مفهوم الوظائف المحجوزة :

يقصد بنظام الوظائف المحجوزة قصر تولي بعض الوظائف في الدولة على بعض الأفراد أو الفئات لاعتبارات خاصة . ترى الدولة إزاءها وجوب قصر التعيين في تلك الوظائف على هؤلاء الأفراد أو تلك الفئات دون غيرهم من أفراد وفئات المجتمع الأخرى. من هنا اعتبر هذا النظام أو هذا الأسلوب كاستثناء من مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة. إذ ان هذه الوظائف تحجز لتلك الفئات أو هؤلاء الأفراد ويمتنع دخولها على غيرهم من أفراد أو فئات المجتمع . ويكون ذلك عادة بهدف رد دين في عنق الدولة أو عرفاناً من جانبها بالجميل لهؤلاء الأفراد وتلك الفئات لقاء ما بذلوه من تضحيات في سبيلها(1). فكون هذه الوظائف تحجز لهؤلاء الأفراد أو تلك الفئات فالنتيجة الحتمية لذلك أنها تستبعد من القواعد العامة في الالتحاق والتنافس عليها بين جميع من يرغب في تولي مثل هذه الوظائف وتخضع تبعاً لذلك لنظام خاص ويخضع القبول فيها والتنافس عليها لتلك الطوائف فقط دون سواها من بقية طوائف المجتمع. ويعرفها الفقه العربي بأنها وظائف قليلة الأهمية ولا تحتاج لإعداد فني كبير يحتفظ فيه المشرع لمشوهي الحرب ومن شاكلهم كمكافأة لهم تمكيناً من كسب رزقهم وذلك وفقاً لكشف يحدد أفضليتهم كلٌ على حدة في الحصول على الوظيفة. وعلى الإدارة ان تختار بالترتيب في هذا الكشف كلما خلت إحدى الوظائف المحجوزة . ولا تسري عليها القواعد العامة في المنافسة . وتخصص لطوائف معينة تكون قد تحملت قدراً كبيراً من ويلات الحرب ويكون التنافس على شغلها من بين تلك الطوائف دون سواها . وتشمل هذه الطوائف بصفة أصلية مشوهي الحرب . وتدمج فيها بعض التشريعات ، الأرامل اللائي فقدن أزواجهن بسبب الحرب وكذلك الأيتام بسببها(2). ويعرفها البعض الآخر بأنها وظائف محددة على سبيل الحصر يقتصر التعيين فيها على بعض الفئات التي عادة ما تكون قد تحملت قدراً كبيراً من انضوائها تحت النظم العسكرية ، سواء كان ذلك بطريق مباشر كمشوهي الحروب والمحاربين القدماء أو غير مباشر كاليتامى والأرامل والأولاد الذين يفقدون عائلاتهم . أو يعجزون عن مباشرة أي عمل كأثر من آثار الحرب ويكونون في وضع لا يسمح بالمحافظة على مستوى المعيشة التي كانوا عليها بحكم ان العائل قد مات أو لم يعد في استطاعته ان يجد العمل الذي يمكن ان يمارسه وفي مثل هذه الصورة تحجز الوظائف ليجري التنافس عليها من بين هذه الفئات لا ينافسهم فيها غيرهم(3).

ويتفق هذا التعريف مع سابقه إلا انه أضاف ان هذه الوظائف تحجز كذلك ليس فقط للأولاد اليتامى بسبب الحرب بل لمن اصبح عائلهم عاجزاً عن مباشرة أي عمل كأثر لها. من خلال هذه التعريفات يتضح ان الأساس الذي يجب ان يقوم عليه في اختيار الأفراد لتولي الوظائف العامة هو مساواة جميع المواطنين الذين تتوافر فيهم شروط تولي هذه الوظائف طبقاً للقانون . ولكن ربما يكون للأدارة الخروج عن ذلك فتخصص بعض الوظائف لفئة معينة من المواطنين قد يكون ذلك لأسباب سياسية كما في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً حيث تحجز الوظائف القيادية للحزب المنتصر سياسياً الفائز في الانتخابات والذي تكون له سلطة الحكم(4). وقد يكون ذلك لأسباب اجتماعية وإنسانية كما هو الحال في حجز بعض الوظائف لمصابي الحروب التي تطورت وسائلها . حتى أصبحت أضرارها لا ترحم مدنياً أو عسكرياً أو قد تكون لأسباب اجتماعية كما هو الحال في حجز بعض الوظائف نتيجة للكوارث العامة أو للعجزة. فهذه الوظائف لا تحتاج إلى تخصص كبير أو إلى مستوى جيد من الكفاءة الجسمانية تحجز ولا تسري عليها الشروط العامة في مسابقات الاختيار وتخصص لطوائف معينة ممن تحملت قدراً كبيراً من ويلات الحروب فيكون التنافس فيما بين هذه الطوائف في تولي هذه الوظائف(5). ولما كان نظام الوظائف المحجوزة لا يوجد إلا حيث تتوافر حكمته المشروعة وهي حماية من تقرر لمصلحتهم في منافسة الآخرين الذين في وضع اقوى من المستفيدين بهذا النظام وبحكم ما أصابهم من عجز أو تشويه حال دون إكمال صلاحيتهم لتولي الوظائف العامة. أما إذا انتفت هذه الحكمة تبعاً لافتقار عنصر المنافسة المطلوبة لشغل الوظائف العامة فانه لا يكون ثمة نظام لحجز الوظائف “مثل هذه الوظائف” لافتقارها لعنصر المنافسة. وعلى هذا الأساس فانه في الدول الاشتراكية التي تلتزم بتعيين خريجيها فانها تلتزم بتوفير العمل لجميع المواطنين وإعمالاً لمبدأ تكافؤ الفرص المتساوية لكل المواطنين في الحصول على عمل كلٌ حسب قدرته فلا يكون ثمة ضرورة للأخذ بنظام الوظائف المحجوزة لان العمل سيكون متوفراً لكل مواطن(6).

أسباب قيام نظام الوظائف المحجوزة :

يمكن ان ترد الأسباب التي تقوم عليها فكرة الوظائف المحجوزة إلى الاعتبارات الآتية :

1- ان نظام حجز الوظائف يعد مظهراً من مظاهر الضمانات الاجتماعية للمواطنين التي من مقتضاها ان يأمن المواطنون لكي يتمتعوا بالحماية الاجتماعية وغيرها من الحقوق ضد فقد القدرة على العمل جزئياً أو كلياً. وهذه الضمانات قد انتشرت أخيراً وتضمنتها دساتير الدول المختلفة وان كانت لا تدخل بطبيعتها في نطاق المسائل الدستورية كما تضمنتها المواثيق الدولية بحيث أصبحت من مستلزمات المجتمع الحديث على النطاق الداخلي والدولي(7). تماشياً مع هذا الاتجاه تقوم الدولة عادة بتضمين قوانينها ولوائحها ما ييسر للموظفين وأسرهم ضمان العيش الكريم وهي في هذا السبيل لا تلجأ إلى صورة من صور الضمان الاجتماعي ، بل تلجأ إلى عدة صور تشكل كل صورة منها أو في مجموعها هذا التضامن ومن بينها هذه الصورة ، صورة الوظائف المحجوزة لبعض الفئات مع مراعاة وجود تناسب بين طبيعة هذه الوظائف وبين طاقاتهم العقلية والبدنية.

2- ان من واجبات الدولة ان تعترف بالجميل للذين ضحوا بأرواحهم في سبيل حماية الدولة وحماية سيادتها من أي اعتداء وللذود عن كل شبر من أراضيها. ولكن اعتراف الدولة بهذا الجميل لا يحققه مجرد ان تقرر لهم أو لذويهم إعانات مالية أو عينية، لان الإعانة فوق ما فيها من مهانة فإنها لا تكفي عادة لسد حاجة ضحايا الحرب. أما العمل فانه يكفل رد الاعتبار إليهم وتمكينهم من الحصول على مورد كاف لحياتهم ويشعرهم أيضا بان الدولة تحفظ جميلهم . وان هذه الطريقة توفر المبالغ الكبيرة للدولة التي تدفع كإعانات بدون مقابل(8).

3- قضاء فترة طويلة في الخدمة العسكرية عن طريق التطوع لسهولة الحصول على عمل معين . فان ذلك يعتبر من اكثر الدوافع للأفراد على التطوع في خدمة القوات المسلحة.

4- ان الوقت الذي يقضيه المتطوع أو المجند في خدمة الجيش يكسبه ملكات لا يتمتع بها عادة زميله المدني . كالطاعة والنظام وروح القيادة وحسن التصرف . ولكن يقابل هذه الصفات عادة ضعف عام في مستوى الثقافة والمعلومات قد لا يمكنه من منافسة المدنيين في هذه الناحية ومن ثم فليس من العدل ان يخضع الاثنان لنوع واحد من الاختبارات(9).

5- تطور وسائل الدمار التي اشتدت ضراوتها في العصر الحديث وقيام الحروب من آن إلى آخر . أدى إلى ازدياد فرص التشويه والعجز عما كانت عليه في العصور السابقة ، الأمر الذي اقتضى اتخاذ موقف من الدول المختلفة يتناسب مع هذه الظروف ويحقق الأمان للمواطنين ولأسرهم من بعدهم وذلك عن طريق إقرارهم نظام حجز الوظائف بغية تحقيق هذه الغاية(10).

6- كما ان التقدم العلمي كان مدعاة للاعتماد أساسا على الآلات والمعدات مما لا يقتضي في كثير من الأحوال بذل مجهود بدني شاق من الفرد . الأمر الذي ييسر لكثير من المشوهين والعاجزين جزئياً من ان يقوموا بالأعمال التي توكل إليهم بعد تدريب بسيط لقيام الآلات بالعمل والإنتاج وان المجهود البشري في الحالات التي يكون فيها مجال لنظام الحجز لا يستتبع بذل طاقات بدنية يعجز عنها أصحاب الحق في هذه الوظائف المحجوزة وان اقتضى في بعض الأحوال بذل مجهود ذهني. ومن هذا المنطلق لم يتردد الفقه الفرنسي في اعتبار هذه الوسيلة استثناء من مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة. فقد ذهب بعض من الفقه الفرنسي إلى اعتبار نظام الوظائف المحجوزة يمثل مخالفة لمبدأ المساواة في دخول الوظائف العامة وانه يستند إلى الاهتمام بمصلحة بعض الأشخاص ولا سيما الذين ابتلوا في الحرب(11). وجانب آخر قال ان هذا النظام يشكل في القانون العام الفرنسي كما في كثير من البلدان الأخرى استثناء مهماً على مبدأ المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة(12). واخرون قالوا ان تصدعاً خطيراً لمبدأ المساواة في الوظائف العامة نتج من تشريع الوظائف المحجوزة(13). أو هو مجاملة لبعض الفئات الذين تحجز لهم الوظائف أو ان تقرر لهم أسبقية في الالتحاق بها(14).

_______________________

1-Elin Ayoub : La fonction publique – P.88 “S acquitter d une dette Sacree”

2- د. سليمان الطماوي / مبادئ القانون الإداري المصري والعربي ، دار الفكر العربي ،1961 ،ص598.

د. سليمان الطماوي / مبادئ علم الإدارة العامة ، مصدر سابق ، 1970 ، ص 535-536.

د. محمود عاطف البنا / مبادئ القانون الإداري في الأموال العامة والوظيفة العامة ، دار الفكر العربي ، بلا سنة نشر ، ص185.

د. علي محمد بدير ود. عصان البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي / مبادئ واحكام القانون الإداري ،1993، ص304.

د. فوزي حبيش / الوظيفة العامة وادارة شؤون الموظفين ، المنظمة العربية للعلوم الإدارية ، ص100.

مصطفى الشريف / تولية الوظائف العامة على ضوء قانون الأساس العام للعامل في الجزائر ، ر. ماجستير في الإدارة والمالية مقدمة إلى معهد العلوم القانونية والإدارية في الجزائر ،1985،ص160.

3- د. الدماصي / مصدر سابق ، ص275-276.

4- Bernard gournay. Jean ، franc،ois kesler et jeanne siwek – administration publique – presses University de France . p.350.

Alain plantey : traite pratique de la fonction publique ، troisieme edition tome premier. Paris 1971.p.157

د. سليمان الطماوي / مبادئ علم الإدارة العامة ، ط4 ، دار الفكر العربي ، ص524.

د. سليمان الطماوي / الوجيز في القانون الإداري ، 1967 ، ص389.

د. سليمان الطماوي / الوجيز في القانون الإداري ، دراسة مقارنة ، 1979 ، ص428.

د. فؤاد العطار / القانون الإداري ، ط3 ، ص462.

5- د. حسين الدوري / مصدر سابق ، ص113.

6- جيرزي سياروشياك / وضع الوظيفة العامة في الدول الاشتراكية – ترجمة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة المصري – بحث من سلسلة الدراسات القانونية المقارنة التي تصدرها هيئة الأمم المتحدة عن نظم الخدمة المدنية ، ص4.

7- د. فؤاد العطار / النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر 1966 ، ص574.

8- د. حسين الدوري / مصدر سابق ، ص114.

9- د.سليمان الطماوي / طرق اختيار الموظفين ، بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية المصرية ، ع3 لسنة 1965 ، ص210.

10- د. الدماصي / الحقوق الدستورية في المجال الوظيفي ” نظام حجز الوظائف ” بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية ،ع3 سنة 1973 ، ص12.

11- دي لوبادير / القانون الإداري ، 1973 ،ص59.

12- جريجوار / مصدر سابق ، ص171.

13- الن بلانتي / مصدر سابق ، ص164.

14- لويس فوجير / مصدر سابق ، ص185.

نطاق الوظائف المحجوزة :

أ. من حيث الوظائف

1- ان الوظائف المحجوزة لها نطاق خاص لا تمتد عادة لغير الوظائف الدنيا في الهيكل الوظيفي ، أما الوظائف الرئيسية . فالأصل ان لا يشملها هذا النظام حتى لا يترتب على ذلك مصلحة هذه الفئات على المصلحة العامة. لأنه كلما تقدمنا بالوظائف إلى أعلى كانت المسؤولية اكبر وتتطلب جهداً بدنياً وعقلياً كبيراً فيجب ان يكون في المرشح للوظيفة صلاحية ما تتوازى وتتلاءم مع مستلزمات هذه الوظيفة بما يمكنه من تحمل أعبائها وواجباتها مع سير المرفق العام الذي يعمل به بصورة مستمرة ومنتظمة . والتدريب الذي يحصل عليه ذوو العاهات يمكنهم من اكتساب مهارات تعمل على إيجاد نوع من التوازن بين حالاتهم الصحية ومستلزمات الوظيفة ، فتكون الوظائف الدنيا المكان الملائم لهم لأنه يتناسب مع حالاتهم الصحية، لأنه يجب ان تكون المصلحة العامة محل رعاية واهتمام عند التخطيط للوظائف المحجوزة. ولكن بعض الدول عملت على التوسع في نطاق الوظائف المحجوزة بحيث وسعتها لتشمل حتى الوظائف الرئيسية فتخصص نسبة من هذه الوظائف لبعض الفئات مثل العسكريين(1). وهذا يفسر ترتيب المرشحين لهذه الوظائف في قوائم بحسب اللياقة البدنية ونتائج الاختبارات المهنية التي تنظم ويهدف إلى إيجاد نوع من الضمانات فيما بين المتقدمين بعضهم البعض وفيما بينهم وغيرهم ولا يجوز للوزارات شغل الدرجات الشاغرة إلا بعد استدعاء المقيدين من الأفراد الذين يرومون الحصول على الوظائف العامة حسب ترتيب قيدهم فلا يجوز تخطي هذا الترتيب ولا يكون للإدارة أي سلطة تقديرية في هذا المجال . لذلك فان مخالفة الإدارة لهذه القوائم وتخطي الترتيب أو اختيار شخص من خارج من قيدوا أسماءهم يعتبر إخلالاً ومخالفة لتطبيق أحكام نظام الوظائف المحجوزة(2). وبما ان نظام الوظائف المحجوزة يعتبر نظاماً استثنائياً ، يرد على الأصل العام وهو المساواة بين جميع المواطنين في تولي الوظائف العامة الذين تتوافر فيهم مطالب وشروط شغل الوظيفة عند التعيين في هذه الوظائف . فيجب ان يطبق في أضيق الحدود الممكنة حيث تجري اغلب الدول في قوانينها الوظيفية على إعمال هذه القاعدة ، وان كانت تختلف في مداها وأوضح مثال على ذلك ما تضمنته تشريعات بعض الدول كإنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من تقرير حجز الوظائف للمحاربين القدماء . بينما تطلب بعض الدول ان يكون المحارب قد أبلى بلاءً حسناً أو أصيب في المعارك الحربية بعجز جزئي وهو ما معمول به في مصر وذلك بقصد التضييق من قاعدة حجز الوظائف للمحاربين القدماء ، فالحكمة من هذا النظام هو تحقيق أهداف إنسانية واجتماعية بما لا يضر بالمصلحة العامة ولم يكن هناك . حيث تكفل الدولة له حياة مستقرة كالتزام يقع عليها لقاء ما قدمه للوطن(3). أما إذا توسعت الدولة في الأخذ والعمل بنظام الوظائف المحجوزة بحيث يستفيد منها كل من انخرط في القوات المسلحة للبلاد أو اشترك في إحدى الحروب فان ذلك يعد خروجاً على الحكمة التي يبتغيها نظام الوظائف المحجوزة. وبذلك الخروج عن هذه الحكمة تكون الدولة قد خرجت عن الالتزام بالمبادئ الدستورية المتمثلة بالعدل والمساواة(4). بين جميع المواطنين تلك المساواة التي تنص عليها معظم دساتير الدول الحديثة .

2- كذلك فانه يجب ان تتناسب وظائف هذا النظام مع وضع المستفيدين منه من مشوهي الحروب والعاجزين جزئياً . أي في الوظائف التي لا تؤثر حالتهم الصحية أو الذهنية في كفاءة أدائهم لوظائفهم أو يقل فيها هذا التأثير ويصدق هذا على الوظائف الدنيا لأنها تتطلب في شاغليها مواصفات تقل في صعوبتها عما تتطلبه الوظائف العليا والرئيسية . فهذه الوظائف لا تتطلب قدرات بدنية وجسمانية عالية حيث تكون الواجبات والمسؤوليات على قدر الوظائف المعطاة لهم تتناسب مع إمكانياتهم البدنية والجسمانية وبالتالي يحتاجون إلى التدريب على أعمال هذه الوظائف ويكون اكثر ملاءمة لحالاتهم الصحية(5). لذلك يجب توصيف الوظائف لأنه سيساعد على تحديد الوظائف التي تتناسب معهم مع حالات المستفيدين من نظام حجز الوظائف.

ب- أما من حيث الأشخاص

فان تقرير الحقوق لمصلحة المواطنين أو لمصلحة فئة معينة لا يكون له قيمة عملية ما لم تكفل التشريعات لهذه الحقوق كافة الضمانات اللازمة لحمايتها من الإهدار ولتنفيذها تنفيذاً سليماً يتفق مع الحكمة التي استندت إليها وتلك الضمانات التي تعطي لهذه الحقوق قوتها واحترامها من قبل الجميع ، وان ضمان احترام الحقوق المقررة للمستفيدين من نظام حجز الوظائف يقتضي مراعاة الأسس الآتية :-

1-يجب ان يرد تقرير هذا النظام في نصوص قانونية صريحة ولا يهم بعد ذلك ان ترد هذه النصوص الصريحة في قانون الخدمة المدنية (الوظيفة العامة) أو ان ترد في نصوص قانونية مستقلة كما يجب ان تكون هذه النصوص القانونية صريحة في تحديد نطاق هذا النظام ومداه وشروط الاستفادة منه والنص على بطلان كل قرار فيه خروج عن أحكامه(6). ونقول انه يستحسن ان ينص على هذا النظام والأشخاص الذين يمكن ان يستفيدوا منه ومداه في صلب الوثيقة الدستورية استناداً إلى الأسباب التي أدت إلى وجود هذا النظام لعوامل اجتماعية وإنسانية ومن ثم يصدر قانون يتضمن الأسس العامة التي يشتمل عليها هذا النظام وتتولى اللوائح الداخلية (التعليمات) الجوانب التنظيمية لما جاء في هذا القانون لأنه يعتبر تعويضاً لهؤلاء الأفراد مقابل ما أعطاه المستفيدون من هذا النظام من تضحيات ، وإشعار الجميع بمدى أهمية تلك التضحيات وتكريماً لهم .

2-تشكيل هيئة مركزية يناط بها مراقبة تنفيذ الأحكام التي تنظم حجز الوظائف وبحث كل ما يعترض توظيف المستفيدين من هذا النظام من عقبات مع منحها الاختصاصات التي تمكنها من إيجاد الحلول الكفيلة بإزالة هذه العقبات . ويناط بها الاتصال بكل الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة لتسهيل تشغيل هؤلاء الأفراد على الوجه الذي تتضمنه القواعد التنظيمية في هذا الشان لأنه سيتضمن توظيفهم .

3-عمل قوائم يرتب فيها المستفيدون من هذا النظام بحسب نسبة العجز لكل واحد منهم ونوع هذا العجز وامكانية تعويض هذا العجز إذا كان ممكناً بالوسائل العلمية والتكنولوجية لان عمل هذه القوائم سيكون دليلا للتدقيق في تلك الوظائف وما تتطلبه من صلاحية ومقدرة وبين القدرات الفعلية والصلاحية الواقعية المتوافرة لدى هؤلاء والتوفيق بينهما(7).

_____________________

1- Roger Gregoire : La fonction Publiqye ، 1954 ، p.172.

2- د. محمود عاطف البنا / مبدأ القانون الإداري في الأموال العامة والوظيفة العامة ، دار الفكر العربي ، ص188-189.

3- د. الدماصي / مصدر سابق ، ص283.

4- Marshall Edward Dimock ، Gladys Ogden Dimock Louis W. koening : Public administration . edition . 1963 . p .395

ود. الدماصي / مصدر سابق ، ص284.

5- د. محمود عاطف البنا / مصدر سابق ، ص189.

6- د. الدماصي / مصدر سابق ، ص287.

7- د. الدماصي / مصدر سابق ، ص289.

نظام الوظائف المحجوزة ومبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة :

إذا كان مبدأ المساواة يعني تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين المتماثلين في مراكزهم القانونية في التقدم إلى هذه الوظائف على قدم المساواة دون تدخل من المشرع أو الإدارة لمصلحة فئة على حساب بقية الفئات الأخرى. وان حجز بعض الوظائف يعد بلا شك خروجاً عن مبدأ المساواة واستثناءً منه سواء حجزت بعض الوظائف أو تقرر لهم أولوية في توليها . ولا يهم إذا كانت هناك ظروف خاصة جعلتها غير قادرة على التزامهم الوظائف بذات القدر من الكفاءة مع بقية الفئات لأنه لا يعقل ان تحجز وظائف لمجرد مراعاة الظروف الخاصة أو بعض الاعتبارات التي تحيط بهذه الفئات ، إذا ما سمح لها بهذا التصرف لأصبح الاستثناء هو الأصل والأصل هو الاستثناء ولأصبح مبدأ المساواة في تولي هذه الوظائف مجرد مبدأ نظري فقط . وأبعدت الكثير من الوظائف عن مستحقيها. لذلك يفرق ما بين التكييف القانوني لهذا النظام وبين الاعتبارات التي يقوم عليها. فالاعتبارات التي يقوم عليها هذا النظام هي الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية . وكما علمنا ان تقرير هذا النظام جاء كنوع من رد الجميل من جانب الدولة لأولئك الذين ضحوا بما لديهم وتقديراً من الدولة لهؤلاء تقرر الدولة حجز بعض الوظائف بنسبة معينة لهم . ولكن كل هذا لا ينهض دون اعتبار ان حجز الوظائف لهذه الفئات يعتبر استثناءً من الأصل العام إلا وهو المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة . وانه يعتبر نوعا من الاستقرار المادي والنفسي لأولئك العاجزين والمصابين والأرامل . لذلك فان أي وسيلة تخرج عن الإطار العام ألا وهو المساواة بين المواطنين في التقدم للوظائف يعتبر استثناءً يجب عدم التوسع به ، وعلى الرغم من كل ما قيل عن أسباب قيام هذا النظام والاعتبارات التي يقوم عليها. إلا انه يبقى استثناءً من الأصل العام. وعدها الفقه الفرنسي استثناءً من الأصل العام وانه يمثل مخالفة لمبدأ المساواة في دخول الوظائف العامة وانه يستند إلى الاهتمام بمصلحة بعض الفئات أو الأشخاص ولا سيما الذين ابتلوا بالحرب(1).

لذلك يجب ان لا يتوسع فيها أو يقاس عليها. وعلى الرغم من ان المشرع العراقي في قانون الخدمة المدنية النافذ المرقم 24 لسنة 1960 لم يتضمن هذه الوسيلة في اختيار الموظفين ، بل كانت هناك مجموعة من القرارات التي كانت تصدر من مجلس قيادة الثورة المنحل بإعطاء المعونات المالية وشمولهم ببعض الرعاية والمساعدات الطبية والمالية وعلى الرغم من النسبة الكبيرة التي هي في امس الحاجة إليها من أبناء البلد كرد جميل أو مقابلتهم بالعرفان للتضحيات التي قدموها للوطن وفقدوا بعضا من أطرافهم أو ترمل البعض الآخر في فقدهم لمن كانوا يعيلونهم على الرغم من التغيير في السلطة الذي حصل عندنا في العراق ومهما قيل عنهم فهم كانوا يقاتلون باسم سلطة كانت وانهم مغلوبون على أمرهم في جعلها وظائف معينة تحددها السلطة المختصة وان يتم التعيين من قبل هيئة مركزية تقوم بعملية التعيين بدلا من جعلها في ايدي كل وزارة على حدة لان ذلك سيساعد على تفعيل دور الرقابة على هذه الهيئة والتحقق من حسن تقدير هذه الجهة لاعمال قواعد هذه الفئات في الحدود التي وضعها المشرع دون توسع فيها أو اعتداء على مبدأ المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة . وان تعقد مجموعة من الامتيازات والامتحانات للتحقق من صلاحية كل شخص للوظيفة التي ستناسبه لأنه إذا جرى التعيين دون إجراء عملية التوافق بين الوظيفة وقابلية المرشح سينعكس ذلك على أدائهم لعملهم والضرر بالمصلحة العامة.

____________________

1- دي لوبادير / القانون الإداري ، 1973 ، ص59.

المؤلف : مصطفى سالم مصطفى النجفي
الكتاب أو المصدر : المساواة ودورها في تولي الوظائف العامة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .