المفهوم القانوني للدولة التقليدية

لاشك أن إختلاف المناهج أثر على تحديد مفهوم الدولة التقليدية، بحيث وُظفَ المفهوم لأول مرة في”تاريخ الأفكار السياسية”، وقُصد به كل نظام سابق على الثورة الفرنسيةواستعمل في مجال “فلسفة التاريخ” وكان يشير إلى كل نظام ينتمي إلىالعهدالوسيط الأوربي، ثم استعمل في مجال “الاجتماعيات” فنُسب إلى كل نظامينتمي إلى الشرق وأخذت به “الأنثروبولوجيا”(علم الإناسة) أخيرا وقصدت به كلنظامغيرأوروبي [ 19 ] . إلا أن العروي يُبْدي مَيْلاً إلى أفكار (ماكسفيبر) قائلا:”لكن تبقى استطلاعات (ماكس فيبر) هي التي تُغَدي البحث، ذلك انهلم يعد في إستطاعة أحد الإستخفاف بالإشكاليتين الفيبيريتين الأساسيتين:

نشأت الدولة الحديثة في أوروبا إنطلاقا من الإقطاع.خصوصية الدولة الأوروبيةالتي تفرض نفسها
كمثل على الدول الأخرى التي تُسمى لهذا السبب تقليدية، [ 20 ] ولكن هل
يمكن إعتبار “دولة السلطنة” “دولة تقليدية” ؟ وإذا كانت كذلك هل يمكن
إعتبار الدولة التقليدية لصيقة بالنموذج الشرقي أم أنه حتى في الغرب
يمكن أن نَعْتُرَ على نموذج للدولة التقليدية ؟

2 – سمات “الدولة التقليدية”

لندرس الآن حالة “الدولة السلطانية” ولنترك العروي يتحدث عنها، يقول: “منذ قرون والدولة في البلادالعربية الإسلامية سلطانية [ 21 ] ولكن ماذا تعني سلطانية ؟ تعني ببساطةأن الدولة يحكمها سلطان يقول إنه “خليفة الله” في أرضه – لا رسول الله
بين الناس – يقول إنه “ظل الله” في الأرض – أي أن لا عدل في الأرض إلا تحت رايته – وأن الله “أورثه” الأرض ومن عليها، [ 22 ] بحيث أن الخزينة والبيروقراطيةوالجيش… كل ذلك، مُلْكٌ له يتصرف فيه كما يشاء، [ 23 ] ذلك أن الجيش هو يَدُ السلطان يُحارب في الداخل أكثر مما يُواجه الخارج، والضرائب هيغرامة تُقَدرُ بما يحتاج إليه الأمير، لا بما تستطيع تَحَمُلَهً الرعية، تنتزع غصبا من التاجر والفلاح والصانع والموظف… أما الإدارة فهي في الغالب تحت إمْرَة أفراد يَؤتَمنُونَ على مال السلطان، من نقود وعروض وماشية وعقار [ 24 ]

هذا هو حال أجهزة دولة السلطنة، فما هو يا ترى حال الفرد داخل الدولة السلطانية ؟

يقول العروي: “ما من دولة سلطانية إلا والفرد فيها مستعبد فيها، بل إن الفرد داخل الدولة مُسْتَعْبَدٌ بالتعريف، فلا يعرف الحرية إلا إذا خرج منها أو عليها [ 25 ] وهو ما يبين أن ما يَنْقُصُ السلطنة هو الحرية كهدف لكل فرد، لذلك قيل “لا حرية في نظام السلطنة” [ 26 ] وهذا على خلاف الدولة الليبرالية التي كانت وَطْأَتُهَا خفيفة على الفرد في أوروبا [ 27 ] وهو ما يبين أن الدولة السلطانية
كانت دولة القهر والسطو والإستغلال [ 28 ] بل إنها جهاز قمعي صرف[ 29 ]
لا يتوفر على “أدلوجة تبريرية” تخلق له إجماعا وتكسبه ولاء الأفراد[ 30 ] وهذا ما أدى بالفلاسفة إلى رفض نظام السلطنة رفضا مطلقا [ 31 ] وحَذَا بهم إلى إتخاذ مواقف إنعزالية عن الحياة السياسية مثل المتصوفة عبد [32 ] وهذا ليس خاصا فقط بنموذج الدولة السلطانية، بل نجد بعض مظاهره حتى في “دولة التنظيمات”، وفي هذا السياق يقول العروي: “لا يمثل الإصلاح قطيعة مع الماضي بل يعني تثبيت النظام القديم بمميزاته الجوهرية” [ 33 ] بحيث أن الإصلاح كان يهدف في مرحلته الأولى إلى تقوية الدولة السلطانية، [ 34 ] هذا بالإضافة إلى أن جميع المؤلفين “الإصلاحيين” كانوا يُطيلُون الكلام عن “العدل” جاعلين منه مرادفا للإصلاح [ 35 ] و”العدل” – بالنسبة لهم – تَقَيُدْ السلطان بقواعد الشرع [ 36 ] وهو ما يبين أنهم لم يسعوا إلى الإطاحة بنظام السلطنة، بل كانوا يسعون فقط إلى تقييد السلطان بقواعد الشرع مع الحفاظ على النظام القائم. [ 37 ]

هذا هو حال “الدولة العربية الإسلامية التقليدية”، سواء كانت “الدولة سلطانية” أو “دولة التنظيمات”، بل حتى “الدولة العربية الحالية” مازالت “غير عقلانية” هذا حكم قال به المفكر التونسي هشام جعيط وإن كان هذا الأخير قد قيد الحكم بدولة تونس فإن
العروي قد قال: “إن هذا الحكم قابل التعميم” [ 38 ] هذا كان موقف الأستاذ العروي من الدولة في العالم العربي متفقا مع الباحث التونسي هشام جعيط،
وتلك كانت سمات الدولة العربية الإسلامية التقليدية من دولة السلطنة إلى دولة التنظيمات.

لنأخذ الآن نموذجا “للدولة التقليدية” من الضفة الأخرى، حتى نتبين معالم “التقليد” بشكل واضح على مستوى “الأجهزة” ولتكن هي “دولة النمسا” في القرن الثامن عشر ، ولنتساءل كيف كانت تسير إدارتها؟ وكيف كانت تدبر إقتصادها؟ ومماذا كان يتكون جيشها؟ وكيف كانت توجه تعليمها؟

كانت “دولة النمسا” –في القرن الثامن – تخضع لنظام إمبراطوري [ 39 ] وجيشها يتكون من المرتزقة [40 ] بالإضافة إلى أنه متعدد الجنسيات، [ 41 ] والجندي النمساوي كان دائما تحث تصرف الإمبراطور [ 42 ] ومن النافل القول انه كان أرستقراطيا مُتَعَودٌ
على الخضوع الأعمى [ 43 ] أما إدارتها فكانت تعتمد على الأعراف المتعددة
[ 44 ] في حين أن اقتصادها إستهلاكي، وسوقها الاقتصادية مجزأة…
أما تعليمها فهو تحت وصاية المؤسسة الكنسية [ 45 ] مما يبين نوعية المعرفة المهيمنة…
بالإضافة إلى أن التعليم فيها أدبي ويدرس بعدة لهجات. [ 46 ]

هذه هي أهم سمات الدولة التقليدية – بإقتضاب- حسب العروي، وبعد أن عرفنا سمات الدولة التقليدية، يحق لنا الآن أن ننتقل على سمات الدولة الحديثة، وأين يمكن “تقطع” هذه الأخيرة مع سمات الدولة التقليدية ؟ وقبل تحديد سمات الدولة الحديثة فلنتساءل عن مفهومها أولا ؟

3- مفهوم “الدولة الحديثة”

بدءا لا يمكن فهم مفهوم الدولة الحديثة عند الأستاذ عبد الله العروي إلا بالرجوع إلى تصورات علماء الإجتماع حول الدولة القائمة، ويمكن أن نعطي نبذة عنها حتى نتبين موقف العروي من أصناف “الدولة القائمة”، وكيف يبني مفهوم الدولة الحديثة إنطلاقا من تصورات علماء الإجتماع.

يُصَنفُ “علماء الإجتماع” أربعة تصورات تعني “الدولة القائمة” النموذج الأول ينفرد به (فريدريك إنجلز) والإثنولوجيين وتسمى ب “الدولة التاريخية” وهي مرتبطة بالملكية الخاصة [47 ] وهذا النموذج نشأ في آسيا الغربية مبني على “نظرية الحق الإلهي في الحكم” والسلطة الفردية المطلقة [ 48 ] أما النموذج الثاني فهو الذي وجد عند (كارل ماركس) في نقده لفلسفة الحق عند (هيغل) وسماه “التنظيمات الجديدة” وإتخذ (ماركس) كنموذج لتلك الدولة، ملكية (فريديريك الثاني) و(لويس الرابع عشر) وإمبراطورية (نابليون الأول) [ 49 ] وهو ما يُلَمحُ إليه العروي بمفهوم الدولة الحديثة، بعد أن يمزجها بالنموذج الثالث الذي سنتحدث عنه فيما يلي:

أما النموذج الثالث

فهو الذي ظهر في  “إجتماعيات” القرن الماضي والذي نَوَهَ بالدولة الصناعية التي تعطي الأولوية للصناعة على الفلاحة في سلم الأولويات، أما النموذج الرابع فهو الذي ظهر أواسط هذا القرن في “الإجتماعيات” والذي سمي بالدولة المعاصرة التي تعتمد على تداخل العلم والصناعة بالإضافة إلى إعتمادها على وسائل الإتصال السمعية والبصرية والإعلاميات حتى سماها العروي بالنموذج الإعلاموي [ 50 ] إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا هو ما هو مفهوم الدولة الحديثة عند عبد الله العروي؟

يرفض العروي النموذج الأول – “الدولة التاريخية” – ويصفها بأنها نموذج “جد فضفاض” [ 51 ] هذا بالإضافة إلى أنه يقوم على “نظرية الحق الإلهي”، ويستبعد النموذج الرابع على إعتبار أنه “يخص قسما مازال ضئيلا بالنظر إلى المنتظم الدولي” [ 52 ]
وبالتالي يبقى النموذجان الثاني والثالث فما هو موقف العروي منهما ؟ لنعر أسماعنا إليه يقول العروي: “يبقى النموذجان الثاني والثالث يتداخلان ويؤلفان نموذجا واحدا يسمى بالدولة الحديثة، وهو ما يستعمله الباحثون في العلوم السياسية [ 53 ] وهو ما يسميه العروي أحيانا نموذج “الدولة الحديثة الصناعية” [ 54 ] إلا أن العروي يربط الدولة الحديثة أو العصرية بإزدهار الوعي القومي [ 55 ] بحيث يقول: “كان المؤرخون ولايزالون يربطون ظهور الدولة الحديثة مع مميزاتها العسكرية والتنظيمية والإقتصادية والثقافية
بظاهرة القومية [ 56 ] هذا بالإضافة إلى ربط مفهوم الدولة الحديثة بمفهوم العقلانية [ 57 ] بل إن أصل مميزات الدولة الحديثة هي العقلنة، بل إنها في مقدمة مميزاتها [ 58 ] ويضيف العروي موضحا: و”البيروقراطية” هي عنوان “العقلنة” [ 59 ] هذا مع العلم المسبق: أن الدولة بلا حرية ضعيفة متداعية والحرية خارج الدولة طوبى خادعة، بحيث أن السؤال المطروح حسب العروي هو: كيف الحرية في الدولة والدولة بالحرية؟ كيف الحرية بالعقلانية في الدولة؟ كيف الدولة للحرية بالعقلانية؟ [ 60 ]

كانت هذه الأسئلة هي محور تفكير الأستاذ العروي، بحيث أن آخر سؤال – كيف الدولة للحرية بالعقلانية ؟ – هي آخر المفاهيم التي ختم بها كتاب مفهوم الدولة متسائلا كيف: مزاوجة الدولة بالحرية والعقلانية [ 61 ] ذلك كان مفهوم الدولة الحديثة عند عبد الله العروي، أما الآن فَسَنَرْصد تجليات “العقلانية” على مستوى أجهزة الدولة الحديثة.

4- سمات “الدولة الحديثة”

يمكن إجمال سمات الدولة الحديثة في مياسم محورية من أهمها أن المؤسسة العسكرية أو الجيش، مؤسسة ديمقراطية، وأن الجندي يدافع عن الوطن أو التراب… مما يُبين “الحس الوطني” لديه هذا بالإضافة إلى أنه جيش نظام وشعبي … أما الجهاز الإداري فهو خاضع لقانون موحد… مما أدى إلى ظهور طبقة البيروقراطية والتي هي بمثابة جيش مدني بحيث أنها تتكون من موظفين مختارين على أساس مباراة مفتوحة، مما من شأنه أن يخلق مسألة تكافؤ الفرص… أما في ما يخص جهازها التعليمي فهو تطبيقي،
ويعتمد على اللغة الموحدة بالإضافة إلى أنه مؤمم أما إقتصادها فهو اقتصاد السوق يعتمد على الإنتاج، بالإضافة إلى أن سوقها الاقتصادية موحدة ، هذه كانت بالجملة أهم مميزات الدولة الحديثة على مستوى الأجهزة، إلا أن الدولة الحديثة لا تَنْحَلُ فقط في الاجهزة [ ذلك أن الدولة الحديثة ذات وجهين، وجه مادي قمعي ووجه أدبي والأدلوجة هي الوجه الأدبي للجهاز ذلك إنه لا دولة حقيقية بدون “أدلوجة دولوية” حسب تعبير العرويلأنها هي التي تجسد مفهومي “الشرعية” و”الإجماع” ذلك أن الجهاز وحده لا يضمن الإستقرار في عالم تتعدد فيه النزعات العقائدية وهو ما جعل العروي يقول: “إننا لا نُقَيم قوة الدولة أو ضعفها بالنظر إلى جهازها بل على أدلوجتها.

بعد أن عرفنا مفهوم  وسمات  كل من الدولة الحديثة والتقليدية، فيحق لنا الآن أن ننتقل إلى “القطيعة” التي قد تكون أن تُقيمَها الدولة الحديثة مع الدولة التقليدية.

5 – تجليات “القطيعة” بين مفهوم الدولة الحديثة والتقليدية.

يمكن القول بالجملة: إن الدولة التقليدية قامت على مبدأ الإستبداد المتمثل أساسا في نظرية حق الملوك الإلهي في الحكم، في حين أن الدولة الحديثة جاءت بالأساس لتقويض هذا الحق المزعوم، وتعويضه بالحق المدني، بحيث إذا كان القانون الذي إعتمدته الدولة التقليدية مُسْتَوْحَى من المقدس أو “مُشَرْعَنْ” من طرف المؤسسة الدينية، فإن الدولة الحديثة “قطعت” مع القانون المستوحى من الدين، لتعوضه بقانون مستوحى من العقل، متمثل أساسا في القانون المدني الذي وضعه (نابوليون)، بالإضافة إلى أفول رمز الإستبداد -عنينا به مفهوم “السلطان” – كما في “دولة النمسا” في القرن الثامن عشر- بل إنحل حتى مفهوم الإمبراطورية ليحل محله مفهوم الدولة الوطنية ذات السيادة، وثم إلغاء كل الإلتزامات الإقطاعية ليظهر مبدأ حرية التملك، وغيرها من الحقوق المدنية والسياسة، وإذا كان المبدأ الذي قامت عليه الدولة التقليدية هو تجميع السلطات، فإن المبدأ الذي قامت عليه الدولة الحديثة هو الفصل بين السلطات، وهو الذي أدى إلى الإنتقال من “الحرية المطلقة” إلى “الحرية المقيدة” بالقانون المنظم للعلاقات
– عنينا به “الدستور”-، واصبحت السلطة مؤسساتية، وليس هذا فحسب بل إنتقلنا من مفهوم “الرعية” إلى مفهوم “المواطن”، أما عن “القطيعة” على مستوى “أجهزة الدولة” فيمكن أن نقول بالإجمال ما يلي:

*على المستوى التعليمي

ثَم الحد من هيمنة الكنيسة على مجال التعليم.

ثَم الحد من التدريس باللهجات المتعددة وثم تعويضها باللغة الموحدة.

أصبح الإعتماد على التعليم التطبيقي والحد من هيمنة التعليم الأدبي.

* على المستوى الإقتصادي

ثم الإنتقال من إقتصاد الكفاف أو إقتصاد المعاش الذي ظل “إقتصادا مغلقا” إلى إقتصاد السوق الذي يعتمد علي الإنفتاح بدل
الانغلاق.

تحولت السوق الإقتصادية المجزأة إلى سوق إقتصادية موحدة.

أضحى الإعتماد على برامج التخطيط والتوجيه… من أجل الإنتاج والتصدير بدل الإستهلاك.

* على المستوى الإداري.

حدث تحرير البيروقراطية من سيطرة الحاكم، وأصبحت تخضع لنظام المباراة المفتوحة للجميع، مما يعني أنها أضحت تعتمد على مفهوم “الإستحقاق”، بالإضافة إلى أنها أَمْسَتْ تخضع لقانون موحد يعم الجميع، وهو الشيء الذي من شأنه خلق تكافؤ الفرص.

* على المستوى العسكري.

حدثت “القطيعة” مع الجيش غير النظامي ( جيش المرتزقة ) وثم تعويضه بالجيش النظامي.

استحال الجندي يدافع بروح وطنية وليس بدافع الإنتماء إلى السلطان.

وقعت “القطيعة” مع الجيش المتعدد الجنسيات ليتم استبداله بجيش وطني موحد الجنسية.

هذا بالإضافة إلى أن الدولة الحديثة تتكون من وجهين: وجه قمعي يرمي إلى السيطرة ووجه أدبي يرمي إلى الهيمنة، وتأتي هذه الأخيرة من الأدلوجة التي تروجها الدولة عبر وسائل الإعلام وأقلام بعض المثقفين الموالين للنظام… في حين أن الدولة التقليدية كانت تقتصر على الجهاز القمعي فقط ولا تتوفر على “أدلوجة تبريرية” تخلق لها “الشرعية” وتكسبها ولاء “الأفراد”، بالإضافة إلى ذلك فان الدولة الحديثة دولة ديمقراطية، نظرا لمفهوم الديمقراطية تربطه علاقة تكامل بمفهوم الدولة الحديثة، تصل حد التلازم، بحيث أن لا دولة حديثة إلا الدولة الديمقراطية، هذه قناعة عبر عنها الأستاذ العروي ، إلا أننا تناولناه لوحده حتى نبين اين يقطع هو ايضا مع مفهوم الشورى، إقتضتها الضرورة المنهجية، وفي هذا السياق يقول عبد الله العروي:”منذ أن نشأت الحركة السلفية وهي تخلط بين الديمقراطية في مفهومها العصري والشورى في مفهومها القديم” ولكن ما الديمقراطية؟ وما الشورى ؟ وأين يمكن أن يقطع مفهوم الديمقراطية مع مفهوم الشورى ؟

يقول العروي: “إن الديمقراطية الحديثة مبنية على منطق الإنسان الإجتماعي الذي يحاور ويناقش ويصوت في شؤون الجماعة مقيدا فقط ببنود الميثاق الإجتماعي” وهذا ما يبين أن الديمقراطية تسير بمنطق إجتماعي، في حين أن الشورى تعتمد على مفهوم “أهل الحل والعقد، وهو ما يبين أنها لا تعتمد على المنطق الإجتماعي، بل الإستشارة فيها محصورة فقط على “أهل الحل والعقد”، وهم بلغة اليوم “النخبة المثقفة”، وبالتالي فهي عملية لا يتدخل فيها الشعب، عكس الديمقراطية التي يمثل الشعب أساسها، وجوهرها . ولا يَظُنن احد أن العقلانية مقتصرة على الميدان السياسي فلقد سبق للعروي أن نبه لهذا بحيث يقول: “فانا لا أريد أن الخص العقلانية في الميدان السياسي” بالتالي فان “للعقلانية” تجليات أخرى بغض النظر عن “العقلانية السياسية”، فهناك العقلانية الاجتماعية .