رسالة علمية قانونية حول التعريف بالجرم المشهود و حالته

أ / أحمد ابو الزين

1- التعريف بالجرم المشهود .

عرفت المادة /28/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية الجرم المشهود بقولها :
1- الجرم المشهود هو الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه ”
2- ويلحق به أيضا الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناء على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنهم فاعلوا الجرم وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم “

فالجرم المشهود كما هو واضح هو الجرم الذي يشاهد أثناء وقوعه أو تشاهد آثاره بعد وقوعه بفترة يسيره .

2- خصائص الجرم المشهود .

إن اعتبار الجرم مشهوداً أو غير مشهود لا علاقة له بأحكام قانون العقوبات فهي واحدة في الحالين ، والجرم مشهوداً كان أم غير مشهود ، لا يختلف من حيث تكوينه وأركانه أو العقاب عليه ، والفرق يكمن من حيث كيفية ضبط الجريمة ، ومن حيث تطبيق قواعد أصول المحاكمات الجزائية فالجرم المشهود حالة أو وصف يلحق الفعل الجرمي من حيث طريقة اكتشافه أثناء وقوعه أو بعد وقوعه بفترة زمنية قصيرة ويؤدي ذلك إلى منح أعضاء الضابطة العدلية سلطة القيام ببعض أعمال التحقيق الابتدائي إضافة إلى وظيفتهم الأساسية في البحث الأولي عن الجرائم ومقترفيها ، أما إذا كان الجرم غير مشهود فليس لهم مثل هذه السلطات .

ينتج عن ذلك اتصاف الجرم المشهود بالخصائص التالية :

أ‌- خصائص الجرم المشهود حالة موضوعية :

المادة /28/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية لم تقل عن الجرم المشهود أنه الجرم الذي يشاهد فاعله حين اقترافه أو عند الانتهاء من اقترافه وإنما قالت:

(( الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه ))
فالمقصود من المشاهد :
إذاً مشاهدة الجرم ” الفعل” لا الفاعل وعليه فلا يشترط لاعتبار الجرم مشهوداً مفرعة فاعله أو مشاهدته وهو يقترف الجريمة وبالتالي فإن الضابطة العدلية تباشر سلطاتها في التحقيق بمجرد مشاهدة الفعل وإن لم تشاهد فاعله :
كمشاهدة جثة القتيل وهي تقطر ، أو رؤية حريق يشتعل ، أو أسلاك بيت متصلة بأسلاك مؤسسة الكهرباء ولا يكون صاحبه متعاقداً معها .

ففي كل هذه الأمثلة تعتبر الجرائم جرم مشهود ، بصرف النظر عن مشاهدة الفاعل أو التعرف عليه ، وتستمر الجهة المباشرة في التحقيق وفي البحث عن الفاعل .

ب- الجرم المشهود حالة محسوسة :

الجرم المشهود لا يعتبر مشهوداً بناء على شهادة الشهود الذين شاهدوا أو سمعوا بالجرم وقاموا بعد ذلك بنقل مشاهدتهم إلى الموظف المختص طالما أن هذا الموظف لم يشاهد المظاهر الخارجية المحسوسة للجريمة .

بيد أنه إذا أخبر موظف الضابطة العدلية نبأ وقوع الجريمة وأشار إلى مكانها في الحال، فشاهد بنفسه أثار تفصح عن وقوعها منذ فترة قصيرة ، فإن الجريمة تعتبر مشهودة في هذه الحالة بناء على المظاهر الخارجية التي شاهدها الموظف لا على أساس الأخبار الذي تلقاه .

ج – الجرم المشهود حالة نسبية :

إن الجرم المشهود لا يعتبر مشهوداً إلا بالنسبة للموظف الذي شاهده بنفسه والمقصود موظف الضابطة العدلية بالطبع ، فيجب أن يشاهد هذا الموظف الفعل بنفسه في إحدى حالاته ، والمشرع منح ثقته لمن شاهد الجرم وحجبها عن غيره .

وعليه ، فالجرم المشـهود لا يؤدي فحسـب إلى الخروج على القواعــد العامة ( قواعد أصول المحاكمات الجزائية ) فيما يتعلق بالتعدي على سلطة التحقيق بإعطاء الضابطة العدليه سلطات استثنائية بل إلى خرق هذه القواعد فيما يتعلق بمبدأ فصـل وظائف الادعـاء والتحقيق والمحاكمة ، حين يقوم قاضي التحقيق بمباشرة أعماله قبل أن تقام الدعوى العامة لديه ، وحـين يفصل قضاة الحكـم في الواقعة في جرائم الجلسـات ، ومن شأن الجرم المشهود إزالة مفعول الحصانات الإجرامية التي يتمتع بها بعض الأشخاص ، كأعضاء مجلس الشعب والقضاة والموظفين .

حالات الجرم المشهود :

يتضح من نص المادة /28/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن الجرم يعتبر مشهوداً في أربع حالات :
1- الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه .
2- الجرم الذي يشاهد عند الانتهاء من ارتكابه .
3- حالة القبض على مرتكب الجرم بناء على صراخ الناس .
4- حالة ضبط مرتكب الجرم ومعه أشياء أو أسلحة أو أوراق
يستدل منها أنه فاعله ، وذلك في الأربع والعشرين ساعة من
وقوع الفعل .

وهناك حالة خاصة ، وهي حالة ملحقة بالجرم المشهود بموجب المادة /42/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وذلك إذا حدثت جناية أو جنحة غير مشهودة داخل بيت وطلب صاحبه إلى النائب العام إجراء التحقيق بشأنها.

تنص المادة /42/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على :
(( – يتولى النائب العام التحقيق وفقاً للأصول المعينة للجرائم المشهودة إذا حدثت جناية أو جنحة وإن لم تكن مشهودة داخل بيت ، وطلب صاحب البيت إلى النائب العام إجراء التحقيق بشاءنها .))

ومثال ذلك : كما لو عاد شخص من سفر إلى بيته فوجد زوجته مقتولة ولم يكن في البيت غيرها ، فيستدعي رجال الشرطة ويطلب إليهم التحقيق في تلك الجرمية .

في جريمة الزنا ، فللجرم المشهود معنى آخر ، إذ يكفي فيها أن يوجد الزاني والزانية في حالة مريبة لا تترك مجالاً للشك في ارتكاب هذا الجرم أو يصعب رؤية الجناة متلبسين بالجرم ، وقد جاء في اجتهاد لمحكمة النقض السورية ما يلــي:

(( حيث أن الفقه والاجتهاد يتفقان على أن حالة الجرم المشهود لا تكون قائمة عند مفاجاءة الفاعلين وهما يرتكبان الجريمة دون سواها من الحالات ، وإنما تكون كذلك عندما يفاجأن في حالة لا تدع مجالاً للشك في إنهما مرتكبان جريمة الزنا ))

( جوابية – روموليه وباتان 412)
وفي حالة تفترض بالضرورة أن الزنا قد وقع
(دالوز الحديث ف 15 ص 100 ج 1 )
ويلاحـظ أن الحـالة الأولى مـن حـالات الجـرم المشـهود وهـي الحـالة الـتي ( يشاهد فيها الجرم حالة ارتكابه ) هي الحالة الحقيقية للجرم المشهود أما الحالات الثلاثة الأخرى فهي ليست إلا حالات اعتبارية أو حكمية للجرم المشهود لأن المشاهدة فيها لا تنصب على الجريمة حال وقوعها بل على أثارها الباقية بعد وقوعها بفترة قصيرة ، بيد أن المشرع لم يفرق بين الجرم المشهود حقيقية والجرم المشهود اعتبارا لا من حيث شروطه ولا من حيث الآثار المترتبة عليه .
وتجدر الإشـارة إلى أن المشّرع قد أورد حالات الجرم المشهود على سبيل الحصر ، فلا يجوز للقاضي إضافة حالة جديدة لم يرد ذكرها ، أو القياس عليها .

وفيما يلي شرح لكل حالة من حالات الجرم المشهود :

أ- الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه :
وتقوم هذه الحالة حين مشاهدة الجريمة أثناء اقتراف الركن المادي لها لرؤية الجاني أو المعتدي وهو يطعن المتعدى عليه بسلاح حاد ، والمشاهدةهنا غالباً ما تكون عن طريق الرؤية ولكن هذا ليس بشرط لاعتبار جريمة مشهودة أن المشاهدة هنا يمكن حصولها بأية حاسة من الحواس ، كحاسة الشم أو السمع ، كأن يضبط شخص ورائحة المخدر تنبعث من فمه .

ب- مشاهد الجرم عند الانتهاء من ارتكابه :
وهذه حالة اعتبارية للجرم المشهود ، ومثال ذلك :

(( مشاهدة الفاعل يخرج مسرعاً من مكان وقوع الجريمة وهو مضطرب ))
وتطبيقاً لذلك حكمت محكمة النقض :
((حيث أن الفقه والاجتهاد يتفقان على أن حالة الجرم المشهود لا تكون قائمة عند مشاهدة الفاعلين وهما يرتكبان الجريمة دون سواها من الحالات ، وإنما تكون كذلك عندما يفاجأن في حالة لا تدع مجالاً للشك في أنهما مرتكبان جريمة الزنا وفي حالة تفترض بالضرورة أن الزنا قد وقع …..))

ولما كانت الواقعة التي أخذت بها محكمة الموضوع هي التي فوجئ فيها الطاعنان في حجرة الشاكي الذي كان غائباً عن منزله وعاد فوجد زوجته الطاعنه مرتديه ثيابها الشفافة وعليها علامات الارتباك ، فأخذت تحاول أن تخرج زوجها من الحجرة فلم تستطع وطلب منها أن تأتيه بسيكارة ، حتى إذا خرجت كشف الغطاء الخاص بالسرير فوجد الطاعن الأخير بحالة شبه عارية خالعاً ثوبه ومحتفظاً بقميص وسروال فاشتبك معه ونودي رجال الشرطة وهرع الشهود الذين ألقوا القبض على الطاعنين في الحال التي كان عليها .

فاستخلصت محكمة الموضوع بأن الطاعنين كانا في حالة التلبس بالزنا ، فاجأهما الزوج عند الانتهاء من الجرم المشهود .

فلو كان الطاعن سارقاً لما خلع أثوابه ولو أن الطاعنة غير عالمة لما حاولت مراراً إخراج زوجها من الغرفة وهي واقفة في بابها وبأثوابها الداخلية الشفافة …

فإنه من هذا الاستخلاص لحالة الجرم إنما يكون متفتقاً والحدود التي وضعها الفقه والاجتهاد القضائي في فرنسا فإن الأسباب الثلاثة من الطعن تغدو غير جديرة بالقبول ومتعيناً ردها موضوعاً .

والحالة المعتبرة يجب حصولها مباشرة وعقب وقوع الجريمة بوقت ثابت وتقدير الوقت واعتباره قصيراً أم لا، هو مسألة موضوعية تناقش من محكمة الموضوع ولا رقابة عليها من قبل محكمة النقض .

ج- القبض على مرتكب الجرم بناء على صراخ الناس :
هي حالة اعتبارية للجرم المشهود ، حيث يفترض أن موظف الضابطة العدلية لم يشهد الجريمة إبان وقوعها بل شاهد فاعلها يتبعه الناس بالصراخ وهو يفر من الناس سواءً وقعت عليهم الجريمة أم لم تقع ، ويشترط لقيام هذه الحالة أن يكون من وقع عليه الاعتداء من مرتكب الجريمة أن يقوم بالصياح عقب ارتكاب الجريمة بفترة قصيرة .

أو يكون الجاني في الحالة التي ضبط فيها تدل على انه هو من اقترف الجرم كأن يشاهد على ملابسه بقع دم ، أو في جسمه خدوش أو غير ذلك …….

د- شروط الجرم المشهود :
لاعتبار الجرم مشهوداً وبالتالي اتسـاع سـلطات الضابطة العدليه حتى تشمل التحقيق ما يلــي:
1- أن تتوافر حالة من حالات الجرم المشهود .
2- أن تتم المشاهد من قبل موظف الضابطة العدلية ذاته .
3- أن تحصل المشاهدة بصورة مشروعة .

فإذا لم تتوافر حالة الجرم المشهود الذي سبق ذكرها لا يعتبر الجرم مشهوداً وبالتالي لم يعد في سلطة الضابط العدلية القيام بأعمال التحقيق .

فالجرم المشهود لا يعتبر مشهوداً إذا علم موظف الضابطة العدلية من غيره نبأ وقوعه ، ولم يشاهد بنفسه الجرم في إحدى حالاته .

وإذا علم هذا الموظف ومن أي مصدر كان بوقوع جريمة وانتقل إلى مكانها في الحال وشاهد مشاهد خارجية ملموسة تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك بوقوع الجريمة منذ فترة قصيرة ، أعتبر الجرم مشهوداً لمشاهدته من قبل الموظف المذكور في حالات الجرم المشهود الاعتبارية .

ولا بد من التنويه من أن المشـاهدة هنا يجب أن تكون مشروعة ومطابقة للقانون ، أما إذا استعمل الموظف وسيلة غير قانونية أو غير أخلاقية نتج عنها ضبط الجرم في إحدى حالاته المشهودة ، فإن الجرم والحالة هذه لا يعتبر مشهوداً ولا يباح بالتالي لهذا الموظف إجراء معاملات التحقيق وان كان قد أجراها واسـتنبط على أثـرها دليلاً فإنه لا يعتد به لاسـتناده على إجراءات غير قانونية ، وتعتبر المشاهدة غير مشروعة إذا تمت عن طريق النظر من ثقوب الأبواب لما في ذلك من مساس بحرمة المساكن ، أو إذا حصلت المشاهدة أثر دخول منزل بطريق غير قانونية ، أو بعد تفتيش على وجه غير مشروع .

كما لو قام موظف الضابطة العدلية بتفتيش شخص على وجه غير مروع وعثر معه على سلاح أو مخدر .

بيد أن محكمة النقض اجتهدت على أنه إذا ضبط مع شخص سلاح ممنوع أو مخدر تجب معاقبته ولو كان تفتيشه قد جرى بصورة غير مشروعة .

الضابطة العدلية وموظفيها :

عرفت المادة السادسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الضابطة العدلية بأنها الضابطة المكلفة بمهمة :
(( استقصاء الجرائم وجمع أدلتها ، والقبض على فاعليها وإحالتهم على المحاكم الموكول إليها أمر معاقبتهم ))

فهـي إذاً ضابطة قامعـة ، مهمتها البحث عن الجـرائم وجمع أدلتها وبراهينها ، وتسليم فاعليها إلى المحاكم المختصة لمحاكمتهم والحكم عليهم بالعقوبة العادلة جزاءً بما اقترفت أيديهم من أفعال .

أمـا مـوظفوا الضـابطة العـدلية ، فقـد عـددتهـم المـادة /7/ من قانـون أصـول المحاكمات الجزائية :
(( يقوم بوظائف الضابطة العدلية ، النائب العام ووكلائه ومعاونوه وقضاة التحقيق ويقوم بها أيضاً قضاة الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها نيابة عامة ، كل ذلك ضمن القواعد المحددة في القانون ))

وهناك موظفوا الضابطة العدلية المساعدون للنائب العام والذين عددتهم المادة الثامنة من قانون أصول المحاكمات الجزائية بفقرتها الأولى وهم المحافظون ومديرو النواحي والمدير العام للشـرطة ( قائد قوى الأمـن الداخلي ) ومدير الشـرطة ( قائد شرطة المحافظات ) ومدير الأمن العام ( رئيس إدارة الأمن السياسي – ورئيس إدارة الأمن الجنائي ) ونقباء ورتباء الشرطة المكلفون رسمياً برئاسة المخافر أو الشعب ( صف الضباط ) ورؤساء الدوائر في الأمن العام ومراقبو الأمن العام المكلفون رسمياً برئاسة المخافر أو الشعب على اختلاف رتبهم ، وقد جاءت الفقرة الثانية من هذه المادة لتبين أن هؤلاء الموظفين الذين عددتهم الفقرة الأولى يقومون بوظائف الضابطة العدلية في نطاق الصلاحيات المعطاة لهم في هذا القانون والقوانين الخاصة بهم .

ومن خلال دراسة المادة الثامنة هذه نجد أنها قد عددت صنفين من الضابطة العدلية المساعدة :

الصنف الأول :
وهم الموظفون الإداريون ( محافظون – مديرو مناطق – مديرو نواحي ضباط شرطة – رؤساء مخافر الشرطة ….. الخ ) وهؤلاء يتمتعون بولاية عامة وشاملة للتحقيق في جميع أنواع الجرائم أما بشكل تلقائي أو بشكل طلب من النائب العام ويقومون بالتحقيق أي بأعمالهم هذه تحت إشراف النائب العام .

الصنف الثاني :
وأفراده هم موظفوا القوانين الخاصة ولا يمكن حصرهم ، لأنهم في تزايد مستمر وكمثل على الصنف ( مرقبين التموين ومراقبين الآثار والعمل وشرطة السير وشرطة البلديات …. الخ )ويقوم هؤلاء الموظفون باستقصاء الجنح والمخالفات للقوانين والأنظمة المنوط بهم تطبيقها وليس لهم الحق باستقصاء الجنح والمخالفات غير المنوطه بهم ، لأنها تخرج عن نطاق عملهم .

سلطات الضابطة العدلية في التحقيق :
متى قامت حالة من حالات الجرم المشهود وتوافرت شروطها ترتب على ذلك قانوناً اتساع سلطات الضابطة العدلية بحيث تشمل القيام ببعض أعمال التحقيق التي لا تثبت لها في الأحوال العادية .

وهذه السلطات الاستثنائية في التحقيق والجائزة لأعضاء الضابطة العدلية في حالات الجرم المشهود تختلف في مداها حسبما يكون الجرم جنحة أو جناية على التفصيل التالي :

سلطات الضابطة العدلية في الجنايات المشهودة :
إن الجناية المشهود متى وقعت ترتب للضابطة العدلية إجراء معاملات التحقيق التالية :
(( الانتقال إلى موقع الجريمة للمعاينة وتثبيت حالة الأماكن والأشـخاص ،ومنع الحاضـرين من الابتعـاد ، القبض على فاعل الجرم وتفتيش شخصه ومسكنه وضبط الأشياء ، وأخيراً تنظيم محضر ينظم فيه كل ذلك ))

أ‌- الانتقال إلى موقع الجريمة :

أوجب المشرع على عضو الضابطة العدلية أن ينتقل في الحال إلى موقع الجريمة ليقوم بمعاملات البحث الأولي ، والتحقيق اللازم ، وهذا الواجب ملقى على عاتق جميع أعضاء الضابطة العدلية من شـاهد حالة من حالات الجناية المشهودة ، سواءً أكان من أعضاء النيابة أو من غيرها ، وإذا اجتمع في مكان التحقيق أحد أعضاء النيابة العامة وأحد موظفي الضابطة العدلية فإن عضو النيابة العامة هو الذي يقوم بأعمال الضابطة العدلية باعتباره يرأس الضابطة العدلية في منطقته .

“( المادتان 14-47) من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.

وإذا كان من حضر من موظفي الضابطة العدلية قد بدأ بالعمل فلعضو النيابة حينئذٍ أن يتولى التحقيق بنفسه أو أن يأمر من باشره بإتمامه والمادة /47/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، يتوجب على من انتقل إلى مكان وقوع الجريمة أن يحيط قاضي التحقيق علماً بانتقاله ولا يكون ملزماً بانتظاره لمباشرة عملة و المادة /29/ أصول جزائية .

وينظم موظف الضابطة العدلية مضراً بالحادثة وبكيفية وقوعها ومكانه ويدون أقوال الشهود ومن كان لديه معلومات عنها أو أية معلومات تفيد التحقيق .

ويصادق أصحاب الإفادات المستمعة على إفاداتهم بتوقيعها ، وعند تمنعهم عن التوقيع يدون ذلك في المحضر.

” المادة /30/ أصول محاكمات جزائية “

وإذا كانت طبيعة الجرم وظروف اقترافه تحتاج في معرفتها إلى أهل الخبرة والاختصاص كان لعضو النيابة أو عضو الضابطة أن يصطحب عند انتقاله إلى موقع الجريمة واحد أم أكثر من الأعضاء ، كما إذا مات شخص بأسباب مجهولة باعثه على الشبهة ، فلا بد من الاستعانة بطبيب أو أكثر لتنظيم تقرير بأسباب الوفاة وبحالة جثة الميت ، وعلى الأطباء والخبراء أن يقسموا اليمين قبل مباشرتهم والعمل بأن يقوموا بالمهمة الموكلة إليهم بشرف وأمانة.

” المواد /39-40-41/ من قانون أصًول المحاكمات الجزائية “.

ب‌- منع الحاضرين من الابتعاد :
فوض القانون عضو الضابطة العدلية ، من النيابة أو غيرها في حال الجناية المشهودة أن يمنع أي شخص موجود في موقع الجريمة من مغادرة المكان ، وإذا وقعت الجريمة في بيت فليس لأي شخص الخروج من البيت .

“المادة 31/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
ويسـتمر هذا المنع حتى يتم تنظيم المحضر بتثبيت حالة المكان والجريمة والأشخاص، ومتى انتهى القائم على التحقيق من تنظيم المحضر رفع المنع فلا يجوز له إبقائهم على هذه الصورة بعد ذلك .

ومن يخالف هذا المنع يوضع محل التوقيف ثم يحضر لدى قاضي التحقيق لمحاكمته والحكم عليه بعد سماع دفاعه ومطالبة النائب العام ، وإذا لم يمكن القبض عليه ولم يحضر بعد تبليغه مذكرة الدعوى يحكم عليه غيابياً ولا يقبل الحكم أي طريق من طرق العطن وينفذ في الحال، والعقوبة التي يمكن لقاضي التحقيق أن يحكم بها هي الحبس التكديري والغرامة من خمسـة وعشـرون ليرة إلى مئة ليرة سـورية ( المادة 31).

ج – القبض على فاعل الجناية المشهودة :
القبض على فاعل الجريمة يعتبر من معاملات التحقيق التي يختص بها في الأصل قاضي التحقيق نظراً لخطورته وباعتباره يشكل قيداً على حرية الأفراد .

بيد أن المشرع أجاز لعضو الضابطة العدلية في حالة الجناية المشهودة أن يأمر بالقبض على كل شـخص من الحضور يسـتدل بالقرائن القوية أنه فاعل الجريمة ، وإذا لم يكن الشـخص موجود أصـدر عضو الضـابطة العدلية أمـر بإحضاره ، بمذكرة إحضار ، وعلى هذا العضو استجواب الشخص المحضر لديه في الحال .

” المادة 37 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”

هذا وقد ذهب المشرع إلى أكثر في ذلك حين نص في المادة /112/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن :
((من وجد في حالة الجرم المشهود أو ما هو بحكم الجرم المشهود وكان الفعل جناية فلا يحتاج القبض عليه إلى مذكرة إحضار ، وعلى كل شخص من موظفي الحكومة وعامة الناس أيا كان أن يقبض عليه وأن يحضره أمام النائب العام )).
وهذا القبض مادي وهو يختلف عن القبض بمعناه القانوني والجائز لأعضاء الضابطة العدلية والذي يرتب تفتيش المقبوض واستجوابه ، بيمنا لا يرتب القبض المادي شيئاً من هذا القبيل .
وعليه يلزم التفريق في هذا المجال بين القبض والتوقيف :
فالقبض هو حجز لحرية الشخص الذي قامت عليه قرائن قوية على أنه فاعل الجرم ، وهو إجراء مؤقت بهدف جمع الأدلة ، بحيث لا يجوز أن تتجاوز مدته بأي حال الأربع والعشرين ساعة ، وينتهي حكمه بوصول المقبوض عليه إلى يد القضاء الذي له الحق في اتخاذ القرار بتوقيفه إذا وجد لزوماً لذلك وإلا فيبقىالشخص معتبراً طليقاً لأن حرية الأفراد هي الأصل وحجز الحرية لا يكون إلا بقرار صادر عن مرجعه المختص .

( نقض في 18/3/1950 ، مجموعة القواعد القانونية ، رقم 1118 ص 632)
أما التوقيف: فلا يكون إلا بمذكرة توقيف صادرة عن قاضي التحقيق أو قاضي الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها قضاة تحقيق، وهو إجراء لم يجزه القانون لأي عضو من أعضاء الضابطة العدلية سواءً أكان من النيابة العامة أو من غيرها .

وننوه أن المادة /55/ من قانون العقوبات العسكري أعطت النائب العام العسكري حق إصدار مذكرات الإحضار والتوقيف .
على ذلك حكمت محكمة النقض بأنه :
(( لئن كان قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد لم يخول النائب العام بحال مباشرته التحقيق في جرم المشهود أكثر من إصدار مذكرات إحضار وكان معنى ذلك أنه لا يسوغ له إعطاء القرار بالتوقيف ، ولذا فقرار النائب العام بتوقيف المميزين بفرض أن الجرم المسند إليهم من الجرائم المشهودة لم يكن صادراً عن مرجع ذي صلاحية وبالتالي لم يكن قانونياً ))

” نقض في 9/11/1950 – مجلة القانون –سنة 1951 ص 100 “

5- تفتيش شخص المقبوض عليه :
لم ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية صراحة على حق موظف الضابطة العدلية في تفتيش شخص المقبوض عليه .

بيد أنه لما كان تفتيش شـخص المقبوض عليه لإجـراء أقل خطـورة من القبض ، وإن الأول من مستلزمات الثاني ، جاز لموظف الضابطة العدلية إتخاذ مثل ذلك الإجراء .

فمتى كان القبض صحيحاً فإن تفتيش ملابس المقبوض عليه يبقى عملاً مشروعاً ليس فيه انتهاك لحرية الفرد والاعتداء عليه لأنه ضرورة لازمة خشية من شر المقبوض عليه ووسيلة من وسائل التوقي منه إذا حدثته نفسه بأن يتعدي على من ألقى القبض عليه بما لديه من سلاح بغية استرداد حريته ، وإباحة تفتيش شخص المقبوض عليه تشمل كل ما يحمله معه من حقائب وأشياء و أوراق ، إلا أنه يجب أن تراعي في تفتيش شـخص المقبوض عليه قواعـد القانون والأدب والأخلاق ، ومن هذا القبيل أن تفتيش الأنثى يجب أن يتم بمعرفة أنثى تندب لذلك.

” المادة 94/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ”
والقانون إذا أجاز التفتيش ، فإن ما يكتشف مع شخص المقبوض عليه أشياء تعد حيازتها جرمية ، كحيازة مخدرات أو سلاح غير مرخص ، أو تشكل أدلة إثبات في جرمية أخرى ، كان لموظف الضابطة العدلية أن يضبطها .

وتطبيقاً لذلك حكمت محكمة النقض بأن:
(( مشاهدة المدعى عليه في حالة الجرم المشهود ….. فلا مانع من القبض عليه وتحري ثيابه وكل ما ينشأ عن ذلك يعتبر نتيجة صحيحة موافقة للقانون ، وكان العثور على الحشيش المخدر قد تم من قبل رجال قائمين بوظيفتهم وضمن حدود اختصاصهم ولم يتعسفوا في أعمالهم ولا خالفوا الأصول والقانون فلا يسوغ اعتبار ما قوا به وكأن لم يكن ))

د – تفتيش مسكن المدعى عليه :
القاعدة العامة أن دخول المنازل وتفتيشها هو عمل من أعمال التحقيق الابتدائي لا يباشره سوى قاضي التحقيق ، بيد أن المادة /33/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية أجازت لعضو الضابطة العدلية إذا كانت الجناية مشهودة أن ينتقل حالاً إلى مسكن المدعى عليه للتفتيش عن الأشياء التي يراها مؤدية إلى ظهور الحقيقة وذلك إذا تبين له من ماهية الجريمة أن الأوراق والأشياء الموجودة لدى المدعى عليه يمكن أن تكون مدار استدلال على ارتكاب الجرمية .

ومسكن المدعى عليه يشمل المنزل الذي يقيم فيه وكذلك ملحقاته التابعة له كالحديقة و المباني وكذلك المكان الذي توضع فيه السيارة .

– ويلاحظ أن حالة الجناية المشهودة لا تسمح لأعضاء الضابطة العدلية إلا تفتيش منزل المدعى عليه دون سواه من الأشخاص.

و- ضبط الأشياء:
الغاية من تفتيـش المقبوض عليه هي وضع الضابطة العدلية يدها على أدلة الجريمة ، وهو ما يطلق عليه بـ ” ضبط الأشياء” وعليه فعلى عضو الضابطة العدلية أن يضبط الأسلحة وكل ما يظهر أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو ساعد على ارتكابها أو أعد لهذا الغرض كما يضبط كل ما يرى من آثار الجريمة وسائر الأشياء التي تساعد على إظهار الحقيقة .

“المادة /32/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية ”
ويجوز لعضو الضابطة العدلية أثناء قيامه بالتفتيش أن يضبط كل الأشياء سواءً لأن حيازتها ممنوعة أو لاعتبارها أدلة على اقتراف جريمة أخرى بشرط أن يأتي عثوره عليها عرضياً أثناء بحثه وتفتيشه عن أدلة الجريمة التي يجري التفتيش بشأنها .

وعلى عضو الضابطة العدلية أن يقوم بعرض الأشياء و الأوراق المضبوطة على المدعى عليه أو من ينوب عنه ويستجوبه عنها ، ثم ينظم محضراً يوقعه المدعى عليه، أو من ينوب عنه ، وإذا تمنع عن التوقيع صرح بذلك في المحضر .

” المادة 32/2 والمادة 36/3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
ويجب على عضو الضابطة العدلية بحفظ الأشياء المضبوطة بالحالة التي كانت عليها ، فتحرز أو توضع في وعاء إذا اقتضت طبيعتها ذلك وتختم في الحالتين بخاتم رسمي ، وإذا وجدت أوراق نقدية لا يستوجب الأمر الاحتفاظ بها لاستظهار الحقيقة أو لحفظ حقوق الطرفين أو حقوق الغير جاز لعضو الضابطة العدلية أن يأذن بإيداعها صندوق الخزينة .

” المادة /35/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
سلطات الضابطة العدلية في الجنح المشهودة
تنص المادة /231/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن :
(( من قبض عليه بجنحة مشهودة أحضر أمام النائب العام فيستجوبه ويحيله موقوفاً عند الاقتضاء على المحكمة الصلحية أو البدائية المختصة ليحاكم لديها في الحال))

يتبين من هذا النص أن الضابطة العدلية لا تملك من معاملات التحقيق في حالة الجنحة المشهودة سوى القبض على فاعلها وتفتيش شخصه والاستماع إلى أقواله ثم إحضاره أمام النائب العام لاستجوابه وإحالته إلى محاكم الدرجة الأولى المختصة.

بيد أنه لا يجوز للضابطة العدلية في حالة الجنحة المشهودة تفتيش مسكن فاعلها إلا إذا وافق على هذا الإجراء .

دور النائب العام وقضاة النيابة العامة في التحقيق
حددت المواد 28-41 من قانون أصول المحاكمات الجزائية دور النائب العام وهو الدور الذي ينطبق على جميع أعضاء النيابة العامة الذين يكلفهم النائب العام بالتحقيق في الجرائم المشهودة الجنائية .

فطبقاً للمـواد المذكورة ، على النائب العـام الانتقال إلى مـوقع الجريمة في الحال ، وأن يحيط قاضي التحقيق علماً بانتقاله وهو بالطبع غير ملزم بانتظاره لمباشرة عمله، ولا يحق للنائب العام أن يفوض مساعديه من موظفي الضابطة العدلية بالتحقيق في هذه الحالة .
وعلى ذلك يقوم الضابطة العدلية بالتحقيق في هذا الحالة .
وعلى ذلك يقول بلاغ صادر عن وزارة العدل برقم /9/ تاريخ 24/4/1958 .
(( ولما كانت المادة /29/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على وجوب انتقال النائب العام حالاً إلىموقع الجريمة عند وقوع الجرم المشهود ، لذلك كله رأينا إبلاغ جميع النواب العاملين ومن يقوم مقامهم من القضاة والمعاونين أن الوزارة ستعتبر بعد الآن كل تفويض من قبلهم لأي مرجع كان بالتحقيق في الجرائم المشهودة مخالفة قانونية تستوجب إحالتهم إلى المراجع المسلكية المختصة .))

المادة/29/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص:
((1- إذا وقع جرم مشهود يستوجب عقوبة جنائية وجب على النائب العام أن ينتقل في الحال إلى موقع الجريمة .))
((2-ويحيط النائب العام قاضي التحقيق علماً بانتقاله ولا يكون ملزماً بانتظاره حضوره لمباشرة عمله …….))

وعندما يصل النائب العام إلى مكان الجرمية يقوم بإجراء الكشف على المكان ويعاين الأشياء والأشخاص وهذا يشمل معاينة المكان .

وكذلك المجني عليه والجاني إن وجد ، وكل الأشياء التي تضبط بصدد الجريمة ويصف معالجتها ويثبت في محضره كل ما يفيد التحقيق وكشف الحقيقة ويستمع إلى أقوال الشهود ممن شاهد الجريمة وكانت لديه معلومات عنها يمكن الاستفادة منها في التحقيق .

” المادة 30 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
ويوقع أصحاب الإفادات على إفادتهم وعند امتناعهم عن ذلك يذكر في المحضر وللنائب العام أن يمنع أي شـخص مـوجود في مكان الجريمة من مغادرة المكان، وعند المخالفة يوضع المخالف في محل التوقيف ثم يحضر لدى قاضي التحقيق لمحاكمته والحكم عليه بعد سماع دفاعه ومطالبة النائب العام بالعقوبة المنصوص عنها في الفقرة الرابعة من المادة /31/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وعلى النائب العام ضبط الأشياء والأسلحة وكل ما يظهر أنه استعمل لارتكاب الجريمة ، أو أعد لهذا الغرض وسائر الأشياء التي تساعد على إظهار الحقيقة ، بعد أن يعرضها على المدعى عليها أثناء استجوابه عنها .
وإذا تبين من ماهية الجريمة أن المدعى عليه قد يكون حائزاً في بيته على أوراق أو أشياء من شأنها أن تسهل إثبات الجريمة عليه فلنائب العام أن ينتقل فوراً إلى بيت المدعى عليه للتحري عن الأشياء التي يسعى إليها ، فإذا عثر على ما يريد ضبطه ونظم محضراً به ، أما إذا عثر على أوراق تؤيد البراءة فقد أوجب عليه القانون أن يضبطها أيضاً لأن النائب العام إنما يمثل المجتمع وليس خصماً أو عدواً للمدعى عليه .
ومن هذا نرى بأن من حق النائب العام في تفتيش البيوت في حالة الجرم المشهود محصور في أحد مكانين :
1- المكان الذي وقعت فيه الجريمة .
2- بيت المدعى عليه .

” المادتين 31-34 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
وعلى النائب العام بعد ضبط الأشياء أن يحزمها أو يضعها في وعاء بعد ختمها بخاتم رسمي…. الخ وقد سبق التطرق إلى ذلك الفقرة /و/ المتعلقة بضبط الأشياء.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ؟…

ما قيمة الدليل الذي يعثر عليه نتيجة إجراءات باطلة :
كما لو أن التحري قد جرى بصورة مخالفة للقانون وبنتيجة هذا التحري تم العثور على مادة الحشيش .

يرى الدكتور محمد الفاضل رحمه الله في كتابه :
(( إن كل وسيلة من وسائل الإثبات تهدف إلى إبلاغ القضاء معلومات ناشئة عن إجراء غير صحيح ، لا يجوز إطلاقاً أن تكون مستنداً للحكم أو أن تتولد منها قناعة وجدانية ))

” الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية “

فلو جاء الدليل وليد التفتيش الباطل أو استجواب غير قانوني أو اعتراف مشوب بالإكراه أو خبرة غير أصوليه ، فإنه يمتنع على القاضي أن يبني حكمه على مثل هذت الدليل لأنه وليد إجراءات غير صحيحة .

وبعد أن ينجز النائب العام المعاملات اللازمة يحيل تلك المعاملات إلى قاضي التحقيق فيدققها في الحال وإذا وجد فيها نقصاً قام بإكماله ، أما إذا كان الفعل جنحة فله أن يحيل الأوراق إلى المحكمة المختصة حسب الحال .

دور قاضي التحقيق
إن المادة /52/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد حددت مهام قاضي التحقيق عند حدوث جرم مشهود بأن يباشر جميع المعاملات التي هي من اختصاص النائب العام ، وله أن يطلب حضور النائب العام ولكن بدون أن يتوقف عن إجراء المعاملات المذكورة والملاحظ هنا أن القانون قد ترك الخيار لقاضي التحقيق بالانتقال إلى مكان الجريمة أو عدمه في حين ألزم النائب العام بالانتقال .

وعندما ينتقل قاضـي التحقيق إلى مكان الجريمة يعطي علماً للنائب العام بانتقاله ، فالنائب العام هو رئيس الضابطة العدلية بما فيهم قضاة التحقيق وله الحق الإشراف على أعمالهم ومراقبتهم وتوجيه التنبيهات إليهم بحكم المواد /7-12-13-15-16/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وقد أوجب القـانون على قاضـي التحقيق حين الانتقال اصـطحاب كاتبه معه ، وبعد ذلك يقوم بضبط كل ما من شأنه تنوير العدالة كالمواد السامة والأوراق والمفاتيح والأسلحة وأثار الأقدام والدفاتر وكل مادة يشتبه بأن لها علاقة بالجريمة ويمكن أن تفيد في كشف معالمها المادة /95/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

ولقاضي التحقيق الحق في أن يضبط لدى مكاتب البريد كافة الخطابات والرسائل والمطبوعات والطرود والبرقيات ، وله الحق أيضاً في مراقبة المحادثات الهاتفية متى كان لذلك فائدة أو يساعد في كشف الحقيقة .

” المادة 96 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
وهذه سـلطة هامة أعطاها القـانون لقاضي التحقيق دون سواه من قضاة النيابة ، كما أن لقاضي التحقيق إصدار مذكرات توقيف ، ولو لم تكن الدعوى قد أقيمت لديه .

لذلك أنه عندما يباشر التحقيق في الجرائم المشهودة فإنه تجتمع فيه صفتان :
– كونه يتمتع بصـلاحيات النيابة العامة إضافة إلى صلاحياته كقاضي تحقيق ، لهذا فإنه بعد أن يستجوب الفاعل يمكنه أن يقرر توقيفه أو تركه إذا اقتضى التحقيق ذلك وحسب ظروف الحادث والأدلة الموجودة ودون أخذ رأي النيابة العامة مسبقاً كما هو الأمر بالجرائم غير المشهودة.

– أما المادة /89/
من قانون أصول المحاكمات الجزائية فقد أعطت لقاضي التحقيق ، الحق في تفتيش البيوت في حالة الجرم المشهود وغير المشهود شريطة أن يكون صاحبها أحد الأشخاص الآتي ذكرهم :
1- فاعل الجريمة .
2- شريكاً فيها أو متدخلاً .
3- حائزاً أشياء تتعلق بالجرم .
4- مخفياً شخصاً عملاً تعسفياً .

– فالمادة /90/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية وسعت من سلطات قاضي التحقيق في هذا المجال وأعطته الحق في تفتيش كل مكان يحتمل وجود أشياء فيه يساعد اكتشافها على ظهور الحقيقة ، وقد ترك القانون أمر تقدير إحتمال وجود هذه الأشياء التي يساعد ظهورها في إجلاء الحقيقة إلى قاضي التحقيق وحده معتمداً في ذلك على ضميره وشرفه .
– ويجرى التفتيش بحضور المدعى عليه إذا كان موجوداً / موقوفاً/ فإن أبى أو تعذر ذلك جرى التفتيش بحضور وكليه القانوني إذا كان الفعل جناية ، وإذا لم يكن له وكيل عين قاضي التحقيق وكيلاً عنه لهذه المهمة .

إن الفقرة الثانية من المادة /28/من دستور الجمهورية العربية السورية قد ساوت بين تحري الأشخاص وبين توقيفهم عندما نصت:

((2- لا يجوز تحرى أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون ))
ومن العودة إلى المادة /94/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية نجد أنها أجازات لقاضي التحقيق أن يفتش المدعى عليه ، كما أجازت له أن يفتش غيره إذا اتضح من إمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة ، وإذا كان المطلوب تفتيشه أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى تنتدب لذلك .

وبعد كل ذلك ، وعندما ينتهي قاضي التحقيق من إجراء المعاملات التحقيقية اللازمة ، يحيلها إلى النائب العام الذي يقوم بتنظيم إدعاء أصولي ومن ثم إرسالها إلى المرجع المختص للنظر فيها حسب كونها جنحة أو جناية ، حيث يمكن تنظيم إدعاء مباشر في الجنح الصلحية والبدائية أما في القضايا الجنائية فلا بد من تنظيم إدعاء مباشر وأصولي أمام قاضي التحقيق لاستكمال الإدعاءات التحقيقية اللازمة .

إن كل ما ذكرناه عن دور النائب العام وقاضي التحقيق في التحقيق في الجرائم المشهودة ينطبق على مراكز المحافظات والمدن الكبيرة ، أما في المدن الصغيرة كمراكز المناطق والنواحي ، فإن الذي يقـوم بدور النائب العـام وقاضي التحقيق هو قـاضي الصلح فما دور قاض الصلح :

دور قاضي الصلح

يعتبر قضاة الصـلح في المناطق التي لا يوجد فيها نيابة عـامة من الضابطة العدلية ، وفقاً لما نصت عليه المادة /7/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية كما المادة /44/ من القانون نفسه أعتبر أنهم من الضباط العدلين المساعدين للنائب العام في المراكز التي لا يوجد فيها نيابة عامة .

المادة /7/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص :
(( يقوم بوظائف الضابطة العدلية النائب العام ووكلاؤه ومعانوه وقضاة التحقيق ، ويقوم بها أيضاً قضاة الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها نيابة عامة ، كل ذلك ضمن القواعد المحددة في القانون ))

المادة /44/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية:
(( على قضاة الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها نيابة عامة وعلى ضباط الدرك والشرطة ورؤساء المخافر الدرك أن يتلقوا الإجبارات المتعلقة بالجرائم المرتكبة في الأماكن التي يمارسون فيها وظائفهم .))

أما المادة 167/1 في المراكز التي لا يجود فيها قضاة تحقيق قضاة الصلح في منطقتهم بوظائف الضابطة العدلية .

وبهذه الصفة يحق لهم أي يصدروا مذكرات دعوة وإحضار وتوقيف .

وعليه ، فقضاة الصلح في المراكز المنوه عنها في حال وقوع جرم مشهود جنائي ملزمون بالانتقال إلى مكان الجريمة وتنظيم الضبط اللازم وسماع الشهود وتفتيش المنازل والقيام بسائر الإجراءات الأخرى التي هي من وظائف النائب العام في مثل هذه الحالة ، كما أنهم يتمتعون بصلاحية قاضي التحقيق فلهم أن يصدروا مذكرات إحضار أو توقيف إضافة إلى كونهم يعتبرون رؤساء الضابطة العدلية في المناطق التي يعملون فيه ولا يوجد فيها نيابة عامة ، وهم بهذه الصفة يخضعون لرقاقة النائب العام في المحافظة .

وبعد ذلك يودعون التحقيقات التي أجروها بصفتهم ضابطة عدليه إلى النائب العام إذا كانت الأفعال الجرمية جنائية الوصف أو من الجنح الثقيلة التي يخرج أمر النظر فيها عن اختصاصهم كقضاة صلح ، أما في الجنح الخفيفة والتي تدخل في اختصاصهم فيحيلونها إلى الديوان لقيدها في أساس الدعاوى الصلحية وتعتبر إحالتهم هذه بمثابة تحريك للدعوى العامة .

إلا المادة /24/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نصت على ما يلـــي:

(( لا يجوز لقاضي أن يحكم بالدعوى التي تولى وظيفة النيابة العامة فيها ))
وعلى ذلك يبدو أمامنا السؤال التالي متعلق بالكيفية التي تجيز لقاضي الصلح في المناطق التي لا يوجد فيها نيابة عامة ممارسة أعمال التحقيق والحكم في قضية واحدة .

وفيما يلي كتاب وزارة العدل رقم /20815/ وتاريخ 20/1/1961 لتفسير التساؤل وبين في جواز الجمع بين صفة النيابة العامة وصفة قاضي الحكم بالنسبة لقضاة الصلح .
(( إن قيام قضاة الصلح في المناطق التي لا توجد فيها نيابة عامة بأعمال التحقيق ليس من شأنه أن يمنعهم من الحكم في الدعاوى التي يحققوا فيها إذا أحيلت على محاكمهم بعد ذلك بالنظر إلى أن هذا التفويض جاء بالجمـع بين الصفتين مسـتمد من أحكام القانون نفسه ، ولذلك فإنه يمكنهم الحكم فيها .))

“المواد7و167 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”
إذاً :
فإن الجمع بين قضاة الحكم والنيابة العامة هو استثناء من القاعدة المنصوص عنها بالمادة /34/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، أجاز المشرع في حالتي الجرم المشهود وغير المشهود .

وإذا كانت هذه إرادة المشرع بالنسبة لموضوع اجتماع صفة النيابة وصفة قضاة الصلح في المناطق التي لا يوجد فيها نيابة عامة فإنه مما يجدر ذكره هنا أن القضايا التي يقضي فيها قضاة الصلح هي المخالفات والجنح البسيطة .