التكييف القانوني الدولي للأحداث المسلحة الداخلية في فلسطين

لقد دخلت أراضى السلطة الوطنية الفلسطينية منذ الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفلسطينية العاشرة التي تزعمتها حركة حماس باعتبارها الحزب الفائر في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية في دوامة من العنف المسلح الداخلي الدامي الذي أضاف مظهرا جديدا لمشكلة الفلتان الأمني القائمة أصلا من فلسطين منذ عام 2002 كما تشير كافة التقارير، فقد أضاف فوز حركة حماس وتفردها بتشكيل الحكومة العاشرة بعدا للتنافس الحزبي على السلطة بينها وبين حركة فتح، تنافس ابتعد كثير عن التطبيقات السليمة لمفاهيم المشاركة السياسية في الحكم، وتنافى ومبدأ التعددية الحزبية وقواعد النظام الديمقراطي، وقد عزز هذا التنافس المسلح والغير قانوني أجواء أنقلات الأمني السائد في فلسطين وغياب تطبيق مبدأ سيادة القانون.
وعلى الرغم من حداثة الأزمة المسلحة الداخلية التي لم تتجاوز سنتين وانحصار اغلب مظاهرها المسلحة في قطاع غزة، إلا أنها، وخاصة في الفترة الأخيرة قد شهدت أكثر الأعمال ضراوة من العنف الداخلي المسلح في التاريخ الفلسطيني الحديث، هذا العنف الداخلي المسلح الذي انتهكت فيه أدنى مقتضيات الإنسانية ،وخاصة الحق في الحياة، هذا الأمر الذي دفعني كباحث قانوني فلسطيني لتساؤل هل وجدت قواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة على النزاعات المسلحة الداخلية ” غير الدولية ” طريقها لتطبيق على المدنيين والأعيان المدنية الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة ؟ أو بمعنى آخر التساؤل حول معرفة مدى إمكانية انصراف قانون جنيف الخاص بالنزاعات المسلحة لتنظيم هذه الأحداث؟.

وعلي الرغم من الاهتمام الواسع الذي وجدته الأحداث الداخلية في فلسطين لدي الكثير من المهتمين كانوا أشخاصا أو مؤسسات قانونية، إلا أنها لازلت تحتاج إلى الكثير من التحميص والتدقيق القانوني، الذي يفرضه التكييف الصحيح لها بين إحدى صور النزاعات المسلحة غير الدولية لأغراض معرفة القواعد القانونية التي يتعين أن تسرى عليها، وتأتى هذه المحاولة المتواضعة من طرفي كمساهمة في فتح باب المناقشة والدراسات المستقبلية للأحداث الداخلية على ضوء قواعد القانون الدولي الإنساني، فمعرفة التكييف القانوني الدولي للأحداث الداخلية المسلحة أمر له معنى ومعنى كبير من حيث الآثار المترتبة على تصنيف هذه الأحداث وتبوبيها في باب معين من صور النزاعات المسلحة غير الدولية، بغض النظر عن المبررات التي يسوقها الإطراف المتقاتلة، والتي تعتبر مبررات سياسية لا تقف عند المفاهيم القانونية التي تستوجب وضع النقاط على الحروف، فأذن حديثنا هنا بات حديثا قانونيا يبتعد قدر الإمكان عن الدخول في الجدل السياسي القائم حول وصف ما حدث في قطاع غزة هو حسم عسكري لمصلحة الشعب،أو انقلاب على الشرعية الفلسطينية،أو حتى خطيئة لابد منها كما وصفها النائب الدكتور مروان أبو رأس في لقاء مفتوحة عقده الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن بغزة عشيت الأحداث، هذا الابتعاد عن الكلام في السياسية يأتي هنا كمحدد للمناقشة رغم قناعتي الشخصية بصدق قول السيد جورج أورويل:” في عصرنا هذا ليس هناك شيء اسمه الابتعاد عن السياسة، فجميع القضايا هي قضايا سياسية”.

فأنة وعند طرح فكرة التكييف القانوني للأحداث في فلسطين قد نجد أنفسنا أمام رأيين قانونين مختلفين تماما، فالأول يقدر بانسحاب وصف الحرب الأهلية على أعمال العنف في فلسطين وهذا ما وجد بعض ملامحه في تصريحات بعض السادة السياسيين، فالحرب الأهلية أو النزاع المسلح الداخلي كما تحددها الدكتورة رقية عواشرية بأنها ” مجموع أعمال العنف المسلح الذي تقع داخل حدود الدولة الواحدة بين رعاياها فيما بينهم، أو في مواجهة الحكومة القائمة،أيا كانت أسبابه، وأيا كانت درجة التمزق، شريطة أن ترقى عن أعمال العنف العادي ( الإجرام العادي)”.

أما الرأي الثاني فأنة حتما سيخاف الأول، ويعمد أن تصنيف أحداث العنف في فلسطين ضمن صور الاضطرابات الداخلية والتي يحددها الفقه بأنها ” نمط شائع من العنف السياسي الذي قد يتخذ طابعا مسلحا حادا، الذي قد يحدث بصورة تلقائية أو بصورة منظمة من جانب حركة سياسية لا تهدف فقط إلى تغيير النظام السياسي، وإنما تغيير هوية وطبيعة الدولة، ويمكن أن تتحول إلى أشكال أكثر حدة واتساعا مثل حرب العصابات أو الصراعات الأهلية المسلحة “.

مهما كان من شأن هذين الرأيين وتعليلاتهم، فان المنهج السليم لدراسة مثل هذه الحالة يقتضي منا أن نبين مدى إمكانية وصف أعمال العنف في فلسطين بالحرب الأهلية بمعناها الفني الدقيق، ولن يتأتي لنا ذلك إلا من خلال التحقق من مدى توافر الشروط التي أقرها العمل والفقه الدوليان في هذا الصدد، ولذلك لابد أن نتوقف عند شروط تطبيق المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الرابعة 1949 والبرتوكول الإضافي الثاني لعام 1977على مدى استيفاء العناصر المسلحة للشروط الواردة في الفقرة الأولى من والبرتوكول الإضافي الثاني لعام 1977المحلق باتفاقيات جنيف الأربعة.

لقد كان مؤدى اضطلاع العمل والفقه الدوليين لبيان العناصر الداخلية التي يلزم قيامها في التمرد العسكري حتى يمكن تكيفه على انه حرب أهلية وإخضاعه من ثم للمادة الثالثة المشتركة، بان حددت تلك الشروط في عنصريين أساسيين هما :ضرورة استيفاء الصراع المسلح لطابع العمومية من حيث حجمه ومداه الجغرافي سواء بسوء،هذا من جانب، واستيفاء المتمردين أو المتصارعين ذاتهم لأصول التنظيم من جانب أخر،وذلك بخضوعهم لقيادة منظمة، واحترامهم لمقتضيات الإنسانية، وقد أضافت قواعد البرتوكول الإضافي الثاني عنصرا ثالث، ويتمثل في ضرورة استيفاء الهيئة التمردية أو المقاتلة لمقتضيات الرقابة الإقليمية الهادئة والمستمرة على جزء من إقليم الدولة، وهذا ما سنعمل على شرحه بالتفصيل الكافي المستند على الواقع العملي،عبر النقاط التالية من هذا المقال.

أولا: تكييف الأحداث على ضوء مادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة:
ونتناول بالشرح هذه النقطة وفقا لما يلي :

أ- العنصر الأول :عمومية الأحداث جغرافيا:-
فإذا بدأنا بتبيين مدى تحقق العنصر الأول في أحداث فلسطين، فأنة يمكن القول بان هذه الأخيرة لم تكن تتسم بالعمومية من حيث حجمها، حيث اقتصرت أعمال العنف المسلح في حيز جغرافي بعينة، تمثل أساسا بقطاع غزة الذي شهد اعنف المواجهات بين المتصارعين بالعكس من الضفة الغربية التي لم تصل الأحداث فيها إلى الطابع المسلح، وكما تظهر التقارير فان انتشار المظاهر المسلحة في قطاع غزة يعود لعدة عوامل تمركز القوة المسلحة لحركه حماس في القطاع، إضافة إلى حرية حركة المسلحين وذلك بعد أعادة انتشار ” انسحاب” الإسرائيلي من قطاع غزة الذي وفر مساحة حرة نسبيا لحركة المقاتلين على عكس أمر في الضفة الغربية،كما أن انتشار كافة مظاهر التعدي على سيادة القانون بشكل كبير في قطاع غزة مقارنة أيها مع ما يحدث في الضفة الغربية، وعلية يمكن القول بأن أعمال العنف الداخلي في فلسطين لم تكن عامة من حيث حجمها ومداها الجغرافي، أي أن العنصر الأول للازم لوصف التمرد بالحرب الأهلية غير متوفر لاقتصار أمر العمليات المسلحة الداخلية على قطاع غزة فقط، وبالتحديد محافظة غزة ومحافظة شمال غزة التي عرفتا أكثر الأمور قسوة عن باقي محافظات القطاع.

ب- العنصر الثاني:تمتع الجماعات المتقاتلة أو المتمردة بشكل التنظيمي و الهيكلي الواضح:-
وإذا كان العنصر الأول كذلك، فأنه بالنسبة للعنصر الثاني الخاص بالتنظيم والذي مؤداه ضرورة أن تكون حركة التمرد ذات هياكل إدارية وتنظيمية وعسكرية تسمح بممارسة نوع من السلطة والرقابة على أعمال أفرادها،مما يؤهل الجماعة أو الهيئة التمردية إلى احترام مقتضيات الإنسانية،فالمطلع على الهياكل الحركية التي يتبعها المقاتلين من حركتي فتح وحماس يتأكد بأنها قادر وبوسعها تطبيق ومواصلة إستراتيجية متماسكة تحت قيادة موحدة، فقد كانت منظمات منظمة بالقدر الكافي حيث تمتع بالأطر التنظيمية والإدارية والعسكرية للعناصر المسلحة، علاوة على أن جزء من المتمردين أو المتقاتلين هم يتبعون وزارة الداخلية مما يفرض المزيد من التنظيم وخضوعهم لقيادة موحدة،رغم صفة السرية التي يعمل من خلالها اغلب الفاعلين في الأحداث الأخيرة، ولكن وعلى الرغم من ذلك فان المتتبع للأحداث يرى بأن الأطراف المتقاتلة لم تكن تحتكم لمقتضيات الإنسانية التي غابت تمام في ظل هذه الأحداث، التي أخذت منحى الانتقام والثأر تحت ذرائع ساقتها حركة حماس منها التمسك بالشرعية والقانونية والقضاء على انفلات، وأن قوات الأمن الوطني وخاصة قوة جهاز الأمن الوقائي قد انتهكت بدورها المقتضيات الإنسانية.
وبناء على ما تقدم، ننتهي إلى نتيجة مفادها أن أحداث العنف الداخلي في فلسطين لا ينطبق عليه وصف النزاع المسلح غير الدولي بمفهوم المادة الثالثة المشتركة لعدم استيفاء الأحداث لعمومية المطلوبة،وعلية تبقى هذه الأحداث خارج أطار التنظيم الدولي إلي كفتلة المادة الثالثة المشتركة.
وذات النتيجة وان اختلفت في السبب توصلت إليها الدكتورة الجزائرية رقية عواشرية في رسالتها لنيل درجة الدكتوراه والمقدمة في جامعه عين شمس، وقد اعتمدت الدكتورة رقية عواشرية علي الأسلوب التحليلي الذي يعتمد على تحليل الواقع ونصوص القانون الدولي- والذي اعتمدنا علية في مقالنا هذا- فقد جاءت صفحات الرسالة من رقم 203 إلى رقم 208 بتأكيد مفاده اعتبار التكييف القانوني السليم والصحيح لأعمال العنف في الجزائر بأنها لم تكن على الإطلاق حربا أهلية بل اضطرابات داخلية، وذلك لانعدام تمتع العناصر الإسلامية المسلحة بشكل التنظيمي والهيكلي الذي يمنحها قدرة تطبيق إستراتيجية متماسكة تحت قيادة موحدة، وأيضا فالعناصر الإسلامية المسلحة في الجزائر لم تستطيع إتمام رقابتها الإقليمية على كل الجزائر، وهذا الشرط الذي إضافة البرتوكول الإضافي الثاني، كما سنرى في النقطة التالية.

ثانيا- تكييف الأحداث على ضوء قواعد البروتوكول الإضافي الثاني:
ومن البديهي عدم انطباق أيضا البروتوكول الإضافي الثاني على الأحداث المسلحة في فلسطين، وذلك لتلاقي هذا الأخير مع المادة الثالثة المشتركة في عنصرين السالفين الذكر، وإذا كان البرتوكول الإضافي الثاني قد انفرد بتطلب عنصر ثالث والمتمثل في ضرورة استيفاء الهيئة التمردية أو المتقاتلة لمقتضيات الرقابة الإقليمية الهادئة والمستمرة على جزء من إقليم الدولة.
حيث نصت الفقرة الأولي من المادة الأولى من البرتوكول الإضافي الثاني على أن ” يسرى هذا البروتوكول على النزاع الدائر بين القواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخري وتمارس تحت قيادة مسئولة علي جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول.
وفى الواقع العملي لأحداث فلسطين على هدى مفهوم الرقابة المتطلبة في البروتوكول الثاني الذي يحدد الفقه الدولي مفهومين أو حالتين لها وهما كما يلي شرحه:

أ- المفهوم الأول : مفهوم الرقابة الإقليمية الجغرافية:-
وإذا أخذنا بتفسير الرقابة الإقليمية المتطلبة في ظل هذا البروتوكول على أنها الرقابة الإقليمية بمفهوم الرقابة الجغرافية، فأنة يمكن القول بأن العناصر المسلحة لحركة حماس التي تعتبر الفاعل الأساسي والمسيطر على قطاع غزة بعد الأحداث الداخلية في فلسطين،فان لها الرقابة المطلوبة على جزء من أراضى السلطة الوطنية الفلسطينية والمتمثلة بقطاع غزة، حيث أن سلطة أمر الواقع في غزة تتحرك وتعمل من خلال تمسكها بالشرعية التي نالتها حركة حماس خلال انتخابات الأخيرة، ونتائج الأحداث الأخيرة التي منحتها قوة التحرك والعمل باعتبارها القوة المسلحة الوحيدة في القطاع، والتي أوكلت لنفسها مهام العمل الشرطي والأمن الوطني.

ب- المفهوم الثاني : مفهوم الرقابة الإقليمية على سكان الإقليم :-
أما إذا أخذنا بمفهوم الرقابة على أنها رقابة على سكان الإقليم،أو بمعنى آخر نيل السلطة القائمة في قطاع غزة على المشروعية بمفهوم نيل ثقة سكان الإقليم فيها، فأنة يلزم الإقرار بان العناصر المسلحة التابعين لحركة حماس كانوا يحظوا نسبيا بتأيد شعبيي كبير، نظرا لتأيد الشعبي لحركة حماس ذاتها، إلا أنة وبمجرد توجيه أعمال العنف العشوائية – بقصد أو بدون قصد- إلى المدنيين وممتلكاتهم، بدأت تفقد التعاطف الشعبي معها، وما من دليل يدل على صحة رأينا السالف الذكر التحرك الجماهيري الأخير لأداء صلوات أيام الجمع في العراء تلبية لدعوة فصائل منظمة التحرير، وما رافق هذه الصلوات من أعمال عنف، مما يبرهن بان هذه الرقابة لست هادئ، هذا ما أكدت نتائج الاستطلاع العام رقم (25) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة ما بين 6- 8/ سبتمبر 2007والتى أظهرت بان ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعارضون الحسم العسكري في قطاع غزة ،حيث 73% من المستطلع آرائهم يعارضون الأعمال العسكرية والنتائج المترتبة علية، بينما 22% منهم فقط من يؤيد ما حدث في غزة، ويأتي هذا الدليل رغم إيماننا الشديد بتغير رأى الفئات المستطلع أرائهم وفقا لتغير الظروف العامة المحيطة بهؤلاء.
كما قد فقدت المجموعات المسلحة التابعة لحركة فتح بعض من الثقة التي كان يمنحها إليها الشعب الفلسطيني باعتبار سبب وجودها الوحيد محاربة الاحتلال، فقد لاحظ الشعب انحراف واضح لأغلب المجموعات المسلحة عن هدفها المنشود.
وعلية فإن أعمال العنف الدامية التي شهدتها فلسطين بالرغم من ثقل حصيلتها في الأرواح والممتلكات، لم تكن حربا أهلية بالمعني الدقيق الذي حددته المادة الثالثة المشتركة والبروتوكول الإضافي الثاني، وإنما كانت عبارة عن اضطرابات داخلية، أدت إلى اختلال في النظام الداخلي لطابع الخطورة وانقسام البيت الفلسطيني إلى حكومتين التي تميزت به، والذي استلزم إعلان حالة الطوارئ بموجب مرسوم رئاسي بتاريخ 16 حزيران 2007،وكذلك اعتبار قطاع غزة إقليما متمردا، وبذلك لم يستفيد ضحايا هذه الاضطرابات من الحد الأدنى الذي كفلتة المادة الثالثة المشتركة، ولا الحقوق المتنامية المقررة في البروتوكول الإضافي الثاني، الذي نصت الفقرة الثانية من المادة الأولي فيه على ” لا يسري هذا البروتوكول علي حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة”.
لهذا فقد استظلت الاضطرابات الداخلية بأحكام القانون العام الداخلي،والقواعد الأساسية لحقوق الإنسان التي يظل يعمل بها في ظل قاعدة عدم أمكانية انتقاصها فتبقى سارية المفعول في مثل هذه الأوضاع، فكانت النتيجة تفننا في العنف المتبادل وحصيلة ثقيلة في الأرواح، لتعكس الواقع السلبي لإبقاء هذه الأوضاع خارج إطار التنظيم الدولي الإنساني، وهذا الواقع السلبي الذي أكدته منظمة العفو الدولية حين قررت بأنة وفي خضم العنف السياسي المسلح والغير مسبوق في قطاع غزة، أظهرت قوات الأمن والجماعات المسلحة التابعة لفتح وحماس على السواء استهتاراً مطلقاً بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
حيث من المفيد في الأخير أن نذكر بقائمة المحظورات الطويلة التي تضمنها نص المادة الثالثة المشتركة والتي لم يحترم اغلبها، فمن هذه المحظورات،أن يبقى محظور في كل الأوقات وفى كل الأماكن:-
o الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية،وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
o اخذ الرهائن.
o الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
o إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة قانونيا.
o عدم اعتراض تقديم خدمات إنسانية من قبل هيئة إنسانية غير متحيزة لجرحى والمرضي.
o أن تعمل الأطراف المتقاتلة عن على صياغة اتفاقيات خاصة لتنفيذ أحكام الاتفاقية.
o ليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.
علاوة على ما تقدم من أحكام، فأنة يجب اخذ بعين الاعتبار كافة الحقوق المتنامية للمدنيين والأعيان المدنية التي جاء النص عليها في قواعد البرتوكول الإضافي الثاني المحلق بالاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949.

خاتمة:

استنادا للاعتبارات والحقائق الأنفة الذكر، نصل في خاتمة القول إلى نتيجتين أساسيتين وهما:-
– أن ما حدث في قطاع غزة على وجه الخصوص والضفة الغربية في مطلع شهر حزيران الماضي وما سبقها من صور بشعة لانفلات الأمني يكيف قانونا وعلى ضوء قواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة على النزاعات المسلحة غير الدولية بأنها مجرد أحداث عنف داخلي لا ينطبق عليه وصف النزاع المسلح غير الدولي بمفهوم المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعدم استيفاء أحداث العنف المسلح للعمومية الجغرافية المطلوبة، وعدم استيفاء الهيئة المتمردة لشرط الرقابة الاقليمة على السكان المنصوص علية في البروتوكول الإضافي الثاني، فإذن ما حدث من أحداث عنف داخلي لم تكن حربا أهلية بالمعني الدقيق الذي حددته المادة الثالثة المشتركة والبروتوكول الإضافي الثاني، وإنما كانت عبارة عن اضطرابات داخلية، أدت إلى اختلال كبير في النظام الداخلي وذلك لطابع خطورة الأحداث والنتائج التي أسفرت عنة وخاصة الانقسام والتمزق الجغرافي لشطري الوطن بوجود كيانين سياسيين ليس فقط منفصلين بل متصارعين، وعلية تبقى هذه الأحداث خارج أطار التنظيم الدولي، لهذا فقد استظلت الاضطرابات الداخلية بأحكام القانون العام الداخلي،والقواعد الأساسية لحقوق الإنسان التي يستمر العمل بها في ظل قاعدة عدم أمكانية انتقاص هذه القواعد فتبقى سارية المفعول في مثل هذه الأوضاع الداخلية.
– تعرضت حقوق المواطن الفلسطيني في قطاع غزة ومنذ اندلاع أحداث العنف الدامي الأخير، وكذلك الحال في الضفة الغربية ومنذ إعلان حالة الطوارئ، لانتهاكات بشعة، وازدياد كبير في ارتكاب جريمة الاختطاف والتعذيب والمعاملة اللانسانية والمعاملة القاسية بين المتقاتلين والمدنيين على حد السواء، وإعاقة حرية التنقل والحركة للمواطنين، وعلية فقد ارتكبت المجوعات المسلحة المتقاتلة انتهاكات وانتهاكات جسيمة لقانون الدولي لحقوق الإنسان، مما جعل منظمة العفو الدولية وفى إحدى بياناتها بان توصف بعض الانتهاكات التي حدث بأنها جرائم حرب، رغم أنة و لاعتبارات قانونية وفقهية كان يفترض أن توصف هذه الانتهاكات الجسيمة على اعتبارها جرائم ضد الإنسانية وليس جرائم حرب، وذلك لمنطقية الاتجاه الذي يعترف بإمكانية ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في زمني الحرب والسلم،وعلى أساس أن ما حدث في قطاع غزة والضفة الغربية ما هو ألا اضطرابات داخلية أو توترات داخلية لم تصل لحد الحرب الأهلية-كما أسلفنا- فأن من الواجب أن ندقق في استخدام المصطلحات القانونية، لان في هذا التدقيق غاية وفائدة من اجل المقدرة على إعمال مبادئ المسائلة الجنائية للخارجين عن القانون الوطني والقانون الدولي والأعراف الدولية.

و استنادا إلى ما خلصنا إلية من نتائج نود باختصار بعض التوصيات كما يلي :
– ضرورة عدم الفهم بان المقصود من عدم انسحاب وصف النزاع المسلح غير الدولي على الأحداث الدامية الأخيرة بان يمنح حرية للمتقاتلين في عدم الالتزام قواعد القانون الدولي الإنساني وعلى وجه الخصوص الحد الأدنى المضمون في المادة الثالثة المشتركة بل على عكس تماما فهم مطالبون بالالتزام الكامل بهذه القواعد.
– ضرورة الدعوة إلى تعديل اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكول الإضافي الثاني لكي تستظل وتنظم الاضطرابات الداخلية بأحكام اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكول الإضافي الثاني، لما لهذا الأمر من أهمية لحماية ضحايا مثل هذه الأحداث والاضطرابات الداخلية.
– ضرورة أن تمتنع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وخاصة الحقوقية من استخدام مصطلح”الحرب الأهلية ” عند توصيفها للأحداث الداخلية الأخيرة.
– ضرورة أن تحرص وبالقدر المناسب المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وخاصة الحقوقية عند استخدام مصطلح” جرائم حرب” لتوصيفها للانتهاكات التي نتجت عن الأحداث الداخلية الأخيرة، وان تعمل على الحرص بإعطاء التوصيف القانوني الصحيح والمتفق مع القانون الوطني والدولي.
– ضرورة أن تعمل كافة الأطرف السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية على صياغة أرضية لوفاق الوطني، أساس الصالحة الوطنية الشاملة دونما الإخلال بحقوق الضحايا وخاصة حقهم في أن ينال الجاني عقابه القانوني.
– ضرورة أن تزيد مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الحقوقية من نشاطها الفعلي من اجل المساعدة قدر الإمكان على توثيق الأحداث أول بأول، ومتابعة ملفات الضحايا أمام المحاكم الوطنية.
– ضرورة الإسراع في إيجاد آلية وطنية للعمل من اجل تعويض و مساعدة ضحايا الأحداث، والحرص على الأخص بالعمل السريع من اجل مساعدة الجرحى ومنحهم الحق بالأولوية الفضلى في تلقى العلاج المناسب.
– ضرورة أن تعمل كلا من حركتي فتح وحماس وكافة الفصائل الفلسطينية على تعليم وتدريب إفرادها المنتمون لأجنحتها العسكرية قواعد القانون الدولي الإنساني ونشرها بينهم، كخطوة تمهيدية نحو التزام هؤلاء بقواعد القانون الدولي الإنساني.
– ضرورة تشكيل لجان تحقيق مستقلة وأخرى قضائية لتحقيق في أي حادث وصف بأنة انتهاك جسيم لقواعد القانون العام وقواعد القانون الدولي.
– ضرورة تفعيل دور المجلس التشريعي الفلسطيني لقيام بما هو مطلوب منة بوصفة مجلسا منتخبا قانونا.