النشاط الإجرامي في صورة فعل الأخذ (الاختلاس)
أولاً : المقصود بالاختلاس :-
يقصد بفعل الأخذ كل نشاط مادي يقوم به الجاني ، ويترتب عليه إخراج المال من الحيازة الكاملة للمالك أو الحيازة الناقصة للحائز ، أو الحيازة المادية لصاحب اليد العارضة ، وذلك بقصد الاستيلاء عليه ومن ثم إدخاله في حيازته الكاملة . أي يجب أن يقع فعل الاعتداء على الحيازة الكاملة بعنصريها : المادي والمعنوي . وهذا أمر غير متصور إلا إذا كان المال محل الاعتداء ، غير مملوك للجاني وليس في حيازته بل في حيازة غيره من الأشخاص.

ويترتب عليه ، أنه ليس بشرط في نظر القانون بأن يقع فعل الأخذ على المال الذي يوجد تحت يد مالكه، بل قد يقع الأخذ على الأموال الموجودة في حيازة الغير الناقصة أو تحت يد صاحب اليد العارضة . كما أنه ليس من المتصور أن يقع فعل الأخذ ممن كان حائزاً للشيء بالفعل ، سواء كانت حيازته للمال كاملة (كمدعي الملكية ) أو ناقصة كالمستأجر أو المستعير، أما صاحب اليد العارضة فمن الجائز أن يقع فعل الأخذ منه متمثلاً في الاستيلاء على حيازة ما أمكن من اليد العارضة عليه.

إذناً يشترط لتحقق الاستيلاء على الحيازة قيام الفاعل بإدخال الشيء في حيازته الكاملة . فإذا لم يدخله في حيازته الكاملة لا نكون بصدد جريمة سرقة، وعلى ذلك فمن يعدم الشيء في مكانه لا يعد سارقاً ، وإذا اقتصر الفاعل على إخراج الشيء من حيازة صاحبه دون أن يقوم بإدخاله في حيازته أو في حيازة أخرى لا يعد سارقاً أيضاً .

مثال ذلك : من يطلق طائراً من قفصه ليرد إليه حريته ، أو من يثقب أحد خزانات البترول تاركاً ما بها يتسرب على الأرض .

ويكفي لتحقق الاستيلاء على الحيازة أن يدخل الفاعل الشيء في حيازته ولو لفترة زمنية يسيره جداً ، فعدم استبقاء السارق ما استولى عليه في حوزته لا ينفي قيام الركن المادي في الجريمة ، فالقانون لا يفرق بين أن يقصد الجاني حيازة الشيء نفسه أو لغيره .

تطبيقاً لذلك ، لا ينفي قيام جريمة السرقة ، أن يتخلى الجاني عن الشيء لآخر تصادف وجوده في مكان السرقة.

ثانياً : وسيلة الأخذ للاستيلاء على الحيازة : لم يشترط القانون وسيلة معينة تستخدم في الاستيلاء على الحيازة أو كيفيتها ، فكل ما يشترط فيها أن تكون بفعل الجاني.

فالاستيلاء على الحيازة قد يكون فعلياً ، كما لو اتخذ صورة الانتزاع أو النقل ، وقد يكون حكمياً كالتقاط الشيء الضائع حبسه بنية تملكه.

إذا كان الاستيلاء على الحيازة فعلياً ، فليس بشرط أن يكون الجاني قد استخدم أعضاء جسمه في أخذ الشيء أو نقله أو انتزاعه . فمن يدرب قرداً على النشل أو يحرض كلباً على خطف الأشياء يعد سارقاً. وكذلك من يلوح لحيوان أو طير بشيء يؤكل ، أو يحدث صوتاً فيجعل الحيوان يتبعه ليخرجه من حيازة صاحبه ويدخله في حيازته يعد سارقاً للطير أو الحيوان ولكل شيء يترتب على نقل الحيوان. كما يكفي لتحقيق الاستيلاء على الحيازة أن يقوم الجاني بتهيئة الأسباب المؤدية لانتقال الحيازة إليه دون تدخل منه ساعة نقلها .

مثال ذلك : أن يزيل الجاني عقبة تحول دون نقل الشيء كأن يفتح سداً في مجرى مياه الغير لتنحدر المياه إلى أرضه عند ورودها. أو أن يمد أنابيب تتصل بالأنبوب الرئيسي لشركة المياه أو الغاز قبل العداد ، أو أن يمد سلكاً لتسري فيه الكهرباء من الأسلاك الكهربائية قبل مرورها بالعداد.

انعدام الرضاء الحر من المجني عليه
لا يكفي لقيام الركن المادي في جريمة السرقة تحقق فعل الأخذ متمثلاً في الاستيلاء على الحيازة بإخراج الشيء من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة الجاني ، وإنما يلزم أن يتم انتقال الحيازة على هذا النحو بغير رضاء مالك الشيء أو حائزه ، إذ في هذه الحالة فحسب يتحقق الاعتداء على الحيازة الذي تتميز به جريمة السرقة.

ويتحقق عدم الرضاء عادة بسلب الحيازة دون علم المجني عليه ، ومع ذلك فليس هناك تلازم بين عدم الرضا وعدم العلم . فقد يكون الرضاء منعدماً رغم أخذ الجاني للشيء أو المال بعلم المجني عليه وعلى مرأى منه ، كما في حالة السرقة بالإكراه وحالة سكوت المجني عليه وعدم اعتراضه على فعل الجاني بقصد استدراجه والعمل على ضبطه في حالة التلبس ، وحينئذ تقوم جريمة السرقة لأن عدم الرضا هو الذي يهم في جريمة السرقة لا عدم العلم.

*التسليم النافي لفعل الأخذ (الاختلاس):
الاختلاس ينتفي بالتسليم الناقل للحيازة ، وأما مجرد اليد العارضة فلا ينتفي معها الاختلاس ومحكمة النقض المصرية لها الباع الطويل في هذا الأمر حيث قضت بأنه يجب أن يكون التسليم النافي للاختلاس قد تم برضاء حقيقي من واضع اليد ويقصد بهذا الرضا التخلي عن الحيازة ، وعليه فلكي يكون التسليم ناقلاً للحيازة ومانعاً من قيام جريمة الاختلاس لا بد من توافر شرطان أو عنصران لا يقوم بدونهما وهما عنصر مادي وعنصر معنوي.

والعنصر المادي هو: خروج الشيء من السيطرة المادية للحائز إلى السيطرة المادية للشخص الآخر سواء عن طريق المناولة أو التسليم الرمزي للشيء كإعطاء المفتاح الخاص بالمخزن الذي يحوي تلك الأشياء.

والعنصر المادي وحده لا يكفي أيضاً بل لا بد من قيام عنصر معنوي إلى جانبه وهو إرادة نقل الحيازة إلى الغير أو إرادة التخلي عن الحيازة له، والاعتداد هنا يكون بقصد المسلم في نقله للحيازة أو تخليه عنها ، فالتسليم يكون ناقلاً للحيازة إذا ما توافر الشرطين السابقين ويستوي بعد ذلك أن يكون للحيازة الكاملة إذا كان بإرادة المسلم في تمكين المستلم من ممارسة أوسع السلطات على الشيء ، أما التسليم للحيازة الناقصة فيكون إذا تضمن إرادة المسلم تمكين المستلم من ممارسة بعض السلطات على الشيء بمقتضى سند ويمنع ذلك الاختلاس أو السرقة وإن قامت جريمة أخرى هي خيانة الأمانة وعليه فلا بد أن يكون التسليم ناقلاً للحيازة سواء كاملة أم ناقصة.

ولا بد أن يتم من شخص له صفة على الشيء المسلم أي أن يكون مالكاً للشيء المسلم أو حائزاً له وأن يتم عن إدراك واختيار ، وعليه فلا يعتد بالتسليم الذي يتم من غير ذي صفة كالصغير والسكران والمجنون والمكره ورغم ما قيل بشأن التسليم النافي للاختلاس إلا أن هناك صوراً وحالات من التسليم لا زالت موضع جدل في الفقه ، كالتسليم الرمزي ، وتسليم الأشياء المودعة بحرز مغلق ، واختلاس الأشياء من الخدم والعمال والصيارفة.

وسنتناول حكم تلك الحالات فيما يلي:-
*التسليم الرمزي:
ومثل التسليم الرمزي تسليم مفتاح المخزن الذي يحوي الشيء المبيع ، فلا يرتكب المشتري السرقة إذا ما تصرف في الشيء المبيع حتى ولو لم يكن قد دفع الثمن طالما لم يعلق نقل الملكية على دفع الثمن وإلا فيختلف الأمر .

ولكن إن كان صاحب الشيء قد سلم المفتاح إلى الجاني فقط بقصد أن يطلع على الأشياء ويعاينها تمهيداً لبيعها فاختلاس هذا الشخص لها يعتبر سرقة لأن يده على الشيء لم تكن سوى يد عارضة ، ولكن إن كان المفتاح قد سلم له بناء على عقد إيجار يكون تصرفه تبديد لهذه الأشياء وليس سرقة وقد قضى في مصر بأن يعد سارقاً العامل في شركة فحم إذا اختلس الفحم الذي تسلمه من مخدومه لتوصيله إلى أحد العملاء.

أما المقيمين في منزل واحد مشترك فالحيازة هي حيازة مادية ومن يستولي على الفرش يعد سارقاً ، ويد الابن على أشياء مملوكة لوالده تعد يداً عارضة يشكل الاستيلاء عليها سرقة إلا إذا ثبت أن هذه الأشياء قد سلمت له بناءً على عقد من العقود.

ويثور الإشكال حينما يغتال أحد الزوجين أحد المنقولات الزوجية ولا جدال حول قيام السرقة حين يكون المال مملوكاً لأحد الزوجين كحلي الزوجة أو ملابسها وأما إن عهد أحد الزوجين إلى الآخر بمال لحفظه فاستولى عليه هذا الأخير كنا أمام خيانة وليس سرقة ، ولكن الإشكال يثور إذا كان المال في حيازة أحد الزوجين فيستولي عليه الآخر كالأثاث والسجاد وأدوات المنزل والمطبخ وغيرهما ، والبعض يعتبره خيانة أمانة والبعض الآخر يعتبره سرقة.

*السرقة عند البيع نقداً:
وهذه الحالة تعني أن يطلب شخص من بائع سلعة محددة ليقوم بشرائها وفق السعر المحدد لها فإذا ما أحضرها وقدمها له البائع تظاهر بأنه يقوم بتفحصها أو بأنه يتوجه بها للصندوق لدفع قيمتها أو ثمنها ثم يغافله بعد ذلك ويخرج بها دون أن يدفع ثمنها ، واختلفت الآراء في حكم هذه الحالة .

فبعض الفقهاء يرى أن الملكية قد انتقلت إلى المشتري فور التعاقد على وجه لا يدع مجالاً لقيام السرقة لأنه يختلس منقولاً يملكه إلا أن البعض الآخر من الفقه يذهب إلى ما اتجه إليه الفقهاء في مصر وفرنسا من اعتبار مثل هذه الحالة سرقة ووجهة نظرهم في ذلك أن الملكية لم تنتقل للمشتري بعد ، ذلك أن إرادة المشتري في إبرام العقد لم تكن إرادة جادة لأن البيع وإن تم فهو لا زال معلقاً على شرط فاسخ هو شرط دفع الثمن وبعدم تحقق هذا الشرط لم يتم البيع.

إلا أن غالبية الفقهاء يرون بان البيع في هذه الحالة معلق على شرط ضمني موقوف وهو دفع الثمن وعليه فعدم تحقق هذا الشرط يعني عدم تحقق البيع وعليه ولا تكون الملكية في مثل هذه الحالة قد انتقلت إلى المشتري لعدم دفعه الثمن ومن أنصار هذا الرأي الأخير في مصر د.محمود مصطفى ود.القللي وقد سار القضاء المصري على هذا الرأي وقضى في واقعة كانت فيها سيدة عرضت أرنباً للبيع فساومها المتهم عليه حتى بلغ الثمن عشرة قروش ونصف فرضيت ببيعه بهذا الثمن وعندها طلب إليها أن تمهله ريثما يصرف ورقة من فئة الخمسين قرشاً ثم أخذ الأرنب واختفى به وقررت المحكمة أن التاجر الذي يبيع سلعة بثمن مؤجل إنما يقصد في الواقع مجرد التخلي عن الحيازة مؤقتاً حتى يقبض الثمن والمشتري نفسه لا يجهل أن يتعامل على هذا الشرط فكأنها المتبايعان متفقان صراحة أو ضمناً على عدم انتقال الملكية إلا عند دفع الثمن فإذا هرب المشتري بالمبيع فإنه يعد مختلساً ويعاقب عقاب السارق ذلك أن يده تكون يد عارضة لا حائزة وبالتالي فإن اغتياله للسلعة يعد سرقة في القانون.

*السرقة عند المصارفة:
والمصارفة تعني استبدال نقود بنقود كأن يطلب شخص من آخر استبدال ورقة نقد من فئة المائتين شيقل بأوراق نقدية صغيرة أو استبدال أوراق نقدية بأوراق أخرى فهل يعد سارقاً من يأخذ الورقة ذات القيمة الحقيقية للورقة النقدية.

والمصارفة قيل فيها ما قيل عن البيع نقداً ويستقر الرأي الراجح على نفس الرأي المعمول به ، ذلك يعني أن تسليم الورقة إلى شخص آخر ليبدلها ثم يقوم هذا الأخير بالقرار بها دون أن يرد قيمتها أو يبدل قيمتها إنما يكون وضع يده من قبيل وضع اليد العارضة ذلك أن التسليم هنا كان معلقاً على شرط ضمني هذا التسليم لا يمنع الاختلاس الذي تقوم به السرقة كمن يقدم إلى بقال لشراء كيلو سكر فيأخذ كيلو السكر ويطلب منه باقي خمسين شيقلاً فيقوم البقال بإعطائه 45 شيقل ثم يلتفت إلى مشتري آخر يطلب منه علبة تبغ فما أن ناوله إياها حتى التفت مرة أخرى إلى المشتري السابق فلم يجده وقد كان قد أخذ المبلغ دون أن يسلم الورقة النقدية ذات فئة الخمسين شيقلاً ، فهنا يقوم الاختلاس وتتحقق السرقة.

*التسليم الذي لا ينتفي به فعل الأخذ (الاختلاس):
يقصد بالتسليم غير النافي لفعل الأخذ (الاختلاس) هو ذلك التسليم الذي لا تتوافر فيه كافة الشروط المتطلبة في التسليم الناقل للحيازة ، فإذا تخلف أحد هذه الشروط وأهمها إرادة نقل الحيازة لدى المسلم أو إرادة التخلي عن الحيازة من جانبه ، فهذا التسليم لا ينفي فعل الأخذ لأنه لا ينقل حيازة على الشيء إنما يعطي الآخر يد عارضة لا تخوله حقاً ولا تحمله التزاماً.
وصور هذا النوع متعددة ، يجمعها أن يد المتسلم على الشيء المسلم إليه لا تعدو أن تكون يد عارضة يتصور فيها قيام فعل الأخذ من قبل صاحبها.
فاليد العارضة لا تخول صاحبها أي سلطات قانونية أو مادية على الشيء المسلم إليه ، فالتسليم هنا مجرد حركة مادية للشيء لا تتجاوز مجرد وضعه بين يديه ، لمجرد رؤيته أو فحصه أو تقدير قيمته أو استعماله تحت رقابة المسلم.

وصور التسليم الذي لا ينتفي به فعل الأخذ هي :
-تسليم الشيء تسليماً معلقاً على شرط واجب التنفيذ في الحال .
-تسليم الشيء إلى الخدم والعمال والضيوف.
-تسليم الشيء داخل حرز مغلق.

موضوع السرقة
هو المحل الذي ينصب عليه الفعل الإجرامي ، وتطلب القانون في هذا الموضوع توافر عدة شروط تتلخص فيما يلي:-

أن يكون مالاً مادياً
يشترط في موضوع السرقة أن يكون مالاً ذو طبيعة مادية ، وهذا يثير البحث في نقطتين: أولهما تتعلق ببيان المقصود بالمال ، وثانيهما تتعلق بالطبيعة المادية للمال.

أولاً : المقصود بالمال : هو كل شيء قابل للتملك ويكون كذلك إذا صلح محلاً لحق عيني وعلى وجه التحديد حق الملكية . ويستلزم القانون في المال الذي يصلح أن يكون محلاً للحقوق المالية بأن يكون داخلاً في التعامل وليس خارجاً عن دائرة التعامل .والأصل أن كل شيء نافع للإنسان أي حاجة له يصلح أن هدفاً لاستئثار وإنشاء الحقوق عليه ومن ثم يعتبر مالاً.
إلا أن هناك أشياء يخرجها القانون عن دائرة التعامل وقد يكون هذا الإخراج عن دائرة التعامل راجعاً إلى طبيعة تلك الأشياء وقد يكون بحكم القانون.

1-الأشياء الخارجة عن التعامل بطبيعتها: هي التي لا يستطيع أن يستأثر بحيازتها أحد ، ومثال ذلك الهواء وأشعة الشمس والأسماك في البحار والمياه في الأنهار والرمال في الصحراء.

لكن من المتصور أن يستحوذ شخص على شيء من هذا القبيل ويدخله في حيازته ، فإنه يدخل حينئذ فقط في دائرة التعامل ، ويصبح مالاً يمكن أن ترد عليه جريمة السرقة . والمثال على ذلك قيام شخص بصيد سمك من البحر أو أن يستحوذ على جزء من مياه نهر أو رمال من الصحراء ….الخ فيصبح ذلك الشخص مالكاً للمال ويترتب عليه بسط الحماية الحنائية على هذه الملكية وكل من يعتدي بفعل الأخذ على هذا المال يعد سارقاً ويقع تحت طائلة العقاب.

2-الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون: وهي الأشياء التي يحظر القانون أن تكون محلاً للحقوق المالية ، وقد يكون هذا الحظر مطلقاً ، وقد يكون الحظر بصفة نسبية.
أ-الأشياء المحظور التعامل فيها على سبيل الإطلاق: فهي كل ما لا يصدق عليها وصف مال في جميع الأحوال وبالنسبة لكل الأفراد ، ومن ذلك الإنسان ، فهو خارج عن دائرة التعامل بصفة مطلقة ولا يعد مالاً.
ولكن من الممكن مع مرور الزمن أن تصبح جثة الإنسان ولاعتبارات تاريخية محلاً للسرقة كالمومياوات المعروضة في المتاحف أو الجثث التي توهب أو تباع لمعاهد الدراسات العلمية الطبية.
ب-الأشياء المحظور التعامل فيها نسبياً: وهذه الأشياء يخرجها القانون عن دائرة التعامل بحسب الأصل ، إلا أنه في بعض الأحيان يرخص التعامل فيها وفقاً لبعض الشروط وبالنسبة لبعض الأفراد.

والرأي السائد في الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون بأنها يصلح في بعض الحالات لأن تكون محلاً للسرقة ، فيمكن أن تقع السرقة على أشياء تعد حيازتها جريمة كالمخدرات والأسلحة والذخائر غير المرخص في حملها أو حيازتها . والعلة في ذلك ترجع إلى أن حظر القانون التعامل في شيء يعني إنكار أن يكون لفرد حق عيني عليه ، ولكنه لا يعني أن يكون للدولة هذا الحق ، ويعني ذلك أن هذا الشيء يصلح بصفة عامة محلاً لحق عيني ، ومن ثم يصدق عليه تعريف المال .

نستخلص من ذلك بأن المال يصلح محلاً للسرقة بغض النظر عن شرعية ملكيته أو قانونية حيازته.

ويشترط في المال الذي يصلح لأن يكون محلاً للسرقة أن يكون مقوما ، فإذا لم يكن للشيء أية قيمة مالية فلا يصلح أن يكون محلاً لجريمة من جرائم الأموال ، كأعقاب السجائر وأحجار الطريق ……….الخ.

وقيمة الشيء قد تكون مادية أي مالية أو اقتصادية أو قد تكون معنوية أو أدبية: كالتذكار أو الخطاب العائلي وطوابع البريد المستعملة . ولا يشترط أن تكون القيمة المادية أو المعنوية للشيء كبيرة أو ضئيلة ، فتفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها ما دام هو في نظر القانون مالاً: ومن ثم يصلح أن يكون موضوعاً للسرقة.

ثانياً : كون المال ذا طبيعة مادية: يكون الشيء مادياً إذا تمتع في العالم الخارجي بكيان ذاتي مستقل ، وأمكن لمسه مباشرة واستغلاله على الوجه الذي يحقق منفعة مالكه أو حائزه.
لكن لا يشترط في الشيء بأن يكون له وزن معين أو حجم أدنى لكي يعتبر ذا طبيعة مادية ، ولا يلزم أن يكون على هيئة بذاتها ، فيستوي أن يكون سائلاً أو صلباً أو غازياً.
فالمياه والغازات على كافة أنواعها والقوى الكهربائية فجميعها تكون محلاً للسرقة.

أن يكون منقولاً
لقد تطلب القانون شرطاً في موضوع السرقة وهو أن يكون المال منقولاً ، ذلك أن الحماية الجنائية في السرقة خصصت للمنقول دون العقار ، ويرجع السبب في ذلك إلى أن فعل الأخذ (الاختلاس) بما يتضمنه من نقل للحيازة لا يمكن تصوره إلا إذا كان محله قابلاً لأن يتحرك بنفسه أو بفعل الإنسان ولا ينطبق ذلك إلا على المنقول.

وللمنقول مدلول أوسع في القانون الجنائي من مدلوله في القانون المدني فطبقاً لتعريف القانون المدني فإن المنقول هو كل ما يمكن نقله من حيزه دون تلف فيما عدا العقار بالتخصيص الذي يعتبر – وهو بطبيعته منقول – في حكم العقار إذا رصده صاحبه على خدمة العقار أو استغلاله.

لكن القانون الجنائي يتبنى مفهوماً مغايراً للمنقول في القانون المدني ، فوفقاً لهذا المفهوم فإن المنقول هو كل مال يمكن تغيير موضعه من مكان إلى آخر ، بصرف النظر عن وصف القانون المدني.

ويدخل في مدلول المنقول العقارات بالتخصيص كالأسمدة والمواشي والجرارات الزراعية والآلات الصناعية والمقاعد في المحال التجارية والسيارات المخصصة لتوصيل المبيعات إلى عملاء المحال التجارية . فكل الأشياء السابقة تعتبر منقولات بحسب طبيعتها ، نظراً لقابليتها للنقل من مكان إلى آخر بدون تضررها ، إلا أن القانون المدني قد اعتبرها تجاوزاً من العقارات ، لحكمة معينة هي رغبة المشرع في الحيلولة دون تعطيل استغلال العقار نتيجة للحجز والتنفيذ واستقلالاً على المنقولات التي توضع وتخصص لخدمته واستغلاله.

ويتسع مدلول المنقول في القانون الجنائي ليشمل ما يعتبر عقاراً بالاتصال ، بمعنى أجزاء العقار التي لا يتم إلا بها باعتبارها جميعاً تكون من وحدة يكمل بعضها بعضاً ، كنوافذ المبنى ومواسيره ، والأشجار المتصلة بالأرض والأحجار والمعادن الموجودة في جوفها . وتطبيقاً لذلك قضي بقيام جريمة السرقة في اختلاس أحجار من أحد المحاجر المملوكة للحكومة.

أن يكون مملوكاً للغير
بالإضافة إلى الشرطين السابقين فقد تطلب القانون شرطاً ثالثاً : ويتمثل هذا الشرط في كون محل السرقة مالاً مملوكاً للغير . ويقتضي هذا الوصف لإمكان قيام السرقة: ألا يكون المال مملوكاً للجاني وأن يكون مملوكاً لغيره، أما الأموال التي ليست مملوكة للفاعل ولا للغير في ذات الوقت فإنها لا تصلح محلاً لجريمة السرقة .

كما أن هذا الشرط جاء واضحاً من خلال نص المادة (263/1) حين أشارت إلى أن كل من أخذ أو نقل مالاً بغير رضا مالكه وذلك إشارة صريحة في أن السرقة تقع من غير مالك الشيء وبغير رضا المالك الحقيقي حتى وإن كانت حيازة الشيء تحت يد الجاني .

1-يجب ألا يكون الشيء المختلس مملوكاً للجاني نفسه:
ذلك أن جوهر السرقة كما أشارت إليه المادة (263) يتمثل في نقل المال من حيازة مالكه وإدخاله في حيازة الجاني وعليه فلا بد أن يكون الشيء المختلس مملوكاً للغير فلا يتصور وقوع السرقة من مالك الشيء ، فلا يتصور أن تقع السرقة من المالك على ماله فمن يختلس ماله لا يعتبر سارقاً حتى وإن اعتقد أن المال يملكه غيره لحظة ارتكابه للاختلاس فلا يعتبر سارقاً الذي تؤول إليه التركة بالميراث حتى وإن اعتقد أنه تملكها بالاختلاس ، فالمال إذا كان مملوكاً للجاني انتفت سرقته حتى وإن تعلقت بهذا المال حقوق الغير.

2-يجب أن يكون الشيء المختلس مملوكاً للغير:
كذلك يجب أن تقع السرقة على مال مملوكاً لشخص آخر لحظة وقوع فعل الاختلاس فإن لم يكن لهذا الشيء مالكاً لحظة وقوع الاختلاس عليه فلا تقع السرقة وعليه فيستحيل أن تقع السرقة على الأموال المباحة أو الأموال المتروكة والتي لا مالك لها في الأساس.

أ-الأموال المباحة:
والأموال المباحة كما عرفها القانون المدني هي الأشياء أو الأموال التي لا مالك لها ، ومثل تلك الأموال يجوز أن يتملكها صاحب اليد الأولى عليها أي الشخص الذي يضع يده قبل غيره عليها ومن تلك الأموال مياه البحار والأنهار والهواء والأكسجين في الجو والطير والأسماك في البحار والرمال والحجارة وغير ذلك ومثل تلك الأموال تجوز ملكيتها وتكون ملكيتها لأول واضع يد عليها، وعليه فإن الأموال المباحة تصبح ملكاً لحائزها بمجرد وضع وضع يده عليها فلا تشكل حيازة تلك الأموال أو وضع اليد عليها جريمة سرقة ، وبذلك فإن الأسماك المباحة في البحار تصبح ملكاً لصائدها بمجرد حيازته لها كذلك يصبح الطير ملكاً لصاحبه بمجرد إصابته إصابة مميتة حتى وإن وقع في أرض جاره ، وإذا تخلى مالك الشيء أصبح مباحاً تجوز حيازته من جديد لمن يستولى عليه وكذلك الأشياء المباحة إذا لم يسيطر عليها حائزها وعادت إلى طبيعتها فإنها تصبح أموالاً متروكة ومباحة من جديد .
ذلك عن الأموال المتروكة أو المباحة أصلاً ، إلا أن ذلك الحكم لا ينطبق على الحيوانات المنزلية والطيور إذا ضلت من صاحبها فإنها بمجرد انطلاقها تصبح مالاً مفقوداً وليست مالاً مباحاً، ويبقى الحكم كذلك إلا إذا طالت مدة فقدانها وفقد صاحبها الأمل في عودتها.
والأموال المباحة تختلف عن أموال الدولة حتى وإن كانت مخصصة للمنفعة العامة كالشوارع العامة والميادين والحدائق العامة وما بالطرق العامة من أشجار وأزهار وهذه ليست أموالاً مباحة أو متروكة ومن ثم تقع عليها أفعال الاختلاس والسرقة.

ب-الأموال المتروكة:
وهي الأموال التي يتخلى مالكها عن حيازتها ونقصد بالحيازة هنا الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي والتخلي هنا هو التخلي الإرادي والطوعي في نفس الوقت ، وعليه فلا تعتبر الأموال متروكة إلا إذا انصرفت إرادة مالها إلى التخلي عنها وبشكل نهائي وليس بصفة مؤقتة،والأموال المتروكة هي غالباً أموال لا قيمة لها أو أموال تافهة وذلك الأمر متروك لقاضي الموضوع كي يفصل فيه حسب ما يعرض أمامه من بينات وأدلة تؤكد ذلك ، وإذا كان المال ذي قيمة متوسطة أو معقولة فغالباً ما يكون المال مفقوداً وليس متروكاً ، وإذا ما تم وضع اليد على الأموال المتروكة فإنها تصبح كالأموال المملوكة للغير وتقع عليها السرقة ، كالقمامة في الطرقات بمجرد أن يجمعها المتعهد تصبح أموالاً منقولة ومحرزة وتقع عليها السرقة.

ج-الأموال المفقودة:
الأموال المفقودة هي التي فقد صاحبها حيازتها دون أن تخرج من ملكه ، وفقدانه لحيازتها كان بدون رضائه فهو لم يتخلى عنها ويسعى إلى البحث عنها لاستردادها .
وأهم ما يتميز به المال المفقود هو أن مالكه لم ينزل عن ملكيته له ، ويعني ذلك أنه لا يتحقق بالنسبة له “التخلي” على نحو ما يتحقق في شأن “الأشياء المتروكة”.
ويتميز المال المفقود بأن كل من كان يحوزه قبل ضياعه –سواء أكان مالكه أو شخصاً آخراً- لم ينزل عن نيته في ممارسة السلطات المادية التي تنطوي على حيازته بمجرد أن يتاح له ذلك ، وهذا يعني بأنه لم ينزل عن العنصر المعنوي لحيازته.
لذلك فإن الفقه الجنائي شبه أنه أجمع على أن التقاط الشيء الضائع لا يشكل اختلاساً تتحقق به جريمة السرقة إذا وقع من الملتقط بغير نية التملك . وذلك استناداً إلى انتفاء الركن المعنوي لجريمة السرقة . لكن يثور الخلاف في حالة اقتران الالتقاط بنية التملك.

هنالك اتفاق في الفقه والقضاء في فرنسا ، على أن التقاط الشيء الضائع بنية تملكه يعد سرقة على أساس أن المالك لا يزال متمسكاً بنية استرداد الشيء فهو لم يزل محتفظاً بالركن المعنوي للحيازة ، لم يفقد سوى الركن المادي لها ، ولا يتطلب القانون لوقوع السرقة أن يكون المال في حيازة أحد ، وإنما كل ما يتطلبه أن يحدث اعتداء على ملكية الغير بطريق الاختلاس (الأخذ)، وعلى هذا الأساس يعتبر من يعثر على شيء ضائع ويحبسه بنية تملكه سارقاً في معنى نصوص السرقة.

د-الكنوز المدفونة:
الكنز هو مال منقول مدفون أو مخبوء في عقار لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له . نستخلص من التعريف السابق أن الكنز ليس مالاً مباحاً ، ذلك بأن له مالكاً ، إلا أن هذا المالك غير معروف ، وهو كذلك ليس مالاً متروكاً لم يتخل عنه، بل إن حرصه على دفنه أو تخبئته تدلل على نيته في التمسك بملكيته له . وإذا انتفى عن الكنز صفة المال المباح أو المتروك ، فمؤدى ذلك أنه مملوك للغير ، ومن ثم يصلح أن يكون محلاً للسرقة.

وقد نظم القانون ملكية الكنز فجعله لمالك العقار أو لمالك رقبته ، وإذا كان الكنز قد عثر عليه في عين موقوفة كان ملكاً خاصاً للواقف ولورثته.
ويترتب على هذا التنظيم أنه يعد سارقاً من يعثر على الكنز في أرض مملوكة لغيره فيستولي عليه ، وذلك لأنه يكون قد استولى على مال مملوك للغير .

أما إذا وجد الكنز في أرض لا مالك لها ، فإنه يعتبر من قبيل الأموال المباحة التي يجري تملكها بوضع اليد عليها وبالتالي فإن الاستيلاء عليها لا يعد سرقة بل إن من يختلس الكنز أو بعضاً منه ، ممن عثر عليه ذلك الشخص ، يعد سارقاً.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت