الموقف القانوني من زراعة الأعضاء البشرية

غرس الأعضاء علاج جيد من حيث تأهيل المرضى ، وتخفيف آلامهم ، إذا كانت الأعضاء الحيوية مصابة بمرض في مرحلته النهائية. إلا أن رفض الغرائس هو أحد أخطر المضاعفات ولو أن التقدم المحرز في علم البيولوجيا قد يؤدي إلى كبت مناعي نوعي لا تكون له تأثيرات جانبية أو يكون له قليل منها . فالوظائف الاستقلابية الفريدة التي يؤديها القلب والكبد والكلية تجعل من المستبعد أن تتاح في المستقبل القريب بدائل اصطناعية لهذه الأعضاء .

ولعل من العسير ، والمتعارف في هذا الصدد على ما هي عليه ، تحقيق تبادل (استقلابي بين الأعضاء الاصطناعية) ولذا من المحتمل أن يبقى غرس الأعضاء تكنولوجيا في حاجة إلى تطوير لعدة سنوات مقبلة .

بدأ غرس الأعضاء بسلسلة من الدراسات التجريبية في أوائل القرن العشرين ومُنح (الكسيس كاريل) جائزة نوبل في عام 1912 تقديراً لعمله الرائد في هذا المجال وأصبح التطبيق السريري ممكناً مع ظهور العوامل الكابتة للمناعة . أما الأساس المناعي لرفض الطُعم الأسوي (غريبة مأخوذة من فرد من نفس النوع ولكن من نمط جيني مختلف)، فقد وضعه (بيتر مُدّور) الذي تقاسم جائزة نوبل مع (ماكفارلون بيرنت) تقديراً لهذا العمل في عام 1960 ولا يزال الكبت المناعي عاملاً حيوياً لنجاح غرس الأعضاء في المرضى المصابين بأمراض في مرحلة نهائية مؤكدة .

وفي عام 1954 أجريت أول عملية ناجحة لغرس الكلية بين توأمين متماثلين (تكونا من بويضة واحدة ملقحة) قام بها (جوزيف موراي) وزملاؤه . وفي عام 1963 قام (توماس ستارزل) بعملية استبدال كبد بشري ، وفي عام 1966 أجريت أول عملية لغرس البنكرياس قام بها (كيللي) وزملاؤه ، وفي عام 1967 أعلن (كريستيان برنارد) عن أول عملية لغرس القلب البشري .

وخلال السنوات العشرين الماضية تحسنت إلى حد كبير سلامة ونجاعة عمليات غرس الأعضاء بفضل التقدم المحرز في المعالجة الكابتة للمناعة ، وتحسين الأساليب الجراحية وطرق الحصول على الأعضاء وتقنيات حفظها ونظم الرعاية بعد العمليات الجراحية . وقد أصبحت عمليات غرس الكلى علاجاً مثالياً لحالات العجز الكلوي الذي لم يشهد شفاء حتى اليوم ، وغرس القلب والكبد عملية مقبولة لعلاج مرض فيهما يكون قد بلغ مرحلته النهائية ولم يعد من الممكن استعمال وسمة (المعالجة التجريبية) ، التي أزيلت من عمليات غرس القلب والكبد والبنكرياس كسبب للامتناع عن تطبيق هذه التقنيات ، غير أنه لا يمكن تجاهل المسائل الأخلاقية والاقتصادية وغيرها من المسائل المرتبطة بهذا النوع من التكنولوجيا المتقدمة.

وقد عرف الإنسان القديم في العصر البرونزي عملية التربنة(Trephine) وهي إزالة جزء من عظم القحفة(Crarium) نتيجة إصابة الرأس ، ويبدو من الحفريات الأثرية أن المصريين القدماء عرفوا عمليات زرع الأسنان التي أخذها عنهم اليونان والرومان فيما بعد ، كذلك سكان الأمريكيتين قد مارسوا زرع الأسنان قبل الأوربيين ، وكذلك عرفها الأطباء المسلمون في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي . وقد ورد في كتب السُنة أن قتادة بن النعمانt، أصيبت عينه يوم بدر (وفي رواية يوم أحد) فندرت حدقته فأخذها في راحته إلى النبيr، فأخذها النبيrوأعادها إلى موضعها فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً . وهذا من معجزاتهr، وهو أول زرع للعين(Replation) أو إعادة زرعها

امثلة عن زرع الأعضاء

– زرع الجلد :

