المشاركة السياسية للمرأة بين نظام الكوتا و تكريس الحق في المساواة

د. نرجس صفو، أستاذة محاضرة صنف أ بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد لمين دباغين
ملخص:

درجت الجزائر على غرار باقي الدول العربية على ترقية المكانة السياسية للمرآة وإشراكها بصورة مباشرة في مواقع ومراكز صنع القرار تماشيا مع التزاماتها الدولية المعبّر عنها في انضمامها لاتفاقية السيداو والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؛ والأخذ على عاتقها تنفيذ خطط وبرامج الأمم المتحدة الانمائية لا سيما البند الثالث لأهداف الألفية الثالثة الذي يفرض تعزيز التمكين السياسي للمرآة.

وحيث تتعالى الأصوات وتتعدد التعليقات الايجابية حول منظومة الإصلاحات السياسية الأخيرة التي عززت مشاركة المرآة في الحياة السياسية وترقية تمثيلها النيابي بموجب المادة 31 مكرر من التعديل الدستوري لسنة 2008، وتطبيقا لهذه المادة صدر القانون العضوي رقم 12-03 المحدد لكيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة، يتراءى أمامنا التعارض في تطبيق المبدأ الكامن في نص المادة 32 من التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2016 القاضي بالمساواة بين كل المواطنين أمام القانون؛ إذ كيف يمكن تفسير التساوي في الحقوق المكرس دستوريا والتعارض في النسبة الممنوحة للنساء للتمثيل في المجالس المنتخبة؟

Résumé :

l’Algérie, comme les autres Etats arabes a mis en pratique la promotion du statut politique de la femme et l’implique directement à la prise de décision ; conformément à ses engagements internationaux exprimés dans son adhésion à la Convention CIDAW et le Pacte international relatif aux droits civils et politiques, et pour mettre en œuvre les plans et programmes de développement des Nations Unies, en particulier le troisième point des objectifs du troisième millénaire, ce qui nécessite le renforcement de l’autonomisation politique des femmes.

Attendu que, de nombreux commentaires positifs au récent système de réformes politiques qui a favorisé la participation des femmes à la vie politique et la promotion de sa représentation parlementaire conformément à l’article 31 bis de la modification constitutionnelle de 2008 ; en application dudit article, Loi organique n° 12-03 a été publié fixant les modalités augmentant les chances d’accès de la femme à la représentation dans les assemblées élues ; il parait que la contradiction dans l’application du principe inhérent au texte de l’article 32 de l’amendement constitutionnel 2016 qui prévoit l’égalité de tous les citoyens devant la loi. Comment peut-on expliquer l’égalité des droits inscrite dans la constitution, et la divergence dans le pourcentage accordé aux femmes à la représentation dans les assemblées élues ?

مقدمة

من أهم المواضيع التي لا تزال محور اهتمام الكثير من الباحثين هو موضوع حقوق المرآة وبالذات المساواة بين الجنسين خصوصا في مجال الحقوق المدنية والسياسية، وهي الحقوق التي تثبت للأفراد باعتبارهم أفراداً منتسبين لدولة معينة تهدف إلى تمكينهم من المشاركة في تولي الشؤون السياسية لهذه الدولة. ويدخل في هذا النوع من الحقوق حق الترشح، حق تولي الوظائف العامة… وهذه الحقوق حكر فقط على مواطني الدولة دون الوافدين عليها(الأجانب)

وقد كرست العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية ومختلف الدساتير والقوانين الداخلية، حق مشاركة المرآة في الحياة العامة على أساس مساواتها مع الرجل. والجزائر على غرار باقي الدول العربية، درجت على ترقية المكانة السياسية للمرآة وإشراكها بصورة مباشرة في مواقع ومراكز صنع القرار تماشيا مع التزاماتها الدولية المعبّر عنها في انضمامها لاتفاقية السيداو والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؛ والأخذ على عاتقها تنفيذ خطط وبرامج الأمم المتحدة الانمائية لاسيما البند الثالث لأهداف الألفية الثالثة الذي يفرض تعزيز التمكين السياسي للمرآة.

وحيث تتعالى الأصوات وتتعدد التعليقات الايجابية حول منظومة الإصلاحات السياسية الأخيرة التي عززت مشاركة المرآة في الحياة السياسية وترقية تمثيلها النيابي بموجب المادة 31 مكرر من التعديل الدستوري لسنة 2008، وتطبيقا لهذه المادة صدر القانون العضوي رقم 12-03 المحدد لكيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة بنسبة معينة في كل قائمة مترشحين بما لا يقل عن 20 إلى 35 % من عدد المقاعد؛ يتراءى أمامنا التعارض في تطبيق المبدأ الكامن في نص المادة 32 من التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2016 القاضي بالمساواة بين كل المواطنين أمام القانون، وعدم التذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط…

وعلى مبنى ذلك يثور التساؤل حول إمكانية تفسير التساوي في الحقوق والتعارض في النسبة الممنوحة للنساء للتمثيل في المجالس المنتخبة؟ ما مدى تطابق أحكام المادة 31 مكرر مع المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن خاصة حق المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات؟ هل يعتبر نظام الكوتا أنسب الآليات لضمان التمثيل السياسي للمرآة أم أنه مجرد ألية مرحلية لتحقيق تمكين سياسي حقيقي مستقبلي؟ وهل ساهم هذا النظام حقا في تفعيل المشاركة السياسية للمرآة أم اصطدم بتأثير العديد من المرجعيات التي تُأصِل التمكين السياسي للمرآة؟

تجيب هذه الورقة البحثية على هذه التساؤلات من خلال محورين أساسيين يتم التناول فيهما بالتحليل:

المحور الأول : التكريس الدولي والوطني للمساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية.

المحور الثاني : الحقوق السياسية للمرآة في ظل قانون 12-03 ومدى دستورية نظام “الكوتا”.

