دراسة وبحث قانوني متميز عن التعويض الاتفاقي

من إعداد الطلبة
– لحرش فريد – عبدالغاني النجار – عبدالصمد شنتوفي

مقدمة :

الحقوق المالية بصفة أساسية هي حقوق عينية وحقوق شخصية فالحق العيني سلطة يقررها القانون لشخص معين على شيء محدد بداتة. أما الحق الشخصي فهو رابطة أو علاقة بين شخصين تخول لأحدهما ان يقضي من الآخر أداء معينا .
والالتزام المتولد عن الحق الشخصي يتضمن عنصرين متميزي هم عنصر المسؤولية وعنصر المديونية
وإذا كان الأصل في الوفاء أن يكون بنفس ما التزم به المدين وهذا هو التنفيذ العيني على الدائن ان يطلب به فإن فعل فلا يجوز للمدين أن يمتنع عنه بل يجبر على القيام به غير أن هناك من الحالات ما يتعين فيها الالتجاء إلى التنفيد بمقابل مثال ذالك إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلا بخطأ المدين

التنفيذ بمقابل او التعويض على نوعين : تعويض عن عدم التنفيد وتعويض عن التأخير في التنفيذ

والأصل في التعويض أنه يتم بمعرفة القضاء غير أنه يمكن لأطراف العلاقة التعاقدية أن يتفقا مقدما على مقدار التعويض ويسمى النوع الأول بالتعويض القضائي والثاني بالتعويض الاتفاقي وهذا الأخير والذي هو موضوع دراستنا يمكن اعتباره إحدى الوسائل التي اوجدتها الإرادة بغية تعزيز وعود المدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية والتثبت من التنفيذ بصورة أكثر نجاعة من التهديد البسيط الناجم عن التعيين القضائي للتعويض بالإضافة إلى وجود تقنية خاصة لا يمكن أن يقوم بها القضاء ناهيك عن البطء وزيادة النفقات.
هكذا تم تعريف التعويض الاتفاقي بأنه اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم تنفيذ المدين الالتزامه الأصلي أو لمجرد التاخير في تنفيذه [1]

أطلق عليه الشرط الجزائي في القانون الروماني وقبل به الفقه الإسلامي والغربي كما أقرته مدونة نابليون في المادة 1152 دون إمكانية تعديله بالزيادة أو النقصان تعبيرا عن سيادة مبدأ سلطان الإرادة استمر الوضع إلى حدود سنة 1975 حيث أضيفت فقرة للفصل 1152 سمحت للقاضي في التدخل للتعديل التعويض المتفق عليه.

في المغرب لم يعرف قانون والتزامات العقود لسنة 1913 عند صدوره تنظيما للتعويض الاتفاقي غير ان القضاء وجد ضالته في الفصل 230 ق ل ع لإضفاء المشروعية على التعويض الاتفاقي عند عهد الحماية.
لكن رغم ماشهده المغرب من إصلاح تشريعية في السنوات الاخيرة من بينها بعض فصول قانون الالتزامات والعقود، ومن ضمن هذه الفصول الفصل 264 الذي شمله التعديل بموجب قانون 95. 27 الذي دخل حيز التنفيذ بمقتضى ظهير 11 غشت 1995 الذي كرس ما استقر عليه القضاء من مشروعية التعويض الاتفاقي مما كسب هذا الموضوع اهمية في النقاش كنوع من التلطيف من مبدأ سلطات الإدارة الذي كرسه الفصل 230.

فالتعويض الاتفاقي الذي ينشا بإرادت منشئي العقد كتعبير عن سلطات الإرادة والقوة الملزمة للعقد .

نجد أن إرادة المدين وإن جاءت متطابقة مع إرادة الدائن فلا يمكن الجزم أنها تضفي نوع من التوازن الاقتصادي عن الالتزامات المتبادلة
ومن تم فإلى أي حد استطاع المشرع تحقيق التوازن المنشود في تنظيمه للتعويض الاتفاقي ؟ هل حافظ على مبدأ سلطان الإرادة في تحديد التعويض الاتفاقي ؟
وما حدود تدخل السلطة القضائية في تعديل التعويض الاتفاقي ؟
دالك ما سنناقشة من خلال التصميم التالي
المبحث الاول: ماهية التعويض الاتفاقي
المبحث الثاني: تدخل القضاء لتعديل التعويض الاتفاقي

المبحث الاول: ماهية التعويض الاتفاقي

المطلب الأول: الرقابة القضائية على التعويض

أولا: الرقابة على مدى مشروعية التعويض
الأصل في التعويض الاتفاقي الإباحة وذالك استنادا إلى أساسه الاتفاقي والذي تعترف به جل التشريعات كنتيجة عادية لمبدأ حرية التعاقد وحرية تحديد مضمون وشروط العقد ولكن ورغم هذه الإباحة المؤكدة فإن هناك قيود تحيط بها كحدود النظام العام وحسن الأداب وكذا اعتماد التعويض الاتفاقي في بعض المجالات

بالنسبة للنظام العام
فالنصوص التشريعية قد تكون آمرة واجبة الا تباع وقد تكون مفسرة أو مكملة لإرادة المتعاقدين والقواعد الآمرة تتعلق بالنظام العام بحيث تقع مخالفتها باطلة بطلانا مطقا وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها [2].
فقد قضت استئنافية الرباط بتاريخ 24 نونبر 1925 أنه : ” يمكن إضافة شرط جزائي على الالتزام ما لم يكن مخالفا للنظام العام وتعتبر القواعد التي تنظم المسؤولية العقدية قواعد مكملة لإرادة المتعاقدين لا قواعد آمرة ومن تم يجوزان تكون محل تنظيم من قبل الأطراف لا من حيث شروطها ولا من حيث أثارها ويعتبر التعريض الاتفاقي احد صور هذا التنظيم وهو يشكل في مضمونه صورة من صور اتفاقات المسؤولية ويخضع بالتالي لأحكامها ذالك أنه مثلا في الحالات التي يكون فيها مبلغ التعويض الاتفاقي أقل من مقدار الضرر المتوقع فإنه يكون بمثابة شرط لتخفيف المسؤولية وعند ما يكون ذلك المبلغ تافها بالمقارنة مع الضرر فإنه يكون بمثابة شرط الإعفاء من المسؤولية فيكون تبعا لذلك باطلا في الحالات التالية في حالة التدليس والخطأ الجسيم فقد نص الفصل 232 ق ل ع انه ” لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطئه الجسيم وتدليسه ” وفي حالة تحريم الإعفاء او التخفيف من المسؤولية يصبح التعويض الاتفاقي باطلا إذا استعمل كوسيلة للتحايل على النصوص القانونية التي تحرم اتفاقات الاعفاء اوالتخفيف من المسؤولية العقدية في بعض المجالات مثال

أ‌- بالنسبة لعقد الشغل
يكون باطلا التعويض الاتفاقي الذي يحدد التعويض الواقع على المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في مبلغ تافه أو أقل من التعويضات التي يضمنها القانون للاجير ف754
بالنسبة لعقود نقل البضائع
تنص المادة 458 مدونة التجارة يسأل الناقل عن ضياع الأشياء مند تسلمه إياها إلى حين تسليمها للمرسل إليه لاأثر لكل شرط يرمي إلى إعفائه من هذه المسؤولية “

بالنسبة لمسؤولية الفندقي
الفصل 743 ق ل ع
أصحاب النزل والفنادق ومن يكرون الدور والغرف المفروشة وملاك الحمامات والمقاهي والمطاعم والملاهي العامة يسألون عن هلاك وتغيب وسرقة الأشياء والامتعة التي يأتي بها النزلاء ، يبطل كل شرط من شأنه ان يبعد أو يقيد مسؤولية الأشخاص السابقين على نحو ما هو مقر في القانون [3]
بالنسبة لمسؤولية المهندس المعماري ومقاول البناء
المهندس المعماري أو المهندس المقاول المكلفان مباشرة من رب العمل يتحملان المسؤولية إذا حدث خلال العشر سنوات التالية لإتمام البناء أو غيره من الاعمال التي اتخدها أو أشرف على تنفيذها أن أنصار البناء كليا أو جزئيا أو هدده خطر واضح بالانهيار بسبب نقص في المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في الأرض

المبحث الثاني: تدخل القضاء لتعديل التعويض الاتفاقي

المطلب الاول. أساس المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي

الفقرة الاولى . الاعتبارات الاقتصاديةو القانونية لتعديل التعويض الاتفاقي
يذهب بعض الفقه إلى أنه بغية تصفية الشرط الجزائي وإرضاء العدالة والضرورة الاقتصادية والتوفيق بين إرادة الافراد فإنه:” يجب الابقاء على الشرط الجزائي لأنه مفيد ولكن يجب أن تكون عليه رقابة لأن ذلك هو من طبيعة القواعد القانونية [4]
إن ما يستحق الاعتبار هو أن نلاحظ كم كانت المحاكم الفرنسية ونظيرتها المغربية تكن من احترام للتعويض الاتفاقي في كل مرة يكون عليها ان تحدد مفهومه أو تناقش منحه وبالمقابل كان الفقه ملهم في ضرورة إخضاع هذه الوسيلة القانونية للمراجعة القضائية لاختيارات اقتصادية وأخرى قانونية

أ-الاعتبارات الاقتصادية
إن العقود التي يجريها الأشخاص هي الشكل المعبر عن الدورة الاقتصادية وما التعويض الاتفاقي إلا أحد هذه الأشكال نتيجة للدور الذي يلعبه في تقوية إلزامية العقد وحرمة الالتزامات الناشئة عنه، والمساهمة في محاربة العراقيل التي قد تصادف المعاملات الاقتصادية فحاجيات المجتمع ضرورية التوزيع تقتضي إبرام العقود وضرورة الاستقرار في التعامل وما يولده التعاقد من تقة تقتضي أن يلتزم المتعاقد بعقده [5]

وإذا كانت الضرورات الاقتصادية تتطلب الاستقرار الضروري للاتفاقيات كأحد العوامل الأساسية لاستقرار الثقة في التقنيات التعاقدية فاستمرار نظام التعويض الاتفاقي في الاطلاع بوظيفته كوسيلة لضمان تنفيذ العقود لا يرتبط ارتباطا عضويا بمبدأ حجية المطلقة ذلك أن هذه الحجية من شأنها أن تضفي المشروعية على تصرفات غير مشروعة فتصبح خطأ قانونيا لاستخلاص أرباح لا علاقة لها بالمخاطر المحتملة والتي تفرز التعويض الاتفاقي أصلا لتغطيتها وهو ما من شأنه ان يؤدي إلى الاخلال بهذا الاستقرار وبالتالي إلى فقدان الثقة بالعقد [6] كتقنية لتنظيم الأنشطة الاقتصادية والمعاملات بصفة عامة . مما يعني تلك البلبلة في النظام الاقتصادي

وقد اظهرت التجارب العملية مدى تورع المؤسسات التجارية الكبرى تمكسا بحجية التعويض الاتفاقي تحقيق إقرار مراجعته القضائية في إخضاع الزبائن لارادتها ومن تم عجز القضاء عن حماية المستهلك من الشروط المجحفة
لهذا فإن مبدأ المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي يتلاءم أكثر مع المعطيات أو اقتصادية الحديثة التي تقضي بمحاربة الاستغلال ومحاربة الشروط التعسفية في حماية المستهلك وحفاظا على القواعد السليمة للمنافسة
ومن تم إن مبدأ مراجعة التعوبض يؤدي إلى دعم الثقة بالتعويض الاتفاقي كوسيلة لضمان التنفيذ بالنسبة للدائن وحماية من التعسف بالنسبة للمدين

ب_ الاعتبارات القانونية لتعديل التعويض
ينص الفصل 230 ق ل ع أن الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئتها ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا او في الحالات المنصوص عليها في القانون وهذا ما يعرف بمبدأ سلطان الإرادة
الحقيقة أن النظرية التقليدية للعقد هي التي تضعنا اليوم في مواجهة مشاكل اختلال توازن العقد حيث في ظل سيطرة مبدأ سلطان الإرادة كان الفقه يعتبر التدخل التشريعي لفرض شروط تعاقدية معينة او لتنظيم التعاقد بشكل معين نوع من أنواع تقييد حرية الإرادة وبالتالي فهو ظاهرة تشريعية استثنائية يجب عدم التوسع فيها .
وإذا كان التمسك الشديد بمبدأ سلطان الإرادة في ذلك الوقت له ما يبرره ذلك أن القدرة على التفاوض ومعرفة شروط العقد لا تتفاوت من شخص لآخر إلا بشكل نسبي فإن تطور الحياة قتصادية كرس واقعا جديدا يتمثل إما في السيطرة الاقتصادية لطرف على آخر وإما في فرض شروط لا تسمح للشخص حتى مناقشتها واختيارها بمحض إرادته كما هو الشأن بالنسبة للعقود النموذجية [7].

ومن تم فالتمسك بمبدأ سلطان الإرادة في القول بعدم إمكانية مراجعة التعويض الاتفاقي لم تعد له حجة ومند بداية القرن الحالي لأنها حجية أكثر ما كانت تعسفية وجائرة

لا احد يجادل في أن النصوص القانونية تتضمن عنصرين أساسيين مضمون النص ورورحه وأن تطبيق العدالة يقتضي إعمال مضمون النص متي كان صريحا أما تحقيق العدالة ، فيقتضي إعمال روح النص وبعبارة أكثر وضوحا أن القاضي عند تطبيقه مقتضيات الفصل 230 ق ل ع على التعويض الاتفاقي المبالغ فيه يكون قد طبق مضمون النص . أما عندما يعتبر أن الفصل 230 ق ل ع واجب التطبيق بشرط توافر نوع من المساوات والموازنة بين التزامات المتعاقدين بحيث يكون التعويض الاتفاقي واجب الاستحقاق إذا لم ينطوي محله على صفة المبالغة فيكون بذالك قد حقق العدالة لأنه يكون قد طبق روح النص والمتطلبات السامية للعدالة هي التي كانت وراء عزم المشرع المغربي على إقرار تدخل القضاء في التعويض الاتفاقي لتحقيق نوع من المساواة بين الالتزامات التعاقدية

وانتيجة أن الفصل 264 بعد تعديله وضع حد للحجبة المطلقة للتعويض الاتفاقي حيث أن تقدير التعويض أصبح موكول للمحكمة التي يمكنها تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه او الرفع من قيمته إذا كان زهيد ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي

ولاشك أنه بمقتضى هذه المادة أصبح بإمكان المحكمة التدخل في مجال العقد بشكل مباشر وبالتالي في قيمة الشرط الجزائي سواء بالتخفيض أو الرفع استنادا إلى معايير موضوعية تكشفها المحكمة لما لها من فطنة وسلطة تقديرية .

[1] – حميدو أكري ، الشرط الجزائي من خلال الاجتهاد القضائي المغربي والمقارن محلية الإشعاع العدد 10
[2] – حيث أنه تطبيقا لمبدأ المقرر في الفصل 230 ق ل ع الذي بمقتضاه الالتزام بالعقد المنشاة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئتها فإن الأطراف قد اتفقوا على شرط جزائي حدد بواسطته تشكل مسبق قدر التعويض المستحق للدائن نتيجة عدم تنفيذ العقد من قبل المدين 20 – 10 – 1996
[3] –
[4] -فؤاد معلال ، م س ، ص 230.
[5] – حميد وأعري ، م س ، ص 6
[6] – أحمد أدريوش
[7] حسن عبد الباسط جميعي، أثر عدم التكافئ بين المتعاقدين على شروط العقد ، دار النهضة العربية القاهرة 1991.