القانون الواجب التطبيق على الاموال المعنوية في مجال القانون الدولي الخاص

فلاس
خالد.

حاصل على الإجازة في الحقوق تخصص القانون الخاص.

طالب باحث بسلك ماستر القانون المدني – جامعة ابن زهر اكادير.

مقدمة:

عرف الفقه الأموال المعنوية بأنها عبارة عن أشياء غير ملموسة، و لا تقع تحت الحس البشري، و لكنها تصلح لأن تكون محلا للحق العيني، كالأفكار و المخترعات، و غيرها من أشكال الإنتاج الفكري. و تشمل الحقوق التي ترد على الأموال المعنوية كحق المؤلف أو الفنان، و التي تعرف بالملكية الأدبية و الفنية، و حق المخترع أو الرسام أو المصمم، و التي تطلق عليها تسمية الملكية الصناعية. كما يشمل أيضا مفهوم المال المعنوي بعض الحقوق الشخصية التي تصلح لأن تكون محلا للتعامل كالدين، بالنظر لقيمته المالية.
و نجد تعريفا آخر للدكتور محمد جلال السعيد الذي أسماها بالأموال غير المجسمة، و الذي اعتبر أنه ليس لهذه الفئة من الأموال وجود تصوري، ولكنها اكتسبت أهمية كبيرة نظرا لقيمتها الاقتصادية. كما اعتبر أن الأمر يتعلق هنا بمفهوم مجرد, وضعه المشرع ليضبط به أنشطة عديدة، عرفت ازدهارا ملموسا، منذ نهاية القرن العشرين مثل الملكية الأدبية و الفنية، و الملكية الصناعية.
تعتبر هذه الأموال نتيجة ثمرة عقول الأفراد، و نتاج فكرهم، و ملكيتها سلطة يتمتع بها شخص أو من يقوم مقامه على فكرة ابتكرها أو اختراع أبدعه، أو أية ميزة أخرى نتيجة لعمله الفني، و الذي يخول لو الوصول إلى منفعة مالية، و التي يمكن أن تنتج من نشر تلك الفكرة أو استغلال ذاك الاختراع.
و تكتسي الأموال المعنوية طابعا ذو أهمية خاصة، بحيث كانت هذه الأخيرة ذات أثر هام في العلاقات الدولية، بحيث تم عقد جملة من الاتفاقيات الدولية لحمايتها في القانون الدولي. و من ذلك اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883، واتحاد برن لسنة 1886 الخاص بالملكية الأدبية ، و كذا اتفاقية مدريد الخاصة بالملكية لعام 1891 ، المعدلة باتفاقية لندن لسنة 1938. و قد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة الثانية من المادة 28 منه، على أن لكل إنسان الحق في حماية مصالحه الأدبية و المادية الناشئة عن أي إنتاج أنتجه في ميدان العلوم و الآداب والفنون.

و محاولة منا الإحاطة بأهم جوانب الموضوع، ارتأينا إلى البحث عن إجابة لإشكالية تنازع القوانين في الأموال المعنوية، فما هو إذن القانون الواجب التطبيق، عند تعرض هذه الحقوق المعنوية لعمل غير مشروع؟
و بناءا على هذا التساؤل، قسمنا موضوعنا هذا الى ثلاثة مطالب، حيث تحدثنا في (المطلب الأول)، عن القانون الواجب التطبيق على الملكية الادبية والفنية، وفي (المطلب الثاني) حاولنا معالجة القانون الواجب التطبيق على الملكية الصناعية، اما في (المطلب الثالث) فخصصناه للقانون الواجب التطبيق على الملكية التجارية، باعتبارها من الأصناف المتعلقة بالأموال المعنوية، و بذلك استعنا بمنهج تحليلي وصفي، وفق التصميم التالي:

المطلب الأول: القانون الواجب التطبيق على الملكية الأدبية والفنية.
المطلب الثاني: القانون الواجب التطبيق على الملكية الصناعية.
المطلب الثالث: القانون الواجب التطبيق على الملكية التجارية.

.
المطلب الأول: القانون الواجب التطبيق على الملكية الأدبية والفنية:

تؤدي الحرية إلى الابتكار في المجالات الأدبية والفكرية والفنية وهي تقترن بمردودية مادية وهي ما جعلها تشكل ثروة معرفية بالنظر إلى ما تساهم به في تنمية الوسط الذي يحتضنها، ولا تقل أهمية عن الثروة المادية وكل هذا ما يصطلح عليه بحق المِؤلف[1].
إلا أن هذا التطور له عدة سلبيات تتمثل في تهديد حقوق المؤلف من القرصنة والسرقة، ولحماية حقوقه سنتعرض لفرضيتين فرضية نشر المؤلف( الفقرة الأولى)، وفرضية عدم النشر في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: فرضية نشر المؤلف

الرأي الأول يتجه إلى أن القانون الواجب التطبيق على الحقوق الأدبية والفكرية هو قانون الدولة التي خرج منها لأول مرة- قانون دولة النشر- وذلك راجع إلى عدة اعتبارات أهمها:
– أن العمل الفكري قبل إخراجه يكون حبيس الفكر حيث يكون مستورا، والنشر هو الذي يجسد الحق ويعطيه مظهرا يتبين للعامة، ويعطيه قيمة وثمرة الإبداع والفكر، وبالتالي فالقانون الواجب التطبيق هو قانون الدولة التي ظهر فيها لأول مرة محسوسا.

– البلد الذي يختاره الناشر لإخراج عمله لأول مرة هو المكان المفترض الذي يرى فيه المؤلف بيئة نظيفة توفر لحقه الحماية الكاملة.[2]
أما الرأي الثاني يذهب إلى أن القانون الواجب التطبيق ليس هو قانون مكان النشر الأول، وإنما هو قانون الدولة التي يتم فيها الإيداع والتسجيل للعمل أو الإنتاج ويطلب له الحماية عن طريق تسجيله لدى الإدارات والمكاتب المختصة من أجل إخضاعه للملكية الفكرية، وذلك لعدة اعتبارات:

ـ الإيداع والتسجيل يكون له اثر منشئ لحق المؤلف الجدير بالحماية، وخاصة في ظل القوانين التي تشترط صراحة ضرورة الإيداع والتسجيل ليتمتع بالحماية القانونية.[3]

ولكن هذا الاتجاه تم من يعارضونه لأن:
ـ غالبية القوانين التي تشترط لتمتع عمل إبداعي معين بالحماية القانونية لا تجعل عدم التسجيل والإيداع سبب لحرمان حق المبدع، وإنما تقرر لعدم التسجيل جزاءات مادية مجرد غرامات لخرق واجب الإيداع دون أن تصل الى خرق حرمان المؤلف من الحماية القانونية لمنتوجه الفكري.
ـ حق المؤلف ينبع تلقائيا من عمل الفن والإبداع ولا علاقة له بالتسجيل والإيداع، وبالتالي هذا العمل يخضع للحماية ولو لم يتم تسجيله بمجرد أنه موجود.
ـ اتفاقية برن وباريس تقرران الحماية للملكية الأدبية والفنية دون أن يتعلق ذلك على أي إجراءات شكلية من قبيل الإيداع والتسجيل.

ولكن يبقى هناك إشكال في حالة ترجيح الرأي الأول- قانون دولة النشر الأول- هذه الإشكالية تبرز في النشر الالي في أكثر من دولة[4]، ويقترح الفقه التقليدي بهذا الصدد حلولا ترجح قانون الدولة التي تحدد أقصر مدة للحماية لأن التحجير على الفكر استثناء.
وهناك رأي اخر يقول بترجيح دولة النشر الرئيسي؛ والنشر الرئيسي هو النشر الذي يكون أوسع نطاق، أكبر عدد؛ وهنا نقارن بين الكمية المنشورة في كل دولة فيتم ترجيح أكبرهما نشرا، وفي حالة تعذر دلك نطبق قانون موطن الناشر[5].

الفقرة الثانية: فرضية عدم نشر المؤلف.

انقسم الفقه بهذا الخصوص الى اتجاهين فكريين تقليدي وأخر حديث:
فالاتجاه التقليدي يذهب الى اختيار قانون الموقع المادي للدعامة المادية التي تجسد العمل الفكري[6]، وما يجسد هدا العمل هو قانون الموقع المادي للدعامة قبل نشره، مثلا الكتاب يكون في البداية مسودة يكون لها موقع فنبحث عن الدولة التي توجد فيه هده المسودة فنخضعه لقانون تلك الدولة.
ولكن هذا الرأي يبقى غامضا لأن القانون يقرر الحماية لبعض المصنفات غير المثبتة على الدعامة المادية مثل( القصائد الشعرية غير المكتوبة، بعض الخطب الشفوية، القراءات القرانية غير المسجلة.)
والبديل في مثل هده الحالات أن نسند الإختصاص للقانون الوطني للمبدع بناءا على معيار الأبوة التي تكون للمبدع على ابداعه، أي الإبداع جزء لا يتجزء مع صاحبه. هدا المنحى هو الذي اخدت به اتفاقية برن بعد تعديلها وجونيف العالمية.

الإتجاه الحديث: يرى أن الإتجاه التقليدي وما تبناه من حلول قد تم تجاوزه بسبب التطور التكنولوجي الهائل، حيث أصبح ما يتضمنه الكتاب من صفحات أو المصنف قابلا للتخزين في برامج الحاسوب مثل المكتبة الشاملة.
وفي منظور هدا الإتجاه أن الحل الملائم هو تطبيق قانون القاضي أو قانون الدولة التي يطلب فيها الحماية بصفة رسمية لأي ابداع فكري، وهذا القانون تبنته عدة تشريعات من بينها القانون الإسباني.

هذا الإتجاه ينسجم مع قانون النشر أو الإخراج الأول، على اعتبار أن هدا الأخير يجب الا يتعارض مع قانون دولة القاضي، لأن قانون بلد النشر هو الذي يحدد الإطار وموضوع الحماية، وقانون القاضي يحكم طرق وكيفية تحقيق الحماية، ويجب على القاضي مراعاة عدم التعارض وضرورة التنصيف بين القانونين.[7] وإذا كان المصنف أو المنتوج لا يخضع لأية حماية في قانون دولة النشر فإن القاضي لا يجب عليه أن يعطي أية حماية لهدا المنتوج وإن كان قانونه يحمي دلك.
ادا كانت الحماية أطول في قانون النشر من قانون القاضي فإن العبرة لقانون دولة القاضي، انسجاما مع القاعدة التي تقول بأن ادا كانت هناك حماية فإن العبرة في الحماية الأقصر.

نطاق تطبيق القانون الواجب التطبيق
تعتبر اتفاقية برن القانون الموضوعي الأول في العالم في مجال حماية الملكية الأدبية والفكرية والفنية، بالإضافة الى اتفاقية باريس وجونيف العالمية، وتتضمن هده الإتفاقيات مجموعة من المحاور المتعلقة بحماية حقوق المؤلفين منها:
– تحديد المصنفات الأدبية والفنية المشمولة بالحماية.
ـ تحديد معاير الحماية.
ـ الشروط المتطلبة لتوفير الحماية القانونية.
ـ مبدأ المعاملة بالمثل.
ـ مضمون الحقوق الأدبية والفنية.
ـ مدة الحماية الملزمة.
ـ حقوق الترجمة و الاستنساخ.
ـ حقوق التمثيل والأداء العملي للمصنفات.
ـ حقوق تسجيل المصنفات الموسيقية.
ـ حجز المصنفات المزورة.

المطلب الثاني: القانون الواجب التطبيق على الملكية الصناعية.

في مجال الملكية الصناعية سنتحدث، أولا عن براءة الاختراع، ومن تم الرسوم والنماذج الصناعية.

الفقرة الأولى: براءة الاختراع:

فأي اكتشاف أو أي إبداع في المجال العلمي التطبيقي، المرتبط بالصناعة، إلا و يجسد فيما يسمى ببراءة الاختراع، وهذه الأخيرة هو حق المخترع، باستئثاره وحده بحق الاستفادة من منتوج فكره الإبداعي، العلمي التطبيقي، و هذا كله يثير مشاكل حماية براءة الاختراع على الصعيد الوطني، و كذلك في مجال العلاقات الدولية الخاصة، فإذا تعرض حق مخترع، لأي اعتداء بمعنى وجود استغلال غير مشروع أو لسرقة، في بلد أجنبي، فما هو القانون الواجب التطبيق؟

يجب لتحديد القانون الواجب التطبيق، أن نميز بين حالتين:
الحالة الأولى: صدور البراءة في دولة واحدة و تسجيلها في دولة واحدة.
عندما يتم الأخذ بهذه الحالة، فالقانون الواجب التطبيق، قانون الدولة التي صدرت فيها البراءة، و سجلت فيها باعتبار هذه الدولة المانحة لبراءة الاختراع، و التي من خلالها تم التسجيل و الإيداع لدى السلطات المختصة و المرافق العامة المنوط لها هذا الاختصاص، فهذه المرافق من حيث المبدأ ، لا تطبق إلا قانون الدولة التي يحكم عملها، أي قانون الدولة المانحة لبراءة الاختراع بعد التسجيل و الإيداع[8]، فغالبا ما تكون هذه الدولة، المكان الذي توصل فيه المخترع إلى اختراعه، مثلا فالقانون الكون كولي[9]، يقرر أنه، يتم حماية المخترع، طبقا لقانون الدولة التي منحت البراءة، بمعنى الدولة التي تم فيها إيداع طلب البراءة. فالقيمة الحقيقة للاختراع بما يكون له من حماية، إنما تكمن باستئثار صاحبه في استغلاله، ومنع الغير من هذا الاستغلال، في أي صناعة، لكن هذا لا يتحقق إلا بمنح البراءة، و التي تتم بمسك وصل الإيداع و التسجيل، باعتبار هذه الأخيرة هي التي تنشأ حق الملكية الصناعية.
و بالتالي فالبراءة تنشئ حق الملكية الصناعية، و كان من المنطقي أن قانون الدولة المانحة للبراءة هي الأجدر، بتأمين الحماية للحقوق المعنوية للبراءة.
الحالة الثانية: حالة صدور البراءة في دولة الأصل، و صدور براءات تبعية في دول أخرى، بمعنى تسجيلها و تعميمها في أكثر من دولة.

نكون في هذه الحالة أمام قانون دولة الأصل، وقوانين الدول الأخرى – دول البراءات التبعية- الكاشفة عن حق المخترع الناشئ في دولته الأصل. تضاربت الآراء الفقهية حول القانون الواجب التطبيق، رأي يركن إلى تطبيق قاعد الإسناد التشريعي لقانون دول الأصل، ورأي فقهي يعتبر القانون الواجب التطبيق هو قانون الدولة التي تطلب فيها الحماية، فالرأي الأول يرى بضرورة إخضاع البراءة لما يمليه قانون دولة الأصل[10]، بمعنى قانون دولة التسجيل الأول، إلا أن هذا الرأي أضحى يتعارض مع مبدأ استقلالية أو إقليمية قوانين البراءات، و هو المعمول به و المقرر به في الاتفاقيات الدولية[11]، مما أدى إلى هجرانه و التخلي عليه شيئا فشيئا، ليظهر رأي فقهي ثان ينادي بمبدأ إقليمية البراءات، يرى هذا الأخير أنه في حالة تعدد الإيداع و التسجيل لبراءة واحدة، فإن كل القوانين تتكافأ، و لا يكون أي ترجيح لقانون دولة الأصل، بل يكون الترجيح لقانون الدولة التي تطلب فيها الحماية، و هذه الحماية التي يقررها قانون كل دولة ينحصر نطاقها بحدود إقليم تلك الدولة، بحيث لا يمتد إلى خارجها، فأينما تعرض براءة الاختراع لأي اعتداء فيمكن لصاحبها، أن يطلب الحماية في قانون الدولة التي وقع فيها الاعتداء، و التي تم فيها التسجيل و الإيداع.[12]

تكتسي القواعد المنظمة لبراءة الاختراع طابع الإلزامية، نظرا لكونها وثيقة بالنظام العام الاقتصادي، أو ما يسمى بالأمن الصناعي، وهذا ما يجعلها ملزمة للقاضي، فبالرجوع للقانون الاسباني، يستشف منه حمايته للحقوق الذهنية الصناعية على إقليمه، دون المساس بالاتفاقيات و المعاهدات الدولية، التي تكون طرفا فيها، و هذا الحل الذي وضع لحماية براءة الاختراع، يمتد كذلك إلى الرسوم و النماذج الصناعية.

الفقرة الثانية: الرسوم و النماذج الصناعية.

يقصد بالرسوم و النماذج الصناعية كل ترتيب للخطوط أو كل ترتيب للخطوط أو كل شكل مجسم بألوان أو بغير ألوان يستخدم في الإنتاج الصناعي بوسيلة آلية أو كيماوية. و تستخدم الرسوم و النماذج الصناعية في تجميل المنتجات، ومن أمثلة تلك الرسوم الصناعية مجموعة الخطوط و الألوان الزخرفية التي تظهر على السجاد. أما النموذج الصناعي فهو القالب الخارجي التي تتخذه المنتجات، فتعطيها شكلا مبتكرا، و بالتالي يول صاحبه حقوقا معنوية، قابلة لأن يتم تداولها، و تدر بصاحبها أموالا.

فالقانون الواجب التطبيق على الرسوم و النماذج الصناعية، اختلفت فيه الاتجاهات، فهناك اتجاه أول يعتبر قانون دولة الاستغلال الفعلي[13] للنموذج أو الرسم الصناعي هو القانون الواجب التطبيق، باعتبار أهميتها تتمظهر من خلال توظيفها في المجال الصناعي، وكذلك نظرا لصعوبة الاعتداء على الرسم أو النموذج الصناعي، في غير الدولة التي يستعمل فيها، و بالتالي فالاعتداء يكون واردا في المكان التي يستغل فيها و بالتالي يخضع لقانون المكان الذي يستغل فيه، و هناك اتجاه ثان يسند الاختصاص التشريعي لقانون الدولة التي يتم فيها الإيداع و التسجيل لأول مرة[14]، و مبرره في ذلك، أن النماذج و الرسوم الصناعية، تستمد استحقاقها من الحماية في تسجيلها و إيداعها، و هذا ما يجسد الحق على الفكرة الإبداعية، فضلا على أن التسجيل و الإيداع تعتبر وسيلة علنية قانونية، لنشرها و التعريف بها، و منح شهادة التسجيل و الإيداع، دليل على إثبات ملكية الرسم و النموذج الصناعي.[15]
فبالرجوع للقانون المقارن فأغلب الاجتهادات و الأحكام القضائية، تتجه الإرادة في أحكامها نحو توحيد قواعد الإسناد و ذلك بإسناد الاختصاص لقانون الدولة التي تطلب منها الحماية أو قانون مكان التسجيل.

المطلب الثالث: القانون الواجب التطبيق على الملكية التجارية.

تشمل الملكية التجارية كل من العلامات التجارية و المحلات التجارية.
وسنحاول في هذا المطلب أن نتطرق إلى القانون الواجب التطبيق على كل من العلامات التجارية (الفقرة الأولى) و كذلك على المحلات التجارية في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العلامات التجارية.

تعتبر العلامات التجارية تلك الحروف أو الرسوم أو العلامات أو خليط من هذه الأشياء ذي صفة فارقة- أي مميزة- وعلى شكل بضائع تميز صاحبها عن بضائع غيره من الناس.[16]
و بالتالي لابد من تحديد القانون الواجب التطبيق على العلامات التجارية، وذلك باستحضار اتجاهين فقهيين.
فالاتجاه الأول يقول بمنح الاختصاص لقانون دولة استعمال العلامة التجارية، فإذا كانت العلامة التجارية تستعمل في دولة واحدة فهذا لا يطرح أي إشكال، اما اذا كانت العلامة التجارية تستعمل في اكثر من دولة في هذه الحالة يختار هذا الاتجاه من الفقه يختار اخضاع التصرفات القانونية للعلامة التجارية لقانون الاستعمال لأول مرة[17]، ومن هنا تكمن اهمية تحديد وضبط التاريخ لكل استعمال حتى نكون على دراية بمعرفة الاستعمال الاول.
وهذا الاتجاه الفقهي يدعو الى اخضاع التصرفات القانونية التي ترد على العلامة التجارية لقانون دولة الاستعمال الاول، على اعتبار ان العلامة تعتبر وسيلة لحماية نفسها وحماية صاحبها من المنافسة غير المشروعة، حيث لا يمكن تصور منافسة بدون استعمال.

ومن هنا تظهر اهمية عنصر الاستعمال، حيث يعتمد هذا الاتجاه الفقهي الاول على الاستعمال الاول في حالة تعدد الدول التي تم فيها استعمال العلامة التجارية، وذلك لان الغاية تتمثل في تجنب المنافسة غير المشروعة، وبالتالي فهذه الاخيرة لا يمكن تصورها بدون الاستعمال الفعلي.
وتجدر الإشارة إلى ان -حسب راي هذا الجانب من الفقه- دولة الاستعمال هي دولة موقع المشروع صاحب العلامة.
ومن ايجابيات هذا الراي، انه يضمن وحدة القانون الواجب التطبيق في جميع الحالات، فاختيارقانون دولة الاستعمال الاول يضمن نتيجة ايجابية هي ان تخضع العلامة التجارية لنفس القانون، لانه متى تم تحديده فهو الذي يكون واجب التطبيق، لانه لا يتغير وتكون له اهمية قصوى في الحالات التي يعمد فيها المشروع الى استعمال منتوجاته وتوظيف علاماته في اكثر من دولة، وبالتالي فمهما تعددت دول استعمال العلامة او دول نشاط المشروع فلا مخافة من تعدد القوانين، لان القانون الواجب التطبيق يكون قانونا واحدا هو قانون دولة الاستعمال الاول.
قد يتساءل سائل اذا تم استعمال العلامة التجارية في اكثر من دولة في وقت واحد، ما هو الحل في هذه الحالة.

الجواب هو انه لابد من ان يتم التحري عن تاريخ الاستعمال الاول ولو كلف ذلك ان يتم تحديد الوقت بالدقيقة او بالثانية، لان المسالة مسالة واقع يمكن للقضاء ان يطلب اثباثها بجميع وسائل الاثباث.
وما يمكن ان نخلص اليه من هذا الراي، ان هذا الاخير يحافظ على وحدة القانون الواجب التطبيق، وهو المعمول به في الدول ذات النظم القانونية التي تعترف بالاثرالمقرر او الكاشف لتسجيل العلامة التجارية.
ومن بين الدول التي تعتبر اثر العلامة التجارية أثرا كاشفا ومقررا للحق ومنشئا له والتي تعتمد هذا الراي نجد في الدول العربية القانون الكويتي في المادة 58 [18].[19]
اما القانون المصري فيمكن اعتباره نموذجا مغايرا نسبيا لهذا الاتجاه، لانه يعطي الاولوية للشخص الذي استعمل العلامة التجارية على الشخص الذي قام بتسجيلها، وفي هذه الحالة نكون ازاء شخصين على علامة تجارية واحذة: اي شخص استعملها بدون ايداع ولا تسجيل، ثم شخص اخر قام بتسجيلها قبل ان يستعملها.
الاتجاه الثاني: هذا الاتجاه هو الراي الراجح، حيث يذهب الى منح الاختصاص التشريعي لقانون دولة تسجيل العلامة التجارية عكس الراي الاول الذي يعطي الاختصاص لقانون دولة الاستعمال الاول، وتبريرهم في ذلك ان العلامة التجارية لا تدخل في عداد الحقوق الادبية و الفنية، ولا في عداد الحقوق الصناعية لان الملكية الفنية و الادبية تكون مشمولة بالحماية حتى قبل تسجيلها. اما العلامة التجارية فلا تكون مشمولة بالحماية الا بعد تسجيلها لانها مجرد وسيلة فنية لتمييز الخدمات و المنتجات و السلع التي ينتجها مشروع معين، وبالتالي فالعلامة التجارية لا يثبت الحق عليها الا بالاعتراف بها من طرف سلطات دولة معينة وهذا الاعتراف لا يتاتى الا باللجوء الى المكاتب المختصة لهذه السلطات من اجل القيام باجراءت الايداع و التسجيل.

فالعلامة التجارية ليستنتاج فكر الذي يثبت الحق عليه بمجرد الاستعمال، لذلك فالتسجيل يعتبر عنصرا اساسيا ضامنا للحماية القانونية، خاصة ان تسجيل العلامات التجارية لا يكون الا بعد القيام بالتحقيق والبحث للتاكد من عدم وجود علامة تجارية مشابهة ومتطابقة مع العلامة المراد تسجيلها. وبالتالي فاذا كشف التحقيق ان هناك تشابه بين العلامة المسجلة والعلامة الاخرى المراد تسجيلها، فان من متطلبات الحماية القانونية رفض التسجيل لان التسجيل سيكون سببا للاعتداء على ملكية الغير ثم سببا للمنافسة غير المشروعة، وهذا الاتجاه الفقهي الثاني يقول بان القانون الاجدر للتطبيق هو قانون الدولة التي سجلت فيها العلامة التجارية.
وحسب هذا الراي، فالتسجيل هو الوسيلة الوحيدة للاعتراف بالعلامة التجارية، باعتبار التسجيل هو وحده سبب لكسب ملكية العلامة التجارية.
التسجيل اذن حسب هذا الراي الفقهي الراجح هو الذي ينشىء ملكية العلامة، اي الحق في الاستعمال بعد التسجيل للمدة التي يقررها القانون[20].

اما بخصوص التسجيل الدولي- اي من اراد لعلامته حماية دولية- فعليه الا يقتصر فقط على تسجيلها في دولة واحدة، بل يجب عليه ان يعمد الى تسجيلها في كل دول العالم، واذا اراد اختصار الطريق فعليه ان يكتفي فقط بايداعها وتسجيلها لدى المكتب الدولي لحماية الملكية التجارية[21].
ولذلك فان الشركات الكبرى ذات العلامات التجارية[22] تعمد الى تسجيل علاماتها دوليا.
ومن ايجابيات هدا المكتب الدولي انه من تاريخ الايداع تتمتع العلامة التجارية بالحماية في كل دول العالم التي تعتبر عضوا منخرطا في الاتفاقية الدولية لحماية العلامات التجارية، وبالتالي فقانون دولة طلب الحماية هو القانون الواجب التطبيق باعتبارها الدولة العضو في الاتفاقية.[23]

الفقرة الثانية: المحلات التجارية.

لا يقصد من المحل التجاري مكان مباشرة التجارة، بل ينصرف هذا المصطلح الى مفهوم معنوي للأصل التجاري الذي هو مال معنوي منقول يتكون من عناصر مادية ومعنوية(كالزبائن مثلا)[24]، تخصص كل هذه العناصر لاستعمال المشروع التجاري، والغاية من ذلك تتمثل في جلب العملاء وكسب الزبناء.[25]
وتدخل المحلات التجارية في الاحوال العينية، ذلك لانها تتكون بصورة عامة من عناصر مادية، اما عنصرها الاساسي فهو الزبائن، فهو مثبت او على الاقل مركز في محل ويستند الى العقار ا والى الحق في الايجار، يعذ من المنقولات.[26]
تعتبر المحلات التجارية وجها من أوجه الملكية التجارية، وقد يتبادر الى الدهن هنا ان القانون الواجب التطبيق هو قانون موقع العقار أي قانون موقع المحل التجاري. وهدا التوجه لا يستقيم، كما قد يتبادر الى الذهن كذلك ان القانون الواجب التطبيق هو القانون الوطني للمستاجراعتمادا على عنصر من عناصر الاصل التجاري وهو الحق في الايجار. وهذا الراي نلمسه في بعض القوانين، ويميل اليه بعض الفقهاء الذين يهولون من اهمية الحق في الايجارdroit au baie، في حين انه حتى في المغرب نجد العديد من الاجتهادات القضائية تعتبر الحق في الايجار اهم عنصر من عناصر الاصل التجاري، وهذا لايستقيم في نظرنا، اذ يمكن ان نقول بان الحق في الايجار هو اضعف عنصر من عناصر الاصل التجاري، لانه يمكن ان يكون الاصل التجاري بدون الحق في الايجار، وبالتالي يصح القول بان الحق في الايجار لا افضلية له ولا يمكن اعتباره عنصرا اكثر اهمية لانه مجرد عنصر عارض للاصل التجاري في حالة وجوده، بل قد لا يوجد اصلا اذا مارس التاجر تجارته في محل مملوك له.

اما الاتجاه الصائب هو الذي يخضع الاصل التجاري لقانون الدولة التي تتواجد معظم عناصر الاصل التجاري فيها- اي العناصر الاساسية- من بينها مثلا، موقع المحل التجاري باعتباره المكان الذي يتوجه اليه الزبناء وباعتباره كذلك مكانا للاستغلال. وقد تكون الاهمية كذلك لمكان الاتصال بالزبناء.
اما بخصوص السند الواقعي والقانوني لهذا الراي الذي يختار المكان الذي تتواجد فيه معظم عناصر الاصل التجاري هو ان عنصر الزبناء هو الاهم، الان بدون زبناء لا توجد تجارة ولا رواج. فعنصر الزبناء اذن هو الاهم وهو المعمول به في التركيز المكاني، حيث يستطيع الزبناء الاتصال بالتاجر في محله، او في اي مكان اخر يحدده، وبالتالي يكون قانون هذا المكان هو الواجب التطبيق دون اي قانون اخر اجنبي، فضلا عن ان مجموع عناصر المحل تتمركز في موقع الاستغلال- اي بلد التركيز- باعتباره بلد الاستغلال التجاري للمشروع صاحب العلامة التجارية او مالك المحل التجاري.
ونخلص في الاخير الى ان يطبيق قانون الوقع يضمن سلامة المعاملات مع التاجر وحماية مصالح الغير بسهولة.

خاتمة:

نستنتج من كل ما سبق ان نطاق الحقوق المعنوية يضم كل ما يخرج عن دائرة الحقوق الشخصية والعينية، مسايرة لتسمية اغلب القوانين المدنية لها، مع أن التسمية الأكثر دقة كما يرى غالبية الفقهاء هي الحقوق الذهنية والإنتاج الذهني.
فهذا النوع من الحقوق هو أسمى ما تتميز به الإنسانية وما يخرجه المفكر ليرقى سلم الحضارة، هدا المفكر الذي يقدم لنا عصارة ذهنه، ليصور لنا ملاحظاته وما يحيط به، مسخرا عقله لخدمة الإنسانية في مناحي الحياة كافة، وهذا ما حذا بغالبية التشريعات على حماية هذا الإنتاج الذهني على الصعيد الوطني والدولي من السطو عليه، وارتكاب الغش والتدليس وانتزاع أفكار الغير وإبداعاتهم. فقواعد القانون الدولي الخاص تحمي حقوق التأليف والإنتاج الأدبي والعلامات والأسماء التجارية والصناعية والرسوم والنماذج، كما تحمي هذه الحقوق كلها من المنافسة غير المشروعة والغش التجاري.

الهوامش
[1] إن أول قانون لحماية حقوق المؤلف كان في بريطانيا 1702 الذي كان بموجبه يثبت حق الملكية للمؤلف على جميع النسخ المطبوعة خلال فترة متفق عليها، وكان هذا الإعتراف هو الاول من نوعه في التاريخ وكان انذاك مدة الحماية هي 14 سنة.
– حقاص صونية، حماية الملكية الفكرية الأدبية والفنية في البيئة الرقمية في التشريع الجزائري، مذكرة لنيل شهادة الماجستير نقشت بجامعة منتوري- قسنطية- كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، ص 28.
[2] أستاذنا أحمد اد لفقيه، سلسلة محاضرات القيت على طلبة ماستر القانون المدني الفوج الثاني، السنة الجامعية 2012- 2013.
[3] لكن هناك قوانين أخرى تقرر الحماية للمنتوج الفكري بحيث هو منتوج بغض النظر عن تسجيله أو عدم تسجيله.

[4] مثل اخراج مؤلف أو منتوج فكري معين في أثر من دولة في نفس الوقت، فهنا يطرح تساءل ماهو القانون الواجب التطبيق؟ لأن كل القوانين نشر فيها المؤلف في وقت واحد وبالتالي تستحق أن تكون هي الواجبة التطبيق
[5] أستاذنا أحمد ادلفقيه، م س.
[6] الدعامة المادية يمكن أن تكون كتابا أو بطاقات تخزينية الكترونية( USB ; CD…)
[7] فإذا كان قانون دولة النشر يقرر مدة معينة للحماية وانصرمت هده المدة فوقع اعتداء على هدا المنتوج في قانون دولة القاضي الذي يقرر مدة أطول، فإن القاضي يجب عليه التقيد بقانون دولة النشر الذي يوفر حماية أقصر من قانون دولة القاضي
[8] ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش، القانون الدولي الخاص” الاردني و المقارن”، مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع، الجزء الاول، دون الاشارة لسنة الطبعة، ص: 157.
[9] Yav Katshung Joseph, Droit international privé, Année académique 2012-2013, Université de Lubumbashi Faculté de Droit, page: 38.
[10] ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش، مرجع سابق، ص: 157.
[11] موسى عبود، الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي، الطبعة الأولى، أكتوبر 1994، المركز الثقافي العربي، ص: 287.
[12] أستاذنا أحمد اد لفقيه، سلسلة محاضرات القيت على طلبة ماستر القانون المدني الفوج الثاني، السنة الجامعية 2012- 2013.

[13] ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش، مرجع سابق، ص: 157.

[14] ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش، مرجع سابق، ص: 157.

[15] أستاذنا أحمد اد لفقيه، سلسلة محاضرات القيت على طلبة ماستر القانون المدني الفوج الثاني، السنة الجامعية 2012- 2013.

[16] تعريف محكمة العدل العليا.
[17] اي لقانون التي طرحت فيها العلامة التجارية للاستعمال لاول مرة.
[18] نصت المادة 58 منه” يسري على العلامة التجارية قانون الموقع، وموقع العلامة التجارية هو بلد منشاة الاستعمال”.
[19] فالمشرع المصري نص في هذه الحالة على ان الافضلية و الاولوية تكون للشخص الذي استعمل العلامة التجارية، ولو جاء شخص فيما بعد لم يستعملها قط ولكن قام بيذتسجيلها ليتمتع بالحماية فيحق لمستعملها ان يطلب بطلان او ابطال اجراءات التسجيل التي قام بها الغير وذلك داخل اجل لا يتعدى خمس سنوات.
[20] نتحدث هنا عن القانون المنشئ عكس الاتجاه الاول الذي يتحدث عن القانون الكاشف.
[21] هذا المكتب يوجد مقره بجنيف.
[22] كشركة كوديير وشركة كوكاكولا وشركة بيبسي كولا.
[23] أي في حالة ما اذا تم تسجيل العلامة التجارية في المكتب الدولي يعتبر كانه تسجيل في كل الدول الاعضاء التي صادقت على الاتفاقية الدولية.
[24] محمد حسن عباس-الملكية الصناعية والمحل التجاري- دار النهضة العربية، القاهرة 1971 ص460.
[25] محاضرة استلذنا احمد اذ الفقيه.
[26] انظر المادتين 38و39 من قانون التجارة الاردني رقم12 لسنة 1966.