المحور الأول: التكريس الدولي والوطني لمبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية

يشكل مبدأ المساواة أحد المبادئ الأساسية ذات الأهمية التي تستند إليها الحقوق والحريات في الوقت الحاضر، وبالخصوص مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق، الذي لا يمكن تحقيقه دون تحديد أوجه التمييز للقضاء عليه وتعزيز حقوق المرآة والنهوض بأوضاعها والارتقاء بها إلى صفة المواطنة الكاملة والاعتراف لها بكافة الحقوق والحريات، فقد احتل مبدأ المساواة بين الجنسين الصدارة في المنظومة القانونية الدولية والوطنية لدرجة أنه أصبح من المسائل المطالب بتضمينها في القوانين الداخلية بصفة إلزامية. وعليه سنعالج في هذا المحور الحقوق السياسية باعتبارها من أهم الحقوق التي تضمنتها المواثيق الدولية والقوانين الداخلية بدءا من الدستور كأعلى قيمة في الهرم التدرجي للقوانين الذي كرس مبدأ المساواة بين الجنسين.

أولا: الحقوق السياسية للمرآة في المواثيق الدولية: لم تغفل مختلف المواثيق الدولية عن ذكر حق المرآة في المشاركة في اتخاذ القرار الذي تطور ضمن عدة صكوك دولية على النحو التالي:

ميثاق الأمم المتحدة 1945 :
يعد هذا الميثاق أول اتفاقية دولية تذكر مبدأ المساواة بشكل واضح، تدعو ديباجته إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرآة وجعل الأولوية لحقوق الإنسان على حساب حقوق الدول[1] ، حيث نصت المادة الأولى منه على احترام الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز.[2] كما نصت المادة الثامنة منه: “لا تفرض الأمم المتحدة قيوداً تحدّ بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأية صفة وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية”.

وأيضا المادة 55 التي مفادها: ” رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم المتحدة مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:

أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً “.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان1948:
انطلق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منطلقات عامة وشاملة لكل بني البشر، بمن في ذلك النساء، بحيث لا يمكن فصل حقوق المرآة من المفهوم العام والشامل لحقوق الإنسان، فالمساواة هي القاعدة التي انطلق منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبذلك قرار التساوي في الآدمية بين الجميع بغض النظر عن موقعهم من نمط الإنتاج أو الحياة السياسية أو الاجتماعية[3].

حيث أكدت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ الحرية والمساواة، ونصت مادته الثانية بفقرتيها على حق كل إنسان في التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية دونما أي تمييز من أي نوع كان لاسيما التمييز بسب الجنس؛ ولكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة طبقا للشروط القانونية المقررة في كل بلد. وقد جاءت هذه المادة الأخيرة بصيغة العمومية مسندة كيفية تنفيذ هذا الحق إلى القوانين الداخلية لكل دولة.

إذا لقد شكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان محطة مهمة في تاريخ حقوق النساء إذ اعترف بشكل واضح وصريح بالمساواة وبالحقوق المتساوية بين الجنسين، وقد شجّع الإعلان على صدور اتفاقيات تتعلّق بالنساء فقط، وبذلك فقد كفلت المادتان سالفتا الذكر المبادئ الأساسية اللازمة للتمتع بالحقوق والحريات السياسية وممارستها ممارسة فعلية. [4]

اتفاقية الحقوق السياسية للمرآة 1952
نصت هذه الاتفاقية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في موادها الثلاثة الأولى على حق النساء في التصويت والانتخاب وتقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف بشكل متساوي مع الرجل دون تمييز على أساس الجنس.[5]

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966
بعد إقرار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، نص في مادته الثانية: ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب” ونصت المادة الثالثة منه: ” تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوى الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد”.[6]

كما نص العهد على عدة حقوق تعلقت أساسا بالحقوق السياسية بحسب ما دلت عليه المادة 25 منه التي أكدت على أنه: ” لكل مواطن الحق في أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين” والمادة 26 التي تؤكد على: “ضرورة المساواة بين جميع الناس أمام القانون دون أي تمييز تحت أي مبرر كان”.[7]

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرآة “السيداو ” [8] سنة 1978:

اعتمدت هذه الاتفاقية سنة 1981 بعد سلسلة من الاتفاقيات والاعلانات، مركزة على مبدأين هما: عالمية وشمولية حقوق المرآة وعدم قابليتها للتجزئة، وهي تبين بشكل ملزم قانوناً المبادئ الإنسانية المعمول بها دولياً والمتعلقة بحقوق المرآة، وقد دعت الدول الأطراف إلى إلغاء التمييز ضد المرآة بأشكاله كافة وإلى مساواتها بالرجل في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تؤكد على وجوب الامتناع عن أي عمل يؤدي إلى إهانة المرآة أو الانتقاص من كرامتها.[9]

وتعتبر هذه الاتفاقية وثيقة حقوق دولية تضمن للمرآة التساوي الكامل مع الرجل دون أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد على أساس الجنس, في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، ملزمة بذلك كل الدول المنضمة إليها على تكييف تشريعاتها الوطنية بما يتماشى وروح الاتفاقية وبما يضمن تحقيق سياسة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرآة [10].

وثائق أخرى:
عقدت العديد من الملتقيات والمؤتمرات تمخض عن البعض منها أبرام بعض الاتفاقيات وبقي البعض الآخر في شكل مؤتمرات دولية، ركزت في مجملها على المساواة بين الجنسين بإزالة كافة أشكال التفرقة، وضرورة تفعيل المشاركة السياسية للمرآة نذكر منها:

الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في مواده 2، 3، 13 و18.
مؤتمر مكسيكو سيتي سنة 1975.
مؤتمر كوبنهاجن سنة 1980.
مؤتمر نيروبي سنة 1985.
مؤتمر بيكين بشأن المرآة سنة 1995.
البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرآة “OP-CEDAW” سنة 1999.[11]
الميثاق العربي لحقوق الإنسان سنة 2004، المادة 3 و 24.
ورغم إقرار معظم الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية لحق المساواة بين الرجل والمرآة، ورغم جهود الأمم المتحدة التي تبذلها عبر برامجها الانمائية لترقية حقوق المرآة بجعلها من ضمن أهداف الألفية الثالثة لتحقيق التنمية المستدامة، لا يزال التمييز ضد المرآة مستمراً في الواقع رغم تحقيق المساواة النظرية، أي المساواة ضمن النصوص القانونية، فقد حثت الاتفاقيات الدولية الدول على الأخذ بتدابير خاصة لتحقيق المساواة الفعلية، وبغية تحقيقها تلجأ الدول المعاصرة لتبني مبدأ التمييز الإيجابي أو ما يعرف بالإجراءات الإيجابية بغية تحقيق تكافؤ الفرص للجميع، ولقد تبنته بعض التشريعات وكان له دور كبير في تحقيق المساواة الفعلية ، وهذا ما أخذت به الجزائر ابتداءً من التعديل الدستوري 2008 وفعلياً ابتداءً من صدور القانون العضوي رقم 12-03 المؤرخ في 12 جانفي 2012 .

ثانيا : الحقوق السياسية للمرآة في القوانين الجزائرية:

لقد كانت المنظومة القانونية الجزائرية عرضة للتعديل أو لسن قوانين جديدة تنفيذا لالتزامات الدولة التي تعهدت بإحداثها عند انضمامها وتصديقها لهذه الاتفاقيات.[12] حيث تطابقت معظم النصوص القانونية الجزائرية مع حقوق المرآة التي أقرتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كحق المشاركة السياسية والانخراط في العمل السياسي.

فقد أشار دستور 1963 وهو أول دستور للدولة الجزائرية إلى مبدأ المساواة، واحتوى فصلا خاصا بعنوان الحقوق السياسية حيث تكون من إحدى عشر مادة، أهمها المواد 10، 12 و13 التي تنص في مجملها على أن كل الأفراد من كلا الجنسين لهم نفس الحقوق والواجبات.[13] لكن خلى هذا الدستور من النص على حق المرآة في تقلد الوظائف العامة.

فجاء دستور 1976 ليقر المساواة المطلقة بين الرجل والمرآة في تولي الوظائف العليا، تماشيا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، في العديد من مواده (39،40، 41، 42، 44، 58) حيث تؤكد المادة 42 على الحماية القانونية المتوفرة للممارسات المجتمعية التي تقوم بها المرآة الجزائرية؛ وعلى مفهوم المرآة الجزائرية كمواطنة تتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل في الحياة العامة.[14] كما تؤكد المادة 144 على أن وظائف الدولة والمؤسسات التابعة لها متاحة لكل المواطنين بالتساوي. إذ اعتمد هذا الدستور على مبدأ المواطنة، فكان مكسبا عزز من مكانة المرآة كفاعل اجتماعي يساهم في إحداث التنمية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، باعتبارها شريكة الرجل في عملية بناء الدولة وإنجاح العملية السياسية.

وأبقى دستور 1989 على ذات المفاهيم عندما تناول حقوق المرآة وعدم تمييزها تعزيزا لمبدأ المواطنة وإدماج المرآة في الحراك السياسي والتنموي المحلي والوطني، وذلك بموجب نصوص صريحة، وأحيانا عندما يعطي الحق لكل المواطنين كما دلت على ذلك بعض من مواده.[15] وهي ذات المضامين التي أكد عليها دستور 1996 مع تغيير فقط في أرقام المواد. فنصت المادة 31 منه: “تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات وإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، والمادة 32: “الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونةـ وتكون تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامة وعدم انتهاك حرمته”.

وقد ساهم التعديل الدستوري لسنة 2008 [16] في إطار الاصلاحات التشريعية التي بادر بها رئيس الجمهورية، في تفعيل مبدأ المواطنة وإدماج المرآة في الحياة العامة من خلال وصولها إلى البرلمان وتقلد مناصب هامة في الجماعات المحلية مما جعلها فاعلا في عملية رسم وصناعة السياسة العامة للدولة.

عموما تضمنت هذه الدساتير مبدأ المساواة بين الجنسين وتناولت الحقوق والحريات بشكل متشابه في الصياغة وفي الترتيب، ولكن الملفت للانتباه أنه لم يتم الاعلان عن الحقوق السياسية للمرآة بشكل صريح إلا سنة 2008، أي بعد التعديل الذي أجراه رئيس الجمهورية,[17] والذي يعتبر قفزة نوعية؛ إذ من خلاله تم تكريس التمييز الإيجابي بين المرآة والرجل بإضافة المادة31 مكرر من الدستور التي مفادها: ” تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرآة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة، يحدد قانون عضوي كيفيّات تطبيق هذه المادة”.[18]

وتطبيقا لأحكام هذه المادة صدر القانون العضوي رقم 12 – 03 المؤرّخ في 12 جانفي 2012، الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة،[19] ليتم تكريس الحقوق السياسية للمرآة عبر تخصيص نسبة من المقاعد للنساء ضمن قوائم الترشح. فما هو الاطار القانوني لتضمين مبدأ التمكين السياسي للمرآة في ظل الفانون 12-03، وهل يعتبر هذا الأخير أنسب الآليات لضمان نصيب المرآة الجزائرية في العملية السياسية؟

المحور الثاني: الحقوق السياسية للمرآة في ظل قانون 12-03 ومدى دستورية نظام “الكوتا”

شكلت ظاهرة نقص المشاركة السياسية للمرآة سواء بالعزوف عن الادلاء بأصواتهم أو الترشح للانتخابات خطرا كبيرا على الديمقراطية كون الانتخابات بهذه الصورة لا تعبر عن الارادة الحقيقة للشعب،[20] ومحصلة هذا الضعف العديد من العوامل المتفاعلة والمتداخلة سواء كانت سياسية، اجتماعية أو ثقافية.

ونظرا لمحدودية التمثيل النسائي على مستوى المجالس المنتخبة، رغم اعتراف الدستور بالحقوق والحريات السياسية وبمساواة الرجل و المرآة في ممارستها؛ بادرت الجزائر بجملة من الإصلاحات القانونية التي سعت من خلالها إلى تثمين مطلب تفعيل دور المرآة في الحياة السياسية .كان أبرزها التعديل الدستوري لسنة 2008 والذي سعت من خلاله إلى التمكين الفعلي للمرآة في الحياة السياسية سواء من خلال تمثيلها في المجالس التشريعية والمحلية وكذا تقلد المناصب القيادية والحكومية.

حيث جاء هذا التعديل تطبيقا لمقتضيات المادة 31 التي فحواها: ” تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرآة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة، يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة”، وتطبيقا لهذا الالتزام الدستوري صدر القانون العضوي رقم 12- 03، الذي يوضح كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة. فكيف ساهم هذا القانون في تمكين سياسي حقيقي للمرآة وهل حقق فعلا مبدأ المساواة بين الجنسين المكرس دستوريا؟ ما مادى دستوريته وما حدود تأثير مختلف المرجعيات على تجسيده في الواقع العملي؟

أولا: التمكين السياسي للمرآة من خلال نظام الحصص “الكوتا”:

شكل نظام الحصص “الكوتا” شكلا من أشكال التدخل الايجابي لتمكين المرآة من ممارسة حقوقها السياسية، وذلك بفرض نسب معينة خاصة بها في كل قائمة ترشيحات سواء كانت حرة أو مقدمة من طرف حزب أو عدة أحزاب سياسية؛ بحسب ما حددته المادة 02 من القانون العضوي رقم 12-03.[21]

ولضمان النسب المقررة قانونا للمرآة في المجالس المنتخبة، نص المشرع أن عدم الاحتكام إلى نصوص هذا القانون يترتب عليه رفض قائمة الترشيحات المخالفة للشرط المنصوص عليه في المادة 02 سالفة الذكر، حيث أكد المشرع على وجوب أن يبين التصريح بالترشح المنصوص عليه في القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات جنس المترشح، ونص على ضرورة أن يستخلف المترشح أو المنتخب بمترشح أو منتخب من نفس الجنس، ولتفعيل هذه الأحكام أدخلت السلطة التشريعية حافزا يتمثل في توفير مساعدة مالية خاصة للأحزاب السياسية، وفقا لعدد المنتخبات في المجالس الشعبية البلدية والولائية والبرلمان.[22] وذلك لتحفيز الأحزاب السياسية على منح المزيد من الفرص للمرآة وضمان مشاركة جميع المواطنين والمواطنات في العملية السياسية.

وعلى ضوء هذه الأحكام سار المشرع الدستوري في سنة 2016 إلى ترسيخ ذلك في المادة 35 من التعديل الدستوري لسنة 2016 حيث لم يمس بالنصاب القانوني المخصص للمرآة في المجالس المنتخبة واكتفى بالنص على مبدأ المناصفة بين الرجل والمرآة في مجالات أخرى غير المجال السياسي.[23]

إذا يسعى قانون توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة إلى زيادة فرص وصول “المرآة” للتمثيل في الهيئات المنتخبة من خلال إدخال حصص مخصصة للنساء في القوائم الانتخابية عبر تكريسه لنظام الكوتا؛ الذي يقحم المرآة في العملية السياسة عبر احتواء كافة قوائم الترشح إلى المجالس المنتخبة على نسبة معينة من النساء وإلا يكون مصيرها الإقصاء.

فرغم اعتبار هذا الاستحداث أنه خطوة إلى الأمام في مسيرة النهوض بحقوق المرآة، إلا أنه تقدم نسبي جدا فقد تمّت صياغته بطريقة تسمح بتحليله في أفضل الأحوال كحافز بسيط، لتقديم لوائح انتخابية تتضمن مرشحات نساء من دون أي إلزام بجعلهن في مواقع تسمح لهن بالتأهل إلا في عضويتهن المجالس المنتخبة ولا يخص السلطة التنفيذية التي نجد فيها نسبة تمثيل المرآة ضئيلة في أوساط اتخاذ القرار الفعلية. وهو ما أثار جدلا كبيرا لدى فقهاء القانون الذين طعنوا في نظام الكوتا على اعتبار أنه يصلح فقط كحل موقت، أي يمكن تطبيقه خلال فترة مرحلية فقط لتجاوز الصعوبات والفلسفة التي تقف في وجه خوض المرآة غمار العمل السياسي.

حيث كان الاهتمام -من خلال هذا القانون- بتغليب المقاربة الكمية على حساب المقاربة النوعية والمردود الكيفي، أي التركيز على العدد على حساب الكفاءة؛ فعلى الرغم من ارتفاع نسبة المرآة المتعلمة في المجتمع الجزائري، إلا أن ذلك لم ينعكس على فعالية أدائها داخل المجالس المنتخبة، وذلك لعزوف المرآة الأكاديمية ومجمل النساء ممن يمثلن النخبة في المجتمع عن الدخول في المعترك السياسي بسبب تأثير العديد من التصورات والرؤى السائدة خاصة الاجتماعية منها. وإعمالا للنصوص القانونية التي تقتضي تطبيق نظام الحصص النسائية، وبسب الصعوبة التي تواجهها الأحزاب السياسية في استكمال النسب المئوية من النساء ذوي الكفاءة، تلجأ الأحزاب إلى حشو القوائم الانتخابية بكل من ترشح نفسها للعمل السياسي رغم افتقادها لمقوماته وشروطه ومهما كان مستواها العلمي والثقافي. وهو ما يستدعي وضع سياسات لاستقطاب وتأهيل المرآة المتعلمة لتولي هذه المناصب وتفعيل دورها وتمثيلها السياسي بما يتوافق وقيم ومعتقدات المجتمع.

