تكييف جريمة تبييض الأموال في القانون الجزائري

الأستاذ سوالم سفيان أستاذ مساعد بالمركز الجامعي سوق أهراس

تعتبر جريمة تبييض الأموال من المسائل الجديدة التي إهتم بها المجتمع الدولي فسعى في سبيل مكافحة الظاهرة بموجب الإتفاقيات الدولية المبرمة في هذا المجال ، إضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه التشريعات الداخلية للدول في قمع هذه الظاهرة ..

حيث لا ينبغي لحداثة ظاهرة تبييض الأموال بفرضياتها المتنوعة وحيل التمويه المصرفي المعقدة التي تتم بها ، أن تحول دون إهتمام المشرع الوطني بمكافحتها بالتجريم والعقاب ورغم أهمية السلاح الجنائي – بوظيفته الرادعة – لا يمكن إهمال دور الإستراتيجيات الوقائية في مكافحة هذه الظاهرة بتطوير النظم الرقابية المصرفية الوطنية على نحو يجعل ممكنا صد حركة الأموال غير النظيفة وتيسير إكتشافها والتوفيق بين سرية المعاملات المصرفية من ناحية ، وبين مقتضيات شفافية هذه المعاملات على النحو الذي يمنع عمليات تبييض الاموال .

وعلى أي حال ، وفي ما عدا الوسائل الوقائية فليس هناك شك في ضرورة تجريم وعقاب مختلف جوانب هذه الظاهرة في التشريعات الداخلية . ومع هذا يجب التطرق إلى بعض الإشكاليات القانونية المرتبطة بتكييف جريمة تبييض الأموال التي قد تحد من الدور الجنائي في نطاق التشريع الوطني .وعلى هذا الأساس تناولنا هذا الموضوع وفق خطة قسمناها إلى مبحثين كل مبحث قسمناه إلى مطلبين على النحو التالي :

المبحث الأول : التكييفات الجنائية التقليدية لظاهرة تبييض الأموال

المطلب الأول : تكييف ظاهرة تبييض الأموال كفعل من أفعال المساهمة الجنائية

المطلب الثاني : تكييف ظاهرة تبييض الأموال كصورة من صور جريمة إخفاء الأشياء

المبحث الثاني : التكييف الحديث لظاهرة تبييض الأموال

المطلب الأول : تجريم عمليات تبييض الأموال في ذاتها

المطلب الثاني : التجريم الإحتياطي لبعض الأنشطة الممهدة لغسيل الأموال

المبحث الأول : التكييفات الجنائية التقليدية لظاهرة تبييض الأموال :

تمثل ظاهرة تبييض الأموال صنفا جديدا من أصناف الأنشطة الإجرامية المنظمة ، وهي بذلك كأي ظاهرة جديدة تستعصي في البداية على التكييف وهناك محاولتان للبحث عن تكييف جنائي لهذه الظاهرة إلا أنه قد ثبت قصورهما وعدم جدواهما ، وقد تناولنا هذين المحاولتين في مطلبين حيث تناولنا في المطلب الأول : تكييف ظاهرة تبييض الأموال كفعل من أفعال المساهمة الجنائية وفي المطلب الثاني : تكييف ظاهرة تبييض الأموال كصورة من صور جريمة إخفاء الأشياء.

المطلب الأول :

تكييف ظاهرة تبييض الأموال كفعل من أفعال المساهمة الجنائية :

يبدو ممكنا للوهلة الأولى أن قبول المؤسسات المالية إيداع أو تحويل أو إستثمار الأموال غير النظيفة إنما يتيح تنفيذ هذه الجرائم أو تسهيل وقوعها على الأقل ، وبهذا يمكن إعتبار المصرف أو البنك كمساهم تبعي في الجريمة الأصلية ( كالإتجار في المخدرات والسرقة …..إلخ ) مع إشتراط العلم المسبق بالجريمة لديه ورغم هذا فإن هذا التكييف أعتبر قاصرا على إستيعاب أو إستغراق الظاهرة وهذا للأسباب التالية : – فعل المساهمة الجنائية لكي يصح عقابه ينبغي أن يكون سابقا أو على الأقل مزامنا لوقوع الجريمة الأصلية ..والواضح أن المصرف يتدخل في عمليات التبييض بمختلف صورها بعد وقوع الجريمة الأصلية وبالتالي لا يصدق على نشاطه وصف المساهمة التبعية بالمفهوم القانوني الصحيح (1)

فباعتباره مساهما تبعيا بالإتفاق أو المساعدة مثلا لا يضمن العقاب في حالة تدويل نشاط غسيل الأموال وإنتقاله عبر أكثر من دولة ، ومرد ذلك أن الدولة التي تم فيها الفعل قد لا يمنحها قانونها الإختصاص بنظر الجريمة لكونها مجرد فعل من أفعال المساهمة التبيعية وهي بذلك تتبع الجريمة الأصلية

.ـــــــــــــ
1- الدكتور سليمان عبد المنعم ، ظاهرة غسيل الأموال غير النظيفة ، مجلة الدراسات القانونية ، كلية الحقوق ، جامعة بيروت ، 1998 ، ص88

وفي نفس الوقت فإن الدولة التي وقعت على إقليمها الجريمة الأصلية لا تختص محاكمها بنظر جريمة تبييض الأموال أو إستخدام العائدات لكونا واقعة خارج إقليمها (1) ..

– كما أنه لا يصح إختزال فعل المساهمة التبعية في مجرد إمتناع المصرف عن رقابة مصدر الأموال بل يجب أن يأخذ صورة الفعل الإيجابي (2) ..

– ضرورة وجود نص قانوني ضمن المنظومة الجنائية الداخلية يجرم المصرف ويجعله محل مسائلة جنائية ذلك أن مسؤولية الشخص المعنوي مسؤولية خاصة ومتميزة (3) .

المطلب الثاني :

تكييف ظاهرة تبييض الأموال كصورة من صور جريمة إخفاء الأشياء:

.أمام صعوبة إعتبار غسيل الاموال عمل من أعمال المساهمة الجنائية يبرز خيار أخر يتمثل في تكييفه كإحدى صور جريمة إخفاء أو حيازة الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة(4) المنصوص عليها في المواد 387 و 388 من قانون العقوبات الجزائري ، والإنحياز إلى هذا التكييف يبرز من عدة نواحي : – عمومية النص التشريعي : حيث لم يحدد الجريمة الأولية التي يمكن إخفاء متحصلاتها ، فالشرط الوحيد أن تكون هذه الجريمة جناية أو جنحة ..- رغم إستخدام مصطلح إخفاء ، إلا أن الفقه والقضاء مستقران على شمول الصور الأخرى كالحيازة ، الإستعمال ، الإنتفاع ، الوساطة ..- إن هذا التكييف يستوجب على وجه الخصوص إعادة إستثمار عائدات الإتجار في المخدرات فــيمشروعات نظيفة في كافة صورها فالقضاء الجنائي يوسع حاليا من دائرة العقاب ويلاحق حيازة الأموال

ــــــــــــــ
1- الدكتور سليمان عبد المنعم ، المرجع السابق ، ص 88 ..

-2الدكتور سليمان عبد المنعم ، المرجع نفسه ، ص 88 ..

3- الدكتور أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 2002 ، ص 96 ..

4- الدكتور أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي الخاص ، دار هومة للنشر ، 2002 ، ص 385 .

الغير مشروعة أيا كانت الصورة التي تتحول إليها هذه الاموال(1) ، وهكذا يتبين لنا مما سبق أن الصياغة الواسعة لأركان وعناصر جريمة الإخفاء قد أفضت إلى إمكان ملاحقة كل من يخفي أو يحوز أو يستعمل أو ينتفع بالشيء متى كان يعلم بكونه متحصلا عن جريمة ما .ورغم أن هذا يمثل نتيجة طبيعية لإعمال نصوص قانونية إلا أن ثمة صعوبات لا يمكن الاستهانة بها تعترض رغم ذك تطبيق نص جريمة الإخفاء في مجال تبييض الأموال غير النظيفة وإستخدام عائدات الجرائم وذلك راجع لأسباب مختلفة منها : – أن هذا التكييف غير جدير بإستيعاب خصوصية نشاط تبييض الأموال ، إضافة إلى إعتبارات موضوعية يمكن ردها إلى انتهاك مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص .كما توجد هناك إعتبارات إجرائية تتمثل في الحيلولة دون ضمان ملاحقة جنائية فعالة لنشاط ذو طبيعة دولية ، لذا وجب البحث عن تكييف جنائي جديد من خلال تدخل تشريعي .

المبحث الثاني :

التكييف الحديث لظاهرة تبييض الأموال:

إن تدخل المشرع بنص خاص لتجريم وعقاب هذه الظاهرة ذو مزايا عديدة فهو من ناحية يحسم كل خلاف قد ينشأ بخصوص تفسير النصوص القانونية التقليدية التي لا شك أن معظمها لم يكن صادرا أساسا لمواجهة ظاهرة تبييض الأموال ، فالظاهرة اقتصادية مصرفية في المقام الأول ، وبالتالي لابد من نصوص خاصة تحدد على وجه الدقة جوانبها الفنية ..ومن جهة ثانية فإن التدخل التشريعي بمقتضى نصوص خاصة يسمح بطبيعة الحال بضمان جزاءات جنائية أكثر تفردا للظاهرة والتغلب على العقبات الإجراءات التي قد تحد من الحماية الجنائية الموجودة ..وعلى العموم ثمة مستويان لتجريم تبييض الأموال سنتناولهما في مطلبين كالأتي :

المطلب الأول :

تجريم عمليات تبييض الأموال في ذاتها

و المطلب الثاني :

التجريم الاحتياطي لبعض الأنشطة الممهدة لغسيل الأموال.

ـــــــــــــــ
1- الدكتور سليمان عبد المنعم ، مسؤولية المصارف الجنائية عن الأموال غير النظيفة ، دار الجامعة الجديدة للنشر 1999 ، ص 90 .

المطلب الأول :

تجريم عمليات تبييض الأموال في ذاتها :

وهو ما دعت إليه اتفاقية فيينا ووضعت الأمم المتحدة بشأنه قانونا نموذجيا ، وقد استجابة كثير من الدول من بينها الجزائر إلى هذه الدعوة في إطار تفعيل الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر في هذا المجال حيث صدر في هذا الخصوص القانون رقم 05/01 المؤرخ في 06/02/2005 يتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما (1)حيث جاء في المادة 02 من هذا القانون تعريف لتبييض الأموال حيث نصت على ما يأتي : ” يعتبر تبييضا للأموال :

أ- تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية ، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصلت منها هذه الممتلكات على الإفلات من الأثار القانونية لأفعاله ..

ب- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها ، مع علم الفاعل أنها عائدات إجرامية .

جـ- إكتساب الممتلكات أو حيازتها أو إستخدامها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها أنها تشــكل عائدات إجرامية .

د- المشاركة في إرتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة أو التواطؤ أو التأمر على إرتكابها أو محاولة إرتكابها والمساعدة أوالتحريض على ذلك وتسهيل وإسداء المشورة بشأنه.

ــــــــــــــ
1- أنظر الجريدة الرسمية ، العدد 11 ، لسنة 2005 ..

كما عدل قانون العقوبات بموجب القانون 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 (1) حيث عدلت وتممت بموجب المادة 52 منه المادتان 389 مكرر01 و389 مكرر02 والمتعلقتان بالعقوبات المقررة بشأن جريمة تبييض الأموال ..من خلال هذه النصوص يتبين لنا أن المشرع الجزائري ارتأى إنشاء جريمة عامة للتبييض فمهما كانت الجريمة الأصلية جنائية أو جنحية فإنه يمكن لكل شخص يستعمل عائدات هذه الجريمة أن يكون محل متابعة جزائية (2) .

وعليه فإن المشرع الجزائري عند تعمده عدم حصر الجريمة الأصلية للتبييض كان يهدف إلى القضاء على المشاكل العملية للتكييف التي رأيناها سابقا .

المطلب الثاني :

التجريم الاحتياطي لبعض الأنشطة الممهدة لغسيل الأموال :

إن مكافحة جريمة تبييض الأموال لن تكون كاملة بتجريم الفعل في ذاته بل وجب على تشريعات الدول الساعية في هذا المجال أن تعمل على ملاحقة بعض الأفعال التي تجعل من غسيل الأموال أمرا ممكنا ، فهو تجريم ذو هدف وقائي ..فلا شك أن النظم المصرفية المتواطئة والمتساهلة قد تسهل عمليات تبييض الأموال بواسطة ما تملكه من آليات مصرفية معقدة وتقنيات متطورة بل أنها قد تحتج ببعض قواعد العمل المصرفي التي يقرها القانون لتهيئة المناخ اللازم لعملية التبييض ولهذا يبدو ضروريا إلزامها بواجب اليقضة مما يؤدي إلى سد الثغرات التي قد تتسلل من خلالها الأموال غير النظيفة ، وإعتبار الإخلا لبها من قبيل الأعمال التي يعاقب عليها القانون الجنائي ، وقد استطاعت الجزائر أن تسن بعض التدابير في مواجهتها لظاهرة تبييـــض الأموال مثل تجريم الإتجار في المخدرات ومكافحة الإرهاب والمتاجرة في السلاح ….إلخ ..كما أوجدت الجزائر نظاما مؤسساتي لمكافحة الظاهرة مثل خلية فحص المعلومات المالية والتي نصت عليها المواد من 101 إلى 107 من القانون 02/11 المؤرخ في 24/12/2003 المتضمن قانون المالية لسنة 2003 .

ـــــــــــ
1- أنظر الجريدة الرسمية ، العدد 11 ، لسنة 2005.

2- 2-INFRACTION Gènérale de blanchiment .édition juris – classeur – 1997 ..Fascicule 10 p 2

الخاتمــة:

إن تبييض الأموال إجرام منظم يتسم بكثير من الخطورة وهو غالبا ما يحول الجريمة من جريمة فردية إلى جريمة منظمة.وعليه فإن مكافحة هذا النوع من الجرائم تظهر في مكافحة الجريمة الأصلية التي نتجت عنها الأموال, فإذا كانت الأموال ناتجة عن سرقة أو ترويج للمخدرات مثلا, فإن منع استغلال هذه الأموال التي نتجت عن فعل جرمي لأنها عائدات جريمة السرقة أو جريمة الإتجار في المخدرات يعني في الحقيقة منع الجريمة الأصلية أو على الأقل الحد من إستعمالها.

لذلك فإن التشريعات المعاصرة تمضي الآن قدما نحو تجريم هذا النوع من الأفعال ، كما أن المجتمع الدولي يحث الدول على تبني هذا الإتجاه في إطار التعاون الدولي ..فعلى مستوى التشريع المقارن ، فإن أغلب التشريعات تقوم حاليا بتجريم تبييض الأموال وإن إختلفت في الأسلوب .فهناك من التشريعات من لا تجرم صراحة الفعل ولكن قوانينها الجنائية تجرم بعض الأفعال المتعلقة بعائدات الجريمة ، ليس بصفتها تبييضا للأموال ولكن بأوصاف أخرى ، كإخفاء شيء متحصل عليه من جريمة ، أو يجرم التبييض كفعل من أفعال المساهمة الجنائية .

.ونظرا لضرورة توفر التشريعات الداخلية للدول على قانون يجرم تبييض الأموال ، فقد سارعت العديد من الدول في هذا الإتجاه من بينها الجزائر من خلال المشرع الجزائري فقد أصدر قانون خاص بتبييض الأموال وهو القانون رقم 05/01 المؤرخ في 06/02/2005 يتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما كما نص على العقوبات المقررة لهذا الفعل في القانون 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 المعدل والمتمم لقانون العقوبات ..