النقض كطريق من طرق الاعتراض على الأحكام حسب نظام المرافعات الشرعية

عمر عامري الحدادي
سوف نتناول بالحديث في هذا المقال اليوم والمقال القادم (بإذن الله) الحديث عن طريق آخر من طرق الاعتراض على الاحكام وهو «النقض» أمام المحكمة العليا، ويعد النقض أحد الطرق غير العادية للاعتراض على الاحكام، لأنه لا يتم الا اذا توافرت احدى حالاته -المنصوص عليها حصراً في النظام- ولا يوقف تنفيذ الحكم الا اذا قررت المحكمة (المحكمة العليا) ناظرة النقض ذلك.

وهو طريق مستحدث للاعتراض على الاحكام (في النظام القضائي السعودي) لم يأت عليه المنظم إلا في نظام المرافعات الشرعية الجديد، ولم ينص عليه في النظام السابق للمرافعات الشرعية الملغى.

وسوف نتناوله في هذا بالشرح والتحليل وذلك بالحديث عن تعريفه وحالات تطبيقه ومدده وإجراءاته وآثاره.

يعرف النقض في اللغة بأنه: اسم لما ينقض، ومعناه ايضاً الهدم، او الابطال، ويقال نقضت البناء أي هدمته.

ويعرف كاصطلاح قانونى بأنه: احد طرق الاعتراض غير العادية على الاحكام يطعن به امام (المحكمة العليا) على الاحكام النهائية الصادرة من محاكم الاستئناف، بسبب مخالفة الحكم المطعون فيه لقواعد الشريعة الاسلامية او الانظمة المستمدة منها او صدوره من محكمة غير مختصة.

أما الحالات التي يجوز فيها الاعتراض بطلب النقض: فكما اسلفنا سابقاً أن النقض هو طريق غير عادى للاعتراض على الاحكام، نص عليها المنظم -في نظام المرافعات الشرعية الساري- في حالات محددة حصراً لا يمكن مخالفتها، ونص كذالك على انه لا يقبل الاعتراض بطلب النقض امام المحكمة العليا، إلا على الاحكام والقرارات الصادرة او المؤيدة فقط محاكم الاستئناف (المادة 193من نظام المرافعات الشرعية)، وبالتالي فإن الاحكام الصادرة من محاكم الدرجة الاولى، لا يمكن الاعتراض عليها بطلب نقضها امام المحكمة العليا حتى وان كانت نهائية -بفوات مواعيد الاعتراض عليها- ولأى سبب كان، لان نص المادة (193 من نظام المرافعات الشرعية) واضح وصريح في اشتراطه ان يكون الحكم صادرا او مؤيدا من محكمة الاستئناف.

اما الحالات التي اشترطها النظام حتى يقبل الاعتراض وينقض الحكم فهي اربع حالات:

الاولى: مخالفة الحكم لأحكام الشريعة الاسلامية، وما يصدره ولى الامر من انظمة لا تتعارض معها.

ومخالفة احكام الشريعة يكون بمخالفة احكامها الكلية او الجزئية المتفق عليها والجاري العمل بها في الاحكام والمبادئ القضائية، ومثال ذلك اعتماد الحكم في تسبيبه على شهادة شهود (كبينة) مع ان تلك الشهادة باطلة شرعاً لأنها دون النصاب -كما في مسائل القصاص وغيرها- او انها شهادة تجر نفعاً كشهادة الاجير لصاحب العمل، او غير ذلك من اسباب.

اما مخالفة الحكم للأنظمة، فكل حكم صادر بالمخالفة لأي نص نظامي في نظام ساري المفعول يكون واجب النقض والالغاء ومثال ذلك صدور حكم من محكمة الاستئناف نهائي ضد احد الخصوم ولم (يراعى) فيه التبليغ النظامي للمحكوم ضده -استنادا الى نصوص نظام المرافعات الشرعية في التبليغ والحضور- فإنه يحق للمحكوم ضده في هذه الحالة الاعتراض على الحكم وطلب نقضه استناداً على هذه الحالة وهى مخالفة الانظمة، أو تأييد محكمة الاستئناف لحكم نهائي من المحكمة العامة (في النظر في حقوق عمالية) سبق وأن صدر فيها حكم نهائي من الهيئات العمالية العليا بعدم أحقية المطالبة لانقضاء الدعوى العمالية بالتقادم فهنا تكون محكمة الاستئناف قد خالفت نصا نظاميا صريحا من نظام العمل.

الحالة الثانية: صدور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلاً سليماً طبقاً لما نص عليه نظاماً.

والمثال على ذلك صدور حكم من محكمة الاستئناف من اثنين من القضاة فقط، او عدد اربعة من القضاء فقط في قضايا الحدود والقصاص، فيكون تشكيل المحكمة في هذه الحالة باطلا وغير سليم، لان المادة (15 من نظام القضاء الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19 /9 /1428 هـ) نصت على الآتي (يكون في كل منطقة محكمة استئناف او اكثر وتباشر اعمالها من خلال دوائر متخصصة، تؤلف كل دائرة منها من ثلاثة قضاة، باستثناء الدائرة الجزائية التي تنظر قضايا القتل والقطع والرجم والقصاص في النفس او فيما دونها فتؤلف من خمسة قضاة).

الحالة الثالثة: صدور الحكم من محكمة او دائرة غير مختصة.

لقد قسم نظام القضاء الجديد محاكم الدرجة الاولى الى محاكم عامة، ومحاكم تجارية، ومحاكم احوال شخصية، ومحاكم جزائية، ومحاكم عمالية، وجاء نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية وحدد اختصاص كل محكمة، فحدد نظام المرافعات الشرعية ولوائحه التنفيذية اختصاص المحاكم المذكورة سلفاً -عدا الجزائية التي حدد اختصاصها نظام الإجراءات الجزائية- في المواد من (31-35) وعليه فإن صدور أي حكم مثلاً من المحكمة العامة وهو يدخل في اختصاص التجارية او العمالية، والجزائية او العكس فإنه يكون عرضة للنقض من قبل المحكمة العليا بعد تأييد الاستئناف لذلك الحكم.

واستناداً على المواد (16-15 من نظام القضاء الجديد) تقسم دوائر الاستئناف في محكمة الاستئناف الى دوائر حقوقية، ودوائر جزائية، ودوائر احوال شخصية، ودوائر عمالية، ودوائر تجارية، وبالمثل اذا صدر حكم من دائرة حقوقية لقضية تجارية او احوال شخصية او جزائية او العكس فإنه يكون عرضة للنقض لمخالفة الاختصاص بصدوره من دائرة غير مختصة بذلك.

الحالة الرابعة: الخطأ في تكيف الواقعة او وصفها وصفاً غير سليم.

يعتبر فهم واقعة الدعوى وتقديرها من القاضي وتكييفها واستنباط الحكم منها هو من اصل وصميم اختصاصه وعمله، الا ان ذلك الاصل ليس على اطلاقه بل يخضع للاستئناف والنقض وبعد ذلك للتدقيق على حسن الاستنباط والتكيف والوصف للواقعة والتكييف النظامي والشرعي السليم بحيث لا تتعارض مع المستندات والبينات الشرعية الموجودة في ملف الدعوى حتى يمكن معرفة الحكم الشرعي والنظامي الذى ينطبق على تلك الواقعة.

والمثال على ذلك العقد المسمى: الإجارة المنتهية بالتمليك.

من الفقهاء من يراه: إجارة تنتهي بتمليك المستأجر حتماً؛ متى رعى شروط العقد حتى انتهائه.

ومن الفقهاء من يراه: إجارة مع الوعد بالتمليك، ومن الفقهاء من يراه: بيعاً مع رهن السلعة ؛ لضمان سداد الثمن في حينه.

والفتوى في هذا العقد غير منضبطة، فقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء بفساد العقد.
وصدرت فتوى من المجمع الفقهي بصحته، والقضاة مذبذبون بشأن هذا العقد.

فلو أن قاضٍيا ما كَيَّفَ العقد على أحد التفسيرات الثلاثة ووصفه وصفاً يُوصل إلى حكمٍ بصحةٍ أو إبطال، عند ذلك ينعقد اختصاص المحكمة العليا في نظر الاعتراض.
ومن شروط الطعن بالنقض: أن تتوافر للطاعن (المدعي) مصلحة في الطعن، وأن تتوافر الصفة في كل من الطاعن (المدعي) والمطعون ضده (المدعى عليه)، بمعنى أن يقدم الطعن ممن يدعي لنفسه حقا على من اعتدى عليه أو هدد بالاعتداء عليه، والا يكون الطاعن (المدعي) قد قبل الحكم صراحة أو ضمنَا، وأن يتم رفع الطعن في الميعاد النظامي بالإضافة -كما ذكرنا سلفاً اعلاه- أن يكون محل الطعن هو الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف.

ولا يجوز الاعتراض على الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها إلا مع الاعتراض على الحكم الصادر في الموضوع.

ويجوز الاعتراض على الحكم الصادر بوقف الدعوى وعلى الأحكام الوقتية والمستعجلة والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص قبل الحكم في الموضوع.

اما مدد تقديم الاعتراض بطلب النقض للأحكام فقد حددته المادة (194) من نظام المرافعات الشرعية فنصت على ان (مدة الاعتراض بطلب النقض ثلاثون يوماً، ويستثنى من ذلك الاحكام الصادرة في المسائل المستعجلة فتكون خمسة عشر يوماً فاذا لم يودع المعترض اعتراضه خلال هاتين المدتين سقط حقه في طلب النقض) وتبدأ مدة الثلاثين يوما من تاريخ صدور الحكم (حسب التفصيل الوارد في المواد 179-180 من نظام المرافعات الشرعية ولوائحه التنفيذية) وحسب ما ذكرنا تفصيلاً في مقالنا السابق في مدد الاعتراض بطلب الاستئناف وبداية سريان المدد.
إجراءات الاعتراض بالنقض:

يحصل الاعتراض بطلب النقض، بمذكرة تودع لدى إدارة محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم أو أيدته، و تقيد إدارة محكمة الاستئناف مذكرة الاعتراض في يوم إيداعها في السجل الخاص بذلك، وترفعها مع صورة ضبط القضية وجميع الأوراق إلى المحكمة العليا خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أيام من تاريخ انتهاء مدة الاعتراض.

ويجب أن تشتمل مذكرة الاعتراض على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم، وعنوان كل منهم، وبيان الحكم المعترض عليه، ورقمه، وتاريخه، والأسباب التي بُنِيَ عليها الاعتراض، وطلبات المعترض، وتوقيعه، وتاريخ إيداع مذكرة الاعتراض، وهذا ما نص عليه صريح المادة الخامسة والتسعين بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/‏1 وتاريخ 22/‏01/‏1435هـ. ويجب أن ترفق مع مذكرة الاعتراض: صورة منه بقدر عدد المطعون ضدهم فضلاً عن صورة لإدارة المحكمة، و صورة حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه، و صورة البطاقة المدنية للسعوديين و صورة الإقامة لغير السعوديين، وتوكيل مصدق من الطاعن إلى وكيله – صادر من كاتب العدل – حال التوكيل في الخصومة.

وترفق ايضاً المستندات المؤيدة للطعن، وذلك ما لم تكن مودعة في ملف القضية الصادر فيه الحكم المطعون فيه، وأشار إليها المعترض في مذكرة اعتراضه.

ويقوم المحضر أو المدعي – بحسب الأحوال – بتسليم صورة صحيفة الدعوى إلى المدعى عليه خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تسليمها إليه، إلا إذا كان قد حدد لنظر الدعوى جلسة تقع في أثناء هذا الموعد، فعندئذ يجب أن يتم التسليم قبل الجلسة، وذلك كله مع مراعاة موعد الحضور.

ثم تنظر المحكمة العليا الشروط الشكلية في الاعتراض – باستثناء قضايا القتل، أو الرجم، أو القطع، أو القصاص في النفس أو فيما دونها – المتعلقة ببيانات الخصوم، والحكم المعترض عليه، والأسباب التي بُنِيَ عليها الاعتراض، وطلبات المعترض، وتوقيعه، وتاريخ إيداع مذكرة الاعتراض، وما إذا كانت صادرة ممن له حق طلب النقض «الاعتراض»، ثم تقرر قبول الاعتراض أو عدم قبوله شكلاً،

فإذا رأت المحكمة بطلان إجراء رفع الاعتراض، أو عدم توافر شرط من شروطه كأن سقط الحق في الطعن بفوات الميعاد، أو قبول الحكم، أو لقيامه على سبب غير الأسباب التي يجوز الطعن بالنقض بناءً عليها، فتصدر قرارًا مستقلاً بعدم قبول الاعتراض وتنقضي خصومة النقض «المادة 197» من نظام المرافعات الشرعية.

أما إذا تحققت من صحة الإجراءات وتوافر شروط الطعن فتفصل في موضوع الاعتراض استناداً إلى ما في الملف من الأوراق، دون أن تتناول وقائع القضية.

ولا مجال للشطب في خصومة الاعتراض بالنقض؛ لأن القاعدة فيها هي أن تنظر المحكمة العليا في الاعتراض بغير مرافعة ودون حاجة إلى حضور الخصوم.

ولا تنطبق قواعد الوقف الاتفاقي على خصومة الاعتراض بالنقض لتعلق قواعد سيرها بالنظام العام.

وإذا قدم طلب برد قاض أو أكثر بالدائرة التي تنظر الاعتراض، فيجب وقف نظر الاعتراض بقوة النظام في هذه الحالة حتى يتم البت في طلب الرد بالقبول أو الرفض.

أما آثار الاعتراض بالنقض على الأحكام فتكون كالتالي:

إذا لم تقتنع المحكمة بالأسباب التي بُنِيَ عليها الاعتراض أيدت الحكم السابق، أما إذا اقتنعت المحكمة بالأسباب التي بُنِيَ عليها الاعتراض نقضت الحكم كله أو بعضه – بحسب الحال – مع ذكر المستند، وتعيد القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد من خلال دائرةٍ أخرى غير التي نظرتها.
فاذا أعيدت القضية – بعد نقضها – الى المحكمة التي اصدرت الحكم فيها، ولم يكن فيها غير من اصدر الحكم، فانه يجب في هذه الحالة ان يكلف رئيس المجلس الأعلى للقضاء من ينظرها في المحكمة «المادة198/‏1 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية»

ولا يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع القرارات والإجراءات اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها.

ولا يجوز التمسك أمام المحكمة العليا بسبب لم يرد في مذكرة الاعتراض، ما لم يكن السبب متعلقاً بالنظام العام، فتأخذ به المحكمة من نفسها «المادة 199 من نظام المرافعات الشرعية»

ويشترط ان تكون هذه الأسباب مرتبطة بالحكم أو بجزء الحكم المعترض عليه، ويستوي في ذلك أن يكون هذا السبب متعلقًا بالموضوع أو بالإجراءات.

ويقتصر نطاق النقض على الحكم محل الاعتراض دون غيره من الأحكام، ويقتصر النقض ايضاً على الجزء المطعون فيه من الحكم دون غيره، على الطلبات الموضوعية التي فصل فيها الحكم المطعون فيه.

وهناك عدة حالات يجب فيها على «المحكمة العليا» الفصل في الموضوع وهى:

الحالة الأولى الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في قضايا الحدود «القتل، أو الرجم، أو القطع، أو القصاص في النفس أو فيما دونها»، فهذه الأحكام لا تكون نهائية إلا بعد تأييدها من المحكمة العليا، ولا يكون تأييدها لعقوبة القتل تعزيرًا إلا بالإجماع.

الحالة الثانية إذا تم نقض الحكم للمرة الثانية – وكان الموضوع بحالته صالحاً للحكم – وجب عليها أن تحكم في الموضوع.

و الأصل انه لا يترتب على الاعتراض لدى المحكمة العليا – بطلب النقض- وقف تنفيذ الحكم إلا ان هذا الاصل يوجد عليه استثناءان، وهما الأول: اذا نص أي نظام على ذلك الوقف، والثاني: انه اذا كان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه، وطلب المعترض وقف التنفيذ في مذكرة اعتراضه فيحق في هذه الحالة أن تأمر المحكمة العليا بوقف تنفيذ الحكم مؤقتاً، بشرط أن يقدم المعترض كفيلا غارما ، أو حسب ما تراه المحكمة كفيلاً بحفظ حقوق المعترض ضده «المادة 196 من نظام المرافعات الشرعية».