بحث قانوني قيم عن الجريمة المنظمة وآليات مكافحتها على المستوى الدولي

من اعداد الاستاذة:
مريوة صباح

الخطة

مقدمة
الفصل الأول: ماهية الجريمة المنظمة
المبحث الأول: مفهوم الجريمة المنظمة
المطلب الأول: تعريف الجريمة المنظمة
المطلب الثاني: خصائص الجريمة المنظمة
المبحث الثاني: نشاطات الجريمة المنظمة
المطلب الأول: النشاطات الأساسية للجريمة المنظمة
المطلب الثاني: النشاطات المساعدة لتحقيق الغرض
الفصل الثاني: ضرورة التعاون الدولي لمواجهة الجريمة المنظمة
المبحث الأول: وضع سياسة جنائية موحدة لملاحقة و محاصرة الجناة
المطلب الأول: وضع قواعد جديدة للإختصاص خارج الحدود
المطلب الثاني: العمل من أجل توحيد السياسة الجنائية
المبحث الثاني: جهود التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة
المطلب الأول: مجهودات الأمم المتحدة في مكافحة الجريمة المنظمة
الفرع الأول: مؤتمرات الأمم المتحدة في مكافحة الجريمة المنظمة
الفرع الثاني: إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة
المطلب الثاني: مجهودات الإتحاد الأوروبي
خاتمة

مقدمة:

شهد العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي تطورا كبيرا في النشاطات الإجرامية و تزايدا ملحوظا في عدد المجموعات الإجرامية التي أصبحت تهدد استقرار الدول و أمن المواطن و تؤثر على جهود التنمية الاقتصادية و على التطور في جميع الميادين ، و قد تجاوزت الأعمال الإجرامية المنظمة حدود الإقليم الواحد و تجاوزت أثارها و أضرارها الحدود الإقليمية إلى الدولية، وهذا ما جعلها جريمة خطيرة ضد الأمن الإنساني و النظام الدولي، وضد حقوق و حريات الأفراد الأساسية.

إن الجريمة المنظمة تشكل تهديدا مباشرا للأمن و الاستقرار على الصعيدين الوطني و الدولي، وتمثل هجوما مباشرا على السلطة السياسية و التشريعية، بل تتحدى سلطة الدولة نفسها، وهي تهدم المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية، و تضعفها مسببة فقدانا للثقة في العمليات الديمقراطية، وهي تخل بالتنمية، وتحرف مكاسبها عن اتجاهها الصحيح و تلحق الضرر بمجموع العالم كله. و لقد ساعدت الظروف و التغيرات العالمية على زيادة حجم التنظيمات الإجرامية عبر الدول و خاصة في ظل العولمة الاقتصادية، وثورة الاتصالات و المواصلات و انعكس ذلك على زيادة أنواع الأنشطة التي تمارسها الجريمة المنظمة عبر الدول.

بالرغم من أن ظاهرة الجريمة المنظمة، تضاعفت في العشر سنوات الأخيرة، و تعددت آثارها السلبية حدود الدولة، إلا أنها ظاهرة ليست حديثة بالمعنى الكامل، فهي وإن تعددت الجرائم التي ترتكب عن طريقها، إلا و زاد كمها، إلا أنها معروفة منذ وقت طويل، بدأ بالمافيا و بالعصابات المنظمة في أمريكا، منذ بداية هذا القرن، هذا المجتمع الأمريكي الذي يموج بالمتغيرات السريعة، و يعيش حالة غليانا، بعكس المجتمع الأوروبي الذي حدثت فيه المتغيرات بشكل منسجم و متدرج. و لكن منذ أن بدأت أوروبا تتأثر بالنموذج الاجتماعي و الاقتصادي الأمريكي في النصف الثاني من هذا القرن فأثرت المتغيرات الأمريكية على الحياة في أوروبا فأصبحت الظاهرة الإجرامية للجريمة المنظمة في أوروبا تقترب من مثيلتها في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، و أصبحت الدول النامية مسرحا مشتعلا بالخطر من جراء الآثار المدمرة للجريمة المنظمة كما يحدث في أفغانستان و الهند و مصر و العراق.

و الكشف عن ظاهرة الجريمة المنظمة و تسليط الأضواء عليها، حضي بأن يعطيها الاهتمام الذي تستحقه من قبل الأجهزة التي تقوم على الوقاية و المكافحة، كما أن ذلك ينبه الأذهان في عملية وضع الخطط الاقتصادية التنموية، فلعل الجريمة المنظمة هي أحد الآثار الجانبية لدرجة عالية من الاتصال بالمجتمعات و الثقافات والمنظمات الاقتصادية و السياسية الأخرى، ما لم تضبط عملية التغيير و التنمية و الإصلاح الذي تطالب به الدول المتقدمة ذات القوة السياسية و الاقتصادية و العسكرية، و تفرضه على الدول العربية، و توجه منذ البداية و تحت ملاحظة و الأجهزة متخصصة للبحث و التقييم.

لموضوع الجريمة المنظمة، أهمية متزايدة في العصر الحالي، مع سرعة و سهولة الاتصال، و زيادة موجات العنف و انتشار الفساد و الرشوة و الرغبة المحمومة في الإثراء غير المشروع. من هنا يحتل هذا الموضوع أهمية نظرية و عملية على حد سواء. فمن الناحية النظرية يتعلق موضوع الجريمة المنظمة بفكرة عالمية الجريمة la mondialisation du crime organisé، و كذلك تتعلق بالأثر السلبي التي تتركه الجريمة المنظمة على البلاد النامية المعرضة للخطر و الاعتداء على أمنها و مصالحها.

و من الناحية العملية التطبيقية نجد ان الجريمة المنظمة تتعلق يممارسة أنشطة إقتصادية و تجارية حيوية للاقتصاد القومي الوطني و العالمي، مما قد يعرض هذا الاقتصاد للمخاطر نتيجة للاحتمالات الممارسات غير القانونية و الأنشطة غير مشروعةles activités illégales من التجارة بالمخدرات و الأسلحة وتجارة بالأعضاء البشرية، و تبييض الأموال، و الواقع العملي يؤكد زيادة حجم الجريمة المنظمة و هذا ما أكدت عليه مختلف مؤتمرات الأمم المتحدة و خاصة مع تحرير التجارة العالمية من القيود. لذا كان لابد من تبيان آليات مكافحة الجريمة المنظمة التي أصبحت منتشرة عبر جميع الدول.

ولدراستنا لهذا الموضوع إعتمدنا على المنهج التحليلي الوصفي لملائمته و طبيعة الموضوع، و الخطة المنطقية لتحليل الجريمة المنظمة، و مما لا شك فيه أن الجريمة المنظمة تحكمها أولا قواعد موضوعية عامة وخاصة تقتضي منا دراسة الجريمة المنظمة و خصائصها و تبيان أنشطتها المختلفة و ذلك في الفصل الأول، أما في الفصل الثاني، فتناولنا آليات مكافحة الجريمة المنظمة على المستوى الدولي ، تلك هي مبررات المنطقية لخطة البحث التي نتبناها لتحليل الموضوع على النحو التالي:
الفصل الأول: ماهية الجريمة المنظمة مع تبيان مختلف أنماطها
الفصل الثاني: ضرورة التعاون الدولي لمواجهة الجريمة المنظمة

الفصل الأول: ماهية الجريمة المنظمة

و يفضل البعض الآخر عبارة ” الإجرام المنظم “، و يرى أن لها أصلا بوليسيا، حيث أستخدمت من عشرينيات هذا القرن، في تقارير الشرطة، على إثر حظر الكحول في أمريكا من 1919-1923. و بدأ تطور هذا النوع من الإجرام، إبتداءا من سبعينات هذا القرن، حتى شهد خلال السنوات العشر الأخيرة ازدهارا غير عادي، من الناحية الكمية، حيث زادت عملياته بصورة كبيرة، أو من الناحية الكيفية، من حيث الإحترافية في إرتكاب أعماله، و الميل إلى التنظيم الشديد، و التوسع الدولي له، حتى صدق عليه قول الباحث Phil Williams » « عام 1995 أنه أصبح يغطي العالم و له ألف شكل(1).

إنه و رغم شيوع استخدام عبارة “الجريمة المنظمة”، إلا أننا نؤيد الرأي القائل بعبارة “الإجرام المنظم”، حيث أنه من الناحية الكمية، ترتكب مجموعة من الجرائم على القدر محسوس من الجسامة، و من الناحية الكيفية، هنالك مجموعة من استراتجيات المواجهة و المكافحة، و من ثم، فنحن أمام مجموعة من التصرفات والأعمال الإجرامية، التي لها طابع مختلف أو غير متجانس، ليس أمام أفعال فردية جنائية منعزلة، بما يسوغ معه إطلاق عبارة الإجرام المنظم.

المبحث الأول: مفهوم الجريمة المنظمة

إن القواعد الموضوعية للجريمة المنظمة، تتعلق بقواعد القسم العام لقانون العقوبات، و كذلك تفاصيل الجريمة التي يهتم بها القسم الخاص، و الجريمة المنظمة ذات طبيعة خاصة تختلف عن الجريمة العادية، مما يؤكد ضرورة الاهتمام بتحليلها و دراستها.

المطلب الأول:تعريف الجريمة المنظمة

رغم النمو و الانتشار الذي تشهده الجريمة المنظمة، فلا يوجد تعريف متفق عليه و مقبول لها من كل دول العالم، رغم أهمية التعريف، في تحديد نوعية المنظمات الإجرامية، التي سيجري التعاون بين الدول لمكافحتها.و وصلت صعوبة التعريف، الى الحد الذي شبهه البعض بأنه محاولة الإمساك بالسمك المراوغ و السابح في الماء(2).

و تمر الجريمة المنظمة في هذا السياق، حيث يعترف الجميع إبتداءا من العاملين في مجال تطبيق القانون (من الشرطة و الادعاء العام و القضاة)، إلى مجموعة أصحاب اتخاذ القرار (من سياسيين و مشرعين وحكام)، فان ظاهرة الجريمة المنظمة قد أصبحت اليوم من الأحجام الجديدة للسلوك الإجرامي، ذات الجوانب العديدة المعقدة، و تتمثل هذه الجوانب المعقدة للمشكلة في العنصرين التاليين:

1- المشكلة من حيث التعريف.
2- المشكلة من حيث تحديد الأنماط و الحجم و الاتجاه.

فالجريمة المنظمة فكرة غامضة، و موضوع مختلط و معقد، مما يصعب الإتفاق حول ما تعنيه، و بالتالي حول الإستراتجيات التي ستكون أكثر تأثيرا في مكافحتها، و ذلك بالنظر الى أن الجرائم المنظمة العابرة للحدود تستدعي الانتباه يوميا، و تستدعي أن توضع موضع التنفيذ، وسائل صحيحة لمحاربتها، و كيفية اكتشافها و التعرف على هوية مرتكبيها و القبض عليهم (4)، و لن يتأتى ذلك، إلا بتحديد مدلول محدد لها، و هو الأمر الذي يكاد يجمع الفقه على مدى صعوبته، و يعتبرونه مدلولا غامضا وواسعا للغاية، و لا توجد رؤية متكاملة لبنائه، كما أنه يختلط بالعديد من المصطلحات.

و لقد طالبت معظم الاجتماعات و المؤتمرات العلمية، مثل المؤتمر الوزاري، الذي نظمته الأمم المتحدة في نابولي 1994، و مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، 1995، بضرورة وضع تعريف دقيق، وواضح للجريمة المنظمة تطبقه أنظمة العدالة الجنائية (5).

لعل أفضل تعريف للجريمة المنظمة، هو ذلك التعريف المأخوذ من البلاد المنتشرة فيها هذه الجريمة، و هي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن الجريمة المنظمة متغلغلة فيها، إلى حد إن الأرباح التي تحصل عليها العصابات الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية، تقدر بمبلغ يفوق خمسة ملايين دولار سنويا(6).

و في مجال تعريف الجريمة المنظمة، قد تتسع الدائرة، وقد تضيق، فالبعض يرى الجريمة المنظمة، من خلال فكرة التنظيم الوارد في إعدادها، أما البعض الآخر، يرى الجريمة المنظمة من خلال عنصر الاستمرارية، و البعض الآخر، يراها من خلال تواطؤ مجموعة من الأفراد، على الإعداد لها بطريقة تكفل لها النجاح و الاستمرار، و الإفلات من قبضة رجال الأمن.
و المعاني الواردة كلها مقصودة، و لا بد من توافرها في الجريمة المنظمة، لأن التنظيم يحتاج إلى مجموعة من الناس، يتقاسم أفرادها العمل، و يتخصص كل فرد بجزء منه، بحيث تتكامل الجريمة من خلال جميع المراحل التي تمر بها، و بمشاركة جميع الذين اشتركوا في الإعداد و التنفيذ، و من الطبيعي، أن الأمر يحتاج إلى استخدام الذكاء، و العقل، و بعض الوسائل العلمية و التقنية، لكي تكون الجريمة في دائرة الجريمة المنظمة.

أن “الإجرام المنظم، عبارة عن مؤسسة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج، و محكم، تمارس أنشطة غير مشروعة من أجل الحصول على هدف مادي غير مشروع، أو المساس بالمصالح الاستراتجية، و الأمن العام لدولة، أو لعدد من الدول، مستخدما في ذلك العنف و القوة و الفساد”(7). فهذا التعريف حسب رأينا، يتضمن الخصائص الجوهرية للجريمة المنظمة.

المطلب الثاني: خصائص الجريمة المنظمة

خصائص الجريمة المنظمة يمكن أن تشتق من تعريفها و هي ان الجريمة المنظمة يتم إرتكابها عن طريق عصابات اجرامية منظمة، تتخذ الشكل الهرمي المتدرج تقوم على مبدأ تقسيم العمل داخل المنظمة، سرية الخطط و الأنشطة التي تمارسها، الغستمرارية و الثبات في وجودها، استخدام العنف و التهديد و الإرهاب و الرشوة لتنفيذ أغراضها، تحقيق الربح كهدف لها، القدرة على شل تطبيق قانون العقوبات بالتخويف و الرشوة، المزج بين الأنشطة مشروعة و غير مشروعة بغرض التمويه.
و يمكن إجمال خصائص الجريمة المنظمة عبر الوطنية، في خاصيتين هما:

الفرع الأول:المنظمة الإجرامية، وهي إتحاد ارادة ثلاثة أشخاص أو أكثر، و انعقادها على الإجرام، و تأسيس المنظمة في معظم التشريعات، يعد جريمة قائمة بذاتها، معاقب عليها، دون التوقف على وقوع الجرائم المتفق عليها أو عدم تحقيقها، فالمشرعون هنا يحرمون النزعة الاجرامية الجماعية، نظرا لخطرها و تهديدها لأمن الجماعة و سلامتها، و تظهر هذه النزعة، في إتجاه إرادة أفراد العصبة، إلى إرتكاب عدة جرائم، و الدول ملزمة بوجوب العقاب على مجرد الأعمال، التي تنطوي على الاشتراك في جماعة إجرامية منظمة، يكون الغرض منها ارتكاب هذه الجرائم.

الفرع الثاني:الأثر عبر الوطني للجريمة، ويعني تحقيق أحد عناصر الركن المادي للجريمة في اكثر من دولة، سواء الفعل او النتيجة، و من ثم تدخل الجريمة بالأمن، في كل مكان واقع فيه جزء من الركن المادي لها، و لكن إذا وقع السلوك، و نتيجته في دولة واحدة، و لم يتعداها لغيرها، و ارتكبه أشخاص من نفس الإقليم، فلا يتحقق الأثر عبر الوطني، و تشير العبارة “عابرة للحدود”، كما استخدمتها وثائق الأمم المتحدة، الى المعلومات و الأموال و الأشخاص و الأشياء الملموسة و غير الملموسة، التي تنتقل عبر حدود الدولة، و الواقع أنه، عندما يزيد الطلب على السلع و الخدمات غير المشروعة، التي يعمل في مجالها الإجرام المنظم، فإن الأنشطة الإجرامية، تمتد الى خارج حدود الدولة عن طريق التنظيمات الإجرامية.

المبحث الثاني: نشاطات الجريمة المنظمة

لا يمكن حصر مجال نشاط المنظمات الإجرامية، لأنه مجال واسع، لذا يستخدم الباحثون في تحديد الأفعال و الأشكال التي تنطوي تحت مصطلح “الجريمة المنظمة” سياسة الباب المفتوح، فإذا كانت هناك أنماط معينة، كانت ترتكب و ما تزال من المافيا الإيطالية، فان الأنماط التي تعتبر من الجريمة المنظمة تختلط في الولايات المتحدة الأمريكية بالمؤامرة(conspiracy)، و الجرائم التنظيمية(Organized Crime (، مثل الجرائم الخاصة، و الإفلاس، و جرائم الكمبيوتر، و جرائم الشركات و جرائم البيئة (Environmental crime) (9) .

الفرع الأول:النشاطات الأساسية للجريمة المنظمة
1)- الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية: يعتبر مجال الاتجار غير الشرعي بالمخدرات، القطاع الأقدم و الأكبر في نشاط الإجرام المنظم، و يعد من المصادر الأساسية للأرباح، التي تجنيها العصابات الإجرامية (10).
2)- الاتجار غير المشروع في النساء والأطفال: يعتبر مجال الاتجار غير المشروع في النساء و الأطفال، من النشاطات الإجرامية التي أخذت بعدا جغرافيا هائلا، لاسيما في الدعارة، أي الاستغلال و الاسترقاق الجنسي، حيث تستغل المنظمات الإجرامية هذا المجال، عبر شبكات منظمة مختصة في جلب النساء و الأطفال من الدول الفقيرة، لاسيما دول أوروبا الشرقية، إلى فرنسا و بلجيكا و ألمانيا لاستغلالهم في الدعارة و الاسترقاق الجنسي، كما أن المنظمات الإجرامية، تلجأ إلى السياحة الجنسية، لترويج و المتاجرة في الجنس، خاصة في بعض البلدان الآسيوية، مثل تايلاندا و الفلبين(12).
3)- الاتجار غير المشروع في الأسلحة
4)- تزييف و تزوير العملات
6)- الاتجار غير المشروع في المسروقات
10)- دفن النفايات السامة و الكميائية.
11)- الاتجار غير المشروع في الأعضاء البشرية.
12)- الاتجار في الأيدي العاملة المهاجرة و المهربة من الدول الفقيرة إلى الدول المصنعة خاصة الأوروبية.

الفرع الثاني:النشاطات المساعدة لتحقيق الغرض
بالإضافة إلى ما ذكرناه، من المجالات التي تنشط فيها المنظمات الإجرامية الدولية، لتحقيق أرباحها، و اعتبرنها رئيسية، فان العصابات الإجرامية، تقوم بأنشطة و أعمال إجرامية أخرى، لتحقيق الغرض الأساسي، و بهذا يكون لها مجالات إجرامية أخرى، يمكن اعتبارها وسائل لتحقيق الهدف المرجو،(13) و هي:

1)- تبييض الأموال: Blanchiment d’argent
تعد جرائم غسل الأموال القذرة، من الجرائم الاقتصادية، و أهم الجرائم الخطيرة التي تهدد الاقتصاد الوطني، حيث تقوم المنظمات الإجرامية بغسل و تبييض الأموال القذرة، المتحصل عليها من الأنشطة الإجرامية الرئيسية للإجرام المنظم، و توظيفها في مشاريع مشروعة، و عليه تكون جرائم تبييض الأموال، إلا تواصل الجريمة المنظمة لتحقيق الربح.
و تشير بعض الإحصائيات، أن حجم غسيل الأموال على مستوى العالم، و الذي تحقق خلال الفترة من 1991-1995، قد تتراوح بين 350-500 مليار دولار سنويا، و يمثل ما نسبته 70%، من حجم الدخول غير المشروعة على المستوى العالمي. و في مصر كمثال لإحدى الدول النامية، أشارت دراسة حديثة إلى أن حجم عمليات غسيل الأموال بلغ98مليار دولار في عام 1994، و هو ما يمثل 6% من الناتج المحلي الإجمالي في ذات العام(14)، و على سبيل المثال، يقوم التنظيم الإجرامي، بتنقية الأموال أي غسيل الأموال عن طريق بعض الأعمال الشرعية في الكازينوهات، و النوادي الليلية و المطاعم و الفنادق و شركات الشاحنات و موزعي تجارة الأطعمة بالجملة، كما يقوم التنظيم الإجرامي بأعمال البنوك و الاستثمار و البناء و الالكترونيات و الخدمات الطبية (15).

و قد نصت الاتفاقية الدولية لمكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية لسنة 1988، على وجوب تجريم تمويه مصدر أموال المخدرات، و تسيير التعاون القضائي و تسليم المجرمين، كما أقرت بمبدأ عدم عرقلة حرية البنوك سبل الإجراءات القضائية، بسبب السرية أو الحسابات الرقمية[29].و تستخدم هذه العصابات الإجرامية، بالإضافة إلى الشركات و المشروعات و البنوك، كواجهة لغسل الأموال القذرة، أيضا إلى مستشارين و رجال المحاماة، كل هؤلاء يعملون وفقا لنظام دقيق، يهدف إلى إثبات مصادر مكان المليارات من الدولارات، و يتم تحويلها إلى بلد الانتماء، حتى تستتر بما يعرف بالوعاء الدبلوماسي الضريبي، الذي تتمتع فيه الودائع السرية المصرفية و التجارية بالأمان، و تمر عملية غسيل الأموال المحصلة بطرق غير شرعية، أي من التجارة في المخدرات أو الأسلحة أو العصابات الإرهابية، أو نتيجة لارتكاب جريمة خطيرة أخرى، بعدة مراحل، حتى تبدو وكأنها محصلة من مصدر شرعي، لا تشويه فيه، و هذه العمليات من شأنها أن تضرب اقتصاد الدول، و تفقدها استقرارها(16).

2)- استعمال العنف و التهديد به
3)- التسلل إلى هياكل الإدارة الحكومية و الهياكل السياسية
4)- استخدام الرشاوي، و التبرعات لتمويل الحملات الانتخابية و السياسية لبعض السياسيين أو بعض الأحزاب

المطلب الثالث:العلاقة بين الإرهاب و الجريمة المنظمة

لاشك في وجود روابط بين صور الإجرام المختلفة، سواء كان منظما، اقتصاديا، أو سياسيا، أو غير منظم. و لقد دفع الخطر المتزايد الذي تعكسه الروابط بين الإرهاب و الاجرام المنظم، الذي ينتشر في جميع أرجاء العالم، دفع الوفد المصري في المؤتمر التاسع للأمم المتحدة لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، إلى تبني مشروع قرار بشأن الروابط بين جرائم الإرهاب و الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وذلك بإعتبار الإرهاب شكلا من أشكال الجريمة المنظمة، كما أن الأخيرة، تستخدم تكتيكات إرهابية. وقد رفضت العديد من الدول ذلك، لإختلاف الهدف في كل منهما، مما لايمكن معه اعتبارها وجهين لعملة واحدة، وانتهى المؤتمر، الى إدانة كل منهما وأوصي بتبادل المعلومات و الخبرات المشتركة بين الدول لمكافحتها(17). و سنعرض فيما يلي، لأوجه الشبه و الخلاف بين الإرهاب و الجريمة المنظمة.

– أولا:أوجه الشبه بين الإرهاب و الجريمة المنظمة.
في بادئ الأمر، يجب أن نؤكد على، انه لا يعد من اوجه التشابه بين الإرهاب و الجريمة المنظمة، أو من دواعي الربط بينها، مجرد ادراجهم في بند واحد في أحد المؤتمرات الدولية، أو كلمات بعض المسؤولين حول هذه الروابط، ولكن لابد أن يستند التشابه بينهما، على أشياء مادية ملموسة، يمكن النظر فيها و مناقشتها، فلاشك أن أوجه الشبه تظهر -في ضوء رصد خصائص الجريمة المنظمة فيما سبق- في طبيعتها العابرة للحدود، واستخدام القوة المادية والعنف و الترويع، وتماثل بعض الوسائل في تنفيذ العمليات، و بيان ذلك .إن كلا من الجريمة المنظمة و الجرائم الإرهابية، تسعى الى إفشاء الرعب، سواء في مواجهة السلطة أو الأفراد، وقد أظهرت عصابات الجريمة المنظمة، قدرة على التغلغل في جهاز الدولة، ولم تتردد في استخدام العنف المتوحش ضد رجال الدولة، أي أنها استخدمت وسائل إرهابية نمطية، لتأكيد قوتها وإستراتجيتها(18).

و التشابه أيضا يكون في التنظيم، وسرية العمليات، والقوانين الداخلية التي تحكم الجماعات المنظمة، و الإرهابية على سواء، و الجزاءات على مخالفة القواعد الموضوعية وأساليب العمل و تبادل الخبرات، فكل من الإرهاب و الجريمة المنظمة، تعبير عن عنف منظم، تقوده مجموعات أو منظمات، ذات قدرات و امكانيات تنظيمية كبيرة، وتتسم عملياتها بالتخطيط و التنفيذ الدقيق، معتمدة على إحداث حالة من الرعب في أوساط المستهدفين، لتسهيل تحقيق أهدافها، وبذلك يصح الارهاب جزءا من الجريمة المنظمة، ولم يقتصر الأمر، على وجود أوجه للشبه بينهما، بل إن الأمر تطور لإقامة علاقات تعاون و تبادل بينهما، فقد عملت الجماعات الإرهابية حديثا، مع مؤسسات الجريمة المنظمة عبر الوطنية، خاصة تجمعات المخدرات في العديد من البلدان.

– ثانيا:أوجه الخلاف بين الإرهاب و الجريمة المنظمة.
إن أهم أوجه الخلاف بين الإرهاب و الجريمة المنظمة، هو الباعث أو الدافع لارتكاب الجريمة، و الهدف من ورائها. فدافع الإرهاب، نبيل أو شريف -من وجهة نظر مرتكبيه- على الأقل-، أو من الظاهر أو المعلن من جانبهم، حيث أنهم يدعون دائما سعيهم إلى تحقيق الخير و العدل(19)، ويضحون بأنفسهم في سبيل ذلك، هذا عكس الدافع لدى المنظمات الإجرامية، التي تسعى الى تحقيق الربح، بكافة الوسائل حتى الدنيئة منها، و تتذرع بأهداف أو دوافع سياسية، فإرهاب يضع لنفسه موقفا وهدفا سياسيا، وفوريا، ينحصر في رفض النظام السياسي المبني على الرأسمالية، و يستبدل ذلك بالمساواة.

ومما سبق، يمكن القول أن الفارق الأساسي بين الجريمة المنظمة و الإرهاب، يكمن في الأهداف و البواعث، فهدف الإرهاب، هو إحداث تغيرات سياسية أو إجتماعية من خلال القضاء، أو تعديل النظام القائم، فهو يحاول إقامة شرعية-متوهمة-من جانبه، اعتقادا في عدم شرعية النظام القائم فهو يؤكد –من وجهة نظره- الشرعية. في حين، أن الهدف من الإجرام المنظم، هو تحقيق الكسب المادي و الربح السريع، وذلك من خلال خروج على الشرعية و مهاجمة القوانين السارية، و عدم الإمتثال لأحكامها، فالإرهابي يقف وراء عمله بواعث إيديولوجية، فهو يؤمن بفكرة و يعمل من أجلها، ومستعد بالتضحية بنفسه في سبيلها، أما جماعات الإجرام المنظم، فلا يجمعها سوى الكسب المادي، فلا يوجد باعث إيديولوجي معين، ولكن الأنانية و جمع المال، ومع هذا، فالعديد من جماعات الإجرام المنظم، تدعي هدفا سياسيا مزعوما، من أجل الاستفادة من مزايا، التي يمكن أن يتمتع بها المجرم السياسي داخل النظام القانوني للدولة.