الوصفة القانونية لتحضير مشروع القانون المالي

لا شك أن معرفة تحضير مشروع القانون المالي تثير انتباه الكثيرين،نظرا لما يكتسيه الموضوع من أهمية بالغة لارتباطه بحياة الأفراد داخل المجتمع،لذلك فالبحث في هذا الموضوع سينير-لا شك-طريق من يهتم بالقوانين المالية بدءا بتحضيرها،وتبيان الجهات المتدخلة في هذه العملية،وكذا المساطر المتبعة في ذلك.
ويمكن تعريف القانون المالي بأنه بيان مالي تعدادي و تقريري، لما تعتزم الدولة إنفاقه و ما تتوقع تحصيله من موارد.

مسطرة اعتماد مشروع القانون المالي

يعود اختصاص اعتماد القانون المالي و المصادقة عليه إلى السلطة التشريعية بدون منازع ، و لكي يتسنى للبرلمان ( مجلس النواب – مجلس المستشارين ) مناقشة و اعتماد مشروع القانون المالي ، لابد من إتباع إجراءات مسطرية دقيقة لممارسة هذا الاختصاص سواء تعلق الأمر بآجال المناقشة (أ) مراحلها (ب) والإطار العام لمشروع القانون المالي(ج) .

أ : آجال مناقشة مشروع القانون المالي

يتعين على البرلمان ( مجلس النواب – مجلس المستشارين) أن يبتا في مشروع القانون المالي قبل 30 يونيو من كل سنة مالية ، و إن لم تقع المصادقة على المشروع قبل هذا التاريخ نص الدستور و القانون التنظيمي للمالية على تدخل الحكومة لضمان استمرارية المرافق العامة . وقد حدد الفصل 50 الفقرة 3 من الدستور و كذا الفصل 8 و 9 من القانون التنظيمي للمالية، للبرلمان ستين (60) يوما قصد دراسة و مناقشة و اعتماد مشروع القانون المالي ، وإن كان هذا الأجل من الناحية العملية قلما يحترم.

ب : مراحل تحضير مشروع القانون المالي

توجد طريقتان لتحضير مشروع القانون المالي :
طريقة يعود فيها كامل الاختصاص لرئيس الدولة وهي الطريقة الأمريكية، وطريقة ثانية يتمتع فيها وزير المالية بدور مهيمن في إعداد مشروع القانون المالي وهي المعمول بها في المغرب، وتترك لرئيس الدولة أو الوزير الأول حسب الحالات سلطة التحكيم.
يرجع اختصاص إعداد مشروع القانون المالي أساسا إلى وزارة المالية نظراً للدور المهيمن الذي تلعبه في هذا الإعداد سواء على الصعيد القانوني أو على الصعيد العملي ، إلا أن هذا لا يعني أنها الوزارة الوحيدة التي تختص بهذا التحضير، بل إن تحضير الميزانية عمل إداري يشارك فيه طرفان ، ويشارك فيه حكم واحد ، الطرفان هما وزارة المالية من جهة، و الوزارات المنفقة من جهة أخرى، من خلال المقترحات التي تتقدم بها بشأن النفقات اللازمة لمصالحها، و الحكم هو الملك عندما يتم عرض مشروع القانون المالي أمامه في المجلس الوزاري ( الفصل 25 من الدستور ).
و تجدر الإشارة هنا أن المقترحات التي تتقدم بها الوزارات المنفقة لا تكتسي صبغة نهائية بل تبقى موضوع تفاوض مع وزارة المالية التي تشرف و تقود عملية تحضير مشروع القانون المالي باعتبارها المسؤولة عن سمات التوازن المالي العام ، و بحكم سلطتها فهي الإدارة التي تتدخل في موضوع إعداد الميزانية وخاصة مديرية الميزانية و المفتشية العامة للمالية و التي تمكن وزير المالية من الإطلاع على خبايا الأمور في كل وزارة و تقوي بحثه اتجاه إقتراحاتها .

ج :تحضير الإطار العام لمشروع القانون المالي للسنة المالية المقبلة

إن تحضير الإطار العام لمشروع القانون المالي يعتمد إستراتيجية محكمة تتوقف عليها مالية الدولة في السنة المالية المقبلة ، وبهذا الإطار تفتح الحكومة عمليا مسطرة تحضير مشروع القانون المالي ، وتقوم بهذه العملية مديرية الميزانية بمساعدة مديرية الدراسات والتقديرات ، وتعتمد مديرية الميزانية في عملها على طلب الإعتمادات من طرف الوزارات (أً) ومناقشة الاقتراحات المقدمة من طرفها (ب) ووضع صيغة مشروع القانون المالي (جً) .

1 : طلب الإعتمادات من الوزارات
يوجه وزير المالية ” رسالة تأطيرlettre de cadrage ” إلى مختلفي الوزراء وكتاب الدولة في غضون أكتوبر من كل سنة ، و بتعبير أدق يدعو الآمرين بالصرف إلى توجيه اقتراحاتهم بشأن الموارد و النفقات ، سواء منها نفقات التسيير أو نفقات الاستثمار ، و توجيهها إلى مديرية الميزانية قبل نهاية الشهر السادس .

2 : مناقشة اقتراحات الوزارات.
يتكلف كل مفتش للمالية تابع لمديرية الميزانية بملف وزارة أو أكثر، ويتفحص ما تضمنته المقترحات ويتأكد من احترامه للتقلبات والتوجيهات المنصوص عليها في رسالة التأطير، وللإطار الشكلي المحدد للمقترحات (تبريرات، مستندات وملحقات..) وذلك قبل تحديد تاريخ لمناقشة اقتراحات كل وزارة على حدى في إطار لجنة مختصة تضم مدير الميزانية، والمسؤول الذي أسندت له دراسة وتقييم ميزانية الوزارة المعنية وممثل عن هذه الأخيرة، وتبدأ الاجتماعات لمناقشة الاقتراحات المتعلقة بالموظفين ثم المعدات ثم النفقات المختلفة، ويتم كل هذا في مناقشة فرع بعد آخر.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق بخصوص موضوع النفقات الجديدة -وهي كثيرة الحدوث- ترفع المسألة على مستوى أعلى حيث يعد أعضاء اللجنة تقريرا بهذا الصدد لوزير المالية يرتكز عليه في مناقشته مع الوزير المعني بالخلاف وإذا لم يحصل اتفاق على هذا المستوى ترفع المسألة أمام الوزير الأول الذي يحاول التوفيق بين الموقفين، وإذا لم يتم التوصل إلى حل يبت في الأمر في المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك والذي له صلاحيات واسعة في هذا الشأن.
ومع نهاية المفاوضات بشأن المقترحات المالية يمكن للحكومة أن تحدد المبالغ القصوى للاعتمادات المتعلقة بكل وزارة وبالتالي نكون أمام صيغة مشروع القانون المالي.

وضع صيغة مشروع القانون المالي

يتم وضع مشروع القانون المالي(أ) في غضون الشهر التاسع و العاشر من كل سنة مالية، وفي هذا الصدد توجه لائحة من وزارة المالية إلى مختلف الوزارات تطلب منها توجيه مختلف الوثائق التي ستشكل ملحقات لمشروع القانون المالي وذلك قبل أجل محدد
يقوم كل وزير بضبط كراسة ميزانيته في شكل كتاب أزرق، وتتوصل مديرية الميزانية بهذه الكراسة للتأشير عليها قبل طبعها، وبعد ذلك تقوم المديرية بوضع اللمسات الأخيرة على مشروع القانون المالي(ب)، ليصبح جاهزا ينتظر تحديده في مجلس الوزراء،(ج) وحسب ما ورد في الفصل 39 من المرسوم الملكي بشأن تطبيق القانون التنظيمي للمالية يحدد في أجل أقصاه الشهر التاسع من السنة المالية (أبريل) ويتم بعد ذلك طبع المشروع قبل أن يودع أمام مجلس النواب مرفوقا بعدد هام من النسخ بقصد المناقشة والمصادقة عليه.

أ – مشروع القانون المالي.

يقدم مشروع القانون المالي في شكل قانون يتضمن عدة مواد، ويصل معدلها إلى 48 مادة وقد يختلف عدد المواد الواردة في المشروع من سنة مالية لأخرى، فمثلا مشروع القانون المالي لسنة 1993 تضمن 59 مادة. ومشروع سنة 1994 تضمن 51 مادة. ومشروع السنة المالية لهذه السنة 2011 تضمن 49 مادة،وبعد الانتهاء من تحضير وإعداد مشروع القانون المالي بتحديده في مجلس الوزراء-كما مر معنا- يودع بعد ذلك لدى مجلس النواب قبل نهاية السنة المالية الجارية بستين يوما على أبعد تقدير ويتولى البرلمان (مجلس النواب والمستشارين) المناقشة والتصويت لتتحول طبيعة مشروع القانون المالي من مجرد مشروع ليصبح القانون المالي السنوي ويعني ذلك أن البرلمان قد رخص للحكومة باستخلاص الموارد وإجراء النفقات في فترة زمنية محددة، وغالبا هي السنة المالية.

ب – دراسة مشروع القانون المالي في البرلمان:

اهتم الدستور المغربي لسنة 1996 (وخاصة الفصول 42و 54 و55 و58) بإقرار وجود اللجان البرلمانية سواء في مجلس النواب أو في مجلس المستشارين، ويبلغ حاليا عدد اللجان الدائمة في مجلس النواب اثني عشرة لجنة، وتتكون هذه اللجان من 50 عضوا على الأكثر و15 عضوا على الأقل، وينتخب أعضاء هذه اللجان في بداية كل سنة تشريعية ويتم توزيعهم حسب عدد مقاعد الفرق البرلمانية، وقد لا يختلف الأمر جذريا في مجلس المستشارين.
إذن وقبل المناقشة العامة لمشروع القانون المالي، يكون هذا الأخير موضوع من طرف اللجنة المالية في كل مجلس، وتدعى في مجلس النواب اللجنة المالية والتخطيط والتنمية الجهوية، وتشارك في الدراسة لجان أخرى إلا أن الدور الرئيسي يعود للجنة المالية، وتشارك اللجان في الوظيفة التشريعية عن طريق دراسة مشاريع واقتراحات القوانين، كما تقترح التعديلات وتوجه تقارير إلى النواب قصد إعلامهم خصوصا أنهم لا يملكون الوقت الكافي لذلك ، أو أن الأمور تفوق أحيانا مؤهلاتهم.

ج – مناقشة مشروع القانون المالي من طرف مجلسي البرلمان.

ينص الفصل 58 من الدستور على أنه “يتداول مجلس البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو اقتراح قانون بغية التوصل إلى اتفاقهما على نص واحد. ويتداول المجلس المعروض عليه الأمر أولا في نص مشروع القانون المقدم من الحكومة أو نص اقتراح القانون المسجل في جدول أعماله، ويتداول المجلس المحال إليه نص سبق أن صوت عليه المجلس الآخر في النص المحال إليه…”

و كخلاصة لما تقدم يعرض مشروع القانون المالي أمام مجلس النواب أولا وعليه أن يبدي رأيه فيه خلال مدة معينة وبعد ذلك يعرض على أنظار مجلس المستشارين الذي يجب أن يصوت عليه في غضون أجل معين. وإذا كانت أراء المجلسين مختلفة حول أحكام مشروع القانون المالي، على الحكومة أن تعمل على اجتماع لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يناط بها اقتراح نص بشأن الأحكام التي مازالت محل خلاف.
فإذا اقترحت اللجنة الثنائية نصا توفيقيا يتم عرضه على المجلسين لإقراره، ولا يقبل في هذه الحالة أي تعديل إلا بموافقة الحكومة، أما إذا تعذر على اللجنة صياغة اقتراح توفيقي مشترك أو لم يقر المجلسان النص الذي اقترحته يجوز للحكومة آنذاك أن تعرض على مجلس النواب مشروع القانون بعد أن تدخل عليه ما تتبناه من التعديلات خلال المناقشة البرلمانية وفي هذه الحالة لا يمكن لمجلس النواب أن يقر نهائيا النص المعروض عليه إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم وبالتالي نكون أمام قانون مالي بمعنى الكلمة