بحث و دراسة مقارنة حول حضانة الأم في الفقه و القانون العراقي و القانون المدني الفرنسي

م.م. شذى مظفر حسين

إن هذا البحث المختصر يسلط الضوء على أحد المؤسسات الشرعية التي كفلتها الشريعة الإسلامية لرعاية الطفل ومراقبته آخذة بنظر الإعتبار وضعيته ووضعية والديه .

فالحضانة أحد الإستحقاقات الخاصة بالأم والطفل، لأنه إنسان المستقبل ، فإتقان إعداده وتربيته في الحقيقة تخطيط لمستقبل المجتمع وتطلعاته ،فهي لم تكتف بالوصايا والنصائح على أن يقوم بتطبيقها من شاء ويذرها من شاء .

صحيح أن الأمم المتحدة أصدرت إعلاناً لحقوق الطفل وأنشأت منظمة لرعاية الطفولة ” اليونيسيف” لكن ما تعانيه الطفولة اليوم من مآسي على مستوى العالم قد صير ذلك حبراً على ورق.

وفقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم أولوا موضوع الحضانة أهمية بالغة، فوضعوا أحكامها واتفقوا على بعض منها واختلفوا في بعضها الآخر. إلا إنها جميعاً قررت لمصلحة الطفل المحضون .

وقانوناً فقد جاء المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 وتعديلاته بأحكام تناولت موضوع الحضانة بما ينسجم مع واقع المجتمع العراقي . بالإضافة إلى القانون المدني الفرنسي ، لكنها تبقى غير وافية بالغرض اللازم لذا فإننا في هذا البحث نستعرض ما يتعلق بموضوع استحقاق لأم في الحضانة ، وتكييفها فقهياً وقانونياً وذلك لكثرة ما تطرح قضية الحضانة .

Abstract

This research highlights the Manual on one of the legitimate institutions that are guaranteed by Islamic law for child care and control, taking into consideration his position and the status of the parents.
Sun Custody benefits for mother and child, because the human future, the mastering of his upbringing prepared and in fact planning for the future of society and its aspirations, it is not only the commandments and advice that the application of God and Ivrha of wills.

It is true that the United Nations issued a declaration of the Rights of the Child was established by the Children’s Fund “UNICEF” But what is suffering from the tragedies of children today in the world could that Sir ink on paper.
Muslims and scholars of different persuasions Ulloa nursery theme of great importance, they put its provisions and agreed to some of them and they differed in others. However, they all decided in the interest of the child the child.

And a law came the Iraqi legislature in the Iraqi Personal Status Law No. 188 of 1959, as amended, the provisions on the subject of custody consistent with the reality of Iraqi society. In addition to the French civil law, but they remain inadequate so we needed in this paper we review the subject of entitlement to the mother in the nursery, and adapt the judicial and legal and that much remained to raise the issue of custody.

المقدمة

الحضانة هي مراقبة الطفل وتربيته بنحو يضمن سلامته الجسدية والنفسية نظراً إلى حاجاته الراهنة والمستقبلية لكي ينعم الطفل بما خلق الله له من النعم الإلهية ويعيش وفق متطلبات طبيعته وطبيعة والديه. و تثار كإشكالية عندما تنفصم الرابطة الزوجية باعتبارها نتيجة طبيعية لتلك الرابطة ويكون الأبوان ملزمان بها قانونيا وإجتماعياً ، ولا تظهر المشاكل المرتبطة بالحضانة بقوة إلا مع انحلال تلك الرابطة عن طريق الطلاق حيث يستلزم الأمر تعيين من له الحق في الحضانة وتحديد مشمولاتها ، وقد وقع الأختلاف في بيان واقع هذه المفردة فقهاً وقانوناً وكذلك في تعيين من يلزم بها أو يكون الأحق بها

والعمل في العراق يجري على أن الأم أحق بحضانة الطفل على السواء ما لم يتضرر الطفل من ذلك . وهو بذلك قد عالج موضوع الحضانة وأنه قد جانب الصواب رغم مخالفته للرأي الراجح لدى المشهور لدى فقهاء الإمامية وجمهور الفقهاء من أهل السنة والجماعة من خلال بعض فقرات المادة (57) وتعديلاتها.

و في القانون الفرنسي طرحت الحضانة على أنها ” ولاية الأبوين ” معاً ، ويجب على الوالدين القيام بها .

إن إسناد الولاية للأم في حضانة صغيرها بعد وفاة الأب أو فقدانه للأهلية يعد الحل الأنجع بالنسبة للصغير والأعدل بالنسبة للأم ، فمن أقرب إلى الصغير وأكثر شفقة عليه خوفاً على مصالحه منها بعد الأب ؟!.

وعموماً فإننا نبحث في هذا البحث عن حجة في الشريعة والقانون لبيان واقع استحقاق الأم وأولويتها في حضانة الصغير بعد الفرقة أو الوفاة على أساس حمايته حتى يبلغ سن التمييز، عسى أن تكون هذه الدراسة الموجزة بادرة خير ينطلق منها للنهوض بواقع الطفولة والأمومة المحرومة من دفء المحيط الأسري الآمن كي تصل إلى أقل ما تطمح إليه من الإستحقاقات .

وخطة البحث تتكون من مبحثين وخاتمة …

المبحث الاول :مفهوم الحضانة وماهيتها فقهاً وقانوناً . ويقسم المبحث إلى ثلاثة مطالب:

المطلب الاول :مفهوم الحضانة

المطلب الثاني: التكييف الفقهي للحضانة

المطلب الثالث: الحضانة في القانون العراقي والقانون المدني الفرنسي

المبحث الثاني: وقت الحضانة. وفيه مطلبين:

الاول : وقت الحضانة في الفقه الإسلامي.

الثاني: وقت الحضانة في القانون العراقي والفرنسي

المبحث الأول

مفهوم الحضانة وماهيتها فقهاً وقانوناً

يتناول هذا المبحث تعريف الحضانة وماهيتها من حيث المفهوم اللغوي والفقهي والقانوني وتكييفها الفقهي والقانوني وذلك في ثلاثة مطالب :

المطلب الأول

مفهوم الحضانة

تختلف الحضانة من حيث المفهوم والماهية لغة وفقهاً وقانوناً، وهذا ما سنستعرضه في هذا المطلب في ثلاثة فروع :

الفرع الاول

“المفهوم اللغوي للحضانة”

الحضانة في اللغة إما بالكسر من ” حضن الصبي حضناً: جعله في حضنه أو رباه ، وحضن الطائر بيضه يحضنه حضناً ،أو بالفتح من ” حضن فلاناً عن كذا حضناً: نحاه عنه واستبد به دونه”.( 1)

ويقال ـ للرجل و للمرأة ـ من يقوم برعاية الطفل “حاضن ـ حاضنة الصبي” التي تقوم عليه في تربيته.(2) وقد ورد في الأخبار والأحاديث المنقولة عن المعصومين (ع) أخذت الحضانة بالمعنى اللغوي أيضاً منها:-

ذكر في البحار “أن أم أيمن هي كانت حاضنة الرسول (ص)”.( 3)

وفي الأدعية عن الإمام علي (ع) قال:” ومن رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض والتغذي جعل القوة في أمه ورققها عليه بتربيته وحضانته”.(4).

وفي دعاء عرفة :” وعطفت علي قلوب الحواضن وكفلتني الأمهات الرواحم .( 5)

فالحضانة في المفهوم اللغوي ـ تعني مسؤولية حفظ الولد عن المفاسد الجسمية والروحية وتربيته والقيام بأموره .

الفرع الثاني

المفهوم الفقهي للحضانة

على الرغم من الأحاديث النبوية الشريفة وأخبار المعصومين (ع) في موضوع الحضانة لكن لم يكن للحضانة وأحكامها مبحثاً مستقلاً في الفقه الإسلامي حتى مطلع القرن الرابع الهجري وقد أشار إليها الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط ، وقطب الدين محمد بن الحسن الكيدري” في إصباح الشيعة بعنوان( من أحق بالولد إذا كان صغيراً ).(6)وفي أيام المحقق الحلي أخذ ت الحضانة مكانتها في كتب الفقه فقد جعل لها عنواناً مستقلا ًأطلق عليه اسم ” أحكام الولادة ” ثم خصص لها العلامة الحلي بحثاً مستقلاً سماه الحضانة ومنذ ذلك الوقت أخذت مكانتها في الكتب الفقهية تحت هذا المسمى .

وقد أكد القرآن الكريم على حماية الطفل ورعايته مادياً ومعنوياً ، في قوله تعالى:” … لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك …” تشير الآية الكريمة(7) إلى ضرورة تأمين كل ما يحتاج إليه الطفل عند حصول الفراق بين الزوجين خلال فترة الحضانة والإرضاع لما تضمنته من النهي عن إلحاق الضرر بالطفل بسبب الخلاف الواقع بين والديه.(8) .

وعرفها الشهيد الثاني أنها ” ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلق بها من مصلحته من حفظه وجعله في سريره ورفعه وتنظيفه وغسل ثيابه ونحوه(9) و نقله صاحب الجواهر عن العلامة الحلي والشهيد الثاني .(10)

وذكره صاحب الحدائق دون أن يشير إلى بيان متعلقاتها من الأمور التي ذكرها الشهيد الثاني.(11)

والملاحظ أن هناك ترادف بين المفهومين الفقهي و اللغوي ، وذلك يعود للتعبير الذي ورد في تعريفها الفقهي على أنها ولاية.

فالولي هو الذي يلي عليك أمرك … وكل من ولى أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه ..تعني القيام على الغير وتدبيره” .( 12)

والولاية ” هي القدرة الشرعية على التصرف الصحيح النافذ سواء تصرف الإنسان لنفسه أو لغيره”( 13)

فهي تشعر بالتدبير والقدرة على الفعل والتصرف في شؤون الغير جبراً عنه سواء أكان ذلك في الشؤون العامة أم في الشؤون الخاصة…ومن ثم يجب أن يقوم بها عوناً للضعيف وغوثاً للمحتاج.(14)

” إذ أن الولاية تنطبق على عنصري الحضانة وهما ” تربية الطفل ومراقبته”.(15)وهي بذلك تعني السلطة من جهة وفي إحتياجها إلى القدرة والتدبير تحقيقاً لمصلحة المولى عليه من جهة أخرى.

فهي في الحالين تعني السلطة هذا من جانب ،وفي إحتياجها إلى قدرة وتدبير تحقيقاً لمصالح المولى عليه من جانب آخر؛ لأن الحضانة على ما ذكر غير مستقلة بل هي إحدى مشمولات الولاية على النفس ؛ والذي بمقتضاه أصبحت الأم الحاضنة تتمتع بصلاحيات الولاية حيث تقتضي مصلحة الصغير ذلك من الحرص على تأديبه وتعليمه والإشراف على تصرفاته ومراقبته . وهو امتياز لا يسند إلى الأم إلا إذا كانت حاضنة.

وهي لا تختلف عند أهل العامة من الفقهاء عما ذكرنا سوى أنهم لم يشيروا إلى الولاية أو السلطة في تعاريفهم التي يذكرونها؛ وقد عرفها الكنشاوي “أنها حفظ الولد والقيام بمؤونته ومصالحه إلى أن يستغني عنها بالبلوغ”.(16)

الفرع الثالث

المفهوم القانوني للحضانة

ورد تعريف الحضانة في مقدمة قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم188 لسنة 1959،أنها ” تربية الطفل وتدبير شؤونه من قبل من له الحق في ذلك قانوناً ،أو المحافظة على من لا يستطيع تدبير أموره بنفسه وتربيته بما يصلحه ويقيه مما يضره”. وقد تحدثت المادة السابعة والخمسين عن أحكام الحضانة بتسع فقرات وقد حلتالمادة السابعة والخمسين الملغاة بموجب المادة السابعة من القانون رقم (21) لسنة 1978 ـ التعديل الثاني لقانون الأحوال الشخصية.

وجعلها القانون المدني الفرنسي” ولاية الأبوين” ، وما تضمنته المادتين 371 و387 منه تبين “أنها عبارة عن مجموعة الحقوق والإمتيازات التي يعطيها القانون لوالدي الطفل ليتمكنا من القيام بمهامهم ومسؤولياتهم تجاه شخص الطفل وأمواله.( 17)

وهو بذلك قد أعطى مجالاً أكبر مما هو المتعارف به عندنا لأنه لم يقتصر في تعريفه لها على تربيه الطفل وتدبير شؤونه فحسب بل جعل القيام بأمور الطفل المالية ضمن التعريف . فمن له الحق في الحضانة يكون مكلفاً في نفس الوقت ” رغم وجود بعض الإختلاف في الرؤى بالنسبة لأولوية الأم”

المطلب الثاني

تكييف الحضانة فقهاً وقانوناً

اختلفت الآراء في تكييف ماهية الحضانة فقهاً وقانوناً ،فعدوها حقاً بحيث يجوز لمن له ذلك إسقاطه أو التنازل عنه أونقله إلى شخص آخر ، أو أنها تكليفاً يلزم به المكلف بحيث لا يمكن إسقاطه أو نقله إلى الآخر ، أو أنها ماهية ذات بعدين” حقاً وتكليفاً في آن واحد ؟

هذه المطالب تشكل فرعين أحدهما : التكييف الفقهي للحضانة ، والثاني : الحضانة في القانون العراقي والقانون المدني الفرنسي .

الفرع الأول

التكييف الفقهي للحضانة

للفقهاء ثلاثة آراء في بيان وتكييف الحضانة وذلك تبعاً لحق الحاضن والمحضون، فبعضهم من يعتقد بأنها حق لا غير، والآخر يعتقد أنها تكليفاً محضاً وثالثاً يعتقد بأنها ذات البعدين ” حق وتكليف في آن واحد” وكلها تستند إلى أدلة معتبرة وسنبحث تلك الآراء في ثلاث نقاط وهي :

(أ)الحضانة حق

يعتقد بعض فقهاء الإمامية أن الحضانة حق من الحقوق العامة المطلقة ويراد بها ما تثبت للشخص من مصالح بالإعتبار الشرعي دون أن يكون لها وجود خارجي كحق الشفعة وحق الطلاق وحق الحضانة و…(18). منهم الشهيد الثاني فقد قال فيها :” … واعلم أنه لا شبهة في كون الحضانة حقاً لمن ذكر..، الأصل يقتضي أن تكون الحضانة حقاً لا تكليفاً” .

وعدها صاحب الجواهر حقاً من الحقوق مشبهاً إياها بالرضاعة لا ولاية معللاً قوله هذا بأنها لو كانت كما قيل لما كان التنازل عنها جائز ، لوجوبها على من ذكر ! ولا دليل يدلنا على ذلك وإن الأدلة المذكورة تدل على تعليقها على مشيئة الأم ، لكون الأحقية فيها مثلها في الرضاع .

ولما كانت الحضانة حقاً من الحقوق ، فإن من له الحق أن يأخذ بأحد الخيارات التالية أما :

1-استيفائه للحق المذكور والقيام بما عليه من المسؤولية لرعاية الطفل والقيام بشؤونه

2-إسقاطه والتنازل عنه.

3- إستيفاءه بالأشراف فقط ،و يقوم شخصاً ثالثاً بحضانة الطفل؛حيث لا توجد أي ملازمة بين حق الحضانة والمباشرة بأمور الطفل وخدمته وقد أكد على ذلك العاصرين من الفقهاء ” لا تعتبر المباشرة في الحضانة بل يجوز الإستنابة فيها للأطلاق وظهور الأتفاق في ذلك “(19) .

(ب) الحضانة تكليف

من الفقهاء من يعتقد بأن الحضانة تكليفاً لمن تكون له ويجب على الوالدين تحمل مسؤولية ذلك على السواء(20).

واستدلوا على ذلك باطلاق الآية الكريمة ” لا تضار والدة بولدها …) حيث أن إبعاد الطفل عن والدته سيلحق به ضرراً كبيراً والآية الكريمة تنفي ذلك( 21)

والحضانة هي حماية الطفل ورعايته وانها من الأمور الطبيعية التي جعلها الله تعالى بين الأم وأولادها لحنانها في الحيوان فضلاً عن الإنسان وكل بحسبه “(22).

فالمقصد العام في الحضانة هو صيانة الطفل والمقصد الخاص هو تكليف الوالدين وخاصة المرأة بالحضانة لما جبلت عليه من الشفقة والرأفة.(23)

ويعتقد البعض بأنها من حقوق الطفل وبالنتيجة تكون واجبة على من يقوم بحضانته(24) فهي إما حكماً يضعه المقنن أو تكليفاً ينشأ من الحكم نفسه، لأن الأحكام ما هي إلا مجموعة الأوامر والنواهي بحيث أن كل عمل لابد وأن يكون له حكماً خاصاً به أما أن يكون مباحاً أو واجباً أو ممنوعاً.

(ج)الحضانة ماهية ذات وجهين

يعتقد بعض فقهاء الشريعة أن للطفل حق الرعاية والتربية والنفقة ، فلا يجوز إهماله أو إضاعته إستناداً لقول رسول الله (ص) :” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، وأن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته(25)فتربية الطفل ورعايته حق لإجراء التكليف الذي يقع على عاتق من له حق الحضانة .

وهو قول لأغلب فقهاء الأمامية حتى أن الأخبار والروايات تؤيده فالحضانة حقاً وتكليفاً ، وللأم التنازل عن حقها دون الأب لكن الأولوية للأم لشفقتها الغريزية المتأصلة في نفسها فهي أقدر من غيرها لرعاية الطفل وتلبية حاجاته .(26)

وقد استحسن الشهيد الأول القول بوجوبها على الأب فيما لو امتنعت الأم والأب معاً عن القيام بها وقال :” أن بعض فقهاء الإمامية قالوا بوجوبها وهو قول حسن فيما لو أدى تركها إلى ضياع الطفل وفساد تربيته ؛ وحينئذ يصبح الوجوب كفائياً على الأب دون الأم ، لكن لا دليل فقهياً واضحاً وصريحاً يدل على ثبوت وجوبها على من له الحق ، والأدلة الموجودة يثبت بها إستحقاق الحضانة لا وجوبها .(27)

وعليه السيد الخوئي (ره ) ” … حق الحضانة الذي يكون للأم يسقط بإسقاطها بخلاف حق الحضانة الذي يكون للأب أو الجد فإنه لا يسقط بإسقاطه “.(28)

فالحضانة للأم حقاً وللأب حقاً وتكليفاً وهو الرأي الأرجح على مانراه ففيه تكون مصلحة الطفل مضمونة من جهة ويعطي للأم الأختيار في القيام بحضانة الطفل او التنازل عن ذلك من جهة اخرى .

الفرع الثاني

ماهية الحضانة في القانون العراقي والقانون المدني الفرنسي

أقر قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 على أن الحضانة حق للأم مؤكداً “أولويتها في حضانة الولد حال قيام الزوجية و بعد الفرقة” فقد نصت الفقرة 1 من المادة 57 منه على أن ” الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك ” وهذا أيضاً ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز فقد جاء في قرار لها ” الأم أحق بالحضانة ما دامت محتفظة بشروط الحضانة…” .( 29)

وفي قرار آخر ( الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك)(30 ).

أما حق الصغير فإن القانون لم ينص صراحة عليه إلا إن نصوصه احتوت بما يشعر بوجوب مراعاة مصلحة المحضون وتغليبها على كل من ألأم والأب كما في الفقرات ” 3، 4، 6 ، 7 ، 8 ،9″ من المادة 57 منه ما يدل على تكليف الوالدين بالحضانة في القانون العراقي فقد سار القضاء العراقي على عد الحضانة حقاً للصغير وللأم معاً فإذا أسقطت الأم حقها بقي حق الصغير كما أن مسائل الحضانة من النظام العام التي لا يجوز الإتفاق على خلافها ولا يقبل التنازل عنها أو التعامل بها في خلع أو سواه(31)

وتناول القانون المدني الموضوع ذاته حيث نصت المادة 130 منه على : يلزم أن يكون محل الإلتزام غير ممنوع قانوناً ولا مخالفاً للنظام العام أو الآداب وإلا كان العقد باطلاً .

ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالأهلية والميراث والأحكام المتعلقة بالإنتقال والإجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور و مال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجبري وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الإستثنائية .

ونصت المادة 704 الفقرة 2 منها على ” ولا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو الآداب ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم.

الواقع ومن خلال أحكام المادة 57 وقرارات محكمة التمييز أن مصلحة المحضون أي أن القانون يرى أن لا يجوز للأم الحاضنة التنازل عن حقها فيما لو شكل هذا التنازل ضرراً على الصغير و كذلك أن المحكمة ترى في الحضانة مصلحة الطفل قبل مصلحة المتداعيين.(32) .

و قد جاء في قرار محكمة التمييز ” أن الصلح عن الحضانة لا تملكه الأم إنما هو حق من حقوق الصغير فلا يصح الصلح عنه ولا يصح بناء حكم على هذا الصلح لمخالفته للشرع عليه قررنا بالإتفاق نقض الحكم .(33).

أما في النظام الحقوقي الفرنسي فقد جعل القسم الأكبر لتربية و إعداد الطفل وبناء شخصيته ،ليكون فرداً ناجحاً ومنتجاً في المستقبل يقع على عاتق الوالدين لأنهما المعنيان بها من خلال الحفاظ عليه وعلى مصالحه.( 34)وطبق المادة 203 مدني” فقد ألزم الوالدين، على تحمل تربية وحفظ الطفل من تغذية وتربية بمجرد عقد الزواج”.فهي للوالدين معاً .(35)

ويمكن تلخيص أهداف الحضانة في النظام الحقوقي الفرنسي من خلال المادتين” 371 ـ 372″ في حماية الطفل بتوفير الأمان له و السهر على سلامة أخلاقه “. حتى إن المشرع الفرنسي جعلها ولاية على الوالدين حيث الحقوق والتكاليف التي لابد من رعايتها قبال الطفل المحضون إذ إن الولاية تعني إعطاء الإستحقاق لهما ليتمكنا من إجراء ما عليهما من التكاليف التي تصب في حماية الطفل من دون أن يعترض علية شخص آخر ؛ فالمشرع الفرنسي يرى أيضاً أن الحضانة ماهية ذات وجهين هدفها خدمة الطفل لمحافظة على أمواله.(36)

وعرفها بعضهم بعبارة أدق وأوضح على انها :” ولاية حق لأجراء التكاليف التي تقع على عاتق الوالدين ،لأنها تكليف لخدمة الطفل(37).وهو موقف إتسم بالواقعية ففيه يتحقق ضمان تنشئة الطفل في محيط قد ألفه الطفل واعتاد عليه ، فالأساس الذي إعتمده المشرع هو مصلحة الصغير والذي يجب على الوالدين اعتماده في تحديد الإختيارات الخاصة بهما .

المبحث الثاني

وقت الحضانة فقهاً وقانوناً

يقع البحث في هذا الفصل في بيان الآراء الفقهية والقانونية في تحديد مدة الحضانة ” بدايتها ونهايتها ” ونظراً لأن بدايتها تتزامن مع الولادة حيث تكون الأشارة إلى نهايتها فقط وذلك في مطلبين :

المطلب الأول: وقت الحضانة في الفقه الإسلامي .

المطلب الثاني: وقت الحضانة في القانون العراقي والمدني الفرنسي .

المطلب الأول

وقت الحضانة في الفقه الإسلامي

إن الفقهاء القدامى لم يتطرقوا إلى تحديد السن الذي تنتهي عنده مدة الحضانة وقد نقلوا روايات وأحاديث تبين أنهم كانوا يأخذون برأي واختيار الطفل في تحديد إقامته من بين والديه. وهذا يعني أنه وصل إلى السن الذي يميز فيه مصلحته ؛ وان السن لا يكون معياراً للتحديد الزمني للحضانة وهو أيضاً ما أكد عليه الإمام محمد أبو زهرة وهو من المعنيون بهذا الشأن من أهل السنة مدعياً إن تحديد مدة الحضانة قام به الفقهاء المتأخرون وبدأ من زمان الخصاف إلى سنة 1929 “(38). وفي هذا المطلب سوف نستعرض آراء الفقهاء في المذهبين الشيعي والسني .

( أ): مدة الحضانة في الفقه الشيعي .

المشهور عند فقهاء الإمامية فيما يتعلق بإنتهاء مدة الحضانة هو ” ..أنهم قالوا إذا فصل الطفل عن الرضاعة فالأم أحق بالأنثى إلى سبع سنين والأب أحق بالذكر بعد فصاله من الرضاعة إلى البلوغ وأحق بالأنثى بعد السبع .(39)

ولكن الذي يلاحظ من خلال الفحص الدقيق في هذا الموضوع نرى إن لكبار الفقهاء آراء أخرى منها يمكن التعويل عليها للخروج بالنتيجة المتوخاة لهذا البحث منها ما أشار إليه الشهيد الثاني ” .. أنهم عمموا الحكم فيهما ” لكل من الذكر والأنثى وقالوا :” وأن الأم أحق بهما إلى سبع سنين(40) .

واختار الشيخ الطوسي القول القائل بأولوية الأم بهما( الذكر والأنثى) حتى بلوغهم سن التمييز وهو 7ـ 8 من العمر وادعىً عليه الإجماع (.. وهو إذا بلغ سبع سنين أو ثمان فما فوقها إلى حد البلوغ ، فإن كان ذكراً فالأب أحق ، وإن كان أنثى فالأم أحق بها ما لم تتزوج فإن تزوجت فالأب أحق بها … دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم .)(41)

واختاره المحقق البحراني في مقام الجمع بين الأقوال و قال في تأييده له :

” …ويؤيده ما ورد من الأخبار الدالة على ما ينبغي أن يفعل بالولد في مبدأ نشوءه وتربيته ؛ عن أبي عبد الله (ع) قال:” يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً …” بعد ذلك يؤكد على سبب إختياره لهذا القول فيقول : “.. … فإنه لا يخفى أن السبع التي هي مدة التربية واللعب إنما يكون عند الأم لأنها هي المربية له …)(42) .

وللفقهاء المعاصرين آراء أخرى حيث نجد فيها أنهم حاولوا الأخذ بما يتناسب ومصلحة الطفل، منهم:

-السيد الخوئي (ره)يعتقد ” …أن الأم أحق بحضانة الولد إن شاءت إلى السنتين وإن كان أنثى والأولى جعله في حضانة الأم إلى سبع سنين .( 43)

-بينما الأستاذ مغنية يذهب إلى الأبعد من ذلك فيقول : “..أن الأم أحق بهما إلى السنتين بعدها يختار القاضي من بين والدين الطفل من يجده الأنسب لحضانة الطفل.(44)

وقد أشار الشهيد الثاني إلى إن مدة الحضانة تنتهي عندما يبلغ الصغير سن الرشد” .. وتنتهي الحضانة عن المحضون ذكراً كان أو أنثى إذا بلغ سن الرشد وله بعدها أن يختار في الإنضمام إلى من يشاء من بين أبويه أو أي شخص آخر غيرهما ؛ وعلل ذلك بأنه ” إذا بلغ الولد سن الرشد سقطت الحضانة عنه لأنها ولاية ، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد سواءاً ذلك الذكر والأنثى،البكر والثيب،لكن يستحب له أن لا يفارق أمه خصوصاً الأنثى إلى أن تتزوج(45).وعن الجواهر أيضاً “..وكان الخيار إليه في الإنضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما”( 46)

(ب) وقت الحضانة في الفقه السني

يعتقد أغلب الفقهاء ان سن السابعة من العمر هو السن الذي تنتهي عنده الحضانة ولم يذكروا الأقل من ذلك . وهناك آراء أخرى تختلف عما عليه المشهور عندهم وقد ذكرها الإمام أبو زهرة على نحو التفصيل نشير إلى بعضها بإيجاز :

_ففي المذهب الحنفي: ” إن حضانة الأم للولد تمتد حتى يبلغ سن السابعة لأنها أقل سن للتمييز والبنت حتى سن المراهقة لأنها إذا بلغت هذا المبلغ احتاجت إلى الحفظ والصيانة والرجال أقدر على ذلك من النساء ؛ ونحا الشافعية منحى الحنفية في جعلهم سن التمييز نهاية لمدة حضانة الأم للطفل ” وهو السابعة من العمر ” بعدها يخيير بين أبويه .( 47)

ثم يرى “.. إن مدة حضانة الأم للصبي تستمر حتى البلوغ والبنت حتى زواجها.( 48)

_ وفي المذهب الحنبلي ” أن الأم أحق بحضانة الطفل إلى أن يبلغ السابعة بعدها إن وقع النزاع بين الأبوين فيخيير الطفل بينهما .(49)

وفيما يتعلق بحق الإختيار فإن الثابت عند أغلب الفقهاء إن البنت إذا بلغت مبلغ النساء يبقى حق ضمها لأبيها أو لأحد أقاربها المحرم إلى أن تتزوج وإن الولد يصبح أحق بنفسه بعد أن يبلغ السن الذي يستغني فيه عن الحضانة ويكون مخيراً للإنضمام إلى أبيه أو أمه .( 50)

وكما نلاحظ فإن فقهاءنا قد أولوا الطفل الرعاية الكاملة التي من خلالها يمكن أن تتوحد وجهات النظر شرعاً وقانوناً حتى يعيش الطفل وفق متطلبات طبيعته وطبيعة والديه وينعم بما خلق له الله من النعم الإلهية

المطلب الثاني

وقت الحضانة في القانون العراقي والقانون المدني الفرنسي

لم يفرق المشرع العراقي بين الذكر والأنثى في تحديد مدة الحضانة كما لم يفرق بينهما إذا كانت الحاضنة الأم أو غيرها ، فالنص جاء مطلقاً والمطلق يسري على إطلاقه ، وهذا ما تضمنته الفقرتين 1 و4 من المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية؛ وأنه حين جعل مدة الحضانة 10 سنوات قائماً قيد ذلك بعدم تضرر الصغير بوجوده عند حاضنته خلال هذه المدة وبعكسه يمكن نزع حضانتها ف1 وف4 من المادة 57 حيث نصت على أن ” الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية بعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك”؛ والفقرة 4 تنص على أن ” للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير حتى إكمال الخامسة عشر إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية إن مصلحة الصغير تقضي بذلك على أن لا يبيت إلا عند حاضنته .

فالمشرع العراقي أعطى المحكمة سلطة معينة واسعة في هذا الشأن فتأذن بتحديد فترة حضانة الصغير عندما تقتضي مصلحته ذلك وحتى إكماله 15 عاماً مستنده في ذلك إلى تقارير اللجان الطبية حسب م/ 57 ف4 أحوال شخصية .

فمرض وضعف المحضون أو إصابته بالتخلف العقلي أو عدم قدرته على الإستغناء عن حاجته بحيث لا يستطيع تأدية حاجياته الأولية بنفسه ، هذه الظروف مدعاة لتمديد الحضانة .

وقد درج القضاء العراقي على إصدار الكثير من القرارات القاضية بتمديد حضانة الصغير ضماناً لمستقبله وحرصاً على صحته الجسدية والنفسية مستغلاً في ذلك السلطة الواسعة التي هيأت له من خلال المادة 57 من القانون النافذ.(51)

أما فيما يتعلق بحق الإختيار فإن الشرع العراقي لم يفرق بين الذكر والأنثى في هذا الشأن حيث نصت ف5/ م/ 57 على أنه :” إذا أتم المحضون الخامسة عشر من العمر يكون له حق الإختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الإختيار .وهو بذلك وإن خالف رأي البعض لكنه وافق المذهب الأمامي.

وعن دور القضاء العراقي وكيفية إتخاذ المحكمة قرارها بشأن حضانة الطفل يقول القاضي مزاحم عبد القادر إبراهيم في حوار لجريدة المدى(52):

” إن الخلاف الذي يحصل بين الزوجين بشأن أحقية أي منهما في حضانة الأطفال تفصل به محاكم الأحوال الشخصية من خلال دعوى تقام أمامها من قبل أحد الزوجين ضد الآخر وتتخذ المحكمة قرارها في الدعوى وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية النافذ حالياً إستناداً لأحكام المادة 57 من القانون المذكور ، ومن ضمنها بأن الأمر الجوهري والأساس الذي يؤخذ بنظر الإعتبار هو ” مراعاة مصلحة المحضون ” وأن الأم من حيث المبدأ هي الأحق في حضانة الولد وتربيته طالما كانت محتفظة بالشروط العامة التي يجب توفرها في الحاضنة المنصوص عليها في الفقرة “2 ” من المادة (57 ) … حتى وإن كانت الأم مطلقة من والد الصغير وتزوجت برجل آخر فإن حضانتها لا تسقط ، حيث تراعي المحكمة مصلحة الصغير في ذلك إلا أن من حق الأب الإشراف على شؤون الصغير وتربيته وتعليمه أثناء وجوده عند حاضنته حتى بلوغه العاشرة من العمر ، وللمحكمة صلاحية تمديد بقاء الصغير عند حاضنته حتى إكمال الخامسة عشر ؛ وفي حالة إتمام الصغير سن الخامسة عشر من العمر فإنه من حقه اختيار الإقامة مع من يشاء من والديه أو أحد أقاربه إلى حين إكماله الثامنة عشر من العمر والمحكمة تقرر ذلك إذا آنست منه الرشد في اختياره المذكور وفقاً لنص الفقرة (5) من المادة (57) المذكورة .

وفي القانون المدني الفرنسي وبموجب المادة 372 ” يبقى الطفل تحت ولاية أبويه حتى سن البلوغ أو يخرج من قيموميتهما”

فالحضانة في النظام الحقوقي الفرنسي كما هو عليه القانون العراقي جعلت مصلحة الطفل المحور الأساسي الذي يعتمده في تحديد مسؤولية الوالدين في تصدي هذه المهمة ، فلو اقتضت الضرورة ولأسباب عدم الأهلية فقد أجاز القانون للوالدين الرجوع إلى الحلول المعتمدة في الإعراض أو التنازل عنه وفق شروط خاصة ذكروها بشكل مفصل .(53).

لكن يجب الإشارة إلى أن القانون الفرنسي بالإضافة إلى ما ذكر من مواد حرص وبإصرار على أن يتولى الوالدين أمر حضانة الطفل، بينما يقوم ومن خلال أنظمته القضائية والإدارية الأشراف عليهما . وقد نصت المادة 388 مدني ” لايستطيع الزوجين أن يمتنعا عن القيام بأمور الحضانة وكذلك لا يجوز لهما الإمتناع عن ادارة أمواله والقيمومة عليها ، حتى يمكن للأب أن يسترجع حقه في حضانة الطفل حتى ولو باشر حضانة الطفل شخص ثالث . ولو توفي أحد الوالدين وحضانة الطفل كانت ضمن مسؤوليته ، فالحضانة تنتقل إلى الآخر ولا تستطيع المحكمة أن تقوم بتعيين شخص ثالث لذلك مادام أحد الوالدين موجود على قيد الحياة(54) .

بقي أن نلتفت إلى أحد المسائل التي يجب التأكيد على ملاحظتها في حضانة الطفل وهي من الأمور التي لم يتطرق إليها القانون ” مسألة البديل عن الوالدين في الحضانة” لأن البديل لا يمكن أن يعوض عن صفات الأب الحقيقي أو الأم الحقيقية لأي سبب كان ويبقى إرتباط الأبناء بوالديهم الحقيقيين أقوى وأصلب مهما كان البديل يتمتع بخصال جيدة وممتازة وأسلوب رائع في التعامل مع هؤلاء البدائل ؛ وقد ذكرت أحد الباحثات الاجتماعيات بخصوص هذه المسألة في أحد اللقاءات:”…بل إن هؤلاء البدائل قد يكونون عاملاً نفسياً كبيراً يؤثر في تكوين شخصية الطفل نفسياً وإجتماعياً ويجعله يحس بالنقص ؛ لذا على الآباء التفكير في حل مشاكلهما بدل التفكير في الطلاق وتعويض أبناءهم من خطر المرض النفسي أو الإنحراف.(55) .

والملاحظ أن النصوص الفقهية والقانونية تلتقي جميعها عندما تؤكد على ضرورة الاخذ بنظر الاعتبار بـ>مصلحة الصغير<في تحديد الإختيارات ، حتى يصبح الطفل مستقلاً بعد سن الثامنة عشر حيث يخيير بين أمه وأبيه. ولنا أن نقول إننا ومن منطلق ” رفع العسر والحرج يمكن أن نجعل رعاية مصلحة الصغير هي الهدف الخاص من الحضانة في تحديد الأولوية من بين أبويه حتى بلوغه سن التمييز عندها له أن يختار .وذلك بالإعتماد على رؤى بعض الفقهاء لإستجلاء نظام قانوني وفقهي متكامل لحضانة الطفل عندما نعتبرها على أنها ولاية لضمان الحفاظ على شخص الطفل وماله في نفس الوقت من خلال إستحداث ما يلزم من القواعد وإكمال ما يشكوه النظام الحالي من نقائص وسد ما به من ثغرات،كما هو عليه القانون الفرنسي ورأي بعض كبار الفقهاء .

الخاتمة

وأخيراً وبعد هذا الإستعراض لقوانين وأحكام حضانة الطفل نذكر فيما يلي بعض النتائج والتوصيات وهي :

(أ) – النتائج

1-إن القانون العراقي قد جانب الصواب رغم مخالفته للرأي الفقهي الراجح لدى المشهور منهم .

2-أن الحضانة في أغلب القوانين الوضعية هي تكليف يكلف به الوالدين رعاية مصلحة الطفل الصغير عندما تصبح الحياة الزوجية مهددة بالفراق ، ولا يجوز لمن له ذلك ألأمتناع عنها أو التنازل عنها أو جعلها أحد شروط العقد .لكنها في الفقه الإسلامي قد أخذت بعدة أشكال فمنهم من يعتقد على إنها تكليف وآخر يعتقد أنها حقاً وتكليفاً في آن واحد . وقد إعتمد المشرع الفرنسي هذا الرأي أيضاً .

3- عندما يضع المشرع قوانين الأسرة وخاصة فيما يتعلق بتنظيم روابط الآباء والأبناء لتحقيق المصلحة الإجتماعية ويكلف الوالدين بحضانة الطفلً فسيمنحهم بإزاءه حقوقاً، للقيام بها، لأن الحقوق عبارة عن إختيارات تمكنهما من امتثال تلك التكاليف حتى لا يتعرض لهما شخص ثالث مما يجعلهما يتحملان ما ينجم عن هذه التكاليف .

4- إن القوانين الوضعية رغم كثرتها لكنها لم تستطع أن تحقق السعادة المنشودة للطفل والأم بحيث تمكنه من خوض سبل الحياة المختلفة ، لأن حياة الطفل وكيفية إرتباطه مع والديه تتطلب أمور كثيرة دقيقة لطيفة تتلاءم ومعنى الطفولة وهذا هو السبب في إخفاقها في وضع الحلول المناسبة والسليمة لأنها أمور يجب على أفراد المجتمع أن يدركونها ثم ينجزونها بحب واشتياق فالحضانة لا تستقيم بالأحكام القضائية ، إلا في حالات خاصة من عدم أستقامة الوالدين أخلاقياً أو لعدم إدراكهم لمسؤولياتهم بالنحو الصحيح عندها لابد للقضاء من إتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها لأجل مصلحة الطفل نفسه.لذا لا يمكن للقوانين والأنظمة الحقوقية أن تعيها وتحددها لأنها غير قادرة على تصورها فكيف لها أن تنظر إليها وتأخذها بنظر الإعتبار.

التوصيات

ومن التوصيات التي يمكن لنا أن نشير إلى بعضها :

1- قد بلغ الفقه الإسلامي في مسائل الحضانة إلى مستوى بحيث يرى أن الطفل لابد أن ينمو ويتربى في ظل عواطف الأب والأم وأن ترعى مصالحه ويتربى بهذا البعد، فالإسلام بهذا العمل لا يريد أن يكون فيها داراً للأيتام لأنه أراد من المسلمين أن يحتضنوا أيتامهم ويربوهم كما يربوا أولادهم وينظرون إليهم نظرة أبوية ، وهو ما لا يصار إليه إلا من خلال العمل بالشريعة وما فيها من حلول لمعاناة الطفولة والأمومة السباقة وذلك قبل أربعة عشر قرناً.

2- أصبح من الضروريات المؤكدة أن تتوحد الأحكام المنظمة للولاية على الطفل وأولوية الأم في ذلك عبر جمع شتاتها وتبويبها في تنظيم قانوني متكامل يضمن الحماية المنشودة للطفل .

3- إن رعاية مصلحة الصغير وأولوية الأم في حضانة صغيرها هي النقطة المشتركة التي اتفق عليها لنا أن نأخذها ومن منطلق رفع العسر والحرج ونخرج آخذين بصيغة شاملة تصب في مصلحته شرعاً وقانوناً خاصة وأن واقع الأمر في الحضانة يقتضي ذلك .

4- وعموماً ما يحسب للمشرع سعيه الدؤوب إلى تفعيل دور الأم بما فيه ضمان لمصلحة المحضون لأن المشرع عندما يقرر الحجر على القاصر ويمنعه من التصرف في ماله كلياً أو نسبياً بحسب درجة تمييزه ، يجب عليه أن يسمي ولي يكلف بتمثيل القاصر المحجور عليه قانوناً وإدارة مصالحه المالية حتى يضفي حركية على ذمته المالية ، وتباعاً يصبح للأم جميع السلطات التي كانت للأب على مال أبنائها القصر.

الهوامش

( 1)ابن منظور ، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المصري ،لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، ط 1 ، 1997 ، ج2 ، ص105 )

(2) المصدر السابق

( 3)المجلسي ،محمد باقر ، بحار الأنوار،مؤسسة الوفاء ، بيروت 1983، ج15،ص125،و ج22،ص263.)

(4) نفس المصدر السابق، ج 92 ، ص 248).

( 5)السيد ابن طاووس،علي بن موسى، إقبال الأعمال،مؤسسة أهل البيت1408 ه ، ج2 ،ص 75 )

(6) مرواريد ، علي أصغر ، سلسلة الينابيع الفقهية ، مؤسسة فقه الشيعة ، بيروت ،1993 ج38 صـ 119ـ 125، السابق ص 390 ـ 395 ))

( 7)سورة البقرة / 233 )،

(8) العلامة الطباطبائي محمد حسين ، تفسير الميزان ، منشورات جامعة المدرسين ، قم ، 1363 ه ش، ج1 ، ص241 )

(9) الشهيد الثاني، الروضة البهية، ج2 دفتر تبليغات إسلامي ،قم، ط 10 ،1376 هـ ش،ص 368

(10) النجفي ، جواهر الكلام ج 30 ص 348 1418 هـ)

(11) الشيخ يوسف البحريني ،الحدائق الناضرة ، مؤسسة النشر الإسلامية ، قم / 25 ص83).

( 12)ابن منظور، مصدر سبق ذكره ،ج15 ،ص 407 )

( 13)الجبوري، صالح حسن ، الولاية على النفس ، لبنان ، 1976 ، ص 31 ).

(14) محمد يوسف موسى ، أحكام الأحوال الشخصية في الفقه الإسلامي ،دار الكتاب العربي، مصر ، 1957 ، ص 146 ـ 150 ))

(15) وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته،دار الفكر،دمشق، ط4، 1418 هـ ق،ج7،ص 729 ).

( 16)أبو بكر الكنشاوي، سهل المدارك شرح إرشاد المسالك ، ج2 ، دار الفكر ، ص 205 ) ،

( 17)planiol, 1957, g.1/N.299-

( 18) الدكتور عبد السلام العبادي ، نظرية الحق بين الشريعة والقانون، رسالة التقريب العدد 2 ، المجمع العلمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

(19)السيد عبد الأعلى الموسوي ، مهذب الأحكام ، مؤسسة المنار، قم ، ط4 ، 1417ق ، ج25 ، ص280) ـ الإمام الخميني ، الاستفتاءات، ج2 ، ص 113 )

(20) وهبة الزحيلي ، مصدر سبق ذكره، ص 718 ).

( 21)السيد عبد الأعلى الموسوي ، مصدر سبق ذكره )

(22) المصدر السابق ، 276 )

(23)عبد الكريم زيدان،أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام،جامعة بغداد، ط2 ،1976 ، ص450 )

( 24) توفيق حسن فرج، أحكام الأحوال الشخصية، الدار الجامعية ،بيروت ،ص368

( 25)يوسف القرضاوي ، الحلال والحرام في الإسلام ، ط 13 ، نشر المكتب الإسلامي ، ص 221 .

(26 )السيد علي الطباطبائي،رياض المسائل،دار الهادي،بيروت،ط1،1412 هـ ق،ج ، ص162 ).

(27) الشهيد الثاني، الروضة البهية ،مصدر سبق ذكره ، ج5 ، ص 464 )

(28) السيد أبو القاسم الخوئي،منهاج الصالحين ، ط28 ، قم ،نشر مهر ، 1410 ق ، ج2 ، ص 286 )

( 29)قرار محكمة التمييز المرقم 1126/ شخصية / 2000 .

(30) قرار محكمة التمييز المرقم 171 / في 27/ 2 / 1995 مشار إليه في المختار من قضاء محكمة التمييز / قسم الأحوال الشخصية ـ إعداد إبراهيم المشاهدي/ مطبعة الزمان 1999.

(31) د. أحمد الكبيسي ، الوجيز في شرح قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته ، ج1 ، الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة / فرع البصرة ، ص214 )

(32) قرار 429/ شخصية / 979 المؤرخ 8/ 5/ 979 العدد 2/ السنة /1979 .في مجموعة الأحكام العدلية.

(33) قرار مجلس التمييز الشرعي المرقم 134 المؤرخ 6/3/ 1960 ـــ والقرار رقم 851 المؤرخ 18/ 1/ 1969 .)

( 34)planiol et ripert, 1957, n . 334) –

(35)Del zutorit e pzrentzle-

(36)- ( Mazeaud, 1967. N. 1195, P. 1197; ) Planiol, 1957, N. 463

(37)ibid, N.1197, P .1147 ; Ibid)-

(38) محمد أبو زهرة ، الأحوال الشخصية دار الفكر العربي ، ص458ـ 406 )

.(39) الروضة البهية ،ج5،مصدر سبق ذكره ، ص458 )ـ جواهر الكلام ج31 ، ص 290 )

(40) الروضة البهية ،ج5،مصدر سبق ذكره- ص459 )

(41) الشيخ الطوسي،الخلاف،مؤسسة النشر الإسلامية،قم،ط5،1417،ج5 ،ص131 ـ 132 ، المسألة 36 ).

(42) الحدائق الناضرة ، ج25 ، مصدر سبق ذكره، ص89 ـ90 ).

( 43) الخوئي، أبو القاسم ، منهاج الصالحين، ج2 ،مطبعة مهر ، قم ، ص391 ، المسألة 1389).

(44) مغنية ، محمد جواد ، فقه الإمام الصادق ، ج5 ، ص 314 ـ 315 )

(45) الروضة البهية ، مصدر سبق ذكره، ص463 )

( 46) جواهر الكلام ، مصدر سبق ذكره ، ص 301 )

( 47) محمد أبو زهرة ، مصدر سبق ذكره ، ص 484 )

( 48) نفس المصدر السابق )

(49) زيدان ، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم ، ج10 ، ص 72 )

( 50) علاء الدين خروفة،شرح قانون الأحوال الشخصية،ج 2 ، مطبعة المعارف،بغداد،ص 239) .

(51) قرار رقم 1065(شخصية ) 1975 بتاريخ 23/ 7/ 1975 ، الأحكام العدلية / العدد الثالث ، السنة السادسة 1975 ، ص 87ـ 89 ) .

(52) المدى ، العدد 1020 ، الإثنين /آب / 2007 ، ص7 ، حضانة الأطفال مشكلة يصنعها الزوجان ويدفع فاتورتها الأبناء)

(53)Mazeaud, 1967, g.2, p. 1136) –

(45) المصدر السابق).

(55) نادية الدوسكي في حوار لجريدة المدى ، العدد 1020 ، مصدر سبق ذكره.)

المصادر

(أ) – القرآن الكريم

(ب) كتب اللغة

– ابن منظور ، محمد بن مكرم ،لسان العرب ، دار صادر، بيروت، ط 1 ، 1997م.

(ج)- المصادر العربية

1.-السيد أبو القاسم الخوئي،منهاج الصالحين ، ط28 ، قم ،نشر مهر ، 1410 ق

2.-أبو بكر الكنشاوي، سهل المدارك شرح إرشاد المسالك، دار الفكر

3.الكبيسي ، د. أحمد ، الوجيز في شرح قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته ، الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة / فرع البصرة .

4.توفيق حسن فرج، أحكام الأحوال الشخصية، الدار الجامعية ،بيروت

5.الخميني ، روح الله ، تحرير الوسيلة ، مؤسسة النشر الإسلامية ،قم ، ط8 ، 1420

6.زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، الروضة البهية ،دفتر تبليغات إسلامي ،قم ، ط 10 ، 1376 هـ ش .

7.الجبوري ، صالح حسن ، الولاية على النفس في الشريعة الإسلامية ، لبنان ، 1976 م .

8.مرواريد ، علي أصغر ، سلسلة الينابيع الفقهية ، مؤسسة فقه الشيعة ، بيروت ،1993 .

9.-السيد ابن طاووس ، علي بن موسى ، إقبال الأعمال ، مؤسسة أهل البيت 1408 هـ.

10.الدكتور عبد السلام العبادي ، نظرية الحق بين الشريعة والقانون، رسالة التقريب العدد 2 ، المجمع العلمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

11.السيد عبد الأعلى الموسوي ، مهذب الأحكام ، مؤسسة المنار، قم ، ط4 ، 1417ق ـ

12.-عبد الكريم زيدان ، أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام ، جامعة بغداد، ط2 ،1976

13.عبد الكريم زيدان ، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم ، )

14.علاء الدين خروفة ، شرح قانون الأحوال الشخصية ،مطبعة المعارف ، بغداد ، ص 239)

15.-السيد علي الطباطبائي ،رياض المسائل ،دار الهادي ، بيروت ،ط1، 1412 هـ ق .

16.النجفي ،محمد حسن ، جواهر الكلام ،دار احياء التراث العربي ، بيروت،ط 7 ، 1418)

17.المجلسي ،محمد باقر ، بحار الأنوار،مؤسسة الوفاء ، بيروت 1983

18.العلامة الطباطبائي محمد حسين،تفسير الميزان، منشورات جامعة المدرسين،قم، 1363 هـ ش.

19.الشيخ الطوسي،محمد بن الحسن بن علي،الخلاف ،مؤسسة النشر الإسلامية،قم، ط5 ،1417 هـ ).

20.ـ مغنية ، محمد جواد ، فقه الإمام الصادق ، مؤسسة الإمام الصادق ، طهران ، ط5 ، 1377

21.محمد يوسف موسى ، أحكام الأحوال الشخصية في الفقه الإسلامي ،دار الكتاب العربي، مصر ، 1957 .

22.وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته ، دار الفكر ، دمشق ، ط4، 1418 هـ

23.الشيخ يوسف بن أحمد البحراني ،الحدائق الناضرة ، مؤسسة النشر الإسلامية ، قم ، 1405 هـ

24.-الشيخ القرضاوي ، يوسف، الحلال والحرام في الإسلام ، ط 13 ، نشر المكتب الإسلامي.

25.-المختار من قضاء محكمة التمييز / قسم الأحوال الشخصية ـ إعداد إبراهيم المشاهدي/ مطبعة الزمان 1999

* الدوريات

– جريدة المدى ، العدد 1020 ، الإثنين /آب / 2007 ، ص7 ، حضانة الأطفال مشكلة يصنعها الزوجان ويدفع فاتورتها الأبناء)

مجموعة الأحكام العدلية ، العدد 2/ السنة /1979 .

الأحكام العدلية / العدد الثالث ، السنة السادسة 1975 ) .

المصادر اللاتينية*

Carbonnier ,jean , droit civil , 5 ed ., t .I, paris, 1964.-

– martyet, reynaud., droit civil, t.,i., 2 volume,les personnes,2ed , paris,1967.

– Mazeaud, Henri, leon et jean, lecons de droit civil. T .i., 2volume, famille, et incapacites, 4ed. 1967

Planiolet, ripert& trate, pratique , droit civil franc,ais, 2 ed.t., i.,parsavatier, 1952.-