كذلك وصف الهنود بدقة ترقيع الجلد (زرع ذاتي) ونقله من الخد إلى موضع الأنف سنة /700/ قبل الميلاد (وذلك في كتاب سرسوتا سانهيتا) (8) . وقد وصفوا بدقة كيفية إصلاح الأنف المعطوبة أو المقطوعة ، وانتقلت هذه الطريقة إلى الأطباء العرب والمسلمين ومنهم إلى الأوربيين واستطاع (تاجليا كوزي) الإيطالي في القرن السادس عشر أن يقوم بإعادة تركيب الأنف المقطوعة بواسطة قطعة من جلد الذراع ، وتوالى اختراع الآلات والسكاكين القاشطة للجلد (بسماكة 0,02 مم) إلى أن أدخل (ستيلرStellar ) جهاز الليزر وأخذ الرقع الجلدية من الخنازير عام 1971م ثم (ليفن) عام 1974م باستعمالها على الإنسان .

§استخدامات الرقعة الجلديةSkin Graft :

أ ) تستخدم الرقعة الجلدية الذاتيةAutograftلمعالجة الحروق من الدرجة الثانية العميقة والحروق من الدرجة الثالثة ، وهي الأوسع والأكثر استخداماً .

ب ) كما تستخدم الرقع الجلدية الذاتية لمعالجة القروح المزمنة والكبيرة ، والتي لا تندمل بطرق العلاج الأخرى.

ج ) كذلك تستخدم لمعالجة كثير من آثار الحروق والجراحات وآثار العمليات الجراحية الكبيرة ، وهو ما يُعرف بجراحة التجميلPlastic Surgeryالتي تعتمد بجزء كبير منها على زرع الجلد الذاتي

– نقل الدم:

وهو أكثر نقل الأعضاء انتشاراً وتجرى عشرات الملايين لعمليات نقل الدم سنوياً في كافة أرجاء العالم ، وكان أول من قام بعمليات نقل الدم (ريتشارد لاور) من إنكلترا الذي قام بنقل الدم بين الكلاب سنة 1665 ، وقام (جين بابتس دنيس) في باريس بنقل دم الأغنام لعدة أشخاص مما أدى إلى وفاتهم ، وبقي الأمر ممنوعاً لمدة (150) عاماً . وفي القرن التاسع عشر قام جيمس بلندل (1818م) من إنكلترا بنقل الدم الإنساني لبعض النساء اللاتي يعانين من نزف النفاس الذي أودى بحياة الكثيرات . وبحلول عام 1875م كان قد تم نقل الدم لـ 347 حالة . إلى أن اكتشف العالم البيولوجي النمساوي (كارل لاند شتاينر) فصائل الدم الأساسية(A B O)عام 1900م . وبعدها اتسعت معرفة فصائل الدم ، كما أمكن حفظه ومنعه من التجلط ، وتحسنت وسائل نقله وخاصة أثناء الحرب العالمية الأولى .

– زرع القرنية:

سجل بيجر(Bigger)نجاحه الأول في زرع قرنية من غزال لغزال آخر عام 1835م ، ثم قام الدكتور (ادوارد دزيوم) من تشيكو سلوفاكيا بإجراء عملية نقل قرنية من غلام ، ونقلها لرجل أصيب بالعمى نتيجة حروق أصابته ، وتمت تلك العملية بنجاح عام 1905م. ثم تواصلت النجاحات حتى وصلت إلى نسبة (90 ــ 95 بالمئة).

– زرع القلب:

كانت عملية زراعة أول قلب في عام 1905 ، عندما قام (كاريل وجوثري) بنقل قلب من كلب إلى آخر ، وتوالت المحاولات والبحوث إلى أن تم اختراع آلة تحويل الدم بعيداً عن القلب والرئتين (مجازة القلب والرئتينCardio Pulmonary bypass)في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين ، فبدأ عهد جديد في عمليات جراحة القلب وزراعة القلب .

وفي ديسمبر 1967م سجل (بارنارد) من جنوب إفريقيا أول عملية ناجحة لنقل قلب امرأة سوداء توفيت في حادثة سيارة لرجل أبيض مصاب بمرض خطير في القلب ، وقد استمر القلب المنقول في العمل لمدة (17 يوماً) عندما توفي المريض نتيجة التهاب رئوي خطير ، وتوالت النجاحات تارةً والإخفاقات تارةً أخرى ، مع تحسن وسائل الجراحة وزيادة الخبرة ووجود عقاقير قوية لخفض المناعة وخاصة منذ ظهور دواء السيكلوسبورين ، ففي عام 1979م تم إجراء ستين عملية نقل قلب في العالم ، ويمكن أن يتم اليوم زرع القلب مع الرئتين إذا استدعت الحالة الصحية للمريض ذلك . وتجرى اليوم محاولات لزرع أو لإنجاح زراعة القلب الصناعي (وذلك لقلة المتبرعين) بعد أن سجلت نجاحاً محدوداً في السنوات الماضية .

-زرع الرئتين :

وهي من العمليات المعقدة جداً ، وكانت أول عملية زرع للإنسان قد تمت في سبتمبر 1969م . وتعتبر عملية نقل القلب والرئتين معاً، أسهل من الناحية الجراحية من عملية نقل الرئتين فقط ، والاستطبابات هي : المرحلة النهائية من ارتفاع التوتر الرئوي والحالات التي تؤدي إلى اضطراب تبادل الغازات المزمن ، وتجرى العملية من المعطي إلى الآخذ في غرف متجاورة لأن وسائل الاحتفاظ بالرئة ما تزال محدودة .

– زرع الكلية:

كانت أول محاولة ناجحة لزرع الكلية في الحيوانات قد تمت على يد (أمريش أولمان) عام 1902م في النمسا ، عندما نجح في نقل كلية كلب من خاصرته إلى عنقه (زرع ذاتــي) . ونجاح هذه الزراعة كان مرتبطاً باكتشاف عقار السيكلوسبورين بواسطة شركة ساندوز السويسرية التي استخلصته من الفطر الناقص( Fungiimperfecti) بعد أن تمت زراعة هذا الفطر في معاملها ، وبعد أن تمت دراسة هذا الفطر من النواحي السُمية وجرب على الحيوانات تمت أول تجربة في الإنسان بواسطة (كالن وباولس)Powles . وكان لنجاح هذه التجربة أثر بالغ في إجراء العديد من التجارب حول هذا العقار وفعاليته في خفض المناعة في مختلف بقاع العالم ولمختلف أنواع زرع الأعضاء ، وارتفعت نسبة النجاح بالنسبة لبقاء العضو المزروع لمدة سنة إلى ما بين 70 و 80 بالمئة (بالنسبة للكلى) ، وبقاء المريض لمدة عام التي ارتفعت إلى 90 ــ 95 بالمئة (بالنسبة لزرع الكلى) . ولم يعد هناك حاجة (بسبب استعمال هذا العقار) لإجراء فحص التطابق النسيجي وإنما يكتفى بإجراء تطابق فصائل الدم ، وهنا النجاح يكون كبيراً وخاصة بالنسبة للزرع من الجثث ، واليوم نتائج زراعة الكلى تحقق نجاحاً كبيراً ومطرداً وتُجرى عملياتها في أغلب دول العالم النامي والمتقدم .

– زرع الكبد :

لا يزال زرع الكبد من العمليات المعقدة جداً والمحفوفة بالمخاطر، وكان الجراح الأمريكي (توماس ستارزل) أول من قام بعملية زرع كبد في إنسان عام 1963 وفشلت ، وفي عام 1964م أجرى (ولش) عملية زرع كبد عاش بعدها المريض لمدة أسبوعين . وعادة ما يموت المريض المجرى له مثل هذه الزراعة بعد عام أو أكثر قليلاً ، ولا زالت الأبحاث تتوالى لإنجاح هذا النوع من الزراعة .

– زرع البنكرياس:

استخدم زرع البنكرياس لمعالجة مرض البول السكري عام 1892م عندما قام (هيدونHedon ) بزرع أجزاء من البنكرياس من كلب وضعها تحت الجلد في ذات الكلب الذي نزع منه البنكرياس ، وقد نجحت هذه العملية في الزرع الذاتي وانخفض مستوى السكر في الدم إلى معدله الطبيعي لفترة محدودة طالما كانت التروية الدموية للجزء المزروع باقية .

وتجرى حالياً مئات العمليات من زرع البنكرياس سنوياً في الولايات المتحدة وغيرها من المراكز المتقدمة ، ونتيجة استخدام تقنيات جديدة مع عقاقير خفض المناعة الجديدة بدأت عمليات زرع البنكرياس أو أجزاء منه تخرج عن طور التجارب ، وأخذت تباشير النجاح تلوح في الأفق حيث وصلت نسبة النجاح وبقاء المريض على قيد الحياة لمدة عام نسبة 60 – 70 % (في نهاية الثمانينات) . ويقدم لنا اغتراس المعثكلة مستوى ثابت للكاربوهيدرات في الداء السكري ، وبالتالي يمنع تطور الأذيات الشعرية الوعائية في العين والكلى وبقية الأعضاء .