النتائج المترتبة على التجربة الاردنية في ادارة الدعوى المدنية

تقييم التجربة الأردنية في إدارة الدّعوى المدنيّة

في الآونة الأخيرة كثّفت الحكومة الأردنية جهودها في تطوير مؤسساتها بهدف بناء الدولة الحديثة، بحيث تنتقل من النظام التقليدي في المؤسسات إلى النظام التِقني، ومن بين هذه المؤسسات التي طالها التطوير كانت المؤسسة القضائية، فبدأت وزارة العدل بالبحث في المشاكل التي تواجه المحاكم وتقف عائقاً أمام تقدُم وتطور العمل فيها، سيما وأن عمل المحاكم له وجهان قضائي وإداري، وقد وجد القائمون على المؤسسة القضائية في الأردن أن وجهي العملية القضائية بحاجة إلى التطوير لمعالجة الترهل الذي أصابها، وبما أن السلطة القضائية وحسب أحكام الدستور الأردني تتمتع باستقلال تام عن السلطة التنفيذية التي تتولاها الحكومة، فكان لا بد من تطوير التشريعات التي تنظم عمل هذه السلطة، سواء القوانين المتعلقة بالقضاة أو تلك التي تتعلق بإجراءات التقاضي، وبما أن تعديل التشريعات عملية قانونية تبدأ إجراءاتها من قبل السلطة التنفيذية، وبما أن مصلحة التطوير مصلحة عامة، فقد اتفقت جميع الجهات على تنفيذ خطة وطنية شاملة في هذا المجال، بحيث تتولى كل سلطة تطوير ذاتها.

فبدأت الحكومة بحملة تطوير شملت مجموعة من القوانين التي تُنظم عمل المحاكم وإجراءات التقاضي، كما بدأت السلطة القضائية ممثلة بالمجلس القضائي الأردني بمعالجة الشِق المتعلق بها من تطوير قدرة كوادرها على مواكبة التطورات، وتأهيلهم، وزيادة أعدادهم لمواجهة زيادة الطلب على المحاكم، كما تبين أن من أهم المشاكل التي تواجه المحاكم هو تراكم وزيادة أعداد القضايا الناتجة عن زيادة الطلب على الخدمات التي تُقدمها المحاكم في ظل نقص أعداد القضاة والموظفين، وكذلك طول مدة إجراءات التقاضي الناتجة عن تعقيدات الإجراءات القانونيّة التي يجب اتباعها، وضعف تأهيل الجهاز الإداري الذي يساعد القضاة في أعمال المحاكم وإجراءات التقاضي، ومن هنا بدأت الحكومة بالبحث عن الحلول لمواجهة هذه المسائل، بهدف ايجاد نظام قضائي وقانوني يحد من أمد المحاكمات ويقلل من تكاليفها، وقد وُجد جزء من الحل من خلال تطبيق الفكرة الأمريكية المتمثلة في إدارة الدّعوى التي كان لها دور فعّال في الحد من إطالة أمد التقاضي، وبعد مرور مدة من الزمن على استحداث هذه التجربة في المحاكم الأردنية كان لا بد من دراسة النتائج التي حققتها إدارة الدّعوى المدنيّة ومدى نجاحها بتحقيق أهدافها.

وبتقييم هذه التجربة من خلال دراسة تحليلية شاملة للجوانب النظرية الواردة ضمن نصوص قانون أصول المحاكمات المدنيّة والقوانين ذات العلاقة، والجوانب التطبيقية العملية المتعلقة بآلية تطبيق المحاكم واجتهاداتها في ظل رحابة النصوص أحياناً وغموضها أحياناً أخرى يجد الباحث إن مجرد إدخال فكرة إدارة الدّعوى المدنيّة إلى النظام القضائي الأردني يعتبر إنجازاً كبيراً يُحسب للمشرع الأردني، لأنه تضمن استحداث فكرة غريبة نسبياً على القانون الأردني والعاملين في مجال التقاضي وأطراف النزاعات، وكانت هذه الفكرة المستحدثة قد أثبتت نجاعتها في الأنظمة القضائية التي أُخذت منها، وقد اُُستحدثت هذه الفكرة أساساً في تلك الأنظمة للتخلص من بعض الإجراءات غير الضرورية في الدّعوى وذلك بهدف اختصار الوقت والجهد والنفقات على جميع أطراف العملية القضائية، وبالرّغم من هذا الإنجاز وما أسهم به من الحد من تراكم الدعاوى أمام محاكم الموضوع والإسهام في اختصار أمد المحاكمات، والحد من ضياع الوقت على بعض الإجراءات القانونيّة والإدارية غير الضرورية خلال سير الدّعوى،
من هنا يجد الباحث أن إستكمال هذه الدراسة يتطلب تقييم المرحلة السابقة من إدارة الدّعوى المدنيّة والوقوف على الجوانب الحسنة والأمور السيئة في آلية التطبيق والقصور التشريعي حتى تُكمل الدراسة غايتها ومن ثم تقديم الإقتراحات البديلة في مواطن القصور والخلل، وذلك كله يستوجب البحث في قانون أصول المحاكمات المدنيّة والقوانين الأردنية الأخرى ذات العلاقة بإجراءات التقاضي ككل متكامل، ومقارنتها مع التشريعات الأخرى المتطورة، بحيث تُشكل هذه الدراسة رسالة إلى أصحاب القرار في التعديل والتصويب إن وجدوا في محتوياتها ضالتهم.

لذلك تم تقييم هذه التجربة من حيث الدعاوى الخاضعة لإدارة الدّعوى المدنيّة، ومن ناحية المهام والصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى، ومن حيث إنشاء إدارة الدّعوى المدنيّة، ومن حيث المدة التي تستغرقها إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة، ومن حيث مدى تقُّيد قاضي الموضوع بما حصل من إجراءات أمام إدارة الدّعوى المدنيّة، ومن حيث ترسيخ فكرة إدارة الدّعوى المدنيّة وتعميم مبادئها، وأخيراً من ناحية العمل الإداري، وقد خصصت الدراسة لكل جهة من جهات التقييم المذكورة مطلباً مستقلاً وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول
تقييم التجربة من حيث الدعاوى الخاضعة لإدارة الدّعوى المدنيّة

إن فكرة إدارة الدّعوى جاءت بشكل محدد ومحصور، فهي مقتصرة على إدارة الدعاوى الإبتدائية فقط، في حين أن العدد الأكبر من القضايا هي من اختصاص محاكم الصلح، سيما وأن التعديل التشريعي الذي أدخل الفكرة للنظام الأردني ترافق مع تعديل تشريعي زاد من عدد ونوع الدعاوى التي تخضع لاختصاص محاكم الصلح.
وقد كان التبرير لهذا التوجه أن الدعاوى البدائية غالباً ما تقوم على مبالغ مالية ضخمة نسبياً بالمقارنة مع قيمة الدعاوى الصلحية مما يعني حاجتها إلى عناية خاصة من حيث الإجراءات وتقصير مدة الفصل فيها التي غالباً ما تفوق المدد في دعاوى الصلح.
والرد على ذلك يأتي من عدة نواحٍ هي:

1) أولها أن القضايا البدائية الحقوقية تستوجب حضور أطرافها من خلال محامين يمثلونهم، الأمر الذي يُحقق نسبة تسارع أكبر في فصل الدعاوى من تلك التي يمثلها أشخاص عاديين بسبب إلمام المحامين بأصول المحاكمات وإجراءات التقاضي، وبالتالي فإن حضور المحامين وهو إلزامي أمام محكمة البداية يساعد هذه المحاكم على السرعة في الإنجاز بسبب معرفتهم التامة بإجراءات التقاضي، على عكس الحال في الدعاوى الصلحية التي لا يستوجب القانون تمثيل أطرافها بوساطة محامين أمام هذه المحاكم، مما يسبب زيادة في المدد اللازمة للفصل فيها، مما يعني أن الحاجة لإدارة الدّعوى في الدعاوى الصلحية أكثر إلحاحاً منه في دعاوى البداية .

2) إن هناك عدداً من الدعاوى التي تختص محاكم الصلح بنظرها بحكم نوعها – الإختصاص النوعي – كالدعاوى العمالية ودعاوى القسمة القضائية، وهناك أنواع أخرى تختص بنظرها بحكم قيمتها كدعاوى إخلاء المأجور وفسخ عقود الإيجار، ولا يخفى على أحد أن هذه الدعاوى وفي أحيان كثيرة تقوم على مبالغ ضخمة، كما أن لها أهمية كبيرة تتصل أحياناً بالنواحي الإنسانية والاجتماعية لأفراد المجتمع، والتي لا تقل أهمية عن الدعاوى التي تختص بنظرها محاكم البداية سواء نوعياً أو قيمياً، بل على العكس من ذلك نجد أن إدارة الدّعوى وعرض المصالحة بين أطرافها وفق أحكام المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة يحقق نتيجة في هذا النوع من الدعاوى أكثر من دعاوى البداية.

3) أنه وبسبب تعديل المادة الثالثة من قانون محاكم الصلح الذي رفع الحد الأعلى لاختصاص محاكم الصلح من 750 دينار إلى 3000 دينار أردني، مما يعني زيادة عدد الدعاوى التي تم إخراجها من اختصاص محكمة البداية إلى محكمة الصلح وبالتالي إخراجها من سيطرة إدارة الدّعوى، وكأن المشرّع نقل عبء العمل وكثافته من قضاة محكمة البداية إلى قضاة محكمة الصلح، وهذا ما ثبت على أرض الواقع، حيث زادت أعداد الدعاوى الصلحية بشكل لا يتناسب مع عدد القضاة في محاكم الصلح مما سبب زيادة المدد اللازمة للفصل بها، الأمر الذي يدفعني للقول بأن محاكم الصلح أصبحت مع هذا التعديل بحاجة إلى تطبيق فكرة إدارة الدّعوى في أروقتها وعلى الدعاوى الخاضعة لاختصاصها للمساعدة في الحد من تراكم الدعاوى المنظورة أمام القضاة وفرض السيطرة المبكرة على ملفات هذه الدعاوى.

لذلك يتمنى الباحث تعميم هذه التجربة على الدعاوى الصلحية أيضاً، وتعديل قانوني أصول المحاكمات المدنيّة وقانون محاكم الصلح بشكل يدعم هذا التطبيق، خاصة إذا ما علمنا أن المصدر التاريخي لإدارة الدّعوى المدنيّة لا يميز بين إدارة الدّعوى البدائية والصلحية، فالدعاوى في كل من إنجلترا والولايات المتحدة تخضع لإدارة الدّعوى المدنيّة بغض النظر عن قيمتها ونوعها.

المطلب الثاني
تقييم التجربة من حيث المهام والصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى

باستعراض نص المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة التي نظمت إدارة الدّعوى المدنيّة وأدخلتها إلى القانون، نجدها قد حددت في فقرتها الثانية مهام وصلاحيات قاضي إدارة الدّعوى عندما نصّت على أنْ: “يتولى قاضي إدارة الدّعوى المهام والصلاحيات التالية”، دون تمييز بين المهام والصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى، مع العلم بوجود فرق واضح بين المصطلحين، مما يدل على عدم التعمق في دراسة المادة وتدقيقها قبل إصدار القانون ، وبسبب أن نص المادة المذكورة يتحدث عن إجراءات قانونية وتنظيم لمرحلة قضائية فكان من الأجدر بالمشرّع أن يبذل عناية كافية في صياغة النص، بحيث يحدد وبوضوح المهام المناطة بقاضي إدارة الدّعوى وهي مجموعة من الإجراءات والأعمال التي يقوم بها منذ تسجيل الدّعوى في القلم وحتى إحالتها إلى محكمة الموضوع أو إنهائها بالصلح أو إحالتها للوساطة، وفي بند مستقل عن البند السابق يتحدث عن الصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى مهما كان مداها وتعدادها، بحيث يترك للقاضي حرية الاختيار في هذه الصلاحيات على عكس المهام والواجبات التي لا خيار أمام القاضي في عدم القيام بها.

وبالرّغم من نجاح إدارة الدّعوى في بعض الجوانب وأهمها مساعدة قاضي الموضوع للتفرغ في نظر الجوانب القانونيّة في النزاع بدلاً من الانشغال في التبليغات وجلب البيّنات واستكمالها وما يرافق ذلك كله من ضياع للوقت، إلا أن إدارة الدّعوى تستطيع إكمال هذه المهام جميعها في حال التزام أطراف النزاع في الحضور أمامها ومساعدة القاضي في جمع البيّنات وتقديم الطلبات والاستدعاءات الخاصة بذلك، والمشاركة في اجتماعات إدارة الدّعوى والمساهمة بجديّة في المداولات والنقاشات التي تفضي في النهاية إلى حصر وتحديد نقاط الخلاف والاتفاق بين أطراف النزاع، إلا أن إدارة الدّعوى تعجز وفي ظل التنظيم الحالي عن القيام بأية مهمة من مهامها الحقيقية في حال امتنع طرفي النزاع أو أحدهما عن الحضور أمام قاضي إدارة الدّعوى، لأن التنظيم الحالي لهذه الفكرة جرّد قاضي إدارة الدّعوى من أية صلاحية على إجبار الخصوم على حضور الاجتماع الذي يحدده ويبلغه لهم، فقد جاء النص في المادة 59/2/ج،د مكرر من القانون على أن القاضي يحدد موعداً للاجتماع ويدعو أطراف النزاع لحضوره دون أن يحدد جزاءً لمن يتخلف عن الحضور، بل ترك الخيار للأطراف في الحضور من عدمه، متناسياً أن عمود إدارة الدّعوى وصميمها يقوم على المشاركة الجدّية والفاعلة من أطراف النزاع مع قاضي إدارة الدّعوى، ويرى الباحث في هذا المجال أن تجريد قاضي إدارة الدّعوى من صلاحية إلزام الأطراف على الحضور قد أفرغ فكرة إدارة الدّعوى من محتواها الرئيسي، وساهم بشكل أو بآخر على تكوين نظرة مغايرة لحقيقة الإدارة لدى جميع أطراف عملية التقاضي سواء القضاة منهم أو المحامين، وتنطوي هذه النظرة على إستهجان فكرة إدارة الدّعوى وعدم الإكتراث لها لعدم القناعة بفائدتها وأهميتها العملية، مما ولّد لدى قضاة الموضوع ردة فعل عكسية تتضمن عدم الثقة والإرتياح لمحتويات ملف إدارة الدّعوى وبالتالي عدم الإهتمام به، ولدى أطراف النزاع عدم إكتراث لاجتماع الإدارة مما سبب فشل قاضي إدارة الدّعوى في تحقيق السيطرة المبكرة على ملف الدّعوى، وحصر مهامه في هذه الحالة على مراقبة التباليغ وتبادل اللوائح ومددها وإحالة الدّعوى إلى قاضي الموضوع.

لذلك يرى الباحث أن يتم تفعيل فكرة إدارة الدّعوى من خلال إعطاء قاضي إدارة الدّعوى صلاحيات حقيقية تفرض على أطراف النزاع حضور اجتماع إدارة الدّعوى، وتعديل المادة 59 مكرر من القانون بحيث يشار فيها إلى بندين على النحو التالي:

البند الأول: يتضمن بشكل محدد وعلى سبيل الحصر مهام قاضي إدارة الدّعوى والإجراءات التي يقوم بها في سبيل تحقيق أهداف الإدارة.

البند الثاني: يتضمن صلاحيات قاضي إدارة الدّعوى التي يترك له القانون حرية تطبيقها كلها أو بعضها وحريته في الجمع بين بعضها وذلك كله حسب واقع الحال، على أن تكون هذه الصلاحيات واسعة، وتتضمن جوانب عقابية صارمة بما يضمن احترام كل طرف لوقت وجهد الطرف الآخر وكذلك لضمان احترام وقت وجهد المحكمة والإدارة، مما ينعكس إيجاباً بالنتيجة على عمليات التقاضي أمام المحاكم.

وبالنتيجة يقترح الباحث تعديل نص المادة 59 مكرر من القانون بحيث تنص الفقرة الثانية منه على مهام قاضي إدارة الدّعوى والإجراءات التي يتبعها في القيام بهذه المهام، ومن ضمنها تسجيل الصلح بين الأطراف في حال الاتفاق عليه والمنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة نفسها.

كما يقترح إلغاء نص الفرتين 3 و4 من المادة 59 مكرر من القانون واستبدالهما بفقرة واحدة تنص على صلاحيات قاضي إدارة الدّعوى، ويقترح إعطاء قاضي إدارة الدّعوى الصلاحيات التالية:

1) صلاحية رفضّ تسجيل دعوى المدّعي في حال وجد رئيس القلم أي نقص في بيّناته الخطية المطلوبة في قائمة البيّنات، باستثناء تلك البيّنات الموجودة أو المدّعى بوجودها تحت يد الخصم، والسبب في ذلك أن هذه البيّنات لا يُمكن الحصول عليها من يد الخصم إلا بعد الحصول على قرار خاص بناءً على طلب خاص يُقدم لهذه الغاية، أما البيّنات الموجودة لدى الغير وهي المقصودة هنا فيتمكن وكيل المدّعي من تقديم طلب إلى المحكمة لتحويله إلى هذه الجهات لجمع بيّناته قبل التسجيل لأن التسجيل يعني في جميع الأحوال بدء إحتساب المدد، وبالتالي يُلزَم المدّعي بجمع كافة بيّناته قبل تسجيل الدّعوى أمام قلم إدارة الدّعوى المدنيّة.

2) صلاحية رفضّ تسجيل أي دعوى تخلو لائحتها من تحديد عنوان واضح للمدّعي، وفي حال خلوها من تحديد العنوان يجب أن تتضمن وكالة المحامي الوكيل نصاً صريحاً يخوله تبلُّغ الأوراق القضائية الخاصة بهذه الدّعوى – نيابةً عن موكله – وحتى آخر إجراءات التقاضي، وكذلك عدم قبول اللوائح الجوابية التي تخلو من تحديد عنوان واضح للمدّعى عليه، وكبديل عن ذلك يجب أن تتضمن وكالة المحامي الوكيل نصاً صريحاً يُمكّن المحكمة من تبليغه أوراق الدّعوى وحتى آخر إجراءات التقاضي، وذلك لأن تبليغ المحامين غالباً ما يكون أسهل من تبليغ الخصوم أنفسهم، وكذلك للتخلص من حالات امتناع المحامين عن تبلُّغ الأوراق القضائية خاصة بين مراحل التقاضي بحجة انتهاء وكالته ، سيما في ظل نص المادة 66/2 من قانون الأصول التي تمنع المحامي من الانسحاب من الدّعوى إلا بموافقة المحكمة، وكذلك في ظل نص المادة 64 التي تعتبر موطن الوكيل صالحاً لتبليغ الموكل أوراق الدّعوى، سيما وأن هناك العديد من الاجتهادات المتناقضة للمحاكم الأردنية في هذا الشأن ومن هذه الاجتهادات ما ذهبت إليه محكمة التمييز الأردنية في أحد قراراتها عندما قررت: “إذا عرض المُحضر التبليغ على وكيل المدّعي عليها فوقع الوكيل على تبليغه وتدوينه لعبارة (أرجو تبليغ المدّعى عليها بالذات) رغم أنه هو وكيل المدّعى عليها بالتبليغ والتبلُّغ وفق وكالته المحفوظة بالملف ولم يرد ما يشير إلى انتهاء تلك الوكالة فيكون تبليغه لإعلام الحكم قانونياً ويكون تقديمه للإستئناف بعد فوات المهلة القانونيّة المشار إليها بالمادة 137/ ب من قانون العمل يجعل الاستئناف مردوداً شكلاً لتقديمه بعد فوات المدة القانونيّة” ، وكذلك قرارها الذي جاء فيه: “لا يوجد في القانون ما يُجبر المحامي على الاستمرار في تنفيذ عقد الوكالة خاصة وأن الدّعوى الموكل بها قد فُصلت وصدر بها حكم، وعليه فإن المستأنفة تكون استأنفت على العلم ويكون استئنافها مقبولاً شكلاً ولا يُغير من ذلك أن المُحضر عرض مذكرة تبليغ الحكم على وكيل المميز ضدها الذي شرح عليها بأنه لم يعد وكيلاً في الدّعوى”

3) كما يقترح الباحث لغايات تفعيل فكرة إدارة الدّعوى، إلزام أطراف الدّعوى بدفع نفقات الشهود والخبراء الذين يتم الإشارة إليهم في قوائم البيّنات عند تقديم اللوائح –لائحة الدّعوى واللائحة الجوابية-، وذلك من أجل ضمان جدية طلب هذه البيّنات، وكذلك حتى تتمكن المحكمة من طلبهم بدون مساعدة من أطراف الدّعوى أو دون الإعتماد على أطراف الدّعوى في ذلك، على أن تتضمن مذكرات دعوتهم الإشارة إلى أن نفقات حضورهم إلى المحكمة مدفوعه حتى يتم تشجيعهم على تلبية دعوة الحضور إلى المحكمة، ويتم تقدير هذه النفقات من قبل كاتب المحكمة وبشكل يتناسب مع عناوين الشهود وبُعد المسافة عن المحكمة وكذلك الهدف من الخبرة، على أن يتم توجيه المذكرات للحضور من قبل إدارة الدّعوى عند تحديد جدول مواعيد المحاكمة.

4) صلاحية إسقاط دعوى المدّعي أو محاكمته في حال تغيُّبة عن اجتماع إدارة الدّعوى، وفي حال الإسقاط، الحكم عليه بمصاريف الدّعوى وأتعاب محاماة للمدّعى عليه إن حضر الاجتماع.

5) صلاحية محاكمة المدّعى عليه في حال تغيُّبه عن الاجتماع، ولا يخفى عن أحد ماهية الخسارة التي تصيب الطرف الذي تتم محاكمته في الدّعوى في مرحلة من المراحل.

6) من باب تحقيق السرعة في الإجراءات، ولكون إدارة الدّعوى تهدف إلى تحقيق وترسيخ مبدأ حصر البيّنات، وبما أن قضاة إدارة الدّعوى من القضاة المؤهلين لوزن البيّنات والفصل في الدّعاوى قبل أن يكونوا قضاة إدارة دّعوى، يقترح الباحث أن يُصار إلى تعديل تشريعيّ يتضمن الانتهاء من جمع كافة البيّنات وحصرها أمام هذه الإدارة، بحيث تتولى في ختام أعمالها إصدار قرار في البيّنات من حيث قبولها أو عدمة وإنتاجيتها في الإثبات من عدمه مع إعطاء هذا القرار صفة الإلزام أمام قاضي الموضوع وفي مواجهة أطراف النزاع، كما يحرم هذا التعديل محكمة الموضوع من المساس بهذا القرار بل تسير على هديه، ويحرم كذلك الطرف الذي تغيّب أمام إدارة الدّعوى من استكمال بيّناته التي لم يكن قد استكملها أصلاً، كما يحرم من تقديم أية بيّنة لم يتقدم بها أمام إدارة الدّعوى بما فيها اليمين الحاسمة، وبموجب هذا التعديل يبدأ قاضي الموضوع بسماع البيّنات الشخصيّة إذا وجدت وإلا فيبدأ بسماع المرافعات الختامية فور بسط يده على ملف الدّعوى مما يزيد من سرعة الفصل في الدّعاوى.
وهذا الأمر بطبيعة الحال يحتاج إلى تعديل الفقره 2/د من المادة 59 مكرر التي منعت قاضي إدارة الدّعوى من إعطاء رأيه في النزاع الذي يدير مناقشاته مع الخصوم.

7) صلاحية فرض غرامات ماليّة رادعة على من يتخلف عن الحضور أمام إدارة الدّعوى من أطراف النزاع، مع عدم الإعتماد على الغرامات المنصوص عليها في المادتين 14و72 من القانون، بل النص على غرامات خاصة بإدارة الدّعوى تتناسب مع طبيعة الدّعوى وموضوعها وقيمتها، بحيث يُخصص جزء منها لخزينة الدولة والجزء الآخر يُخصص للطرف الحاضر أمام قاضي إدارة الدّعوى، على أن تكون القرارات الخاصة بالغرامة غير قابلة للطعن ويتم تنفيذها فوراً دون الإنتظار لنتيجة الدّعوى النهائية .

8) وكذلك إعطاء قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة صلاحية تحويل المحامين إلى لجان التأديب في نقابة المحامين، في حال تأكد لقاضي إدارة الدّعوى من وقائع الدّعوى أن المحامي لعب دوراً في التهرُّب من القيام بواجباته تجاه موكله، أو سبب تأخيراً في الإجراءات ومن شأن هذا التأخير الإضرار بمصالح الطرف الآخر، أو ساعد في أي عمل يشكل تضليلاً للعدالة.

9) صلاحية تحديد جوهر النزاع من خلال تحديد الوقائع المتفق عليها والمختلف عليها، وذلك بالتعاون مع الطرف الحاضر أمامه، وذلك لأنَّ عملية تحديد جوهر النزاع تحدد طبيعة ونوعية البيّنات التي سوف تقبلها محكمة الموضوع في الدّعوى، وبالتالي يكون لغياب أحد الطرفين دور فاعل في حرمانه من بعض البيّنات التي قد يعتمد عليها في إثبات دعواه أو دفاعه.

10) صلاحية تحديد جدول جلسات الدّعوى أمام محكمة الموضوع، وتبليغة للأطراف والشهود والخبراء من قبل الإدارة بشكل يتزامن مع إحالة الدّعوى إلى محكمة الموضوع، بحيث يتضمن هذا الجدول موعد كل جلسة من جلسات المحاكمة باليوم والساعة إن أمكن. ويتم تحديد المواعيد في هذا الجدول بالتعاون مع الطرف الحاضر أمام قاضي إدارة الدّعوى. وتلتزم محكمة الموضوع بهذا الجدول، وهذا الأمر سوف يربك الطرف الغائب عن اجتماع إدارة الدّعوى لأنه لم يشارك في إعداده، وبالتالي يفرض عليه مواعيد محددة لم يكن مهيأً لها مما يؤثر على مواعيده الأخرى، ويسبب له إرباكاً طيلة فترة المحاكمة مما يجعله حريصاً في المرات القادمة على حضور اجتماعات إدارة الدّعوى للمشاركة في إعداد هذا الجدول.

11) صلاحية تجزئة عناصر الدّعوى ووقائعها، وبالتالي إصدار حكم غير قابل للطعن وقابل للتنفيذ فوراً في أي جزئية يرى أن المدّعى عليه أقرّ فيها من خلال جوابه على الدّعوى، وفي ذلك تفعيل لنص المادة 127/2 من قانون الأصول.

12) منح قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة صلاحية البت بالطلبات الأولية التي تقدم مع لائحة الدّعوى أو اللائحة الجوابيّة، المنصوص عليها في المادة 109 من القانون، والتي قد تؤدي بالنتيجة إلى عدم إحالة الدّعوى إلى محكمة الموضوع في حالات معينة كرد الدّعوى للتقادم أو للقضية المقضية. ولكون قضاة إدارة الدّعوى هم من القضاة ذوي الكفاءة فإن إعطاءهم هذه الصلاحية لا يخل بعملية التقاضي ولا يحرم الخصوم من حقهم في الحصول على محاكمات عادلة، بحيث يتم البتّ بهذه الطلبات قبل الدخول في موضوع المفاوضات وعرض الصلح أو التسوية، لأن الدخول في المفاوضات قد يعني الدخول في موضوع الدّعوى لأنَّ المفاوضات قد تتضمن إقراراً بجزء من الحق المدّعى به، كما أن البت في هذه الطلبات قد يؤدي إلى رد الدّعوى أحياناً منذ البداية وبالتالي نكون بغنىً عن الإجراءات اللاحقة والتي قد تستغرق وقتاً ليس بالقليل.

المطلب الثالث
تقييم التجربة من حيث إنشاء إدارة الدّعوى المدنيّة

بعد نجاح إدارة الدّعوى المدنيّة في تحقيق العديد من أهدافها، وبما أن المجلس القضائيّ الأردني ووزارة العدل الأردنيّة يفكران بتطبيق الفكرة في محاكم أخرى بالإضافة إلى محكمة بداية عمان، يرى الباحث أنه آن الأوان لإلغاء صلاحية وزير العدل في تحديد المحاكم التي تُطبق فيها الفكرة الواردة في الفقرة 2/أ من المادة 59 مكرر من القانون، وبالتالي تعميم الفكرة على المحاكم الأردنيّة كافة، وفي ذلك ضمان توحيد نظام الإجراءات أمام المحاكم الأردنيّة، ومنعاً من التهرب من تطبيق النظام، فعندما كانت الإدارة مطبقة في محكمة بداية عمان، كان بعض الأطراف يقوم بتسجيل الدّعوى أمام محكمة غير مختصة مكانياً (محكمة شمال عمان على سبيل المثال) ثم وفي أول جلسة يتم إحالة الدّعوى إلى قاضي الموضوع في محكمة بداية عمان المختصة مكانياً بنظر الدّعوى، وذلك بهدف التهرّب من الخضوع لإدارة الدّعوى المدنيّة في محكمة بداية عمان عند تسجيل الدّعوى، والتهرب من الأحكام الخاصة بحصر البيّنات وجمعها.

وللرد على من يرى صعوبات إدارية وقضائيّة في تطبيق هذه الفكرة في المحاكم كافة، نقول بأن إدارة الدّعوى لا تحتاج من التجهيزات الخاصة إلاّ القليل وهو ما يتوفر في الغالب في المحاكم، سواء أجهزة إداريّة أو كوادر قضائيّة مؤهلة. كما أن هذه المحاكم تشكو من نقص في أعداد القضاة والموظفين الإداريين قبل إنشاء إداراة الدّعوى المدنيّة فيها وبالتالي فهي بحاجة إلى التطوير في هذه الجوانب منذ الأساس، لذلك فإن إدارة الدّعوى لن تضيف أيّ عبء جديد عليها، كما أنَّ غايات وأهداف هذه الدائرة مهمة لكل محكمة لأنها ستسهم في تنظيم عمل هذه المحاكم وتُيسر من إجراءات التقاضي فيها الأمر الذي يُخفف من أعباء العمل الملقاة على عاتق القضاة في هذه المحاكم، بالإضافة إلى أن المجلس القضائيّ شرع بزيادة أعداد القضاة وتأهيلهم، كما قامت وزارة العدل بتطوير البنية التحتيّة في المحاكم الأردنيّة وزيادة أعداد الموظفين وتأهيلهم وتدريبهم .

وبالفعل باشرت وزارة العدل في مطلع عام 2007 في توسيع نطاق إدارة الدّعوى المدنيّة، حيث بدأ تطبيق نظام إدارة الدّعوى المدنيّة في محكمة بداية الزرقاء، وفي باقي محاكم البداية في عمان، وفي مرحلة لاحقة سيتم تطبيق إدارة الدّعوى المدنيّة في محاكم إربد والسلط، وذلك في مشروع تمهيدي لتعميم التجربة في كل أنحاء المملكة . ولعل هذا التوجه كان نتيجةً للنجاحات التي حققتها إدارة الدّعوى في محكمة بداية عمان .

المطلب الرابع
تقييم التجربة من حيث المدة التي تستغرقها إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة

نصّت المادة 59/5 مكرر من القانون على تحديد مدة ثلاثين يوماً يجب على قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة إحالة الدّعوى خلالها إلى محكمة الموضوع وتبدأ هذه المدة من موعد أول جلسة يعقدها القاضي، ويرى الباحث أن تحديد هذه المده بثلاثين يوماً مقيّد فعلياً بالقيام بالعديد من الإجراءات في حال حضر أطراف النزاع أمام قاضي إدارة الدّعوى، ولكن في حال لم يحضر أي منهما، أو حضر أحدهما فقط يقوم قاضي إدارة الدّعوى بإحالة الدّعوى إلى قاضي الموضوع مباشرةً وفي أول جلسة.

ولكن في ظل التعديلات المقترحة من قبل الباحث، يقرر قاضي إدارة الدّعوى إسقاط الدّعوى مؤقتاً في حال تغيُب كل من الطرفين أو تغيُب وكيل المدّعي وبناءً على طلب وكيل المدّعى عليه الحاضر وهنا تنتهي الدّعوى مؤقتاً، كما يُقرر القاضي محاكمة المدّعى عليه في حال غياب وكيله، وهنا يكمل إجراءات الدّعوى من حيث البت في الطلبات الأوليّة وحصر الوقائع محل الخلاف ويصدر القرار اللازم في البيّنات كما يحدد جدول الجلسات ويحيل الدّعوى إلى محكمة الموضوع.

وفي حال حضر طرفا الدّعوى يستكمل قاضي إدارة الدّعوى المهام المطلوبة منه، ويُقرر في الطلبات الأوليّة والبيّنات بناءً على حصر الوقائع المختلف عليها، كما يتم إعداد جدول الجلسات ويُحيل الدّعوى إلى محكمة الموضوع، وهذا الأمر غالباً ما يحتاج إلى أكثر من ثلاثين يوماً لإعداده، سيّما وأن الانتهاء من هذه الإجراءات يحتاج إلى جلستين على أقل تقدير وأربع جلسات على أكثر تقدير ، خصوصاً في نظام يخلو من تحديد سقف زمنيّ لتأجيل جلسات إدارة الدّعوى، لذا يقترح الباحث أن لا تزيد مدة التأجيل عن إسبوع ليتسنى لقاضي إدارة الدّعوى عقد أربع جلسات يستطيع خلالها إنجاز المهام المطلوبة منه ضمن مدة الثلاثين يوماً التي يعتقد الباحث أنها طويلة نسبياً لإنهاء مرحلة إدارة الدّعوى في ظل النظام الحالي، ولكنها غير كافية إذا ما تم إدخال التعديلات المقترحة في هذه الدراسة على النظام الحالي لإدارة الدّعوى، مما يعني إعطاء وقت كاف لإدارة الدّعوى لإكمال مهامها المُشار إليها سيما وأن الإدارة في ظلّ النظام المقترح تتمكن من إنجاز جزء كبير من إجراءات الدّعوى ومراحلها الأساسيّة ولا يتبقى أمام قاضي الموضوع إلا سماع البيّنات الشخصية إن وجدت والمرافعات الختامية وإصدار القرار النهائيّ وذلك ضمن مواعيد مُعدة مُسبقاً من قبل إدارة الدّعوى، لذلك يرى الباحث إعطاء إدارة الدّعوى الجزء الأكبر من وقت الدّعوى.

المطلب الخامس
تقييم التجربة من حيث مدى تقيُّد قاضي الموضوع بالإجراءات المتخذة في إدارة الدّعوى المدنيّة

خلت المادة 59 مكرر من القانون من النص على أمر في غاية الأهمية وهو مدى التزام قاضي الموضوع بالإجراءات التي تمت أمام قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة .
فكما نعلم بأنَّ إدارة الدّعوى تهدف إلى السيطرة المبكرة على ملف الدّعوى، والسيطرة المبكرة تعني الإسراع في بعض الإجراءات واختصار وقت المحاكمة، ولكن ما يحصل في النظام الحالي لإدارة الدّعوى أن قاضي إدارة الدّعوى يُنجز المهام المطلوبة منه في حصر البيّنات ووقائع النزاع الجوهريّة، ويُحيل الدّعوى إلى قاضي الموضوع الذي يبدأ من جديد فيمهل الأطراف لإحضار بيّناتهم التي لم يتقيدوا بإستكمالها أمام إدارة الدّعوى، ثم يُقرر في البيّنات ويدخل في مواضيع الطلبات الأولية وذلك من خلال جلسات متباعدة نسبياً، لذلك يرى الباحث أن يضيف المشرّع إلى نص المادة 59 مكرر من القانون ما يُشير وبوضوح إلى تقيَّد قاضي الموضوع بالإجراءات التي تمت أمام إدارة الدّعوى المدنيّة لأن ذلك سوف يساعد على اختصار وقت المحاكمة، بحيث يبدأ قاضي الموضوع بسماع البيّنات الشخصيّة التي قرر قاضي إدارة الدّعوى الاستماع إليها وتمًّ تبليغ الشهود بالحضور إلى محكمة الموضوع ضمن مواعيد محددة سابقاً، وهذا الأمر يختصر جلستين على الأقل أمام محكمة الموضوع، كما يتمكن قاضي الموضوع من الفصل في الدّعوى خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر من تاريخ إحالة الدّعوى إليه.

المطلب السادس
تقييم التجربة من حيث ترسيخ فكرة إدارة الدّعوى المدنيّة وتعميم مبادئها

من خلال استطلاع الرأي ، والتحري والنتائج الأوليّة لإنجازات إدارة الدّعوى المدنيّة في محكمة بداية عمان كانت النتائج المترتبة من خلال المصالحة القضائيّة محدودة بشكل كبير، وأما دورها في حصر البيّنة فيُعتبر جيّد وناجح نسبياً، كما أن عدد ليس بقليل من قضاة محكمة الموضوع أبدوا عدم اكتراثهم بأهمية إدارة الدّعوى والأعمال التي تُنجزها خصوصاً في ظلِّ الوضع التشريعيّ القائم حالياً ، ويعزي عدد كبير من القضاة والمحامين محدودية إنجاز هذه التجربة إلى حداثة هذه التطبيق على مستوى المنطقة ككل وعدم توفر خبرة كافية لدى القضاة والمحامين والإداريين للتعامل مع هذه الفكرة المستحدثة، وكذلك إلى تقييد صلاحيات قضاة إدارة الدّعوى.

وعلى الرغم من ذلك لا يُمكن إنكار الدور الكبير الذي لعبته إدارة الدّعوى المدنيّة ضمن الفترة السابقة والنتائج المترتبة عنها، وحيث لم يتم إنجاز دراسات إحصائية دقيقة تبين نجاح فكرة إدارة الدّعوى المدنيّة في الأردن بشكل واضح، إلاّ أنًّ القراءة الأولية تظهر نجاح نسبي مقبول لهذا التطبيق .

لذلك وفي ظل ضبابية الرؤية الموجهة من المعنيين لفكرة إدارة الدّعوى المدنيّة، لابد من تكثيف جهود وزارة العدل والمعهد القضائيّ والمجلس القضائيّ ونقابة المحامين لعقد دورات إجبارية للمحامين والقضاة وموظفي المحاكم في جميع أنحاء المملكة، يتم من خلالها تسليط الضوء على إنجازات إدارة الدّعوى وبيان أهميتها في عملية التقاضي مع عقد المقارنات بين الوضع السابق للتطبيق والوضع اللاحق له.

كذلك يقع على عاتق نقابة المحامين الأردنيين باعتبارها شريكاً أساسياً في عملية التقاضي، مهمة توعية المحامين في كافة المحافظات بأهمية إدارة الدّعوى وكذلك أهمية الحلول البديلة عن التقاضي ، كما يجب عليها تكثيف جهودها في تطوير برامج التدريب الخاصة بالمحامين المتدربين، بحيث تُنمي فيهم مبادئ العمل المهني لخدمة موكليهم بعيداً عن الممارسات غير الصحية التي تعتمد على المماطلة والتسويف واستغلال الثغرات القانونيّة التي تساعد على إضاعة وقت المحكمة والطرف الآخر في الخصومة.

كما يتوجب تعديل بعض النصوص القانونيّة الواردة في قانون نقابة المحامين الأردنيين والخاصة بممارسة مهنة المحاماة والتي تُنظم آداب وسلوكيات الممارسة وكذلك برامج التدريب، بشكل يُلزم المحامين على التقيُّد بآداب المرافعات وحفظ حقوق أطراف الدعاوى ووقتهم ووقت المحكمة مما يساهم بدفع وتطوير عملية التقاضي برمتها إلى الأمام، لأن للمحامين دوراً فعّالاً في إجراءات التقاضي من حيث المدد الممنوحة للأطراف سواء في تقديم اللوائح أو تحديد الجلسات أو تقديم الطعون ، أو حتى تبلغ الأوراق القضائيّة نيابة عن موكليهم.

المطلب السابع
تقييم التجربة من حيث العمل الإداري في إدارة الدّعوى

تعتمد الناحية الإداريّة في عمل المحاكم عموماً وإدارة الدّعوى المدنيّة خصوصاً على ثلاثة عناصر رئيسة هي العنصر القانونيّ الذي يُنظم عمل هذه المحاكم، والعنصر البشريّ المتمثل بالقضاة والموظفين، والتجهيزات الفنية والبنية التحتية لهذه المحاكم.
ومن أجل تطوير عملية التقاضي لابد من تطوير هذه العناصر جميعها، وقد بينت الدراسة سابقاً تقييم العنصر القانونيّ وما يحتاجه من تطوير، وسوف نوضح في هذا القسم الوضع الحالي لإدارة الدّعوى المدنيّة من ناحية التجهيزات الفنية والعنصر البشريّ المشرف عليها.

أ) من ناحية العنصر البشريّ:
يقوم على إدارة الدّعوى في وضعها الحاليّ قُضاة من محكمة البداية يختارهم رئيس المحكمة، ويعاونهم عدد من الموظفين الإداريين يشرفون على معاملات القلم من تسجيل الدعاوى وحفظ الملفات وإرسال التباليغ واستلامها، كما تعتمد إدارة الدّعوى على قسم المحضرين في محكمة البداية لإجراء التباليغ من خلالهم.
ولكن وفي ظل النظام الحاليّ للقضاء في الأردن، فإن عدد القضاة بشكل عام – في جميع المحاكم الأردنيّة – لا يتناسب مع حجم الدّعاوى المعروضة على المحاكم، بالرّغم من الزيادة المستمرة على مدى الأعوام الأربعة السابقة في أعداد القضاة إلاّ أنَّ هذه الزيادة كان يقابلها زيادة كبيرة في أعداد القضايا .

لذلك لابد من زيادة الكوادر القضائية المؤهلة لمواجهة الزيادة المتسارعة في أعداد الدعاوى ، لأن حجم القضايا الهائل يؤدي في حال السرعة في الفصل فيها مع قلة عدد القضاة إلى ارتباك القضاة وبالتالي إلى أن تكون السرعة في الفصل على حساب الجودة في القرارات الصادرة، مما يزيد العبء على محاكم الدرجة الثانية ومحكمة التمييز، وما يصاحب ذلك من تأخير في الوقت وزيادة في النفقات على أطراف النزاع.

هذا من ناحية أعداد القضاة بشكل عام، أمّا من ناحية أعداد قضاة إدارة الدّعوى المدنيّة، فقد أثبتت التجربة في محكمة بداية عمان أنّ العدد المخصص لهذه الإدارة غير كاف في ظل عدد القضايا التي عرضت عليهم في الفترة السابقة .
وبما أن عمل المحاكم يعتمد بالإضافة إلى القضاة على موظفين إداريين وكتبة ومُدخلي بيانات يساعدون القضاة في تأدية مهامهم، لذلك يجب الإهتمام بهؤلاء الموظفين لأن المهام المنوطة بهم تُساعد من عدة جوانب في تأخير الفصل في الدّعاوى، فمنهم من يتولى تسجيل الدّعاوى، ومنهم من يتولّى إصدار أوراق التباليغ، ومنهم من يتولّى تبليغها للخصوم، ومنهم من يتولّى طباعة المحاضر، ومنهم من يتولّى حفظ الملفات ونقلها من محكمة لأخرى وتخزينها عند الانتهاء منها، ومنهم من يتولّى أعمال إدارية في إدارة المحاكم من حيث مساعدة رئيس المحكمة في ضبط أوقات الدوام والتأخير عنه والغياب وتنظيم الإجازات، لذلك كلّه لابدّ من تأهيلهم إلى الحد الذي يجعل منهم موظفين على كفاءة عالية تتناسب مع المرحلة الحالية التي تتضمن أعباء كبيرة على عاتق كافة المحاكم، كما يتوجب على وزارة العدل زيادة عددهم بشكل يتناسب مع عدد القضاة وحجم القضايا المعروضة حالياً على المحاكم، مع إعطاء الأولوية لزيادة أعداد الموظفين الذين يتولون مهاماً تساعد على سرعة الفصل في الدّعاوى ومنهم كتبة المحاكم والمُحضرين، لأنّ أعداد الموظفين الذين يتولون هاتين الوظيفتين حالياً لا تتناسب البتة مع حجم العمل المطلوب منهما .

ومن خلال الممارسة العملية ثبت أنّ الوقت الأكبر من أوقات التقاضي يضيع في مرحلة التباليغ، الأمر الذي يستوجب البحث عن وسائل بديلة لعملية التبليغ التقليديّ، وهذا الأمر دفع المشرّع إلى استخدام الشركات الخاصة لإتمام هذا الاستحقاق القانونيّ، وفي بداية الأمر حققت الشركة إنتاجية عالية إلا أنّ الإنجاز بدأ بالتراجع مع مرور الزمن الأمر الذي يُثبت أنّ الضعف في الإنجاز يعود إلى العنصر البشريّ وجديته في العمل، ومن هنا يرى الباحث لزوم التركيز على العامل البشريّ في عملية التبليغ من خلال زيادة الرقابة على المحضرين وعملهم، وهذا الأمر يتطلب تعديل النصوص المتعلقة بالغرامات التي تحكم بها المحاكم على المحضرين الذين يُقصِّرون في إجراء التباليغ من جهة، ومن جهة أخرى زيادة أعداد المحضرين بشكل يتناسب مع حجم العمل المطلوب منهم.

وفي هذا المجال يقترح الباحث اعتماد أكثر من وسيلة لإجراء التبليغ، فبالإضافة إلى المحضرين والشركة الخاصة المعتمدة لإجراء التبليغات يمكن اعتماد طريقة البريد السريع وهو موجود في الأردن سواء باستخدام شركة البريد الأردنيّ أو استخدام إحدى الشركات الخاصة الأخرى للبريد، سيّما وأن الشركة المعتمدة حالياً للتبليغات هي إحدى شركات البريد السريع فلماذا يقتصر الأمر على التعامل مع شركة واحدة ما دام يوجد أكثر من شركة تُقدّم الخدمات في هذا المجال خصوصاً في ظل توافر عناوين واضحة لأطراف الدّعوى.

ب) من ناحية التجهيزات الفنية:
تبدأ رحلة التقاضي عند تسجيل الدّعوى في سجلات الأساس في قلم إدارة الدّعوى، ومن ثم تبدأ باقي المراحل من تبليغ وتبادل اللوائح وحصر البيّنات وغيرها، وفي الآونة الأخيرة بدأت وزارة العدل بتطبيق ما يسمّى ببرنامج ميزان وهو برنامج يعمل على أتمتة عملية التقاضي، الأمر الذي يُسهِّل عملية تسجيل الدّعاوى .

وبعد إحالة الدّعوى إلى محكمة الموضوع أصبحت محاضر الجلسات تدون على الشبكة المعلوماتية الموحدة للمحكمة الأمر الذي يضمن سهولة الطباعة المستمرة والمتسلسلة للمحاضر بعيداً عن استخدام برنامج word الذي يطبع المحاضر بشكل مستقل، وبالتالي فإنّ نقل الدّعوى من قاضٍ إلى آخر لا يُخلُّ بتتابع الجلسات، وهذا الأمر زاد من الإنتاجية العامة للفصل في الدّعاوى فأصبح بالإمكان الاستغناء عن تأجيل الدّعوى بسبب غياب القاضي الذي ينظُر الدّعوى أصلاً كون مَحاضر الجلسات السابقة تكون في ظل هذا النظام مُتاحة أمام القاضي الذي سينظر الدّعوى بدلاً من زميله الغائب .

وفي هذا المجال، يرى الباحث ضرورة تركيز الإهتمام في متابعة تطوير النظام الجديد (أتمتة عمل المحاكم) وتعميمه على كافة المحاكم، لأن هذه الوسيلة تضمن جدية أكبر في عملية الرقابة من خلال فرض رقابة مباشرة من قبل المجلس القضائي ودائرة الرقابة والتفتيش في وزارة العدل على سير الدّعاوى، الأمر الذي يدفع القاضي إلى الجدِّية في العمل، وهذا الأمر يتطلب ما يلي:
1) ربط المحاكم في المملكة إلكترونياً مع وزارة العدل والمجلس القضائيّ : من أجل تسهيل اطلاع المجلس القضائيّ ودائرة الرقابة والتفتيش على أعمال المحاكم والقضاة فيها، مما يزيد من انتاجية العمل في هذه المحاكم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤدي إلى اختصار الوقت لأنّ ملفات الدّعاوى لا تنتقل من المحاكم إلى دائرة التفتيش والمجلس القضائيّ لغايات التدقيق عليها، بل يتم الاطلاع على موقع المحكمة وعلى سجلاتها وعلى ملفات الدّعاوى من خلال شبكة الكمبيوتر المركزية.
2) توفير أجهزة حاسوب متطورة وذات قدرات تخزينية كبيرة مرتبطة بوساطة شبكة مع رابط مركزيّ (Server) واحد لجميع المحاكم في المملكة، مع ضرورة ايجاد وسيلة فنية تضمن منع الدخول إلى هذه الشبكة، كما تضمن عدم تعديل أو تغيير أيّ من البيانات التي يتم حفضّها على هذه الشبكة.
3) تطوير التشريعات التي تتعلق بالبيّنات خصوصاً قانون البيّنات وقانون المعاملات الإلكتروني ، بحيث تسمح هذه التعديلات باستعمال الطرق الإلكترونية في المرافعات وتقديم البيّنات .
4) الحد من عمليات نقل القضاة والموظفين المستمرة من محكمة لأخرى، وكذلك الحدّ من عمليات نقل الدّعاوى من قاضٍ لآخر داخل نفس المحكمة إلاّ لظروف قاهرة، لما في هذين الأمرين من تعطيل لإجراءات الدّعاوى حيث أن استمرار نقل القضاة والموظفين يتبعه تحويل الدّعاوى إلى قضاة وموظفين جدد مما يتطلب من القاضي تأجيل الدّعوى أحياناً للتدقيق في بعض الأمور فيها لغايات فهم الدّعوى مما يعني استهلاك جلسات إضافية تُسبب ضياع وقت وجهد المحكمة والخصوم وما يرتبه من أعباء ماليّة على أطراف النزاع.

كما أنّ عملية التطوير لا تكتمل ما لم يتم تجهيز البنية التحتية للمحاكم الأردنيّة من حيث توفير المباني الحديثة والتي تتسع للعدد المطلوب من القضاة والموظفين، ليتمكن الجميع من القيام بمهامهم على أكمل وجه، فالمحاكم الآن تعاني من نقص شديد وملحوظ في مكاتب القضاة ومكاتب الموظفين والأقلام، كما أنها تعاني من نقص في المساحات المخصصة للخدمات المساندة لأعمال المحاكم كغرف الأقلام والمستودعات، وقاعات الانتظار، والسبب في ذلك أن أغلب مباني المحاكم كانت مستأجرة منذ زمن، والبعض الآخر تمّ بناؤه بطرق عشوائية تفتقر إلى الدراسات القائمة على أساس النظر إلى المستقبل.
كلّ ذلك يشكلّ الجانب الإداري الذي يتوجب العناية به لرفع كفاءة عمليّة التقاضي الأمر الذي يضمن تحقيق أفضّل النتائج وأسرعها، ذلك أنّ إجراءات التقاضي لا تقتصر على تلك التي تتم داخل المحكمة بل يسبقها مجموعة من الإجراءات ويتبعها مجموعة أخرى، فمن يقيم الدّعوى لا يهمه فقط الحصول على قرار من المحكمة بل يهمه أيضاً سهولة تنفيذ هذا القرار ليصل إلى تحصيل حقه من الطرف الآخر في الخصومة وهذا يستوجب وجود مجموعة مترابطة من الإجراءات الفعالة منذ تسجيل الدّعوى وحتى مرحلة التنفيذ والتحصيل.