بحث قانوني شامل عن اليمين كدليل من أدلة الإثبات

مقال حول: بحث قانوني شامل عن اليمين كدليل من أدلة الإثبات

اليمين كدليل من أدلة الإثبات

إعداد:
يارا محمد الشربيني “باحث قانوني “
خطة البحث
تمهيد
المبحث الاول: تعريف اليمين لغة واصطلاحا
المبحث الثاني: تقسيمات اليمين القضائية
المطلب الاول: اليمين الحاسمة:
أولاً: تعريف اليمين الحاسمة:
ثانياً: توجيه اليمين الحاسمة:
ثالثاً: إجراءات حلف اليمين الحاسمة أو ردها أو النكول عنها:
المطلب الثاني: اليمين المتممة:
أولا: تعريف اليمين المتممة
ثانيا: توجيه اليمين المتممة
ثالثا : شروط توجيه اليمين المتممة
رابعا :أثار توجيه اليمين المتممة
المبحث الثالث: يمين المنكر (يمين عدم العلم)
رأى البـــاحــــث:
الـــــمـــراجــــع

تمهيد
الإثبات بالمعنى القانوني هو عملية يجب أن تتم أمام القضاء، وذلك بإقامة الدليل على صحة واقعة معينه، بهدف تكوين عقيدة القاضي بشأن وجود هذه الواقعة من عدمه.
وتتنوع أدلة الإثبات وبالتالي تتنوع إجراءاتها. وتوجد تقسيمات مختلفة وعديدة لأدلة الإثبات، حيث قسمها بعض الفقه بحسب دلالتها، إلى أدلة مباشرة تنصب على الواقعة المراد أثباتها مباشراً مثل (الكتابة وشهادة الشهود…. الخ) وأدله غير مباشرة لا ترد على الواقعة الأصلية محل الإثبات، وإنما على واقعة أخرى يمكن استخلاصها عن طريق الاستنباط مثل القرائن. وقسمها البعض الأخر من حيث إعدادها للإثبات إلى طٌرق معدة للإثبات وطٌرق غير معدة للإثبات، وذهب رأى أخر إلى تقسيمها من حيث حجية الدليل وقوته في الإثبات، وفيها تنقسم الأدلة غلى أدلة تتمتع بحجية ملزمه ولا تقبل أثبات عكسها (كالقرائن القانونية القاطعة واليمين الحاسمة)، وأدلة ذات حجية ملزمه ولكنها تقبل إثبات عكسها (كالكتابة والإقرار)، وأخيرا أدلة لا تتمتع بأي حجية ملزمة (كشهادة الشهود، والقرائن القضائية).
وطرق الإثبات التي حددها القانون المصري هي (أولاً) الأدلة الكتابية، (ثانياً) شهادة الشهود، (ثالثاً) القرائن، (رابعا ً) الإقرار واستجواب الخصوم، (خامساً) اليمين، (سادساً) المعاينة، و(ثامناً) الخبرة سوف نفرد دراستنا في هذا البحث للتركيز على اليمين من حيث تعريفها وتقسيماتها وإجراءات حلفها.
سوف نتناول في هذى البحث دراسة أنواع اليمين القضائية، وذلك على النحو التالي….
• المبحث الأول: تعريف اليمين لغةً واصطلاحاً، وأنواع اليمين.
• المبحث الثاني: تقسيمات اليمين القضائية.
1. مطلب أول: اليمين الحاسمة (تعريفها وآثار توجهها وإجراءات حلف اليمن أو ردها أو النكول عنها)
2. مطلب ثاني: اليمين المتممة (تعرفها، حالات توجيهها، شروط توجيهها، آثار توجيهها وحلفها والنكول عنها).
• المبحث الثالث: يمين المنٌكر ويمين عدم العلم.
• أخيراً: رأى الباحث
المبحث الاول: تعريف اليمين لغة واصطلاحا
لغة: تأتي اليمين في اللغة بمعنى القوة والقدرة ففي قوله تعالى ” وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ” (سورة الحاقة – الآية 44 و45)، وسميت بذلك إحدى اليدين لزيادة قوتها على الأخرى، ثم أُطلقت اليمين على الحلف لقوتها. وسُمي الحلف بالله يميناً لأن به يتقوى أحد طرفي الخصومة.
اصطلاحا: فإن اليمين، وهي عبارة عن قول يتّخذ فيه الحالف الله شاهداً على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد، ويستنزل عقابه إذا ما حنث (كذب). وقد عرفتها محكمة النقض على أنها استشهاد الله عز وجل على قول الحق [النقض المدني – الطعن رقم 152 – لسنة 54 ق – تاريخ الجلسة 9 / 4 / 1990 – مكتب فني 41 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 971 ]
وقد أتخذ المشرع من اليمين نظاما قانونيا للاستدلال على حقيقة واقعة معينة، فهي لا تعد دليلا يقدمه المدعى ليثبت به صحة دعواه، فهي لا تقدم إلى القاضي كما يقدم الدليل الكتابي، وإنما توجه إما من أحد الخصوم إلى خصمه، أو من المحكمة ذاتها لأحد الخصوم في الدعوى.
وتنقسم اليمين إلى يمين قضائية ويمين غير قضائية، فأما اليمين غير القضائية: فهي التي يتفق على تأديتها في غير مجلس القضاء، ولا يقصد منها إثبات أو نفي لواقعة معروضة قضائيا، وهذه اليمين إنما لتأكيد عمل أو وعد ونحو ذلك، كاليمين التي يؤديها الموظفين عند توليهم وظائف معينة، فهي ليست ذات أحكام خاصة بل تسري عليها القواعد العامة. وأما اليمين القضائية: فهي تلك التي تؤدى في مجلس القضاء كطريقة من طرق الإثبات في القضية المنظورة.
ملاحظة: هناك يمين أخرى تسمى بيمين الشهادة وهي تلك اليمين التي يحلفها الشاهد قبل أدائه للشهادة أمام هيئة المحكمة وإلا كانت شهادته باطلة، فهي إحدى إجراءات سماع الشهود وبالتالي فهي تختلف عن اليمين القضائية والتي تعد إحدى طرق الإثبات.
المبحث الثاني: تقسيمات اليمين القضائية

أفرد المشرع المصري الباب السادس من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية لتنظيم أحكام اليمين وذلك في المواد من (114) إلى (130) أثبات وحيث قسم اليمين القضائية إلى يمين حاسمة ويمين متممة.
المطلب الاول: اليمين الحاسمة:
أولاً: تعريف اليمين الحاسمة:
هي اليمين التي يوجهها أحد الخصوم أو المتداعيين لخصمه الآخر حسما للنزاع القائم بينهما، إذا افتقد الدليل الذي يسمح به القانون لإثبات دعواه، محتكما لضمير وذمة ودين هذا الخصم. ولها قاعدة فقهية عظيمة كما جاء في الحديث الشريف: “البينة على من أدعى واليمين على من أنكر”.
وعلى إثر ذلك فإنه إذا أدى خصم اليمين خسر خصمه دعواه، وإذا نكل أي بمعنى تراجع أو امتنع عن تأدية اليمين كسبها خصمه (الذي طلب تأدية اليمين)، ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه، فإذا امتنع ذلك الخصم عن تأدية اليمين خسر دعواه وكسبها من رد اليمين إليه، وهي بذلك طريق غير عادي للإثبات نظمه القانون وحدد آثاره بما يحقق العدالة.
ثانياً: توجيه اليمين الحاسمة:
1-أشخاص اليمين: توجه اليمين الحاسمة من اى من الخصمين – يكون عليه عبء أثبات واقعة قانونية معينة –إلى الخصم الأخر (مادة 114/1 أثبات).
ويجب أن توجه اليمين من الخصم نفسه أو ممن يوكله في ذلك، بشرط أن يصدر له توكيل خاص يفوضه في توجيه اليمين وفى ذلك قضت محكمة النقض بأنه “أن اليمين الحاسمة ملك الخصم لا ملك القاضي” [الطعن رقم 45 – لسنة 15 ق – تاريخ الجلسة 7 / 3 / 1946 – مكتب فني 5 ع – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 122 ]
ويشترط فيمن يوجه اليمين أن تتوافر لديه أهلية التصرف في الحق الذي تُوجّه اليمين بشأنه، كما يجب أن تتوافر لدى هذا الخصم أهلية التصرف في الحق الذي توجه إليه فيه اليمين وأن يملك التصرف في الحق وقت حلف اليمين، وذلك أن كل خصم يوجّه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً على الخيار بين الحلف والرد والنكول.
ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للوكيل توجيه اليمين إلا إذا صدرت له وكالة خاصة بذلك، ولا يجوز للولي أو الوصي أو القيّم توجيهها إلا إذا كان له حق التصرف فيما يستحلف عليه الخصم.
ولا يستطيع القاضي أن يوجه اليمين الحاسمة من تلقاء نفسه، بل يجب أن توجه من أحد الخصمين للأخر. فهي ملك للخصوم وعلى القاضي أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها،
[الطعن رقم 3263 – لسنة 60 ق – تاريخ الجلسة 23 / 4 / 1995 – مكتب فني 46 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 685 ]

2-الوقائع محل اليمين:
لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة ألا عن وقائع تتوافر فيها – فضلا عن الشروط العامة الواجب توافرها في الوقائع محل الإثبات – شروط خاصة مثل….
(أ‌) عدم مخالفتها للنظام العام والآداب، وان كان يجوز توجيهها من الشخص الذي كان ضحية واقعة غير مشروعة، لإثبات هذه الواقعة، فيجوز للمدين أن يوجه اليمين لدائنة ليحلف على أن سبب الدين ليس سببا غير مشروع وذلك وفقا لرأى الفقه، (عبد الرازق السنهوري رقم 283ص708).
(ب‌) مشروعية الواقعة من حيث عدم تشكيلها لجريمة يعاقب عليها قانون العقوبات (م 115/1 أثبات)، ويرجع ذلك إلى انه لا يجوز إحراج مركز الخصم، وتحليفه مدنيا على ما لا يجوز التحليف عليه جنائيا ً.
[الطعن رقم 731 – لسنة 47 ق – تاريخ الجلسة 12 / 3 / 1980 – مكتب فني 31 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 790 ]
(ت‌) أن تكون الواقعة التي تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من يوجه إليه اليمين، فإذا كانت غير شخصية له انصبت على مجرد علمه بها (م115/2 أثبات). وفى هذه الحالة الأخيرة يسمى اليمين يمين العلم.
(ث‌) ولا يجوز توجيه اليمين بشأن المسائل القانونية، لأنها من صميم عمل القاضي، ولكن يجوز توجيهها بشأن مسألة من مسائل الواقع.
(ج‌) إذا كانت الواقعة محل اليمين متصلة بوقائع أخرى، برباط لا يقبل التجزئة فليس ثمة ما يمنع من توجيه اليمين عنها جميعا، على ألا تحكم المحكمة -بعد حلف اليمين – إلا في حدود ما طلبه الخصم (رأى فقهي).

3-إجراءات توجيه اليمين:
(أ‌) يجوز توجيه اليمين الحاسمة في اى حاله كانت عليها الدعوى (م115/4 أثبات)، وسواء كان ذلك التمسك أمام محكمة أول درجة أو تمسك به الخصم لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، ولكن لا يجوز التمسك به أمام محكمة النقض، حيث جاء في منطوق محكمة النقض بأنه” للخصم توجيه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى، سواء أمام محكمة الدرجة الأولى أو الثانية، وقبل كل دفاع أو بعده، بصفة أصلية أو على سبيل الاحتياط
[الطعن رقم 2938 – لسنة 64 ق – تاريخ الجلسة 8 / 12 / 1994 – مكتب فني 45 رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 1579]
(ب‌) لا يصح توجيه اليمين الحاسمة أمام القضاء المستعجل بشأن موضوع الدعوى، لعدم اختصاصه بالبت في أصل الحق، وإن كان بعض الفقه يرى أمكانية توجه اليمين الحاسمة في واقعة تدخل في اختصاص القضاء المستعجل.
(ت‌) يجب على من يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه، أن يبين بدقة الوقائع التي يريد استحلافه عليها، وأن يذكر صيغة اليمين بعبارات واضحة (م122 أثبات).
(ث‌) للمحكمة أن تعدل صيغة اليمين التي يعرضها الخصم بحيث توجهه بوضوح (م 123 أثبات)، إلا أن المحكمة لا تملك تغير اليمين الحاسمة، تغيرا يؤثر في مدلولها ومعناها، فإذا رأت المحكمة ضرورة التعديل، تعين عليها أن تعرض التعديل على موجه اليمين، فإذا أقره تم توجيهه، وإذا رفضه لا تستطيع المحكمة توجيهه بالصيغة المعدلة، ما دامت لا تعبر عن أرادة موجه اليمين، وفى ذلك قضت محكمة النقض بأنه ” إذا ما وجهت اليمين الحاسمة بصيغة معينة فإن المحكمة لا تملك تغيير هذه الصيغة تغييراً يؤثر في مدلولها ومعناها، إذ الشأن في ذلك هو لمن يوجه اليمين دون غيره”.
[الطعن رقم 103 – لسنة 13 ق – تاريخ الجلسة 1 / 6 / 1944 – مكتب فني 4 ع – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 395 ]
(ج‌) ولكي تنتج اليمين أثرها في حسم النزاع، يتعين أن توجه دون أي تحفظ أو اشتراط.
(ح‌) ويخضع طلب توجيه اليمين الحاسمة لتقدير المحكمة. فالقانون يجيز للقاضي أن يمنع توجيه اليمين، إذا كان الخصم متعسفا في توجيهها (م114/2 أثبات)، واستخلاص مدى تعسف الخصم وكيدية اليمين من سلطة محكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض متى استندت إلى اعتبارات سائغة ” إن المستفاد من المادتين 224، 225 من القانون المدني أن اليمين الحاسمة ملك الخصم لا ملك القاضي، ومن ثم يكون متعيناً على القاضي أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها إلا إذا بان له أن طالبها متعسف في هذا الطلب. فإذا كان الحكم قد رفض توجيه هذه اليمين بمقولة إن المعاملة بين الطرفين بالكتابة وطالب اليمين رجل قانوني يقدر المستندات في مسائل الحساب، فإنه يكون قد خالف القانون، إذ هذا الذي قاله ليس فيه ما يفيد أن طالب اليمين كان متعسفاً في طلب توجيهها”.
[الطعن رقم 45 – لسنة 15 ق – تاريخ الجلسة 7 / 3 / 1946 – مكتب فني 5 ع – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 122 ]
(خ‌) فإذا توافرت شروط اليمين الحاسمة، التزم القاضي بإجابة طلب اليمين.

4-الرجوع في اليمين والمنازعة فيها:
– لمن وجه اليمين الحاسمة أو ردها، أن يرجع في ذلك حتى يعلن خصمه، الذي وجهت إليه اليمين، وقبوله لحلفها (م 116 أثبات). ويعتبر البعض السماح للخصم بالعدول عن توجيه اليمين بعد صدور الحكم بالتحليف، لما ينطوي ذلك على استهانة بالقضاء، وكان من الواجب ألا يسمح بها.
– ولا يشترط في الرجوع شكل خاص فيكفي بأن يصدر من الخصم ما يدل على عدوله عن توجيهها وله أن يعود مرة أخرى إلى أعادة طلب توجيهها، ما لم يكن قد تنازل عنها نهائيا وقبل خصمه هذا التنازل.
– ولمن وجهت أليه اليمين الحاسمة أن ينازع في جوازها أو في مدى تعلقها بالدعوى أو أن يدعى بأنها غير منتجه في الدعوى (م125 أثبات).
ثالثاً: إجراءات حلف اليمين الحاسمة أو ردها أو النكول عنها:
(1) النكول عن حلف اليمين: تنص المادة 118 أثبات على أن ” كل من وجهت أليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه، وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها، خسر دعواه “.
وبناء على ذلك يعتبر ناكلا كل من وجهت أليه اليمين ورفض أن يحلفها دون أن ينازع فيها أو يردها على خصمه، وكذلك يعتبر ناكلا الخصم الذي لم يحضر الجلسة المحددة للحلف دون تقديم عذر تقبله المحكمة. وأيضا إذا حضر وسكت أعتبر أيضا ناكلا.
ويترتب على ذلك أن الخصم الذي خسر دعواه نتيجة نكوله عن حلف اليمين لا يجوز له الطعن على الحكم الصادر بناء على النكول على اليمين ألا إذا كان هذا الطعن مبنيا على أن اليمين وجهت في غير حالتها أو على بطلان إجراءات توجيهها.

(2) رد اليمين على الخصم: للخصم الذي وجهت إليه ليمين أن يردها، أي أن يرفض حلفها ويطلب ممن وجهها له أن يحلفها هو، وهو ما يعد بمثابة طلب حلف يمين موجه للخصم. لذلك يشترط عند رد اليمين الحاسمة ما يشترط في توجيهها. ولا يجوز الرد ألا في الوقائع المشتركة بين الخصمين، أما أذا لم تكن مشتركة وكانت خاصة بمن وجهت إليه فلا يجوز ردها. ولا يمكن رد اليمين مرة ثانية على من ردها عليه وألا أستمر التحقيق إلى ما لا نهاية ويلاحظ أن إجازة رد اليمين يهدف إلى ضمان جدية من يوجه اليمين الذي يتعين أن يكون متأكدا من قوة مركزه.

(3) حلف اليمين: على الخصم الذي وجه إليه حلف اليمين أن يؤديها بنفسه. فلا يجوز أن يوكل غيرة في أدائها. فإذا كان حاضرا بنفسه الجلسة التي صدر فيها الحكم بتوجيه اليمين أو فصلت المحكمة في المنازعة الخاصة بجواز توجيهها، وجب أن يحلفها فوراً أو أن يردها على خصمه وألا عد ناكلا، وللمحكمة أن تعطيه ميعادا للحلف أذا رأت لذلك وجها.
فان لم يكن حاضرا وجب تكليفه على يد محضر.وأذا كان من وجهت أليه اليمين عذر يمنعه من الحضور أمام المحكمة، انتقلت أليه أو انتدبت أحد قضاتها لتحليفه (م126 أثبات).
ويكون تأديه اليمين شفويا بأن يقول الحالف “أحلف” ويذكر الصيغة التي أقرتها المحكمة (م127 أثبات)، ولمن يحلف اليمين أن يؤديها وفقا للأوضاع المقررة في ديانته، أذا طلب ذلك (م128 أثبات).
ويعتبر في حلف الأخرس ونكوله، إشارته المعهودة، أن كان لا يعرف الكتابة، فأن كان يعرفها فحلفه ونكوله بها (م129 أثبات). وبعد حلف اليمين يحرر محضر بذلك يوقع عليه كل من الطرف الحالف ورئيس المحكمة والقاضي المنتدب والكاتب.
بعد حلف اليمين لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين للتخلص من نتيجتها، ولا يجوز الطعن في الحكم الذى أذن بحلف اليمين، بقصد إلغائه وإلغاء اليمين إلا إذا كان مبنى الطعن أن اليمين وجهت في غير حالاتها أو على بطلان إجراءات توجيهها وبشرط ثبوت ذلك.
فإذا رفعت دعوى من النيابة العامة ضد من حلف كذبا، فلا يجوز لخصمه أن يتدخل في هذه الدعوى، وعليه أن ينتظر صدور حكم جنائي نهائي يكذب اليمين، ثم يقوم الخصم المضرور بعد ذلك برفع دعوى تعويض أمام المحكمة المدنية.
المطلب الثاني: اليمين المتممة:
أولا: تعريف اليمين المتممة
نصت المادة 119 أثبات على أنه ” للقاضي أن يوجه اليمين المتممة من تلقاء نفسه إلى أي من الخصمين ليبنى على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو في قيمة ما يحكم به “.
وقد عرفها الفقه بأنها إجراء يلجأ أليه القاضي لاستكمال أدلة الدعوى أو لتأكيد الأدلة أحد الخصوم أذا كان ادعائه محتملا، وفى حكم لمحكمة النقض بأن “أن اليمين المتممة تعتبر دليلا تكميليا إضافيا كما هو ظاهر من اسمها ويجوز أن يرتب عليها الفصل في النزاع ولكن قد لا يكون توجيهها ضروريا لهذا الفصل في إجراء من إجراءات التحقيق التي تيسر للقاضي تحصيل دليل خاص تقتضيه العدالة ويكون لها ما لغيره من قوة الإلزام لأنها تفترض توافر عناصر إثبات لها مكانتها وإن كانت أدنى من مرتبة الدليل وهي بذلك تختلف عن اليمين الحاسمة إذ لا تنقل مصير النزاع إلى نطاق الذمة على وجه التخصيص والإفراد بل يظل النزاع محصورا في حدود أحكام القانون وإن جاوز هذه الحدود إلى ذلك النطاق استكمالا للدليل ولهذه العلة لا تعتبر حجة قاطعة ملزمة.”
[الطعن رقم 290 – لسنة 67 ق – تاريخ الجلسة 19 / 3 / 1998 – مكتب فني 49 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 244 ]
ثانيا: توجيه اليمين المتممة
توجه اليمين الحاسمة في المنازعات المدنية والشرعية ولا يجوز توجيهها في المحاكم الإدارية والجزائية.
وتوجه في أي حالة كانت عليها الدعوى كما هو الأمر بالنسبة لليمين الحاسمة، وتوجه إلى أي من الخصمين وذلك حسب تقدير القاضي والذي لا يلزم بتسبيب اختياره أحد الخصوم. وذهب رأى في الفقه إلى جواز توجيهها أمام محكمة النقض وذلك في حاله التي تكون فيها محكمة النقض تنظر في النزاع باعتبارها محكمة موضوع.
ثالثا : شروط توجيه اليمين المتممة
وقد حدد المشرع بعض الشروط الخاصة التي يجب أن تتوافر في الواقعة محل اليمين المتممة مثل، أن تتعلق بشخص من وجهت إليه اليمين وإلا انصبت على مجرد علمه بها (يمين العلم)،.
وكذلك نصت المادة 119/2 أثبات على انه” يشترط في توجيه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل وإلا تكون الدعوى خالية من أي دليل ” ويقصد بذلك أن تكون هناك أدلة أثبات قدمت في الدعوى ولكنها غير كافية لتكون عقيدة واقتناع القاضي وتقدير مدى كفاية الأدلة وهو سلطة تقديريه للقاضي ولكن أذا كانت الدعوى خاليه من أي دليل لا يجوز للقاضي اللجوء لتوجيه اليمين المتممة، وأخيرا أن تكون الواقعة غير مخالفة للنظام العام، أي تكون مشروعة وقد أوضحت محكمة النقض في حكم سابق لها على أن ” أن شرط توجيه اليمين المتممة هو أن يكون لدى كل من الطرفين مبدأ ثبوت لا يرقى إلى مرتبة الدليل الكامل فإذا ما وجهت المحكمة اليمين إلى أحد الخصمين وحلفها وقدرت من ذلك أن الدليل الكامل قد توافر على صحة ما يدعيه فليس في ذلك ما يناقض ما سبق أن قررته في حكمها الصادر بتوجيه اليمين من أن كلا من الطرفين يستند في دعواه إلى دليل له قيمته”
[الطعن رقم 103 – لسنة 19 ق – تاريخ الجلسة 5 / 4 / 1951 – مكتب فني 2 رقم الجزء 3 – رقم الصفحة 622 ]
رابعا :أثار توجيه اليمين المتممة
أذا كان من الجائز للقاضي توجيه اليمين المتممة لأي من الخصمين فلا يجوز له تقديمها للخصمين معا (رأى فقهي)، كما لا يجوز للخصم الذى توجه إليه اليمين المتممة أن يردها على خصمه الآخر (م120 أثبات وعلة ذلك أن اليمين المتممة موجه من القاضي وليس من الخصم، وليس منطقيا أن يردها على القاضي، كما أنها وسيلة تكميلية ، يستكمل بها القاضي الأدلة وحتى يمكنه تكوين عقيدته وليس احتكاما إلى ضمير الخصم. وبالتالي فأن من وجهت إليه ليس له إلا أن يحلفها أو ينكل عنها.

وعلى القاضي الذى يقرر توجيه اليمين المتممة أن يحدد الوقائع محل اليمين (م 318 من قانون المرافعات الفرنسي الحالي)، وأن يشمل الحكم الصادر بتوجيه اليمين على تحديد ميعاد حلف اليمين ومكان الحلف ويلفت نظر من وجهت أليه اليمين أن اليمين الكاذبة تعرض صاحبها للعقوبة الجنائية.

أذا نكل الخصم الموجه له حلف اليمين عن حلفها تظل الأدلة ناقصة بل تزيد الريبة في صحة ادعائه ومع ذلك فانه ليس من المحتم أن يقضى ضده فللقاضي حرية ما يراه من هذا النكول.
فإذا حلف الخصم اليمين المتممة، فيجب أن يحلفها بنفسه دون أن يوكل أحد، والغالب أن المحكمة تقضى لصالحه أذا حلفها ولكن ليس هناك ما يمنع من أن تقضى ضده إذا وقف القاضي على أدله جديدة تقنعه.

وأخيرا وفى شأن تقدير الأدلة بعد حلف اليمين أو قبول أدله جديدة في الدعوى، فأن الفقه قد أختلف في هذا الشأن. فأن الرأي الراجح ذهب إلى أن للقاضي سلطه تقديرية مطلقه في أعادة تقدير الأدلة التي تحت يده أو في قبول أدله جديدة بعد حلف اليمين، ويستند هذا الرأي إلى فكرة أن اليمين المتممة يلجأ إليها القاضي لاستكمال عقيدته بشأن واقعه معينه وأنها ليست ملزمه له على الإطلاق في إصدار حكم معين إذا حلفها الخصم، على عكس الحال بالنسبة لليمين الحاسمة، وقد قضت محكمة النقض في هذا الشأن بأن ” اليمين المتممة ليست إلا إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة منه في تحري الحقيقة ثم يكون له من بعد اتخاذه سلطة مطلقة في تقدير نتيجته. فهي ليست حجة ملزمة للقاضي بل له أن يأخذ بها بعد أن يؤديها الخصم أو لا يأخذ بها ولا تتقيد محكمة الاستئناف بما رتبته عليها محكمة أول درجة لأنها لا تحسم النزاع ولا تحول دون استئناف الحكم المؤسس عليها، من ثم فلا يعيب الحكم عدم رده على الدفع بعدم قبول الاستئناف المؤسس على أن اليمين المتممة قد حسمت النزاع إذ هو دفع غير منتج لا يغير بإغفاله وجه الحكم في الدعوى”
[الطعن رقم 242 – لسنة 21 ق – تاريخ الجلسة 13 / 1 / 1955 – مكتب فني 6 رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 473 ]
المبحث الثالث: يمين المنكر (يمين عدم العلم)
النوع الثالث والأخير من أنواع اليمين بقانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، هي يمين المنكر ويمين عدم العلم، فكلاهما من نوع واحد، وقد نصت المادة رقم (14) من قانون الإثبات على يمين عدم العلم، حين نصت على أنه:
(يعتبر المحرر العرفي صادراً ممن وقعه، ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة.
أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار، ويكفي أن يحلف يميناً بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى عنه الحق….).
كما نصت المادة رقم (23) من قانون الإثبات على يمين المنكر، حين نصت على أنه:
(إذا أثبت الطالب طلبه وأقر الخصم بأن المحرر في حيازته أو سكت، أمرت المحكمة بتقديم المحرر في الحال أو في أقرب موعد تحدده. وإذا أنكر الخصم ولم يقدم الطالب إثباتاً كافياً لصحة الطلب، وجب أن يحلف المنكر يميناً بأن المحرر لا وجود له أو أنه لا يعلم وجوده ولا مكانه، وأنه لم يخفه أو لم يهمل البحث عنه ليحرم خصمه من الاستدلال به).
وقد ذهبا كل من الفقه والقضاء بشأن يمين المنكر إلى ما نصـه:
(إذا حلف الخصم اليمين المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة 23 إثبات، أعتبر مدعى التزوير عاجزاً عن الإثبات وقضت المحكمة برفض طلبه، أما إذا رفض الخصم حلف اليمين اعتبر ذلك منه إقرار بوجود المحرر تحت يده، وامتناعاً عن تقديمه، فالحكم يختلف بين حالة إنكار الخصم وجود الورقة، وحالة إقراره بوجودها، إذ أنه في الحالة الأولى يتعين تحليف الخصم وترتيب الحكم على موقفه من الحلف، أما في الحالة الثانية فلا حاجة إلى تحليفه ويجوز للمحكمة أن تأمره بتقديم الورقة وأن ترتب الحكم على موقفه من تنفيذ هذا الأمر، ولذلك يجب أن يبين في الحكم أي الموقفين اتخذه الخصم من طلب إلزامه بتقديم الورقة، حتى يرتب على كل موقف أثره، وإلا كان الحكم قاصرا وكان قضاؤه خاطئاً ومنعدم الأساس القانوني).
(نقض مدني بجلسة 8/2/1951 سنة، ص 320،
(وراجع في ذلك الدناصورى وعكاز – التعليق على قانون الإثبات – طبعة نادي القضاة الطبعة التاسعة – ص 197 وما بعدها).

ويلاحظ أن يمين المنكر، هي ليست بيمين حاسمة، بل هي يمين استيثاق إجبارية قانونية
فهي ليست يمين حاسمة: لأنها ليست الدليل الوحيد في الدعوى ولا يحسم
النزاع بحلفها.
وهي يمين استيثاق: لأن المشرع أراد بها أن يعزز الإنكار المرسل للمنكر بحلفه اليمين تأكيداً وتوثيقا لهذا الإنكار.
وهي يمين إجبارية: لأن القانون – بموجب المادة (23/2) إثبات – أوجب على المنكر حلفها، فيكون توجيهها بالتالي من المحكمة إلى المنكر إجباري على المحكمة أيضا، بل ويتعين عليها توجيهها إلى المنكر من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلب منها ذلك.
وهي يمين قانونيـة: لأن القانون هو الذي حدد صيغتها بموجب المادة (23/2) إثبات، وذلك على خلاف اليمين الحاسمة التي يحدد الخصم الذي يوجهها بصيغتها، ويجوز للمحكمة تعديل صيغتها بما يتفق والواقعة المطلوب الحلف عليها، وعلى خلاف اليمين المتممة التي تستقل المحكمة بتحديد صيغتها.
رأى البـــاحــــث:
مما لا شك فيه أن اليمين القضائية تعد من أهم الأدلة الإثبات التي نص عليها القانون، بل أنها تعتبر صمام الأمان الأخير الذي يلجأ أليه الخصوم حين يعجزون عن إثبات دعواهم وذلك لما تنطوي عليه من احتكام إلى ضمير وأخلاق ودين من توجه إليه، وبالتالي فهي قد تكون الحل الأخير الذي يلجأ إليه الخصم حين يفتقد الدليل القوى لإثبات صحة ما يدعيه، كذلك هي وسيله من الوسائل التي يلجأ إليها القاضي لتكون عقيدته.
وبخصوص مدى جواز توجيه القاضي المستعجل لليمين القضائية، نرى بأنه لا يجوز توجيه اليمين القضائية بشكل عام –حاسمة كانت أو متممة -من قبل قاضى الأمور المستعجلة فيما يخص الموضوع أصل الحق.
ولكن نرى أن الوضع يختلف إذا كان توجيهها يتعلق بما يدخل في اختصاص القضاء المستعجل من أمور أولا فيما يخص اليمين الحاسمة: فأننا نرى أنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في شأن وقائع تدخل في اختصاص القاضي المستعجل، وذلك لما لهذه اليمين من إثر في شان حسم النزاع.
أما فيما يخص اليمين المتممة: فان الوضع يختلف حيث أن اليمين المتممة هي وسيلة يلجا إليها القاضي لتكوين عقيدته وليس لها أي إثر في حسم النزاع وبالتالي فلا مانع من توجيهها في الأمور التي تدخل في اختصاص القضاء المستعجل.
الـــــمـــراجــــع
1. د/عبد الرازق السنهوري (الوسيط في شرح القانون المدني – الجزء الثاني – المجلد الأول – الإثبات) دار النهضة.
2. د/أسامة حمد شوقي المليجي (القواعد الإجرائية للإثبات المدني، وفقا لنصوص القانون وأحكام القضاء وآراء الفقه) دار النهضة العربية.
3. د/أحمد أبو الوفا (التعليق على قانون الإثبات).
4. أ/ حامد عكاز والمستشار عز الدين الديناصورى (التعليق على قانون الإثبات).
5. المستشار يحيى إسماعيل (المرشد في قانون الإثبات).
6. مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمسين عاما، المجلد الأول في الإثبات والاختصاص 1985.

شارك المقالة

2 تعليق

  1. جهد مشكور بارك الله لك

  2. حسنا’اريد ان اكتب البحث في هذا الموضوع هل تستطيع ان تساعدني بالمراجع عنه والمزيد من ا لعلوم فيه .شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.