دراسة و بحث قانوني حول القضاء في الإسلام .

أولاً : مقدمة :

إن النظام القضائي في الإسلام يتمتع بالحصانة و الاستقلال ، كما يمتاز عن كل أنظمة القضاء في العالم بالنزاهة المطلقة والبساطة والبعد عن الهيمنة والاستعلاء وحرية المتقاضين في الدفاع عن حقوقهم دون خوف من سلطان أحد ، و ذلك لما كان يراعى في انتقاء رجالاته من غزارة العلم والورع والتقوى ، فالإسلام ينظر إلى القضاء بأنه تلو النبوة .
قال الله تعالى { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب الحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه }سورة البقرة 213
وقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : {فاحكم بينهم بما أنزل الله}سورة المائدة 48
و قد ورد في الأثر أن عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة

ثانياً: الحكمة من القضاء

القضاء بين الناس في منازعاتهم عمل جليل القدر والاعتبار ، وهو أمر لازم لقيام الأمم وحياتها حياة طيبة ونصرة المظلوم ، وقمع الظالم وقطع الخصومات ، وأداء الحقوق إلى مستحقيها وباختصار فإن القضاء يراد منه تحصيل مصالح ومنافع ، ودفع مفاسد ومضار للعموم تقوم الحاجة الملحة لاقتضاء ذلك ، ولذا نبه فقهاء الشريعة – رحمهم الله – إلى المقصد الجليل والهدف النبيل من هذه الوظيفة العظيمة السامية ، وأنه مرتكز على إيصال الحقوق ودفع المظالم وقطع التنازع تحقيقاً لإقامة العدل والمعروف ، ومنابذة الظلم والمنكر.

المبحث الأول : الأسس التي قامت عليها مؤسسة القضاء الإسلامية الأولى ( في عهد النبي صلى الله عليه وسلم )

أولاً : القضاء في عهد النبوة واللبنات الأولى في مؤسسة القضاء في الدولة الإسلامية الناشئة :

أسس النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصول القضاء في شريعته الخاتمة للناس، وتولى صلوات الله وسلامه عليه هذا العمل الجليل بنفسه فكان هو المرجع في فصل الخصومات وقطع المنازعات ، وقد جاءت نصوص الشريعة موضحة لركائز الحكم وضوابطه ، وأبان المصطفى صلى الله عليه وسلم واقعها التطبيقي في أقضية متعددة .

وأبرز الأسس التي تستوحي من سيرته صلى الله عليه وسلم في القضاء ما يلي :

  • أولا: الأصل في الحكم والمرجع في القضاء لحكم الشريعة الإسلامية العادلة بمدلول قوله عز وجل : (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) المائدة 5/42 . وقوله سبحانه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) المائدة 5/49 .
  • ثانياً: الحكم بين الناس مبناه على إقامة العدل والقسط من غير ميلٍ أو حيف أو هوى . قال جل وعلا: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء 4/58 . ويقول عز شانه : (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) سورة ص 38/26.
  • ثالثاً: التحاكم بين الناس واجب إلى شرع الله وحكمه دون غيره من أحكام الطواغيت ، يقول تعالى : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً) النساء 5/60-63 0 ويقول سبحانه : (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور 24/47/51 . ويقول عز شأنه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة 5/49-50 .
  • رابعاً: التسليم لحكم الله والرضى به والانقياد له أمرحتمي لازم لمن آمن ، والنكوص عن ذلك بأية صورة منافٍ لمقتضى الإيمان وحقيقته ، يقول الرب تعالى وتقدس : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء 4/65 .
  • خامساً: الحكم والقضاء في سائر الخصومات والمنازعات يقع من الحاكم على ظواهر الحال ودلائل المتخاصمين ، والحكم بموجب ذلك لا يحل الباطل لمن حكم له إذا كان الأمر في ذاته وحقيقته بخلاف ما ظهر وما حكم به ، دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : “إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار” رواه البخاري ومسلم .
  • سادساً: المتولي لعمل القضاء ينظر إلى سلامته من توابع حكمه وقضائه برقابة ذاتية لكونه قد أنيط به إقامة الحق والقسط في الحكومة بحكم الشريعة ، ولذا لزمه الاجتهاد والتحري فيما وكل إليه ليحصل له أجر اجتهاده وإصابته وليسلم من تبعة المؤاخذة في التقصير في الآخرة ، روى بريدة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار” رواه أبو داود .
  • سابعاً: القاضي في اختصام الناس وشقاقهم يلي أمراً مهماً عظيماً يوجب عليه عناية خاصة فيما يعالج فيتعين خلوه من الشواغل والمؤثرات بحيث يضمن سلامة الحكم وصحته في أعيان الوقائع وفي مثل هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان” رواه البخاري ومسلم .
    ومقيس على الغضب ما هو من جنسه من الشواغل المؤثرة ونتيجة لما سلف من أسس قضائية فريدة أسسها وأرسى دعائمها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتربى عليها وآمن بها أصحابه – رضوان الله عليهم – كان في الواقع عدل وإنصاف فريد متميّز ، وحظي الناس بحكم مقسط أظهر الحقوق ورد المظالم وقطع شقائق الخلاف والنزاع .

ثانياً : الرسول (صلى الله عليه وسلم) القاضي الأول في الإسلام

إن الله سبحانه وتعالى ، كما أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبشراً ونذيراً ، فهو الذي ولاه القضاء بين الأمة وجعله القاضي الأول بين المسلمين ، فقال الله تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أنزل الله ولا تكن للخائنين خصيماً }النساء 4/105 وقال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً }النساء 4/65 وقال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وأحسن تأويلاً }النساء 4/59 من هذه الآيات الكريمة ، يتبين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما كان مأموراً بالدعوة إلى الدين ، كان مأموراً بالحكم والقضاء بين الناس فيما بينهم من خصومات ومنازعات ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان القاضي الأول والأعلى بين المسلمين ، وذلك بتنصيب من الله تعالى لرسوله الكريم ، كما أصبح حكمه ملزماً للناس كافة ، سواء أكان بوحي من الله ، أو باجتهاد اجتهده هو صلى الله عليه وسلم فأصبح فيما بعد سنة ملزمة .

وفي الصحيفة التي أصدرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة ووضع فيها الأحكام التي تبين الخطوط الرئيسية لتنظيم الدولة والمجتمع في المدينة ، الذي كان يتآلف آنذاك من المسلمين واليهود وغيرهم ، ما يلي ( إنه من كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله )
وهكذا أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم القاضي الأعلى بين أهل المدينة جميعاً ، المسلمين منهم واليهود ، فيما بينهم من شجار ، وإليه صلى الله عليه وسلم ترد كل الخصومات أو المنازعات التي قد تنشأ بينهم ، وأنه قاضيهم الوحيد في كل ما أشكل عليهم من خلاف .

وباشر الرسول صلى الله عليه وسلم القضاء بنفسه ، وكان يقضي بين الناس ، ولم يرو عنه أنه خصص رجلاً بالقضاء .
ولكن لما فتح الله على المسلمين بعض الأمصار، واعتنق سكانها الإسلام ، عين الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاة والولاة والقضاة وبعثهم إلى الأمصار الإسلامية لينوبوا عنه صلى الله عليه وسلم في الحكم بين الناس بما رسم لهم من المبادئ والأصول المحكمة في العدل والإنصاف لإقامة الحدود وإيصال الحقوق لأصحابها وتعليمهم شرائع الدين .

ومن هؤلاء القضاة من كان يقضي في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لتمرينهم على القضاء والاجتهاد واستنباط الأحكام ، ومنهم من كان بعيداً عنه ، فيقوم بتيليغ حكمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يصوبه أو يخطئه ، فمن الولاة والقضاة الذين كانونا يقومن بأعمال القضاء خارج المدينة بعيداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم :

1- علي بن أبي طالب ، قلده الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم قضاء ناحية اليمن . ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً فقلت يا رسول الله ، ترسلني وأنا حدث السن ، ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر ، كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد )
ووجه الدلالة في هذا الحديث أن الرسول صلى اله عليه وسلم ، أرسى قاعدة هامة في القضاء وهي إلزام القاضي بعدم إصدار حكمه في المسألة قبل أن يكتمل سماعه لأقوال الخصمين دون تمييز بينهما ، وبذلك تتكشف الحقائق وتتم العدالة في إصدار الأحكام .

2- معاذ بن جبل ، وقلده الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء بعض اليمن فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث معاذاً إلى اليمن ، قال له ( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله قال : اقضي بسنة رسول الله قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله ؟ قال : اجتهد رأيي ولاآلو ، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الها لما يرضي رسول الله ) . ووجه الدلالة في هذا الحديث ما يلي :
أن مصادر القضاء في عصر الرسول هي الكتاب ، ثم السنة وأخيراً الاجتهاد وأن الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم اقر هذه المصادر لا بل حمد الله الذي وفق معاذاً لاكتشافها وأن لا سلطان على القاضي سوى ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

3- أبو موسى الأشعري وهو عبد إله بن قيس ، وجهه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقيل أمير اً وقيل قاضياً ، وقيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه قاضياً على نصف اليمن ومعاذ بن جبل على النصف الآخر .

4- عتاب بن أُسيد بن أبي العيص بن أمية ، أسلم يوم الفتح فاستخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم على مكة بعد الفتح والياً وقاضياً وقال له صلى الله عليه وسلم : ( يا عتاب أنههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمونا )

ثالثاً : أصول المحاكمات أمام حضرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )

أما كيفية قضاء الرسول صلى اله عليه وسلم ، فيشير إليه مضمون الحديث ، الوارد عن أم سلمة هند ، زوج الرسول صلى اله عليه وسلم حيث قالت :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته ، فخرج إليهم فقـال : ( إنما أن بشر وأنه يأتيني الخصم ، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه صادق ، فاقضي له ، فمن قضيت له بحق مسـلم ، فإنما هي قطعة من النار ، فليحملها أو يذرها ) .

وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ) .
وفي رواية أخرى : ( إن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث لهما ، ولم يكن بينة إلا دعواهما ) ، فقال : ( لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته …وذكر الحديث ، وفي أخره : فبكى الرجلان وقال كل وحد منهما لصاحبه : حقي لك ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إذا فعلتما كذلك فاقتسما ، فتوخيا الحق ، ثم إستهما ثم تحالا ).
وفي رواية أخرى ( يختصمان في مواريث وأشياء قد درست ، فقال أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل علي فيه ) .
في هذا الحديث دلالة صريحة على كيفية قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور التي لم يطلعه عليها الله تعالى ولم ينزل عليه فيها شيء نجملها فيما يلي :

  • 1- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمارس القضاء كقاضٍ ، ليبن للناس ويعلمهم كيفية القضاء ، وفي هذه الحالة كان يستند في قضائه إلى طرق الإثبات المعروفة كبينة المدعي أو إقرار المدعى عليه أو يمينه .
  • 2- وقد يكون أحد طرفي الخصومة أكثر فطنة من الطرف الأخر ، في عرض الحجج التي تثبت في الظاهر بأن الحق له فيحكم له بدلالة ظاهر هذه البينات ، لا بوحي من الله تعالى .
  • 3- إن القاضي لا إثم عليه ، في أن يحكم بغير الحق ، إذا خفي عليه ، وإنما الإثم على الخصمين اللذين يجب أن يعزفا عن اللجاج ، والطمع في حق الغير ، لأنه ما من إنسان إلا ويعرف حقه وحدوده ، فمن تعداها دخل النار .
  • 4- إن قضاء القاضي في مثل هذه الحالة ، لا يحل حراماً ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( أما إذا قلتما فاقتسما ، ثم توخيا الحق بينكما ، ثم إستهما ، ثم تحالا )

وكان الرسول صلى الله عليه مسلم إذا قضى في مسألة ، تقدم إليه المحكوم عليه ، بوازع الحس الديني الذي هذب أخلاقه ، لكي ينفذ الحكم عليه عملاً بقوله تعالى : {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ً}سورة النساء 4/65

وفيما يلي نموذج آخر من أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم لاستكمال الصورة حول كيفية القضاء في هذا العصر :
( اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ، اقضي بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر وهو أفقههما : أجل يا رسول الله : فاقضي بيننا بكتاب الله وأذن لي في أن أتكلم ، قال : تكلم قال : إن ابني كان عسيفاً على هذا ، يعني أجيراً ، فزنى بامرأته ، فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت منه بمائة شاة ، وجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وإنما الرجم على امرأته ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد إبنك مائة وغربه عاماً ، وأمر أُنَيْسَاً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر ، فإن اعترفت رجمها ، فاعترفت ، فرجمها ) .

ووجه الدلالة في هذا الحكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجمع في يده السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ، إذ كان يقضي وينفذ ما يقضي به بنفسه أو بمن ينتدبه للتنفيذ ، وذلك بأنه صلى الله عليه وسلم جلد الزاني بنفسه ، كما انتدب أنيساً لتنفيذ الرجم على الزانية ، كما أنه لم يكن هنا نفر معين لتنفيذ الأحكام.
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن محاباة الخصوم ، فيروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال : فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك وجه القضاء )
وعن عبد الله بن الزبير أنه قال : ( قضى رسول الله أي امر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم)

كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم القاضي ، وهو غضبان ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان )
وحض الرسول صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في القضاء لمعرفة الصواب والعدل بين الخصوم فقال صلى الله عليه وسلم في أجر المجتهد : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) فجعل له في الخطأ أجراًً واحداً على الاجتهاد دون الخطأ .

رابعاً : البينات وأدلة الإثبات في أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم

كان من أدلة الإثبات التي استرشد بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الأقضية والأحكام التي صدرت عنه صلى الله عليه وسلم ما يلي :

1- القيافة :

قيافة الأثر ويقال لها العيافة : فقد أشتهر كثير من أفراد قبيلة بني سُليم بقيافة الأثر وهي تتبع أثار الأقدام والأخفاف والحوافر والاستدلال بها على ذويها ، وتميزوا في دقة المعرفة كالتمييز بن قدم الشاب والشيخ والرجل والمرأة والبكر والثيب ومعرفة الرجل وما هي صفاته الجسمية ومن أي القبائل وما هي حركته حين كان يسير وكذلك الاستدلال على معرفة المواشي الضالة ، وبعضهم حديثاً أشتغل في الجهات الأمنية والشرطة ويطلق على صاحب الوظيفة هذه في الجهات المذكورة باسم (المري) لخبرتهم في ذلك لكي يتعرفوا على اللصوص والمجرمين وغير ذلك .

قيافة البشر: وكذلك أشتهر كثير من أفراد قبيلة بني سُليم بقيافة البشر وهي معرفة نسب فقط بالنظر إلى هيئته الخارجية و قد كانت أيام التناحر بين القبائل يستدل بها لأخذ الثار من أفراد القبائل الأخرى
وقيافة البشر أيضاً هي علم يبحث في كيفية الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين على المشاركة، والاتحاد بينهما في النسب والولادة في سائر أحوالهما وأخلاقهما‏.‏

والاستدلال بهذا الوجه مخصوص ببني مدلج، وبني لعب، ومن العرب، وذلك لمناسبة طبيعة حاصلة فيهم لا يمكن تعلمه‏.‏
وحكمة الاختصاص تؤول إلى صيانة النسبة النبوية، كما قال بعض الحكماء‏.‏
وخص ذلك بالعرب ليكون سببا لارتداع نسائهم عما يورث خبث الحس وشوب النسب من فساد البذر والزرع وحصول هذا العلم بالحدس والتخمين لا بالاستدلال واليقين، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حُكي أن الإمام الشافعي، ومحمد بن الحسن رأيا رجلا فقال محمد‏:‏ أنه نجار‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ إنه حداد فسألاه عن صنعته، فقال‏:‏ كنت حدادا والآن نجار‏.‏
وإنما سمي بقيافة البشر لكون صاحبه متتبع بشرات الإنسان وجلوده وأعضاءه وأقدامه‏.‏
وهذا العلم لا يحصل بالدراسة، والتعليم ولهذا لم يصنف فيه‏.‏
وذكروا أن إقليمون صاحب الفراسة كان يزعم في زمانه أنه يستدل بتركيب الإنسان على أخلاقه، فأراد تلامذة بقراط أن يمتحنوه به، فصوروا صورة بقراط ثم ‏ نهضوا بها إليه وكانت يونان تحكم الصورة بحيث تحاكي المصورة من جميع الوجوه في قليل أمرها وكثيره، لأنهم كانوا يعظمون الصورة، ويعبدونها فلذلك يحكمونها‏.‏

وكل الأمم تبع لهم في ذلك ، فلما حضروا عند إقليمون ووقف على الصورة وتأملها وأمعن النظر فيها، قال‏:‏ هذا رجل يحب الزنا وهو لا يدري من هو، فقالوا له ‏:‏ كذبت هذه صورة بقراط، فقال‏:‏ لا بد لعملي أن يصدق فاسألوه فلما رجعوا إليه وأخبروه بما كان، قال‏:‏ صدق إقليمون أنا أحب الزنا، ولكن أملك نفسي كذا في تاريخ الحكماء‏.‏
والقيافة من أدلة الإثبات لدى حكام العرب قبل الإسلام ، والتي أقرها الإسلام واعتبرها دليلاً في إثبات النسب .
فيروى عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور تبرق أسارير وجهه فقال : يا عائشة ألم ترى أن مجزراً المدلجي (وهو قائف) دخل فرأى أسامة ( أي أسامة بن زيد – وكان أسوداً ) وزيداً ( أي زيد بن بن حارثة – وكان أبيض ) وعليهما قطيفة قد غطيا رأسيهما وبدت أقدامها ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض . وكان بعض الناس يطعنون في نسب أسامة قالوا هذا فيه شك، هذا أسود وهذا أبيض كيف يكون هذا فلما جاء مجزز المدلجي وكان مشهورا بالقيافة وقال: إن هذه الأرجل بعضها من بعض سُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم .

وقيافة البشر تقترب في العصر الحديث من البصمة الوراثية لإثبات النسب وهنا نضطر لتعريف البصمة الوراثية حيث أنه وفي المؤتمر الذي عقدته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بعنوان: “مدى حُجِّية البصمة الوراثية في إثبات البنوة”؛ أكدت أوراق المؤتمر الذي شارك فيه عدد من أبرز العلماء والأطباء المتخصصين في هذا المجال أن كل إنسان يتفرد بنمط خاص في ترتيب جيناته ضمن كل خلية من خلايا جسده، ولا يشاركه فيها أي إنسان آخر في العالم، وهو ما يعرف بـ “البصمة الوراثية”. وأكد أحد الباحثين أن هذه البصمة تتضمن البنية التفصيلية التي تدل على كل شخص بعينه، ولا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، فضلاً عن تعرّف الشخصية وإثباتها.

2- الفراسة :

وأيضاً أشتهر كثير من أفراد قبيلة بني سُليم بالفراسة وهي معرفة أخلاق الرجل و محاسنه ومساوئه وذلك فقط بالنظر إلى هيئة الشخص وشكله ولونه وكلامه ، وهي من أدلة الإثبات لدى حكام العرب قبل الإسلام ، والتي أقرها الإسلام بدلالة قوله تعالى : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيمهم } البقرة2/273

وقوله تعالى : { ولو نشاء لأرينكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم }سورة محمد 47/30
هذه الفراسة هي ما يسميه العلماء بالفراسة الإيمانية، وهذا يكون بحسب قوة الايمان، فمن كان أقوى إيماناً فهو أحد فِراسةً. فمن غرس الايمان في أرض قلبه الطيبة الزاكية وسقى ذلك الغراس بماء الاخلاص والصدق والمتابعة، كان من بعض ثمره هذه الفراسة. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ قول الله تعالى: إن في ذلك لآيات للمتوسمين رواه الترمذي. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم)) رواه الطبراني في الأوسط. وأصل هذا النوع من الفراسة، من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ قال الله تعالى: أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها .

وكانت الفراسة رائد الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من أحكامه ، من ذلك ماروي عن أبي هريرة أنه قال : قال رجل ( يا رسول الله إن لي جاراً يؤذيني ، قال : انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق . فانطلق فأخرج متاعه ، فاجتمع الناس
إليه ، فقالوا ما شأنك ؟ فقال إن لي جاراً يؤذيني ، فجعلوا يقولون : اللهم العنه ، اللهم أخرجه ، فبلغه ذلك ، فأتاه ، فقال ارجع إلى منزلك ، فو الله لا أوذيك أبداً )
وبهذا الحكم ، خلص الرسول صلى الله عليه وسلم الجل من المكروه بإجراء سهل جداً وأعاد الوفاق بين المتخاصمين .
وعمر في مقدمة الصحابة ممن عرف بالفراسة رضي الله عنه وسيأتي معنا شيئ من أخباره بعد قليل، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس مُحدّثون فإن يك في أمتي فإنه عمر)). دخل قوم من مَذحِج على الفاروق عمر فيهم الأشتر النخعي، فصعّد فيه عمر النظر وصوّبه، وقال: أيهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث، فقال: ما له قاتله الله، إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً. فكان كما تفرس رضي الله عنه فكان منه في الفتنة ما كان.
ودخل رجل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها، فقال له عثمان: يدخل عليّ أحدكم وأثر الزنى ظاهر على عينيه؟! فقلت: أوحيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة.

3- القسامة :

القسامة من أدلة الإثبات التي عرفها العرب قبل الإسلام ، ثم جاء الإسلام فأقرها على ما كانت عليه ، وحكم بها الرسول صلى الله عليه وسلم .
عن سهيل بن أبي حتمة قال : ( انطلق عبد الله بن سهل ، ومحصية بن مسعود إلى خيبر ، وهي يومئذ صلح فتفرقا ، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشط في دمه قتيلاً فدفنه ، ثم قدم المدينة ، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم ، فقال : كبر كبر – وهو احدث القوم – فسكت فتكلما ، فقال : أتحلفون ، وتستحقون قاتلكم ، او صاحبكم ؟ قالوا : وكيف نحلف ولم نشهد ، ولم نرى ؟ قال : فتبرئكم يهود بخمسين ؟ قالوا : كيف نأخذ أيمان قوم كفار ؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده ) وفي رواية ( فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله ، قالوا ما لنا من بينة ، قال فيحلفون ، قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود ، فكره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه ، فوداه بمائة من إبل الصدقة ) .

2- القرعة :

القرعة من أدلة الإثبات التي عرفها العرب قبل الإسلام ، ثم أقرها الإسلام. وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرعة فيروى ( أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس لواحد منهما بينة ، فقال : استهما على اليمين ما كان ، أحبا ذلك أو كرها )
وعن عائشة أم المؤمنين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) .

3- العلامات الظاهرة :

والعلامات الظاهرة من أدلة الإثبات التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه ، من ذلك : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى واصفها وأمره أن يعرف عفاصها ووكاءها كذلك ، فجعل وصفه لها قائماً مقام البينة.
وعن سويد بن غفلة قال : قال : لقيت أبي بن كعب ، فقال : أخذت صرة مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : عرفها حولاً ، فعرفتها حولها فلم أجد من يعرفها .ثم أتيته ، فقال عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد ، ثم أتيته ثلاثاً ، فقال : احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها .

4- شهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه :

وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بدلالة الشاهد الواحد إذا عرف صدقه ، من ذلك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرساً من أعرابي ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي ، وأبطأ الأعرابي اتباعه ، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي ، فقال أوليس قد ابتعته منك ، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً ، فقال خزيمة بن ثابت : أنا أشهد أنك قد بايعته ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال : بما تشهد ؟ قال : بتصديقك يا رسول الله ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .

5- الإقرار فيمن أقر بالزنا وهو محصن :

وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن أقر بالزنا وهو محصن بالرجم ، من ذلك أن إمرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنها زنت وهي حامل ، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : إذهبي حتى تضعيه ، فلما وضعته جاءته ، فقال صلى الله عليه وسلم إذهبي فاستودعيه ، فاستودعته ، ثم جاءته فأمر صلى الله عليه وسلم بها فرجمت .

6- الشفعة :

وقضى الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء . فإذا وقعت الحدود بينهم وصرفت الطريق فلا شفاعة.

7- البينة :

البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره . ويروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) بمعنى أن المدعي ملزم بإظهار ما يبين صدق دعواه فإذ شهر صدقه بإحدى الطرق حكم له .
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم نص اليمين التي كان يقسم بها كل من توجه إليه ، كما بين نص اليمين ، ومن تقبل شهادته فيروى عن ابن عباس أنه قال : ( جاء خصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فادعى أحدهما على الآخر حقاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمدعي : أقم بينتك ، فقال : يا رسول الله مالي بينة ، فقال للآخر ( احلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عليك أو عندك شيء )
كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم من تقبل شهادته ، ومن لا تقبل شهادته قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ، و لا مجلود حداًُ ولا ذي غمر على أخيه ، ولا مجرب شهادة ، ولا القانع لأهل البيت ولا ظنين في ولاء ولا قرابة )

خامساً : مميزات القضاء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم

لقد تميز القضاء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمور التالية :

  • 1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان القاضي الأول والوحيد في المدينة طيلة حياته صلى الله عليه وسلم وكان يجمع في يده جميع السلطات ، من تشريع وقضاء وتنفيذ ، قال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما }النساء 4/65
  • 2- إن ولاية القضاء خارج المدينة لم تكن ولاية عامة ، بل كان القضاء جزءاً من الولاية طيلة عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان الولاة هم الحكام والدعاة والقضاء بين المسلمين ، ينوبون عن الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الحدود بين المسلمين وإيصال الحقوق لأصحابها وتعليمهم شرائع الدين .
  • 3- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخذ الولاة من أكفاء أصحابه قوة ونشاطاً وعلماً ، فيروى عن أبي ذر الغفاري أنه قال : ( قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ، ثم قال : ( يا أبا ذر ، إنك ضعيف وإنها إمارة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذ بحقها وأبدى الذي عليه فيها )
  • 4- إن أكثر القضاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان نوعاً من الإفتاء كان غرض المتقاضين فيه أن يعرفوا حكم الله فيه لينفذوه ، فلم تكن أكثر الخصومات نزاعاً حقيقاً ، لكنها كانت صورة من صور السؤال والاستفتاء ، كما في سؤال أم سليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، أتغتسل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم فلتغتسل )
  • 5- الروح الإنسانية العالية التي كان يتمتع بها القضاء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أمثلة ذلك : عدم تنفيذ الحد على الحبلى إلا بعد أن تضع حملها حتى لا يعاقب الطفل البريء كما في قصة المرأة التي أتت الرسول صلى الله عليه وسلم حاملاً وأخبرته أنها زنت

وكما في قضية الرجل الذي اعترف على نفسه بالزنا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا له بسوط مكسور فقال : ( فوق هذا ) فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته ، فقال : ( بين هذين ) فأتى بسوط قد ركب به ، فلان ، فأمر به فجلد .
والحمد لله رب العالمين
==========================================
مصادر البحث :

1- مجموعة مقالات من شبكة الأنترنت .
2- كتاب القضاء والقضاة في الدولة العربية الإسلامية منذ قيامها وحتى تاريخ العصر الأموي تأليف الدكتور محمد السعود الزعبي .
مكتب زهير الخاني للمحاماة
جمع وانتقاء المحامي حسام القباني

———————————————
تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت.