الجزاء في القاعدة القانونية

يرتبط عنصر الجزاء – الذي يعرفه فقهاء القانون على انه ( هو اثر يتخذ صورة اذى مادي منظم يترتب على مخالفة احكام القاعدة القانونية يفرض من السلطة العامة في الدولة ممثلة بالسلطة القضائية , وذلك لزجر المخالف وردع غيره ) – بفكرة القانون فقد نشأ جنبا الى جنب مع القاعدة القانونية و تطور مفهومه معها على مدى حقب تاريخية طويلة حتى استقر مفهومه الحديث ، فعندما ظهر عنصر الجزاء كأثر لعدم التقيد بقوانين الجماعة او الحاق ضرر باحد الافراد لم تكن هناك سلطة عامة تقوم بايقاعه على المذنب او الجاني فكان المتضرر او المجنى عليه او احد افراد اسرته هو الذي يقوم بتنفيذ العقوبة على الجاني .

و كانت تلك العقوبة تهدف الى الحاق الاذى و الانتقام منه و في احيان كثيرة تفوق تلك العقوبة الاذى الذي الحقه الجاني بالمجنى عليه لان هدفها هو ايلام الجاني و الثار منه فضلا على ان تلك العقوبة لم يتم تعيينها مسبقا في قاعدة قانونية لذلك كان الجزاء كيفيا بحسب هوى المجنى عليه و درجة حنقه و حقده على الجاني و هذه نتيجة طبيعية لان العلاقات بين الافراد او الجماعات لا يحكمها نظام الا القوة ، و طالما ان الفرد كانت تذوب شخصيته في الجماعة التي يعيش ضمنها فان اي اعتداء عليه يعد اعتداء عليها اي الجماعة لذلك فان كل الجماعة تهب للأخذ بثأر المجنى عليه و العقوبة قد لا تشمل عندئذ الجاني فقط و انما جميع افراد عشيرته او قبيلته و بالعكس فان اي اعتداء من احد افراد الجماعة على فرد من جماعة اخرى فان الاولى تكون مسؤولة بالتضامن حيال جماعة او اسرة المجنى عليه .

و بعد استفحال ظاهرة الأخذ بالثأر قتلا في جرائم الاعتداء على الاموال مثل السرقة رأت الجماعة ان تكون العقوبة على هذه الجريمة هي الاكتفاء برد المال المسروق مع دفع تعويض يضاهي قيمة المال المسروق ، و هنا نجد ان هذه مرحلة متطورة من الجزاء الذي كان يفوق كثيرا الجريمة المرتكبة و يشمل جميع افراد الجماعة الى اقتصاره على الجاني او اسرته مع حقن الدماء و عدم الاحتكام دائما الى القوة تدفعها الى ذلك غريزة حب البقاء فقررت انه من الافضل ان تكون عقوبة بعض الجرائم التي لا تؤدي الى موت المجنى عليه هي الدية او التعويض .

وفي خطوة هي الاكثر تطورا من نوعها تلجأ الجماعة الى الاحتكام الى شخص يختاره المتخاصمان و يتفقان على القبول فيما يحكم به فظهر نظام التحكيم ثم الصلح من دون وسيط او بوسيط يتدخل لعقد الصلح بين الجماعات المتنازعة. ولم تعد العقوبة تتم بحسب اهواء المجنى عليه او نوازعه الداخلية التي تدفعه لانتقام اشد ايلاما مما حل به و انما يتم رفع الخصومة الى رئيس القبيلة الذي يقرر نوع العقوبة و مقدارها و خصوصا بالنسبة لنظام الدية .

و بعد ظهور الدولة كسلطة عامة انتهى زمن ” نظام العدالة الخاصة “ و اصبحت هي اي الدولة وحدها المسؤولة عن الامن والعدالة فهي التي تملك وسائل الاكراه المادي و توقيع الجزاء على الجاني بقرار قضائي باتت تصدره السلطة القضائية و بموجب قواعد قانونية عامة و امرة و مجردة يخضع الجميع اليها بالتساوي ( كقاعدة عامة ) .

وبناء على ذلك فان الجزاء يعد عاملا مشتركا بين جميع القواعد ايا كان نوعها سواء كانت اجتماعية ام اخلاقية ام دينية و لو انه اي الجزاء يختلف في طبيعته من قاعدة الى اخرى الا انه يشترك في مفهومه العام كأثر لمخالفة قاعدة ،

وقد قسم فقهاء القانون الجزاء القانوني على ثلاثة انواع هي : الجزاء الجنائي الذي يقصد به ( الاثر الذي يترتب على مخالفة قواعد القانون الجنائي ) و تكون صورته عقوبة بدنية او سالبة للحرية او مالية بحسب طبيعة الجريمة و خطورتها على المجتمع و اثارها فالعقوبة البدنية وهي : العقوبة التي تنال من جسم الجاني كالاعدام او عقوبة تنصب على حرية الانسان كالسجن بكل درجاته ( المؤبد و المؤقت ) او عقوبة ترد على مال الجاني .

وفي كل الاحوال فان الجزاء الجنائي يفرض لحماية مصلحة المجتمع التي عرضها الجاني للخطر فهي مهما بلغت خطورتها و درجتها الا انها في النهاية تفرض لحماية المنظومة الاجتماعية و المحافظة على المصلحة العامة و يكون هدفها ايضا التأديب و الردع اي تأديب الجاني و الاقتصاص منه و منع بقية افراد المجتمع من القيام بهذه الجريمة و تعريض أمن و استقرار المجتمع الى الخطر و هي اهداف خالصة لتحقيق المصلحة العامة و ليس من بينها نهائيا الانتقام من الجاني او الثأر منه او لشفاء غليل المجنى عليه او اسرته بدليل ان عقوبة الاعدام مثلا التي تنفذ بحق من قام بقتل شخص فانها تطبق بحقه حتى وان لم يكن للقتيل اي اسرة كما انها ماضية بحق القاتل حتى وان عفا عنه ذوو المجنى عليه و هذا بطبيعة الحال نتيجة طبيعية للضرر الذي يلحق بالمجتمع جراء هذه الجريمة .

اما النوع الثاني من الجزاء القانوني فهو الجزاء المدني و يقصد به الاثر الذي يترتب على مخالفة قواعد القانون الاخرى عدا القانون الجنائي فهو جزاء يفرضه القانون عند الاعتداء على حق خاص او انكاره من دون ان يمس هذا الاعتداءالمصلحة العامة او يخل بالنظام الاجتماعي) ، و يهدف هذا الجزاء الى اصلاح او جبر الضرر الناتج عن الاخلال بقاعدة قانونية او ازالته ان امكن و نتيجة لذلك فان الجزاء المدني يعد حقاً خاصاً يتقرر لصالح من لحقه الضرر و ان المطالبة فيه تتم عن طريق اقامة دعوى مدنية ، و للجزاء المدني صور عديدة فقد يأخذ شكل تعويض عن اي ضرر لحق بالمتضرر او قد يكون في صورة اعادة الوضع الى ماهو عليه قبل المخالفة مثل قيام شخص باقامة جدار تسبب هو بهدمه او قد يكون بصورة التنفيذ العيني الجبري الذي يقع على اموال المدين عن طريق بيع اموال الاخير بالمزاد العلني واخذ كل دائن حقه من الثمن الذي رست به المزايدة .

اما النوع الثالث من الجزاءات فهو الجزاء التأديبي الذي يقصد به ( الجزاء الذي يفرض عند مخالفة القواعد القانونية التي تحكم الوظيفة العامة او قواعد الخدمة المدنية ) و مثاله عقوبة الانذار او التوبيخ او العزل من الوظيفة العامة وهذا الجزاء له خصوصية تميزه عن النوعين الاخرين من الجزاءات الجنائي و المدني في ان من يقوم بايقاعه هو الرئيس الاداري للموظف بموجب تحقيق اداري و ليس من السلطة القضائية.

المحامية: ورود فخري