ورقة بحثية عن نظرية الحوادث الطارئة في القانون

يرجع أصل نظرية الظروف الطارئة الى القانون الكنسي , حيث كان الفقهاء الكنسيون يحرمون الغبن في العقود ,سواء كان ذلك في تكوين العقد , او في تنفيذه . فهو في الحالين ضرب من الربا المحرم , كما وجدت هذه النظرية لدى رجال الفقه الاسلامي في نطاق بعض العقود , وعلى العقد عقد الايجار , وفي القانون الفرنسي القديم ادى الاخذ بمبدأ سلطان الارادة الى اندثار نظرية الظروف الطارئة , اذ هي تتيح للقاضي ان يعدل العقد بناء على طلب احد المتعاقدين دوء رضاء الاخر , وفي ذلك اهدار للقوة الملزمة للعقد.

وقد حاول جانب من الفقه الفرنسي ان يجد لها سندا من المبادي العامة في القانون المدني , فقد قيل اولا : أنها تقوم على اساس شرط ضمني في العقد ,مقتضاه بقاء الظروف على حالها , ويراد به ان المدين ما رضي بالالتزام إلا على اساس بقاء الظروف التي عقد فيها العقد على حالها دون تغيير . وقد كان هذا هو الاساس الفني للنظرية في الفقه الكنسي , وقيل ثانيا أن أساسها هو نظرية الغبن : فلئن كان المشرع يجازي الغبن الواقع عند تكوين العقد , فيتعين ايضا ان نجازي الغبن الطارئ عند تنفيذه . وقيل ايضا ان اساسها فكرة الاثراء بلا سبب : فالدائن يثري على حساب المدين بدون سبب , اذ هو يتمسك بتنفيذ العقد المرهق للمدين ارهاقا ثقيل الوطأة , وارتكز البعض على فكرة عدم جواز التعسف في استعمال الحق : فالدائن الذي يطلب التنفيذ.

غير آبه بما يتهدد المدين من خسارة فادحة . انما يتعسف في استعمال حقه . الامر الذي يستتبع مسؤوليته .
ولم يكن في اي من هذه المحاولات ما يقنع القضاء المدني بتقبل نظرية الظروف الطارئة بغير نص تشريعي تقوم عليه . فشرط بقاء الظروف على حالها لا يخرج عن كونه شرطا مفترضا , لم تنصرف اليه ارادة المتعاقدين الحقيقية , ثم ان الغبن الذي يعرفه القانون هو الغبن الواقع عند ابرام العقد ,لا عند تنفيذه . هذا الى ان القانون لا يجازي على الغبن . الا استثناء , فلا يجوز التوسع فيه , والاثراء الذي يحققه الدائن , نتيجة لتغير الظروف , ليس بغير سبب , بل ان لإثرائه سببا موجودا هو العقد ذاته وأخيرا فإن الدائن الذي يقتصر على المطالبة بالحق الذي يخوله له العقد هو متبصر لا متعسف , فلا يمكن ان ينسب اليه سوء نية او تعسف , ولذا لم تلق نظرية الظروف الطارئة قبولا لذى اغلبية فقهاء القانون المدني , ورأى فيها الكثيرون تهديدا خطيرا لاستقرار التعامل . كما اطرد قضاء محكمة النقض في فرنسا على عدم الاخذ بها , وما زالت ايضا ترفضها محكمة النقض البلجيكية , خلافا للقضاء الايطالى والقضاء الالماني

وعلى العكس مما تقدم , فقد ازدهرت نظرية الظروف الطارئة في مجال القانون الاداري , و أخذ بها مجلس الدولة الفرنسي , منذ الحرب العالمية الاولى .منذ حكم صادر في 30/6/916
حيث اجاز لشركة الكهرباء المطالبة برفع سعر توريد الكهرباء , وقد ساعد القضاء الاداري على الاخذ بالنظرية سببان:
اولا: ان النوازل التي تعرض عليه تتصل بالمصلحة العامة , وفي هذا ما يجعله يحرص على التوفيق بين القواعد القانونية ومقتضيات المصلحة العامة , فاذا تعلق الامر بمرفق عام كان الاولى مراعاة جانب من يتولى ادارة هذا المرفق ,كي يتسنى له مواصلة عمله , لأنه لو تعرض لخسارة فادحة , لانتهى الامر الى تعطيل سير المرفق العام ذاته , وحرمان الجمهور من خدماته.
ثانيا: ان القضاء الاداري ليس مقيدا بنصوص تشريعية . فهو يتمتع بحرية لا يتمتع بها القضاء العادي , الامر الذي هيأ له السبيل ان يراعي الظروف , ويساير التطور

وقد اخذت النظرية تظهر في العديد من القوانين المدنية لاحقا
الاساس الذي تقوم عليه هذه النظرية : يذهب البعض ان هذه النظرية تقوم على اساس ضرورة التعادل الاقتصادي بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين , والحجة اختلال التعادل غير كاف لتطبيق نظرية الاستغلال , ويذهب اخرون الى ان اساس النظرية هو النية المفترضة عند المتعاقدين في استمرار بقاء التعادل الشخصي , الذ كان موجودا وقت ابرام العقد , ويرد على هذا ان المشرع لم يأمر برد الاعتبار الالتزام المرهق الى الحالة التي كان عليها وقت ابرام العقد , بل اقتصر على رده الى الحد المعقول , و الواقع ان اساس النظرية هو العدالة.
.
*شرح القانون المدني .النظرية العامة للالتزام :د وحيد الدين سوار