتوجيه ليست مطلقة وانما تتقيد بأن يكون الباعث منها تحقيق المصلحة العامة وضمان سير المرفق العام وان لا تستخدم هذه السلطة لعرقلة عمل شركة المشروع بما يضر بها وبالمصلحة العامة().

2. حق التعديل
من الحقوق المعترف بها للإدارة في مواجهة المتعاقد حقها في تعديل الالتزامات التعاقدية المنصوص عليها في العقد اما بالزيادة او الإنقاص , وهذه السلطة او الحق للدولة يجد ما يبرره في متطلبات سير المرفق العام ومسايرة ما يتطلبه من تطور وفق الظروف المستجدة ().
وسلطة الدولة في تعديل بنود العقد ليست مطلقة بل مقيدة بان يقتصر التعديل على الشروط المتعلقة بسير المرفق العام وان لا يتجاوز حدا يقلبه الى عقد جديد , ومقابل ذلك يجوز للشركة حق المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي سببها هذا التعديل او المطالبة بفسخ العقد(), وعلى هذا تتمتع الهيأة العامة للاتصالات في العراق بحق تعديل عقود الخدمة بما يضمن جودتها وذلك طبقا للشروط التي اعدتها والتي تخع لها كل شركة تريد التعاقد معها().

3. حق الدولة في إيقاع الجزاءات على المتعاقد
للدولة سلطة ايقاع الجزاءات على المتعاقد معها في مجالات عقد البوت عند اخلاله بتنقيذ التزاماته, وقد تكون هذه الجزاءات مالية او جزاءات ظاغطة الغاية منها حمل شركة المشروع على التنفيذ بأن تحل الادارة محل الشركة في التنفيذ او التنفيذ على حسابها وقد تصل هذه الجزاءات الى حق الدولة في فسخ العقد() , وتقوم سلطة فرض الجزاءات هذه على اساس ضمان تنفيذ الالتزامات الضرورية لسير المرفق العام وقد بين قانون الاستثمار العراقي النافذ ان للدولة او هيئة الاستثمار تنبية المستثمر كتابة عن ازالة المخالفة وفي حالة عدم القيام بازالة المخالفة تتقدم الهيئة بدعوى على المستثمر او من يمثله لبيان موقفة او اعطائه مهلة لتسوية الموضوع وعند تكرار المخالفة او عدم ازالتها فللهيئة سحب اجازة الاستثمار التي اصدرتها وإيقاف العمل في المشروع مع احتفاظ الدولة بحقها في حرمان المستثمر من الاعفاءات والامتيازات التي منحت له من تاريخ تحقق المخالفة فضلا عن حق الغير في المطالبة بالتعويض عن الضرر من جراء المخالفة () , وبهذا الصدد نجد ان عقود التزام خدمات الهاتف النقال في العراق تضمنت نصوص تسمح للهيأة العامة للاتصالات سلطة انهاء عقود الشركات المتعاقدة وسحب الالتزام منها عند عجزها عن تنفيذ التزاماتها الناشئة عن العقد().

ثانيا : التزامات الدولة
يرتب عقد البوت مجموعة من الالتزامات على عاتق الدولة او الشخص العام من اهمها :
1. سن التشريعات لتنشيط الاستثمار الاجنبي
ان المشاريع المقامة وفق نظام البوت في الغالب تقوم على رأسمال مصدره القطاع الخاص لتمويل هذه المشروعات الضخمة , فهذه المشروعات تتطلب أموال كبيرة لتمويلها لذا لجاءت الدول خاصة النامية منها الى إصدار التشريعات الخاصة بالاستثمار لتشجيعه ودعم التنمية الاقتصادية() ومنها العراق بعد إصداره قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 بغيه تشجيع الاستثمار في العراق وتوسيعه وتطويره على مختلف الأصعدة الاقتصادية وقد منح هذا القانون امتيازات وإعفاءات للمستثمر لتحقيق هذا الغرض.
2. تنفيذ العقد بحسن نيه ضمن المهل المحددة
مبدا حسن النية من المبادى العامة التي تقرها التشريعات المختلفة , ويعد من المبادئ الأساسية في القانون المدني(),حيث يقع على عاتق الدولة الالتزام بتنفيذ بنود العقد المتعلقة بها واحترام جميع الشروط المذكورة في العقد, ولا يقتصر التنفيذ على هذه الشروط فقط بل يشمل ايضا ما يعد من مستلزماته وفقا للقانون والعرف وبحسب طبيعة الالتزام().
3. تسهيل الاجراءات الادارية لعقد البوت .
من اجل تشجيع الاستثمار وتطويره وتوسيع قاعدته فان الادارة تلتزم بتقديم الدعم والتسهيلات للاستثمار ومن اشكال الدعم الذي يمكن ان تقدمه الادارة():
1. تسهيل إجراءات التسجيل والإجازة للمشروعات الاستثمارية واستكمال إجراءات إجابة طلبات المستثمرين واستحصال الموافقات اللازمة للمستثمر او الشركة .
2. تقديم المشورة وتوفير المعلومات والبيانات للمستثمرين وإصدار النشرات الخاصة بذلك .
3. تسهل تخصيص الأراضي اللازمة لإقامة المشاريع .
4. العمل على اقامة مناطق استثمارية امنه.
5. تسليم موقع المشروع حيث يقع على عاتق الدولة مانحة الامتياز تسليم الموقع الذي سيقام عليه المشروع ونقل حيازته الى شركة المشروع وتبقى ملكية الموقع للدولة لانه كما بينا سابقا ان الشركة المشروع سوف تقوم بتحويل المشروع الى الدولة بعد انتهاء مدة العقد .()

الفرع الثاني/ حقوق والتزامات شركة المشروع:

يرتب عقد البوت حقوقا لشركة المشروع كما يرتب بذمتها بعض الالتزامات وستناول هذه الحقوق والالتزامات على التوالي :

اولا : حقوق وامتيازات شركة المشروع

تتمثل حقوق شركة المشروع في عقود البوت بالحصول على الامتيازات وضمان بقاء التوازن المالي قائما خلال مدة العقد :
1. الضمانات والامتيازات التي تمنح لشركة المشروع
تتمتع شركة المشروع بمجموعة من الامتيازات التي تمكنها من اقامة المرفق العام موضوع العقد وتسليمه, من هذه الامتيازات:
1. حق طلب الاستملاك : قد يحتاج اقامة المرفق العام الى استملاك مجموعة من العقارات التي تعود ملكيها الى الافراد او على الاقل الاستيلاء عليها مؤقتا او الحصول على حق ارتفاق مقرر على ارض الغير لذا لابد ان تعطى الشركة الحق في طلب استملاك العقارات اللازمة لإقامة المشروع وتشغليه() .
2. حرية الاستيراد :تحرص كثير من الدول على حماية الإنتاج الوطني وذلك بفرض قيودا على استيراد السلع والتجهيزات الا ان عقد البوت يتطلب رفع هذه القيود لاستيراد السلع والتجهيزات اللازمة للمشروع وتشغليه ().
3. حق الشركة في عدم تعرض المشروع للمصادرة والتأميم
من الحقوق والامتيازات التي تمنح الى شركة المشروع الحق في عدم مصادرة المشروع وتأميمه وذلك لتشجيع المستثمرين وطمأنتهم بعدم تعرض مشاريعهم للتأميم وعلى هذا نص قانون الاستثمار العراقي النافذ في المادة (12) على
(عدم المصادرة او تأميم المشروع الاستثماري المشمول بهذا القانون كلا او جزءا باستثناء ما يصدر بحقه حكم قضائي بات).
4. حق تملك العقارات دون التقيد بتملك الأجانب
تعطي بعض الدول للأجانب حق التملك العقارات دون التقيد بتملك الأجانب وذلك لتشجيع الاستثمار وللإسهام بعملية التمنية وتطوير وتوسيع قاعدته ().
5. حق الاقامة في الدولة مانحة الامتياز : تلجا الدول الى منح المستثمرين الأجانب حق الإقامة في الدولة التي يقيم بها المشروع وتسهيل مهمة دخولهم وخروجهم دون قيود ومنها العراق فقد نص قانون الاستثمار النافذ في المادة (12) الفقرة الثانية على (منح المستثمر الأجنبي والعاملين في المشاريع الاستثمارية من غير العراقيين حق الإقامة في العراق ويسهل دخوله وخروجه من والى العراق).
6. الإعفاء: من الضرائب والرسوم: قد تلجا الدولة في سبيل تشجيع الشركات الخاصة الأجنبية على الاستثمار داخل الدولة إلى إعفاء نشاط هذه الشركات المتعلق بإقامة وتشغيل المرفق العام من الضرائب() على هذا اعفى قانون الاستثمار العراقي المستثمرين من الضرائب والرسوم لمدة 10 سنوات من تاريخ تشغيل المشروع () .
خ .اقتضاء الرسوم من المنتفعين من المرفق: تتحمل شركة المشروع في عقود البوت تكاليف انشاء المشروع وتشغيله ولتغطية هذه التكاليف والحصول على قدر من الربح يحق لشركة المشروع ان تحصل على الرسم مقابل الخدمات التي تقدمها إلى المنتفعين بوصفه المقابل النقدي في هذه العقود() , وهذا الحق مكفول للهيأة العامة للاتصالات في العراق بموجب عقود التزام خدمة الهاتف النقال(), على ان هذا الرسم يعد من الشروط التعاقدية التي تخضع للاتفاق بين شركة المشروع والدولة وبالتالي يحق للدولة التدخل في حاله ما اذا كان سعر الخدمة لا يتناسب مع مقدرة المنتفعين ().
2. ضمان التوازن المالي للعقد : تهدف شركة المشروع عند أقامتها وإدارتها للمشروع موضوع عقد البوت إلى تحقيق الربح وهذه غاية لا تتحقق إلا باستمرار التوازن المالي بين المتعاقدين بحيث تكون اقتصاديات العقد متوازنة تغطي فيه الإيرادات الأعباء المترتبة مع الإرباح التي تسعى الشركة الى تحقيقها , فبما ان عقد البوت من العقود طويلة المدة قد يحدث أثناء سريانه خللا بالتوازن المالي يرجع أما لعمل يصدر من الدولة كإصدارها قوانين تزيد من أعباء شركة المشروع أو نتيجة لظروف خارجة عن إرادة الطرفين يكون بموجبها للمتعاقد حق المطالبة بإعادة التوازن المالي والتعويض(), وهذا الحق يبدو جليا من تطبيقات النظريات الآتية:
3. نظرية عمل الأمير: يمكن حصر مفهوم عمل الأمير بأنة عمل يصدر من سلطة عامة – دون خطأ من جانبها – من شانه التأثير على التزامات المتعاقد مع الإدارة وينتج عنه التزام الإدارة بتعويض المتعاقد عن الأضرار التي تلحقه بما يعيد التوازن المالي للعقد وذلك بتعويضه تعويضا كاملا يشمل ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب(), كأن تقوم الدولة بتعديل الأسعار المحددة في العقد بإرادتها المنفردة أو إصدار قوانين أو لوائح تؤدي بطبيعتها إلى زيادة أعباء المتعاقد().
4. نظرية الظروف الطارئة: قد تحدث ظروف وحوادث غير متوقعة عند إبرام العقد تؤدي الى ان يصبح الالتزام مرهقا للمتعاقد مع الإدارة او بمعنى آخر إن هذه الظروف تؤدي الى قلب اقتصاديات العقد وخسارة المتعاقد مما يعطيه حق مطالبة الإدارة بالتعويض عن هذه الخسارة().

ثانياً: التزامات شركة المشروع

يرتب عقد البوت على عاتق شركة المشروع مجموعة من الالتزامات, نعرض أهمها:
1. الالتزام بالتنفيذ الشخصي للعقود : يتم بموجب عقد البوت اختيار شركة المشروع على أساس اعتبارات شخصية وبالتالي لا يجوز للملتزم النزول عن التزامه للغير وإلا كان لمانح الالتزام إنهاء العقد().
2. الالتزام بتنفيذ العقد ضمن المهل المحددة: نظرا لأهمية عقود البوت وارتباطها بالمصلحة العامة تذهب اغلب التشريعات إلى إلزام شركة المشروع بالتقيد بالمدد الزمنية لتنفيذ العقد , ذلك ان عدم مراعاة تلك المدد يؤدي إلى الإخلال بحسن سير المرافق العامة والإضرار بالصالح العام () ,وقد نص قانون الاستثمار العراقي على (الالتزام بتطابق جدول تقدم العمل الذي يقدمه المستثمر مع الواقع على ان لا يكون التفاوت الزمني أكثر من ستة أشهر)().
3. الالتزام بإدارة المرفق العام: يعتبر هذا الالتزام التزاما ضروريا وجوهريا لان الهدف من إقامة المشروع هو تشغليه وتقديم الخدمة العامة للجمهور وإدارته وفق ما يحقق هذا الهدف ().
4. الالتزام بالقيام بالإنشاءات اللازمة للمشروع وتسيير المرفق:هذا الالتزام ظاهر من تركيبة اسم العقد وهو التزام أصيل على عاتق الملتزم .
5. التزام شركة المشروع بتسليم ونقل ملكية المشروع للجهة مانحة الامتياز : بعد انتهاء المدة المحددة في العقد وحتى تتحرر شركة المشروع من التزاماتها العقدية فأنها تلتزم بتسليم ونقل ملكية المشروع الى الجهة مانحة الامتياز وفقا لبنود العقد والشروط الواردة فيه().
6. الالتزام بتدريب الأيدي العاملة :اتجهت اغلب التشريعات الى فرض التزام على عاتق المستثمر بتدريب الأيدي العاملة الوطنية وتأهيلها وزيادة كفاءتها ورفع مهاراتهما وقدراتها وهو ما الزم به قانون الاستثمار العراقي المستثمرين().

المبحث الثالث تسوية المنازعات الناشئة عن عقد البوت (B.O.T)

بما ان عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية هي عقود إدارية فأن المنازعات الناشئة بصددها من اختصاص القضاء الإداري(), بيد أن ارتباط هذه العقود بسياسة الاقتصاد الحر وتشجيع الاستثمار قد تدفع المتعاقدين إلى الاتفاق على تسوية المنازعات الناشئة عنها بالطرق السلمية دون اللجوء إلى القضاء لما يحتاجه من وقت طويل وإجراءات متعددة قد تؤثر سلبا على مراحل تنفيذ المشروع كما أن اللجوء إلى هذه الطرق يحافظ على العلاقات الودية التي قد تعكرها إجراءات التقاضي, على أن المتعاقدين قد يلجأن الى وسائل سلمية لتسوية النزاع وقد يلجأن إلى التحكيم، وسائل بديلة عن اللجوء إلى المحاكم المختصة, وسنعرض هذه الوسائل في ما يأتي.

المطلب الأول/ الوسائل السلمية لفض المنازعات الناشئة عن عقد البوت:

تتنوع الوسائل السلمية في فض المنازعات الناشئة عن عقد البوت فقد يلجأ المتعاقدين إلى الخبرة أو المفاوضة أو التوفيق أو الوساطة أو الصلح أو المحاكمات المصغرة, وسوف نعرض هذه الوسائل بشكل موجز:

أولاً/ الخبرة:
يبرز دور الخبرة في تسوية المنازعات الناشئة عن عقد البوت عندما يكون موضوع الخلاف ذا طابع فني فيستعين المتعاقدان بخبير متخصص في موضوع النزاع لإبداء رائيه في المسائل الفنية المتنازع عليها كما لو تعلق النزاع بمواصفات البناء او الخدمات المقدمة , على أن الخبير لا يؤدي دور القاضي فهو لا يقوم بالفصل في النزاع بل يقتصر دوره فقط على إبداء الرأي فان اقتنع به الأطراف جرى الاتفاق على هذا الحل(), وعلى هذا ورد في مشروع قانون النفط والغاز لعراقي انه إذا تعلق النزاع بمسألة فنية او هندسية أو حسابية أو تشغيلية فأنه يجوز للأطراف رفع النزاع إلى خبير فني مختص ومستقل من اجل التوصية بشأن حل ذلك النزاع().

ثانيا:التفاوض
يسعى كل من طرفي العقد عند حدوث أي خلاف إلى محاولة حله عن طريق التفاوض قبل اللجوء إلى أي إجراء آخر مع اخذ بالاعتبار ما يتضمنه العقد من أحكام في هذا الخصوص, ويهدف الإطراف من التفاوض إلى إعادة العلاقات كما كانت عند التعاقد(), ويوفر هذا الطريق للمتعاقدين قدرا كبيرا من السرية والحفاظ على العلاقات الودية بينهما ويمكن اللجوء إليه حتى لو لم ينص عليه العقد ().

ثالثا: التوفيق
هو الطريق الذي يلجا اليه أطراف العقد للوصول الى حل توفيقي لفض النزاع الناشئ بينهما ويتم ذلك باختيار طرف ثالث كموفق محايد يتولى وضع الحلول والبدائل المختلفة للمنازعات والخلافات التي تنشأ بين المتعاقدين, ويقتصر دور هذا الشخص على تقريب وجهات النظر دون ان يلتزم بتقديم اقتراح محدد(), وتحبذ العديد من الدول اللجوء الى هذه الوسيلة لحسم النزاعات التي تحصل في المشاريع التي تمنحها للاستثمار فقد لجأت اليه هونج كونج, والصين, وبعض الدول الأفريقية, و بنجلادش, وبريطانيا, وبعض دول أمريكا الجنوبية (), على هذا نجد أن تعليمات تنفيذ العقود الحكومية في العراق رقم 1 لسنة2008 تنص على انه (تفض المنازعات بعد توقيع العقود العامة بمختلف أنواعها باستخدام احد الأساليب الآتية :أ- التوفيق: ويكون من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين طرفي النزاع المتمثلين بجهة التعاقد والمتعاقدين معها من مقاولين او مجهزين او استشاريين لدراسة الموضوع والاتفاق على المعالجات حسب أحكام القوانين والتعليمات النافذة في شأن موضوع النزاع)().

رابعاً: الوساطة
تعني الوساطة اتجاه الطرفان المتنازعان الى طرف ثالث لمساعدتهم على حل الخلاف بينهم والوصول إلى اتفاق , مما يجنبهم الكثير من النفقات وضياع الوقت في ما لو لجئا الى القضاء, وتعد الوساطة من الوسائل السلمية لتسوية المنازعات وتمتاز بأنها الطريق الذي يحفظ العلاقات الودية بين الإطراف, ويجري الاتفاق على اللجوء الى الوساطة بين طرفي العقد عند التعاقد او عند نشوء النزاع ويحدد الاتفاق مدة محددة يقتضي على الوسيط انجاز مهمة خلالها حيث يقوم بمقابلة كل طرف على حدة للاستماع الى وجهة نظره ومطالبه, ويتولى توضيح الرؤية لإطراف النزاع والنتائج التي يمكن ان تترتب في حال عدم الوصل الى حل للنزاع القائم بينهما().

خامساً: الصلح
الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة(), فيلجأ المتعاقدان الى حسم نزاعهم بالصلح بدلا من عرضه إلى القضاء أو التحكيم ويخضع الصلح لاتفاق المتعاقدين ذلك أن حسم النزاع سيكون بالتراضي ودون تدخل من احد() .

سادساً: المحاكمات المصغرة
بموجب هذه الطريقة يقوم إطراف النزاع باختيار ممثل لكل منهما ويكونا من كبار الموظفين في مستويات الإدارة العليا ممن لهم دراية كبيرة بتفاصيل النزاع وعلى علم تام بكل ظروفه, ويتولى هذان العضوان اختيار رئيس لهما وان لم يتفقا على شخص تقوم جهة محايدة كغرف التجارة أو مراكز التحكيم باختيار رئيس لهذه اللجنة, وتقوم اللجنة بإعداد مشروع للتسوية وتقديمه للمتعاقدين فإذا لم تتوصل اللجنة إلى مشروع مقبول يقوم رئيس اللجنة وحده بإعداد مشروع وتقديمه للإطراف().

المطلب الثاني/ التحكيم في المنازعات الناشئة عن عقد البوت:

قد يلجأ المتعاقدان إلى التحكيم في فض منازعاتهم فيلتزمان حينئذ بقبول حكم المحكمين ,وستناول في هذا المطلب مفهوم التحكيم وأنواعه وطبيعته القانونية ومدى مشروعيته:

الفرع الأول :مفهوم التحكيم

عرف التحكيم بعدة تعريفات فقد عرف بأنة عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف نزاع معين على عرض نزاعهم على محكم أو أكثر لكي يفصلوا فيه على ضوء قواعد القانون والمبادئ العامة التي تحكم إجراءات التقاضي, أو على ضوء قواعد العدالة , ووفقا لما ينص علية الاتفاق مع تعهد أطراف النزاع بقبول الحكم الذي يصدر عن المحكمين والذي يحوز حجية الامر المقضي () , وعرفه البعض بأنه اتفاق على طرح النزاع على شخص معين او اشخاص معينين , ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة (). كما عرفه قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بأنه (اتفاق بين الطرفين على ان يحيلا الى التحكيم, جميع او بعض المنازعات المحددة التي نشات او قد تنشا بينهما بشان علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت او غير تعاقدية , ويجوز ان يكون اتفاق التحكيم في صوره شرط تحكيم وارد في عقد او في صوره اتفاق منفصل()), وقد عرف التحكيم في عقود البوت بأنه اتفاق طرفي العقد وهما الدولة وشركة المشروع ( الملتزم) على إحالة كل أو بعض المنازعات التي يحتمل أن تنشأ بينهما بسبب تنفيذ اتفاقية المشروع اوعقد الالتزام الى مراكز التحكيم المتخصصة اواشخاص عاديين يتفقا على اختيارهم أثناء إبرام العقد او عند قيام المنازعة لإصدار قرار ملزم في شأن المنازعة المطروحة بين طرفي العقد().

وتجدر الإشارة إلى أن قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1968 قد أشار إلى انه يجوز الاتفاق على التحكيم اثناء المرافعة ويمكن ان نستشف من ذلك ان التحكيم فيه قد يكون في صورة شرط يدرج في العقد وقد يكون في صورة اتفاق مستقل يتوصل اليه المتعاقدان عند التعاقد او عند حصول النزاع لكن لا يثبت هذا الاتفاق إلا بالكتابة().

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للتحكيم

تعددت النظريات التي بحثت الطبيعة القانونية للتحكيم ومن أهمها():

أولاً: النظرية التعاقدية: ذهب أنصار هذه النظرية الى ان التحكيم ذو طبيعة تعاقدية وليست قضائية ذلك أن أعضاء هيئة التحكيم ليسوا من القضاة وإنما هم أفراد عاديين, بالإضافة إلى أن الأحكام الصادرة منهم ليست قضائية وإنما تستمد قوتها من إرادة أطراف النزاع.
ثانيا : النظرية القضائية : ذهب أنصار هذه النظرية إلى عكس ما جاء به أنصار النظرية السابقة فذهبوا الى اعتبار التحكيم قضاء ملزم للخصوم وان حكم المحكمين هو عمل قضائي شانه شان الحكم القضائي .
ثالثاً: الطبيعة المختلطة للتحكيم: يرى البعض أن التحكيم ذو طبيعة مختلطة فهو ذو طبيعة تعاقدية بالنظر إلى الاتفاق بين أطراف النزاع و يكون ذو طبيعة قضائية بالنظر إلى أن الحكم الصادر عن المحكمين لا يكتسب القوة التنفيذية إلا بعد عرضة على المحكمة المختصة.

الفرع الثالث: مشروعية التحكيم في فض المنازعات:

ثار الخلاف حول جواز التحكيم في فض المنازعات واختلفت في ذلك مواقف التشريعات والقضاء والاتفاقات الدولية , وكما يأتي:

أولاً: موقف التشريع
حظر التشريع الفرنسي التحكيم في العقود التي تكون الدولة او الأشخاص العامة طرفا فيها وذلك بموجب المادة (2060) من التقنين المدني الفرنسي بعد تعديلها بقانون 5 يوليو (اب) 1972 , والتي تنص على عدم جواز اللجوء الى التحكيم في المنازعات الخاصة بالجماعات العامة (الدولة والمؤسسات العامة), غير ان هذا الموقف التشريعي تطور لاحقا عندما قرر القانون 596 لسنة 1975 إضافة فقرة جديدة للمادة 2060 من التقنين المدني لتنص على (ومع ذلك فانة يمكن ان يصرح للمؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري – بموجب مرسوم – بان تلجا الى التحكيم)().

أما في التشريع العراقي فقد تولى قانون المرافعات المدنية في المواد من 251 إلى 276 تنظيم التحكيم واللجوء اليه في فض المنازعات حيث أجاز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين , كما أجاز الاتفاق عليه في جميع المنازعات التي تنشا من تنفيذ عقد معين , ,حيث نصت المادة 251 من هذا القانون على انه (يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين , كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشا من تنفيذ عقد معين)(), ويتبين من خلال النص أن الإجازة كانت مطلقة والمطلق يجري على أطلاقة فأنة يحوز اللجوء الى التحكيم في منازعات جميع العقود ,حتى جاء قانون الاستثمار النافذ ليؤيد هذا التوجه لكنه فرق بين المسائل المدنية والتجارية في اللجوء الى التحكيم فنص على (المنازعات الناشئة بين الهيئة او أي جهة حكومية وبين أي من الخاضعين لإحكام هذا القانون في غير المسائل المتعلقة بمخالفة احد أحكام هذا القانون, تخضع للقانون والمحاكم العراقية في المسائل المدنية …..أما في المنازعات التجارية فيجوز للأطراف اللجوء الى التحكيم على ان ينص على ذلك في العقد المنظم للعلاقة بين الأطراف ) (), على هذا يكون قانون الاستثمار قد اجاز التحكيم في المسائل التجارية ومنعه في المسائل المدنية, وبموجب الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية الصادرة عن وزارة التخطيط سنة 1988 فأنه يمكن اللجوء الى التحكيم لحسم المنازعات الناشئة عن تفسير او تنفيذ المقاولة التي تكون الدولة طرفا فيها بوصفها رب عمل ويكون المقاول طرفا ثانيا عراقيا كان أم أجنبيا وتتألف هيئة التحكيم من محكم يختاره رب العمل وآخر يختاره المقاول ويختار الاثنان رئيسا لهما وعند عدم اتفاقهم على الرئيس خلال (14يوم) يكون لكل منهما حق مراجعة المحكمة المختصة لتعيين رئيس لهيئة التحكيم وفق نصوص قانون المرافعات(), كما اجازت تعليمات تنقيذ العقود الحكومية رقم 1 لسنة 2008 لطرفي النزاع اللجوء الى التحكيم بنصها على أن فض المنازعات في العقود العامة يحسم باحد الأساليب الاتية : ب- التحكيم الذي يكون عن طريق هيئة من عضوين يختارهما أطراف النزاع وهم بدورهما يختاران رئيسا لهما وعند عدم الاتفاق تتولى محكمة الموضوع تعيين رئيس لهيئة التحكيم(), كما أجازت هذه التعليمات لجهة العقد اختيار التحكيم الدولي شرط ان ينص على ذلك العقد وان يكون احد أطراف النزاع أجنبيا().

ثانياً: القضاء

اتجهت أحكام القضاء العادي الفرنسي الى حظر التحكيم في العقود الإدارية الداخلية , الا انه بعد ذلك تطور القضاء العادي واقر دون نص مبدأ جواز التحكيم في العقود الدولية التي يكون الدولة او احد أشخاص القانون العام طرفا فيها .()
أما القضاء العراقي فقد عارض توجهات المشرع بعد ان اعتبر ان التحكيم شأنه شان القضاء الأجنبي يمس سيادة الدولة, وبالتالي لا يجوز اللجوء الى التحكيم في المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها , واستمر هذا الموقف الى ان قامت محكمة التميز بتأييد توجه المشرع في اقرار حق اللجوء الى التحكيم لفض المنازعات الناشئة في العقود التي تكون الدولة طرفا فيها, حيث انها نظرت في العديد من الدعاوي المتعلقة بصحة التحكيم من عدمه بين الأشخاص العامة من ناحية وأشخاص القانون الخاص من ناحية أخرى ولم تقض بإبطال الاتفاق على التحكيم ().

ثالثاً: الاتفاقيات الدولية

تلعب الاتفاقيات الدولية دورا هاما في منح أشخاص القانون العام الحق في اللجوء للتحكيم وذلك لفض المنازعات التي تنشا في مجال التجارة الدولية ومن ابرز الاتفاقيات الدولية اتفاقيات نيوريوك 1955 واتفاقية جنيف 1961 , حيث نصت اتفاقية نيوريوك في المادة الأولى على ان هذه الاتفاقية تطبق على الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة من اقليم دولة غير التي يطلب فيها الاعتراف, وتنفيذ الأحكام الناتجة عن الخلافات بين الأشخاص الطبيعية او المعنوية ,وتطبق كذلك على أحكام التحكيم التي تعتبر من الأحكام الوطنية في الدولة المطلوب فيها الاعتراف وتنفيذ الأحكام ().
وقد تأكد هذا التوجه في قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بعد ان نص على ان قرار التحكيم في المسائل التجارية الدولية ملزما بصرف النظر عن البلد الذي صدر منه (), وعلى الطرف الذي يستند إلى قرار التحكيم ان يقدم القرار الأصلي الموثق حسب الأصول او صوره منه مصدقة حسب الأصول ().

الخاتمة:

في نهاية البحث يجب الأخذ بنظر الاعتبار ما يأتي :
1. نظام البوت نظام استثماري ذو فوائد عملية كبيرة ويحقق امتيازات كثيرة جدا لطرفي هذا النظام ويمكن توظيف مزاياه لتحقيق طفرات كبيرة في النمو الاقتصادي لا سيما في الدول النامية .
2. ان عقود البوت ماهي الاعقود التزام مرافق عامة بشكل يقطع الشك بيقين اداريتها ولكنها بتسمية جديدة حديثة افرزها الواقع وبأحكام متطور تحتاج الى معالجة.
3. ان ما يتضمنه عقد البوت من مخاطر يمكن الحد منها من خلال ايجاد التشريعات القانونية اللازمة للحد من هذه المخاطر .
4. ان النظام القانوني العراقي يؤكد مشروعية التعامل بعقود البوت في ضوء ماجاء بقانون الاستثمار وقانون العقود الحكومية وتعليماته وما جاء بمشروع قانون النفط والغاز, وحسب مايجري عليه التعامل في عقود التزام خدمة الهاتف النقال’ على ان ذلك لايغطي كل الجوانب التشريعية لعقود البوت فهي بحاجة الى تشريع خاص ينظمها.
5. بغيه الاستفادة من عقود البوت في ظل النظام القانوني العراقي فلا بد من توفير :
1. المستلزمات المادية كالبيئة الاستثمارية الآمنة والأراضي اللازمة لمشاريع الاستثمار .
2. اصدار القوانين اللازمة للاستثمار فقانون الاستثمار الحالي لا يتناسب مع متطلبات الاستثمار ولا يعالج المخاطر التي يثيرها عقد البوت فلا بد من وجود تشريع يواكب النواحي القانونية المتطورة لعقد البوت, على ان يتولى التشريع:
3. معالجة جميع الجوانب القانونية لهذا العقد وعلى النحو الذي مر بنا على ان يؤكد هذا التشريع في حال صدوره على ادارية هذه العقود ويخضعها للقانون الإداري ولأختصاص القضاء الاداري وان يقوم بتنظيم الوسائل الاخرى التي قد يختارها طرفي العقد لحسم منازعاتهم سواء الوسائل السلمية ام التحكيم.
4. منح المستثمرين امتيازات تشجعهم على التعاقد على نحو ما مربنا.
5. تحديد الوسائل التي تحمي الاقتصاد العراقي الوطني وتنشله من كبوته وتحد من مخاطر عقود البوت.
6. النص على التزامات الادارة وشركة المشروع صراحة بشكل يقطع الطريق امام المنازعات.
7. ولحين صدور هذا التشريع نرى ان على المشرع العراقي التدخل لتعديل قانون الاستثمار النافد وسد النقص فيه فقد جاء قاصرا عن مواكبة اساليب الاستثمار الحديثة ولم يضع الوسائل الكفيلة للحد من مخاطر الاستثمار وحماية الاقتصاد الوطني.