كما انتقدت حصة الثلث النسائي لتنافيها مع مبدأ دستوري وهو المساواة بين المواطنين في التمتع بالحقوق والالتزام بما عليهم من واجبات دون أي تمييز بين الرجال والنساء، فصحيح أن المؤسس الدستوري الجزائري خطا خطوة مهمة في الاتجاه الديمقراطي بما أقره للمرآة،[24] إلا أنه في اعتماده على المقاعد المحجوزة للنساء أو نسبة معينة في القوائم يكون قد ناقض نفسه بالحياد عن مبدأ المساواة وحرية الاختيار.[25] تدفعنا إلى التساؤل عن مدى دستورية المادة 31 مكرر من الدستور التي قننت توسيع الحظوظ التمثيلية للمرآة في المجالس المنتخبة عبر نظام الحصص النسبية “الكوتا”؟

ثانيا: مدى دستورية نظام “الكوتا”:

لقد اعتبر المجلس الدستوري أن توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة يُستمد من المطلب الديمقراطي المذكور في الفقرة الثامنة من ديباجة الدستور الذي يقتضي بأن تٌبنى المؤسسات حتما على مشاركة جميع المواطنين والمواطنات في تسيير الشؤون العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية الفرد والجماعة، وأن هذه المادة تهدف في غايتها إلى توسيع تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة وإزالة العقبات التي تعوق ازدهارها وتحول دون مشاركتها الفعلية في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية مثلما تنص عليه أحكام المادة 31 من الدستور، واعتباراً بالنتيجة فإن المادة 31 مكرر لا تمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري [26].

لكن وقع هذا الرأي بين مؤيد ومعارض، حول مبررات صياغة المادة 31 من الدستور، حيث اعتبرها البعض أنها تعمل على ضمان تعزيز تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة، وتهدف إلى القضاء على التفرقة بين المرآة والرجل، وتجسد حماية حقوق وحريات المرآة باعتبارها جزء من الحريات والحقوق الأساسية للمواطن ككل لاسيما الحقوق السياسية، التي تسمح لها بالتواجد بفعالية وقوة في المجالس المنتخبة على اختلاف درجاتها، بداية من المجالس الشعبية البلدية والولائية، وصولا إلى المجالس الشعبية الوطنية.

حيث لا تشكل المادة 31 مكرر من التعديل الدستوري لسنة 2008 أي تعارض بينها وبين المواد الأخرى من الدستور التي تؤكد في مجملها على المساواة الفعلية بين الرجال والنساء،[27] وأن لكل مواطن مهما كان رجلا أو امرأة تتوفر فيه الشروط القانونية أن ينتخب أو ينتخب.[28] وعليه يوحي هذا الانسجام والتكامل الملاحظ بين المادة 31 مكرر والمواد الأخرى في الدستور، على أن إدراجها في هذا الأخير هو تعزيز للمبادئ المضمنة فيه، ويعطيها انطباعا حول إصرار وعزم الجزائر المضي قدما نحو ترسيخ أكبر للديمقراطية وتعزيز أقوى لمبادئ الحكم الراشد التي تعتبر مشاركة المرآة في الحياة السياسية من معايير الديمقراطية. [29]حيث يتطلب التأكيد على مبدأ المساواة بين المواطنين في التمتع بالحقوق والالتزام بما يقع عليهم من واجبات دون تمييز بين الرجال والنساء، وقفة من الأحزاب السياسية للقيام بأدوارها كاملة من أجل تأكيد خطى المؤسس الدستوري في الاتجاه الديمقراطي.[30]

لكن بالمقايل واحتكاما للمادة 32 من التعديل الدستوري لسنة 2008،[31] نستقرأ أن المؤسس الدستوري قد سوى بين المرآة والرجل أمام القانون، ما يثير التساؤل عن حاجة المرآة بنظام الحصص النسبية “الكوتا” طالما حقوقها مكفولة دستوريا بالمساواة مع الرجل؟

فرغم وجاهة الأسباب التي دفعت المشرع الجزائري لتضمين تمثيل المرآة عن طريق نظام الحصص “الكوتا”، إلا أن المشرع في اعتماده على المقاعد المحجوزة للنساء أو نسبة معينة في القوائم يكون قد أخل بحق المساواة المطلقة بين الجنسين وحرية الاختيار. حيث أقرت المواد 29، 31 و32 من الدستور والفقرة 8 من ديباجته عدم جواز التمييز الدستوري على أساس الجنس سواء لصالح الرجل أو المرآة، ومنه فإن المادة 31 مكرر تكون بصدورها مشوبة بعدم الدستورية، وتشكل خرقا لمبدأ المساواة الدستورية بين المرآة والرجل عندما قررت توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة، وهو ما يعد تمييزا لها على أساس الجنس، وخرقا للمساواة أمام القانون والدستور.[32] ولا يجسد فكرة المواطنة بين الجنسين.

وما يمكن قوله، أن المشرع الجزائري قرر جملة من الضمانات التي من شأنها أن تساهم في تفعيل دور المرآة وإشراكها في العمل السياسي معتمدا على نظام الكوتا الذي يكرس لمعاملتها بطريقة تفضيلية، رغم عدم وجود تبرير رسمي للنسب المخصصة للمرآة بمقتضى القانون رقم 12-03 غير القيود الاجتماعية التي تحد المشاركة الفعلية للمرآة في الحياة السياسية. فما حدود تأثير مجموع القيم النمطية والمرجعيات الدينية، الاجتماعية، الاقتصادية على التمكين السياسي للمرآة.

ثالثا: حدود تأثير المرجعيات على التمكين السياسي للمرآة :

تثير مسألة التمكين السياسي للمرآة جدلا كبيرا بسبب تأثير منظومة القيم السائدة التي تحكم المجتمع الجزائري والتي يمكن تحديدها في مستويين اثنين:

اجتماعيا: حيث تُشَكِل الموروثات الثقافية والاجتماعية العائق الأكبر أمام حسن الأداء السياسي
للمرآة، وتؤثر مجموع المعتقدات والممارسات والثقافات المختلفة لمجموعة من الناس في سلوكهم وطرق تفكيرهم، كما تؤدي التنشئة الاجتماعية وما تتضمنه من مفاهيم التعلم المبنية على الاختلاف في تلقينها بالنسبة للذكور والاناث إلى التفرقة على أساس الجنس، والتي تنتقل من جيل إلى آخر لتكون نظرة المجتمع لموقع المرآة في الحياة السياسية.[33]

ويُعد عدم تحديد المشرع لنسب المقاعد المخصصة للمرآة في انتخابات المجالس الشعبية البلدية التي يقل عدد سكانها عن 20.000 نسمة، اعتراف ضمني من المشرع الجزائري بالعوائق الاجتماعية. وقد أشار المجلس الدستوري إلى ذلك لكنه لم يصرح بعدم دستورية المادة مقدما رأيا معللا يتضمن “أن ذلك لا يمثل إقصاء لحق تمثيل المرآة وإنما أدرج هذا الحكم للحيلولة دون رفض القوائم الانتخابية التي ليس لها العدد الكافي من النساء بسبب القيود الاجتماعية والثقافية”.[34] وفي ذلك يعتبر المجلس الدستوري مسبقا أن الحدود الاجتماعية والثقافية الضيقة تفسر إقصاء المرآة، رافضا بذلك تصحيحها في جميع أنحاء الجزائر بحجة أن بعض فئات المجتمع الجزائري خاصة في المناطق الريفية لا ترغب في المساواة في الحقوق السياسية بين الرجل والمرآة.

سياسيا: تعتبر القدرات الشخصية للمرآة واستعداداتها للقيادة وخبراتها في الحياة السياسية من
المعوقات الأساسية لتمكينها السياسي، الشيء الذي أدى إلى تأخر أو غياب القوانين المنصفة لحقوق المرآة، وإن وجدت فأغلبها مبني على التمييز بين المرآة والرجل في المجال السياسي.

حيث تعتبر نسبة مشاركة المرآة في الأحزاب السياسية متدنية جدًا بسبب غياب الوعي السياسي لديها، مصحوبا بضعف دعم الاحزاب السياسية للمرآة، وهو ما نتج عنه تقييد فرص ممارستها لحق الترشح على مستوى المجالس المنتخبة.

خاتمة

استطاع المشرع الجزائري وضع الآليات القانونية التي تضمن تماشيه مع منظومة حقوق الإنسان الداعمة للمرآة، تعزيزا لمبدأ المواطنة في ظل المساواة بين الرجل والمرآة في الحقوق والواجبات وهو ما سمح لها بالاندماج في العمل السياسي كفاعل محوري يؤثر في السياسة العامة للدولة بتقلد المناصب السياسية، وحمايتها من مختلف أشكال العنف والتعسف الممارس ضدها وإرساء ثقافة مجتمعية سياسية تمكن المرآة الجزائرية من حقها في ممارسة الفعل التنموي بكل أبعاده.

فعلى سند ما سلف ذكره، ورغم رؤى الكثير في أن نظام الكوتا سيسمح بتغيير الذهنية المجتمعية تجاه مشاركة المرآة سياسيا، ويعطيها فرصا أكثر ستسمح بعودتها تدرجيا للعمل السياسي؛ إلا أنه يجب إبداء بعض التعليقات التي يمكن على ضوئها اقتراح بعض التوصيات كالتالي:

-عدم انسجام التمكين السياسي للمرآة المكرس دستوريا في المادة 31 والقاضي بسعي الدولة لترقية الحقوق السياسية للمرآة وتوسيع حظوظها في التمثيل في المجالس المنتخبة مع مبدأ المساواة؛ بل أدخل الجزائر في نظام الحصص أو الكوتا الذي لا يتماشى وطبيعة الشعب الجزائري، ويصطدم بعدة عوائق أهمها المناقضة الصارخة للمبادي الكامنة في الدستور.

– يهدر نظام الكوتا النسائية من حق المجتمع وحريته في اختيار من يمثله، فحق المجتمع أولى بالرعاية والاحترام من حق أحد شرائحه.

– أدى تبني نظام الكوتا إلى زيادة واضحة ومهمة في نسبة وجود المرآة في المجالس التمثيلية في الجزائر، لكن لم يركز هذا النظام على قاعدة القدرة والكفاءة في تمثيلها، وهو ما يترجمه ضعف حضور المرآة النخبة في المجالس المنتخبة. لأن إشراكها كان حتمية وليس خيارا، مما يجعل تمثيل المرآة تمثيلا صوريا لا يعبر عن انشغالاتها الحقيقية. كما لا يُمَكِنها من خدمة مجتمعها لأنها لن تستطيع التشريع داخل هيئة مختصة كالبرلمان مثلا.

-يعتبر اعتماد نظام الحصص النسائية آلية مرحلية مؤقتة لتحقيق مبتغى التمكين السياسي للمرآة، كأحد أهم الاستراتيجيات لإرساء مبدأ المساواة بين الجنسيين، ضمن مسارات العملية الديمقراطية والاصلاحات السياسية في الجزائر.

إذا يعتبر تمكين المرآة سياسياً قضية متشابكة معقدة تتصل بكل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية وغيرها، فاستراتيجية تفعيل المشاركة السياسية للمرآة في الجزائر ضمن هذا القانون لابد أن يشتمل بالإضافة الى القوانين والتشريعات، على جوانب أخرى مهمة جدا لترسيخ مبدأ المشاركة السياسية للمرآة. وفي سبيل تعزيز هذه المشاركة السياسية بشكل يضمن المبادئ الثابتة للمجتمع الجزائري؛ يمكن أن نوصي بمجموعة من التوصيات:

سن تشريعات التمكين الحقيقي للمرآة الذي سيساعدها على إبراز قدراتها ومؤهلاتها في شتى المجالات؛ وبما يؤهلها لتولي مختلف الوظائف السياسية والادارية القيادية على أساس الكفاءة دون أن يكون جنسها محل اعتبار أو تمييز أو عائق يحول دون تمكينها من ذلك.
إقرار نظام الحصص النسائية على مستوى كل الوظائف العامة وليس حكرا على المجالس المنتخبة فقط؛ وجعله حصة دستورية لها أساس دستوري بصورة مباشرة.
وضع البرامج والخطط على مستوى الأحزاب والجمعيات لتأهيل المرآة، وتطوير قدراتها وزيادة الوعي لديها للولوج إلى العمل السياسي وتحمل المعترك الانتخابي.
التعامل مع المرآة كشريك وكفاعل على أساس تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين وليس ضمن ما تقره نسب وأرقام محددة ضمن نظام الحصص النسبية “الكوتا”.
التعامل مع نظام الكوتا وفق منطق مجتمعي بالأساس، وبناءً على الاعتبارات والامكانيات المتاحة والقدرات المتوفرة.
محاولة إزالة العقبات التي تواجه مسيرة المرآة في الحياة السياسية من خلال تغيير الذهنية والقيم المجتمعية التقليدية السائدة في العديد من المناطق الجزائرية لا سيما الداخلية منها؛ الرافضة لأي تمكين سياسي للمرآة.
قائمة المراجع

(أ)الكتب :

حسني قمر، حقوق الإنسان في مجال نشأة الحقوق السياسية وتطورها وضماناتها، دار الكتب القانونية، الاسكندرية، 2006.
(ب)المقالات:

بوجمعة صويلح، تفاعل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، منشورات مجلس الأمة، الجزائر، 2010.
حمامي ميلود، قراءة قانونية في التعديل الدستوري لسنة 2008، مجلة الفكر البرلماني، العدد 23 جويلية 2009.
محمد لمعيني، “دور النظام الانتخابي في تفعيل المشاركة السياسية للمرآة في الجزائر: دراسة نظرية وقانونية”، مجلة المفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، العدد 12، مارس 2015.
محمد عطوي، عرض ومناقشة رأي المجلس الدستوري رقم 08-01 ر.ت د/م د المؤرخ في 07 نوفمبر 2008 المتعلق بمشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري، نشرة المحامي، دورية تصدر عن منظمة المحامين، سطيف، العدد 12، أوت 2010.
هادي محمود، مفهوم حقوق المرآة وعلاقته بمفهوم حقوق الإنسان، مركز الدراسات المستقبلية الاستراتيجية، العراق، 2003.
(ج)الرسائل الجامعية:

مبروكة محرز، “المكانة السياسية للمرآة في القانون الدولي والتشريع الجزائري”، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، 2013-2014.
زكريا حريزي، المشاركة السياسية للمرآة العربية ودورها في محاولة تكريس الديمقراطية التشاركية –الجزائر نموذجا-“، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، 2011.
(د)المواثيق الدولية:

ميثاق منظمة الأمم المتحدة الصادر في 26 جوان 1945 ودخل حيز النفاذ في 24 أكتوبر 1945.
الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، أعتمد بقرار الجمعية العامة 217 ألف د-3 المؤرخ في 10 ديسمبر 1948.
اتفاقية الحقوق السياسية للمرآة، اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم640 (د-7) المؤرخ في 06 ديسمبر 1952، تاريخ بدء النفاذ: 07 جويلية 1954 وفقا لأحكام المادة
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49.
La Convention sur L’élimination de toutes les formes de discrimination à l’égard des femmes, A/ RES/ 34/180 du 18 décembre 1978.
OP-CEDAW, Optional Protocol to the Convention on the Elimination of All Forms Discrimination Against Women.
(ه)الدساتير والقوانين:

دستور 1963
دستور 1976
دستور 1989
القانون رقم 08-19 المؤرخ في 17 ذي القعدة عام 1429 الموافق 15 نوفمبر سنة 2008 المتضمن التعديل الدستوري”، الجريدة الرسمية، العدد رقم 63، الصادرة بتاريخ 16 نوفمبر سنة 2008
القانون 12-03 المؤرخ في 12 جانفي 2012 الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة، الجريدة الرسمية ، العدد رقم 01، الصادر بتاريخ 14 جانفي 2012.
الجريدة الرسمية لمناقشات المجلس الشعبي الوطني، السنة الثانية، رقم 93، بتاريخ 03/12/2008، الفترة التشريعية السادسة، دورة البرلمان المنعقد بغرفتيه، جلسة 12/ 11/2008.
رأي المجلس الدستوري رقم 08-01 ر.ت د/م د المؤرخ في 07 نوفمبر 2008 المتعلق بمشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية، العدد 63، 16 نوفمبر 2008.
رأي المجلس الدستوري رقم 05/ ر. م. د/11 المؤرخ في 22 ديسمبر 2011 المتعلق بمطابقة القانون العضوي الذي يحدد كيفيات توسيع تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة للدستور، الجريدة الرسمية، العدد 01، 14 جانفي 2012.
القرارات:

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 180/34 المؤرخ في 18/12/1978.
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 640 الصادر سنة 1952، الفقرات 1،2 و3.
الهوامش:
[1] جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة: “نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية”،

[2] تنص المادة 01 من ميثاق الأمم المتحدة: “إن مقاصـد الأمـم المتحدة تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء”

[3] هادي محمود، مفهوم حقوق المرآة وعلاقته بمفهوم حقوق الإنسان، مركز الدراسات المستقبلية الاستراتيجية، العراق، 2003، ص. 10.

[4] حسني قمر، حقوق الإنسان في مجال نشأة الحقوق السياسية وتطورها وضماناتها، دار الكتب القانونية، الاسكندرية، 2006، ص. 139.

[5] راجع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في الوثيقة:

640(1952), para. 1,2,3.
[6] المادة الثالثة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966.

[7] المادة 26 من نفس المرجع.

[8] راجع:

La Convention sur L’élimination de toutes les formes de discrimination à l’égard des femmes, A/ RES/ 34/180 du 18 décembre 1978.

[9] مبروكة محرز، “المكانة السياسية للمرآة في القانون الدولي والتشريع الجزائري”، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، 2013-2014، ص.56.

[10] تتألف هذه الاتفاقية من 30 مادة وهي تتقدم على سائر الاتفاقيات التي ضمنت المساواة أمام القانون من حيث أنها تتخذ التدابير الهادفة إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الرجال والنساء في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتلزم الدول بالعمل على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية للسلوك فيما يتعلق بالجنسين. راجع نصوص الاتفاقية في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 180/34 المؤرخ في 18/12/1978.

[11] راجع:

OP-CEDAW, Optional Protocol to the Convention on the Elimination of All Forms Discrimination Against Women.

[12] صادقت الجزائر على الاتفاقيات والمواثيق الدولية كالتالي: انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89 – 87 المؤرخ في 16 ماي 1989 الجريدة الرسمية، العدد 20، الصادرة بتاريخ 17 ماي 1989. صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرآة لسنة 1979 بموجب المرسوم الرئاسي 96 – 51 المؤرخ في 22 جانفي 1996، الجريدة الرسمية 06 المؤرخة في 24 جانفي 1996؛ واتفاقية الحقوق السياسية للمرآة المعتمدة في ديسمبر 1952 بموجب المرسوم الرئاسي 04 – 126 المؤرخ في 19 أفريل 2004.

[13] تنص المواد 10 من دستور 1963: ” تتمثل الأهداف الأساسية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في: مقاومة كل نوع من التمييز وخاصة التمييز العنصري والديني”؛ المادة 12: ” لكل المواطنين من الجنسين نفس الحقوق ونفس الواجبات”؛ المادة 13: “لكل مواطن استكمل 19 سنة من عمره حق التصويت”.

[14] تنص المادة 42 من دستور 1976: “يضمن الدستور كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرآة الجزائرية”.

[15] نصت على ذلك المواد: 28، 30، 31، 41، 47، 48، و50 من دستور 1989.

[16] راجع القانون رقم 08-19 المؤرخ في 17 ذي القعدة عام 1429 الموافق 15 نوفمبر سنة 2008 المتضمن التعديل الدستوري”، الجريدة الرسمية، العدد رقم 63، الصادرة بتاريخ 16 نوفمبر سنة 2008، ص 8 .

[17] زكريا حريزي، المشاركة السياسية للمرآة العربية ودورها في محاولة تكريس الديمقراطية التشاركية –الجزائر نموذجا-“، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، 2011، ص. 106.

[18] راجع الجريدة الرسمية لمناقشات المجلس الشعبي الوطني، السنة الثانية، رقم 93، بتاريخ 03/12/2008، الفترة التشريعية السادسة، دورة البرلمان المنعقد بغرفتيه، جلسة 12/ 11/2008، ص.7و8.

[19] القانون 12-03 المؤرخ في 12 جانفي 2012 الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة، الجريدة الرسمية ، العدد رقم 01، الصادر بتاريخ 14 جانفي 2012.

[20] محمد لمعيني، “دور النظام الانتخابي في تفعيل المشاركة السياسية للمرآة في الجزائر: دراسة نظرية وقانونية”، مجلة المفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، العدد 12، مارس 2015، ص. 294.

[21] تنص المادة 02 من القانون العضوي 12-03 : ” يجب أن لا يقل عدد النساء في كل قائمة ترشيحات حرة أو مقدمة من طرف حزب أو عدة أحزاب سياسية عن النسب المحددة أدناه بحسب عدد المقاعد المتنافس عليها:

انتخابات المجلس الشعبي الوطني :%20- عندما يكون عدد المقاعد يساوي أربعة ( 4 ) مقاعد . % 30- عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق خمسة ( 5 ) مقاعد . % 35- عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق أربعة عشر ( 14 ) مقعدا . % 40- عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق اثنين و ثلاثين ( 32 ) مقعدا . %50- بالنسبة لمقاعد الجالية الوطنية في الخارج.
انتخابات المجالس الشعبية الولائية :
% 30- عندما يكون عدد المقاعد 35 و 39 و 43 و 47 مقعدا . % 35- عندما يكون عدد المقاعد 51 إلى 55 مقعدا .

انتخابات المجالس الشعبية البلدية
-30 % في المجالس الشعبية البلدية الموجودة بمقرات الدوائر وبالبلديات التي يزيد عدد سكانها عن عشرين ألف ( 20000 ) نسمة.

[22] راجع المواد 04، 05، 06 و07 من القانون العضوي 12-03، المرجع السابق.

[23] راجع المادة 36 من الفانون رقم 16-01 المؤرخ في 06 مارس 2012 المتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية، العدد 14، 07 مارس 2016.

[24] بوجمعة صويلح، تفاعل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، منشورات مجلس الأمة، الجزائر، 2010، ص.21.

[25] عطوي محمد، عرض ومناقشة رأي المجلس الدستوري رقم 08-01 ر.ت د/م د المؤرخ في 07 نوفمبر 2008 المتعلق بمشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري، نشرة المحامي، دورية تصدر عن منظمة المحامين، سطيف، العدد 12، أوت 2010، ص.04.

[26] رأي المجلس الدستوري رقم 08-01 ر.ت د/م د المؤرخ في 07 نوفمبر 2008 المتعلق بمشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية، العدد 63، 16 نوفمبر 2008.

[27] تنص المادة 31 من التعديل الدستوري لسنة 2008: ” تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية”.

[28] تنص المادة 50 من التعديل الدستوري لسنة 2008: ” لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن يَنتخب و يٌنتخب”.

[29] حمامي ميلود، قراءة قانونية في التعديل الدستوري لسنة 2008، مجلة الفكر البرلماني، العدد 23 جويلية 2009، ص. 43-44.

[30] بوجمعة صويلح، المرجع السابق، ص. 21.

[31] تنص المادة 32 من التعديل الدستوري لسنة 2008: “كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي أو أي شرط أو ظرف آخر، شخصي أو اجتماعي”

[32] عطوي محمد، المرجع السابق، ص. 04.

[33] نفس المرجع.

[34] راجع رأي المجلس الدستوري رقم 05/ ر. م. د/11 المؤرخ في 22 ديسمبر 2011 المتعلق بمطابقة القانون العضوي الذي يحدد كيفيات توسيع تمثيل المرآة في المجالس المنتخبة للدستور، الجريدة الرسمية، العدد 01، 14 جانفي 2012.