أولاً : انقضاء عقد الوساطة التجارية لاسباب ترجع الى الاعتبار الشخصي :

ان عقد الوساطة التجارية يقوم على الاعتبار الشخصي المبني على الثقة حيث تكون شخصية كل من الموسط والوسيط محل اعتبار عند الطرف الثاني من العقد واستنادا الى ذلك فإن عقد الوساطة التجارية ينتهي بموت احد طرفي العقد وسوف نتكلم عن موت الوسيط اولا ثم موت الموسط ثانيا .

أولاً – موت الوسيط .

من الامور المسلم بها ان شخصية الانسان تنتهي بموته (1)، فإذا مات الوسيط التجاري فإن الوساطة التجارية تنتهي بموته لان مهنة الوساطة التجارية ليست مهنة مباحة لأي شخص ان يمارسها وان يحل محل الاخر بل لابد من توافر شروط قانونية نصت عليها القوانين المختلفة التي نظمت هذا العقد وبعد توافر هذه الشروط لابد من ان يحصل على إجازة لممارسة هذه المهنة والا تعرض للعقوبات القانونية المقررة لمن يمارس هذه المهنة دون الحصول على اجازة من السلطات المختصة (2). فضلا عن ذلك فإن الموسط قد اختار الوسيط التجاري لاعتبار شخصي فيه لما يتمتع به من حسن سيرة وامانة ونزاهة وسرعة في اداء العمل فضلا عن ما قد يتمتع به من علاقات واسعة تمكنه من الحصول على متعاقد جيد للموسط بأسرع وقت وهذه الصفات المتوافرة في الوسيط المختار قد لا تكون متوافرة في ورثته الذين قد لا يعلمون عن مهنة الوساطة شيئا يذكر وهذا ما يبرر انتهاء الوساطة بموت الوسيط وعدم حلول الورثة محله في تنفيذ الوساطة (3). فضلاً عن ذلك فإن هناك مبرراً اساسياً لا نهاء عقد الوساطة التجارية بموت الوسيط باعتباره اداة تنفيذ الوساطة فإذا مات فإن الوساطة التجارية تنتهي لانعدام اداة تنفيذها (4) . واذا كان الوسيط التجاري شركة او شخصاً معنوياً اخر فإن الوساطة تنتهي بحله ولو كان هذا الحل اختياريا لان الحل بالنسبة الى الشخص المعنوي هو بمثابة الموت بالنسبة للشخص الطبيعي (5). واذا فوض اكثر من وسيط تجاري بعقد واحد للتوسط في صفقة معينة كانوا مسؤولين بالتضامن عن العمل المكلفين به وهو ايجاد طرف ثان لا برام عقد معين (6). في هذه الحالة اذا مات احد الوسطاء فإن ذلك يؤدي الى انتهاء عقد الوساطة التجارية، فوفاة احد الوسطاء يؤدي الى انتهاء الوساطة لتعذر ضم رأيه الى رأي الوسيط الاخر وهذا ما يجعله غير قادر على اداء مهمته على الوجه الطلوب لان الوسطاء مفوضين بعقد واحد مما يجعل عملهم مشتركاً ولايمكن لاحدهم ان ينفرد برأيه (7). اما اذا فوض الوسطاء كلاً منهم بعقد مستقل فإن موت احدهم يؤدي الى انتهاء الوساطة بالنسبة اليه فقط وتبقى مستمرة بالنسبة للوسطاء الاخرين اذ لاعلاقة لهم بموت الوسيط ما دام تفويض كل منهم قد تم بعقد مستقل عن الاخر ولم ينص في هذه العقود على عملهم مجتمعين اذ لاعلاقة لما يحدث لاحدهم بعمل الاخر ولذلك فإن وفاة احدهم لا تنهي عقد الوساطة بالنسبة للاخرين (8).

ثانياً – موت الموسّط .

…ان عقد الوساطة التجارية يعتبر من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي والاعتداد بشخصية كل من الموسط والوسيط ولذلك فإن هذا العقد ينتهي بموت الموسط لان الوسيط قد خول بمباشرة عمله والقيام بالوساطة لابرام صفقة معينة من قبل الموسط واكتسب صفته وسيطاً بناء على هذا التخويل فموت الموسط يفقد الوسيط صفته في مباشرة الصفقة وتعتبر الوساطة منقضية لزوال مصدرها وهو تخويل الموسط (9). واذا كان الموسط شركة او شخصا معنويا اخر انتهت الوساطة بحله لو كان هذا الحل اختياريا لان الحل بالنسبة الى شخص المعنوي هو بمثابة الموت بالنسبة للشخص الطبيعي (10). ونظراً الى ان عقد الوكالة ينتهي ايضاً بموت الموكل فيمكن الاخذ بما أخذ به المشرع في عرض الوكالة إذ افترض ان ارادة المتعاقدين الضمنية قد اتجهت الى انقضائه بموت الموكل وينطبق ذلك على عقد الوساطة ايضا باعتبار ان هذا العقد من العقود التي تراعى فيها شخصية كل متعاقد لدى الطرف الاخر(11). ومع ذلك فإن النص الذي يقرر انقضاء عقد الوكالة بوفاة الموكل وبالتالي انقضاء الوساطة بموت الموسط قياسا على عقد الوكالة لاعتبر من النظام العام فهو نص مكمل لارادة الطرفين وليس نصاً آمراً ، واذا لم يكن النص آمرا وحصل الاتفاق بين الطرفين على مخالفته فلا يصار الى تطبيقه ومعنى هذا انه لا تطبيق لقاعدة انقضاء الوساطة عندما تكون ارادة الموسط قد اتجهت الى ما يخالفها (12) . وتفصيل ذلك ان الاصل في العقود ان اثرها ينصرف الى المتعاقدين والى الخلف العام مالم يتبين من العقد او من طبيعة التعامل او من نص القانون ان هذا الاثر لاينصرف الى الخلف العام في الحالات التي تكون فيها العلاقة شخصية بحتة وهو ما يستخلص من ارادة المتعاقدين صريحة او ضمنية او من طبيعة العقد او من نص القانون (13). وعلاقة ما تقدم بعقد الوساطة أن هذا العقد من العقود التي تراعى فيه شخصية كل طرف من اطراف التعاقد وتكون هذه الشخصية محل اعتبار فيه لذلك فإن المشرع قد افترض في عقد الوكالة وينسحب ذلك على عقد الوساطة ان ارادتي طرفي العقد الضمنيتين قد اتجهتا الى انقضاء العقد بوفاة احدهما نظرا لما يتسم به هذا العقد من طابع شخصي بحت ولذلك لاينصرف اثره الى الخلف العام خلافا للأصل العام ولكن مادام هذا الحكم القاضي بانقضاء الوساطة بالوفاة استثناء من الاصل فبالامكان الاتفاق على مايخالفه او بعبارة اخرى الاتفاق على استمرارية عقد الوساطة بعد موت الموسط وذلك بحلول ورثته محله في حدود ماترك لهم من تركة ويكون ذلك بنص صريح في عقد الوساطة ، وان كان بإمكان الورثة ان يضعوا نهاية لتلك الوساطة ان شاءوا بعزل الوسيط (14).

______________________

[1]- ينظر : الفقرة الاولى من المادة (34) من القانون المدني العراقي .

2- ينظر : المادة الثالثة من قانون الدلالة العراقي التي تناولت شروط ممارسة المهنة والمادة (14) من نفس القانون التي تنص على (( يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن سنة ولاتزيد عن ثلاثة سنوات كل من مارس مهنة الدلالة بدون اجازة )) .

3- ينظر : د. عدنان ابراهيم سرحان ، المصدر السابق ، ص 174 .

4- Muller Freienfels، “Law of Agency ” The New Encyciopedia .Britannica Mecropedia، vol .1.1973 p.223.

5- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص 655 .

6- إذ تنص المادة (12) من قانون الدلالة العراقي على انه (اذا فوض اكثر من وسيط في صفقة واحدة كانوا مسؤولين بالتضامن) .

7- ينظر : راهي حنظل سليمان ، المصدر السابق ، ص 63 .

8- ينظر : حسن الفكهاني ، المصدر السابق ، ص 969 .

-9 Muller . Freienfels، Op. Cit.، p.293.

0[1]- ينظر : د. عدنان ابراهيم سرحان ، المصدر السابق ، ص 173 .

1[1]- ينظر : انور العمروسي ، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل ، الجزء الثالث دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، ص 439 ، وتنص المادة (946) من القانون المدني العراقي على (( تنتهي الوكالة بموت الوكيل او الموكل او خروج احدهما عن الاهلية او بإتمام العمل الموكل فيه او بانتهاء الاجل المعين للوكالة )) ويقابلها المادة (714) من القانون المدني المصري والمادة (861) فقرة 3 من القانون المدني الاردني والمادة (2003) مدني فرنسي .

2[1]- ينظر : جاسم العبودي ، المصدر السابق ، ، ص 360 .

3[1]- وقد نصت على ذلك المادة (162) من القانون المدني العراقي اذ جاء فيها (( ينصرف اثر العقد الى المتعاقدين والخلف العام دون اخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث مالم يتبين من العقد او من طبيعة التعامل او من نص القانون ان هذا الاثر لاينصرف الى الخلف العام )ويقابلها المادة (145) من القانون المدني المصري .

4[1]- ينظر : العلامة السنهوري ، المصدر السابق ، ج7 ، ص 659؛ ود. جمال مرسي بدر ، النيابة في التصرفات القانونية ، الطبعة الثالثة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1980 ، ص 352 ؛ وكذلك : جاسم العبودي ، المصدر السابق ، ص 360 .

ثانياً : انقضاء عقد الوساطة التجارية بتنفيذ المهمة المكلف بها او انقضاء الاجل المحدد للوساطة :

ان الطريق الطبيعي لانتهاء كل عقد هو تمام العمل محل العقد لذلك فإن عقد الوساطة التجارية ينتهي انتهاء مألوفا عن طريق تنفيذ التصرف الذي كلف بالتوسط فيه وبانجاز العمل المكلف به يكون العقد قد انتهى لان انجاز العمل يجعل العقد غير ذي موضوع (1)، كما تنتهي الوساطة بإتمام العمل فإنها تنتهي كذلك بعدم النجاح في العمل حيث تنتهي بذلك مهمة الوسيط فإذا ثار الخلاف حول نجاح الوسيط او عدم نجاحه في تنفيذ الوساطة كان قاضي الموضوع هو الفيصل في ذلك ومتى استخلصت المحكمة لا سباب مبـررة ان الوسيط قد فشل في مهمته ولم ينجح بالعمل الذي وسط فيه فانتهت بذلك مهمته فإن استخلاص المحكمة لهذه النتيجة هو استخلاص موضوعي ولامخالفة فيه للقانون (2).

وقد يرتبط اتمام العمل محل الوساطة بأجل محدد وهذا الارتباط يستفاد اما من طبيعة المعاملة او قصد المتعاقدين كما لو وسط شخص يريد السفر غيره في شراء شيء يحتاج اليه في سفره وكان ميعاد السفر محدداً بأجل معين فيكون المقصود من تحديد الاجل في هذه الحالة ان تنتهي الوكالة اما بشراء الشيء المطلوب او بانقضاء الاجل وسفر الموسط قبل شرائه ، وقد يقصد المتعاقدان من تحديد الاجل تقدير وقت تقريبي يتم فيه الموسط عمله ، كما لو كلف الوسيط في شراء منزل للموسط الذي يريد السفر ليسكنه او يؤجره بعد عودته ، فإن الوساطة لاتنتهي حتما بانقضاء الاجل او سفر الموسط بل يكون للوسيط الحق في الاستمرار في تنفيذ عقد الوساطة حتى بعد انقضاء الاجل اذا كان هناك ما يبرر التأخير (3). مما تقدم يتبين ان الطريق الاول لانقضاء عقد الوساطة التجارية هو تمام العمل الموسط فيه اذ ان ذلك يعتبر الطريق الطبيعي لانقضاء هذا العقد ، واذا كان هذا العقد محدداً بمدة معينة لا تمام العمل الموسط فيه فإنه ينتهي بانقضاء هذه المدة سواء تم اتمام العمل الموسط فيه او لم يتم اذ يعتبر انتهاء المدة النهاية الطبيعية لهذا العقد .

______________________

[1]- ينظر : د. عدنان ابراهيم سرحان ، شرح القانون المدني العقود المسماة ، طبعة اولى ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1996 ، ص 172 .

2- ينظر : د. عبدالرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص 650 .

3- ينظر : المصدر نفسه ، نفس الصفحة ؛ وكذلك : حسن الفكهاني ، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، جزء 26 ، 1977 –1978 ، الدار العربية للموسوعات القانونية ، ص 965 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .