الحيازة بين المفهوم الفقهي والقانوني وإشكالية التطبيق العملي

عديدة هي أسباب ومصادر اكتساب الملكية في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي من بينها الإلتصاق والإستيلاء ، الإرث ، الوصية ، الحيازة وغيرها سوف نهتم بالحيازة باعتبارها إطار موضوعنا .
وباعتبار الحيازة حادثة أو واقعة تنتج آثارا قانوننية ،فإنها حظيت باهتمام بالغ سواء على المستوى الفقهي أو المستوى القانوني ،فالحيازة كانت محل اهتمام كبير من طرف كبار الفقهاء ومعظم التشريعات على مر التاريخ فقد عرفت في القانون الروماني وكان من أهم آثارها اكتساب الملكية ومنه انتقلت إلى معظم القوانين الاوروبية كالقانون الجرماني .
كما أن الفقه الإسلامي وخصوصا فقهاء المالكية قد خصوا هذه المؤسسة بالعديد من الأحكام التي ساهمت في إغناء الفكر القانوني
أما في التشريع المغربي فلم تظفر الحيازة بتعربف محدد فلم تظفر الحيازة بتعريف محدد بل إن المشرع المغربي لم ينظمها تنظيما محكما في قانون الإلتزامات والعقود ولكنه استدرك هذا الخطأ بتنظيمها في مدونة الحقوق العينية الصادرة بتاريخ 22نونبر2011 من المواد من 239 إلى 263 ،كما نظمها المشرع في قانون المسطرة المدنية من خلال الفصول من 166 إلى 170 .ويعود سبب اهتمام مختلف التشريعات بالحيازة إلى كونها متى اكتملت شروطها فهي توفر للحائز حماية قانونيةة بغض النظر عن كونه مالكا للشيء المحاز أم لا مما يساهم بشكل كبير في استقرار المعاملات وضمان اللإمن والطمأنينية داخل المجتمع .
أما من الناحية العملية فتبرز من خلال الإشكاليات الخطيرة والمتعددة المطروحة امام القضاء والتي آثارتها مسألة حماية القانون للحيازة ضد الإعتداءات المتكررة من طرف المحتلين والغاصبين الذين يصفون أنفسهم بالملاك .
ومن هنا يمكـــن طرح الإشكالية التالية فما هي حقيقة الحيازة وما هي النظم القانونية التي تشته بها ؟ وما هي الآثار التي تنتجها نظرية الحيازة القانونية من خلال الواقع العملي ؟
وللإبابة عن هذه الاشكالية سنتطرق الى الموضوع من خلال ما يلي :
المحور الاول : ماهية الحيازة وتميزها عما يشتبه بها

المحور الأول :ماهيةالحيازة

سوف نتحدث في هذا المحور عن ماهية الحيازةوذلك في نقطة أولى وعن تمييزها عما تشتبه بها في النقطة الثانية

أولا : ما هية الحيازة:
لمعالجة هذه النقطة سوف نقسمها إلى قسمين سوف نعالج في القسم الأول تعريف الحيازة من حيث اللغة والإصطلاح وفي القسم الثاني سوف يتم التطرق إلى نطاق الحيازة .

1- تعريف الحيازة :
الحيازة في المفهوم اللغوي : هي الجمع كالحيازةوالإحتياز وجاء في لسان العرب الحوز والجمع وكل من ضم شيئا إلى نفسه من مال أو غيره ذلك فقد حازه حوزا أو احتازه إليه أي ضمه إلى نفسه ، يتبين من خلال هذين التعريفين أن الحيازة لغة ما هي في حقيقة الأمر إلا ضم الشخص شيئا لنفسه ما دامتالحيازة لا تتحقق إلا بالسيطرة على الشيء ولا شك ان مفهوم الحيازة لا ينحصر في التعريف اللغوي فقط وإنما يمتد إلى التعريف الفقهي وهكذا عرفها الفقيه الدردير على أنها “وضع اليد على الشيئ والإستيلاء عليه والتصرف فيه بهدم أو بناء أو صدقة أو زرع أو غرس أو إيجار أو بيع أو قطع شجر” في حين عرفها أبي الشتاء الغازي الحسيني بأنها وضع اليد على الشيئ مع إدعاء تملكه والتصرف فيه عشرة أعوام فأكثر على عين المدعي الذي سكت عن ملكه من غير عذر ومحلها ما جعل أصل مدخل الحائز او علم وكان ينقل الملك عن الأول مثل الشراء منه أو التبرع منه على الحائز أو ورث إلى جانب هذه التعاريف الفقهية المقتبسة من أمهات الكتب نجد بعض الفقهالمغربي الحديث الذي حاول هو الآخر تحديد مفهومالحيازة وإذ عرفها ابن معجوز على أنها وضع اليد من قبل الإنسان على شيئ ويبقى تحت تصرفه مدة من الزمن وعرفها الأستاذ مأمون الكزبري بانها السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيئ منقولا أو عقارا أو على حق عيني مترتب على شيئ.
ويتضح من خلال هذه التعاريف المذكورة أعلاه أنها اختلفت في الصياغة واللفظ دون المضمون ما دامت كلها تصب في اتجاه واحد ألا وهو وضع اليد الشيئ المحوز وعلى هذا الأساس يمكن القول ظان وضع اليد هو مظهرأساسي لقيام الحيازة وتحققها مادام تخلفه يترتب عليه انتفاء الحيازة . أما إذا نظرنا إلىالحيازة من الجانب القانوني فنجد المشرع المغربي قد نص على الحيازة الإستحقاقية في المادة 239 منمدونة الحقوق العينية “تقوم الحيازة الإستحقاقية على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه ولا تقوم هذه الحيازة لأجنبي غير مغربي مهما طال أمدها”.
هذا فيما يخص تعريف الحيازة فماذا عن نطاقها؟

2- نطاق الحيازة :
يقصد بنطاق الحيازة ما يجوز حيازته لهذا لا تردالحيازة إلا على الحقوق العينية التي ترد على الشيئ المادي يجوز التعامل فيه أي أنها لا ترد علىالحقوق الشخصية فالمستأجر لا يعتبر حائزا قانونيا وبالتالي لا يجوز له اكتساب ملكية الشيئ المؤجر أو أي حق عيني آخر عليه والحيازة لا تقتصر علىالحقوق العينية الأصلية بل تمتد لتشمل ايضا الحقوقالعينية التبعية فهي تدخل في إطار العينية بصفة عامة فالدائن المرتهن رهن حيازي يستطيع أن يكتسب حق الرهن على العقار المرهون رهن حيازي بالتقادم إذا كان هذا العقار غير مملوك للراهن وقت الرهن وترد الحيازة على الشيئ المادي منقولا كان أو عقارا على حد سواء وتبعا لطبيعة هذه الأشياء واختلاف التعامل بها تختلف أحكام الحيازة بالنسبة إليهما فهي بالنسبة للعقارات طويلة الامد متعددة الشروط وبالنسبة للمنقولات فإن عملية حيازتها كافية لتملكها وتطبق الحيازة على كل العقارات إلا ما استثني بنص خاص وتكتسب ملكية عينها بطول مدة حيازتها وتقادم وضع اليد عليها بحسب كونها معلومة الاصل لمن كانت أو مجهولة لهل وبمفهوم المخالفة لا ترد الحيازة على الأشياء غير المادية فلا يصح ان ترد الحيازة على المصنفات الفنية والادبية كما ينبغي الإشارة على ان الاشياء التي لا تدخل في دائرة التعامل لا ترد عليها الحيازة بالرغم من أن هذه الأشياء قد تكون ذات طبيعة مادية لكنها تخرج عن دائرة الحيازة لأن الأشياء التي تخرج عن دائرة التعامل لا يجوز تمكلها والحيازة ندرسها باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية ومن ثم لا يجوز تملكه لا محل لأن ترد عليه الحيازة فهناك أشياء تخرج عن التعامل بطبيعتها كالشمس والقمر والهواء في مجموعه وهناك أشياء أخرى تخرج عن التعامل بحكم القانون بسبب ما تؤديه لخدمة المصلحة العامة ولاعتبارات دعت إليها حاجات الدولة فقد صدرت عدة نصوص قانونية منذ عهد الحماية تتعلق بعدة انواع من العقارات التي لا تقبل الحيازة ومن ضمنها الاملاك الجماعية والاملاك المحفظة والعقارات المحبسة والملك العمومي وأراضي الكيش وهطا ما نصت عليه المادة 261 من مدونة الحقوق العينية وهناك أشياء أخرى تخرج عن دائرة التعامل بسبب إخلالها بالنظام العام وهي أشياء غير مشروعة مثل المخدرات وهذا ما نصت عليه المادة 214 من مدونةالحقوق العينية “لاتقوم الحيازة إذا بنيت على عمل غير مشروع “

المحور الثاني :شـــــــــــروط الحيـــــــــــازة :

نصت المادة 240 من مدونة الحقوق العينية على اه يشترط لصحة لصحة حيازة الحائز:
1-أن يكون واضعا يده على الملك
2-أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه
3-أن ينسب الملك لنفسه والناس ينسبونه إليه كطل
4-ألا ينازعه في ذلك منازع
5-أن تستمر الحيازة طول المدة المتفق عليها في القانون
6-وفي حالة وفاة الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت
يتضح من خلال مقتضيات المادة أعلاه إن المشرع المغربي أثناء صياغته لهذه الشروط وهذا طبيعي تأثر بأحكام الحيازة في الفقه الإسلامي وخاصة منها الفقه المالكي.
ولكون هذه الشروط تجد سندها في الفقه المالكي نحاول الوقوف على هذه الشروط في هذا المذهب مع استحضار العمل القضائي كما تيسر ذلك ونتحدث عن هذه الشروط تباعا :

1-شروط وضع اليد :
يعتبر وضع اليد أهم مظهر للحيازة ،ويقصد به السيطرة الفعلية والسلطة الواقعية على العقار محلالحيازة إذ بدون شرط وضع اليد لا تتحقق& الحيازة
يقول الفقيه التسولي (اعلم أن للحيازة قسمان حيازة مع جهل أصل الملك لمن هو وحيازة مع علم أصل الملك لمن هو …وكل من الحيازتين لابد في الشهادة به من ذكر اليد وتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه) واضح إذن أن الحيازة بمعنى وضع اليد القاطعة لحجة الخصم شرعا المفيدة لصاحيها هي المبنية على سبب صحيح يؤيدها ويدعمها في رفع دعوى القائم بها على الحائز للعقار االواضع يده عليه وقد يحدث أن تكون هذه الحيازة مبنية على سبب مقبول في حد ذاته لو أيد بحجة ولنها لا تجدي نفعا إدا كانت فقط مبنية على ادعاء الحائز الشراء من القائم دون أن يثبته بالبينة وبذلك لاتكون حينئذ قاطعة للحق مهما طال أمدها ،ولكن تبقى مجرد قرينة تحتاج إلى ما يقومها ومن الممكن دحضها وردها باليمين وهو ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 1558 الصادر بتاريخ 24/4/2001 والذي جاء فيه “حيث يصح ما عابه الطاعنون على القرار ،ذلك ان مستندات الملف تفيد ان المحكمة الإبتدائية .
عاينت حيازة الطاعنين للعقار محل النزاع استنادا لمحاضر التنفيذ المدلى به من طرفهم واستبعدت لفيفة طالبي التحفيظ لفقدها شرطا من شروط إثبات الملك ، إن القرار المطعون فيه لما اعتبر أن ما أدلى به الطاعنون من أحكام جنحية وأحكام استردادالحيازة ومحاضر تنفيذها لا يعتبر حجة واستبعد حيازتهم مه أنها قرينة على الملك فقد جاء فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه وبالتالي فاقدا الأساس القانوني ومعرضا للنقض”.
والحيازة بمعنى وضع اليد تنتج أثارها القانونية حتى ولو لم تكن مرتكزة على أي رسم إذ ورد بقرار المجلس الأعلى عدد 3910 الصادر بتاريخ 18/7/1995 ان “من شان الحيازة ان تنتج آثارا قانونية حتى ولو لم تكن مرتكزة على أي رسم ، وأن قضاة الإستئناف عندما لاحظوا عدم صحة وعدم جحية الرسوم المدلى بها من طرف المتنازعين أمكنهم الإعتماد على مجرد الحيازة كعنصر لإقتناعهم والحكم لصالحهم .

2-شرط تصرف الحائز:
لم يعرفوا فقهاء المالكية التصرف المشترط فيالحيازة ولكنم يقصدون به تصرف الحائز في العقار كأنه له بجميع التصرفات الدالة على الملك كالسكنى والهدم والبناء والغرس ونحو ذلك من التصرفات كما صنفوا التصرفات التي تتم بها الحيازة إلى مراتب من حيث القوة والضعف ،يقول الشيخ الدردير (الحيازةهي وضع اليد على الشيئ والإستيلاء عليه والتصرف يكون بواحد من أمور سكنى أو إسكان أو زرع أو غرس أو استيلاء أو هبة أو صدقة أو بيع أو هدم أو قطع أو شجر أو عتق أو كتابة أو وطء في الرقيق محائز العقار يشترط لصحة حيازته أن يقوم بهذه التصرفات أو بعضها إذ بها يظهر بمظهر المالك للعقار المتصرف فيه وقد وضع الخطاب ثلاث مراتب لتصرف الحائز بدأها بأضعافها وانتهى بأقواها حيث يقول (الحيازة تكون بثلاث أشياء أضعفها السكنى والإزدراء ويليها الهدم والبنيان والغرس والإستغلال ويليها التفويت بالبيع والهبة والصدقة والنحلة والعتق والكتابة التدبير والوطء وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا أنني ماله ) ويقسم تصرفات الحائز إلى مراتب يقوم على أساس الصلة
بين الحائز والمحوز عليه فإن هذا هناك صلة قرابة أو شراكة بين الحائز والمحوز عليه فإن هذا يتطلب أن تكون تصرفات الحائز قوية لكي تفيده حيازته كالبيع والهبة والصدقة والهدم والبناء ونحو ذلك أما التصرفات الضعيفة كالسكنى والإزدراء وأقوى تصرفات الحائز هي تصرفات التفويت أي التصرفات الناقلة للملكية وهي البيع والهبة والصدقة ونحو ذلك لآن هذه التصرفات تنقل الملكية من الحائز وتنهي الحيازة بإخراج المال من ذمة الحائز إلى ذمة شخص آخر فيكون هذا التصرف صحيحا مادام المحوز عليه حاضرا يرى الحائز يقوم ببيع ماله وإن العمل القضائي في هذا الميدان لا يعتبر من أفعال التصرفات إلا ما كان يترتب عليها نتائجها غن هذه النتائج لاتكون إلا بالنسبة للعقارات غير الممنوع حيازتها إما بمقتضى قاعدة فقهية او نص قانوني كما هو الأمر بالنسبة للمادة 261 من مدونة الحقوقالعينية عندما نصت على أن “لا تكتسب بالحيازةأملاك الدولة العامة والخاصة الأملاك المحبسة املاك الجماعات السلالية أملاك الجماعات المحلية العقارات المحفظة الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون وهذا ما أكده المجلس الأعلى في عدة قرارات نذكر منها القرار عدد 165/20 الصادر بتاريخ 20/3/1988 الذي جاء فيه “يكون على صواب الحكم الذي لا يعتبر أفعال التصرف التي لايمكن أن يترتب عليها أي مفعول فيما يتعلق بالأراضي الجماعية التي لا يمكن حيازتها عملا بفعل الرابع من ظهير 27/4/19196
تم القرار عدد 221/10 الصادر بتاريخ 8/5/1968 الذي جاء فيه “على قضاة الموضوع أن يبينوا العناصرر التي استنتجوا منها الكطابع الجماعي لآرض النزاع”.

3- الشرط الثالث : ادعاء الحائز للملكية :
يكاد فقهاء الملكية يجمعون على اشتراط الحائز ملكية الشيئ المحاز لآن مجرد الحيازة لتنتفع الحائز عندهم وغن طال أمدها ،بل لابد من أن يدعي الحائز ملكية الشيئ المحاز لتكون حيازته عاملة ويترتب أثرها بعد اكتمال باقي شروطها .
يقول الدسوقي :ليبقى شرط خامس وهو أن يدعي الحائز وقت المنازعة ملكية الشيئ المحاز أما إذا لم يكن له حجة إلا مجرد الحوز فلا ينفعه .يفهم من ظاهر نص الدسوقي أنه لايشترط أن تكون دعوى الحائز الملك مستمرة من بداية الحيازة لحين وقت المنازعة بل يكتفي دعواه وقت المنازعة ، ولعل هذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 250 بتاريخ 27/5/1970 حينما أكد على أن الحيازة القاطعة المعتبرة في الفقه الإسلامي تقتضي التصرف بدون منازع مدة عشر سنوات فيما إذا علم أصل الملك لمن كان قبل الحيازة والحكم الذي لم يجب على دعوى المتعرضين بشأن العيوب التي تشوب التصرف يكون غير مبني على أساس .

4-الشرط الرابع:حضور المحوز عليه :
يشترط فقهاء المالكية لكي تكون الحيازة صحيحة منتجة لآثارها أن يكون المحوز عليه حاضرا يرى الحائز يحوز عليه ماله ويتصرف فيه تصرف المالك في ملكه والحال أن المحوز عليه لا عذر له في عدم الإعتراض فإذا تحقق حضور المحوز عليه ورؤيته للحائز يحوز ماله وسكوته عن المطالبة بحقه بلا عذر شرعي فإن حقه يسقط في المطالبة إذا انقضت مدة الحيازة ،أما إذا كان غائبا فهو على حقه مهما طال الزمان وإذا كان فقهاء المالكية متفقون على أن الحاضر الذي يحاز عليه ماله ولا يعترض بلا عذر شرعي حتة انقضاء مدةالحيازة لا تسمع دعواه فإنهم اختلفوا في تكييف الحضور ذلك أن الحاضر قد يكون في حكم الغائب إذا لم يعلم بحيازة الحائز مع حضوره أو لم يعلم أن المال ماله ، فهذا تكون الحيازة صحيحة في حقه فهو على حقه مهما طال الزمان وقد يكون الغائب في حكم الحاضر ويكون ذلك في حالة الغيبة القرينة التي لا تؤثر في علمه بحيازة الحائز لما له فهذا يعد كالحاضر قال ابن القاسم (ارى أن في مسيرة الثلاثة أيام والأربعة معذور في غيبته وإن علم بما حيز عليه وإن لم يكن ضعيفا في بدنه ولا مختلا في عقله وأراه على حقه أبدا مازال غائبا لآنه قد يكون له معاذير لا تعرف وقوله الأول عندي أحسن وهو الذي أجمع عليه كبار أصحاب مالك ) وقد اتفق فقهاء المالكية على أن الغيبة البعيدة تقدر بالسبعة أو ثمانية أيام ويكون فيها الغائب في حكم الحاضر والغيبة المتوسطة ةتقدر بالأربع والخمس والست أيام فلا خلاف فيها أن الحائز يبقى على حقه إذا لم يعلم بالحيازة والغيبة القريبة وتقدر باليوم واليومين يكون فيها الغائب في حكم الحاضر .

5- الشرط الخامس :علم المحوز عليه:
يشترط فقهاء المالكية لصحة الحيازة أن يكون المحوز عليه عالما بملكيته للمال المحاز وإن يكون عالم بحيازة الحائز له فإذا كان غير عالم بذلك فهو على حقه مهما طال الزمان ،وهذاالشرط مرتبط بالشرط المذكور أعلاه أي شرط الحضور يقول ابن فرحون (وإذا كان غير عالم فهو على حقه إذا قدم ولا حيازة عليه وإن طالت الحيازة فيه كانت الحيازة قريبة أو بعيدة ). ويقول أيضا (لابد من العلم بشيئين وهما العلم بأنه ملكه والعلم بأنه يتصرف فيه ولا يفيد العلم بأحدهما دون الآخر لآنه إذا علم بالتصرف قد يقول ما علمت أنه ملكي كما يقول الرجل الآن قد وجدت الوثيقة عند فلان فيقبل قوله ويحلف والعلم بهذين الوضعين قاله في الوثائق المجموعة وابن ابي جمراء )

واختلف فقهاء المالكية فيما إذا قال المحوز عليه أنه عالم بأن المالك ماله ولكنه لم يجد البينة على إثبات الملك و لم يجد الوثيقة إلا بعد انقضاء مدةالحيازة هل تقبل دعواه أم لا ، يرى الجمهور أنه لا يعذر بذلك ولا تقبل دعواه بعد انقضاء مدة الحيازةويرى البعض أن ذلك ينفعه وتقبل دعواه كما اختلف الفقهاء أيضا على من يقع إثبات علم المحوز عيه من عدمه اختلفت الأقوال في ذلك على أربعة الأول يصدق المحوز عليه بيمينه على نفي العلم يحيازة الحائز لمل له ونسبه الخطاب لسماع أشهب الثاني يقع عبء الإثبات على الحائز بأن المحوز عليه كان يعلم بحيازته لما له وذلك لآن المحوز عليه الحاضر محمول على عدم العلم حتى يقيم الحائز البينة على أنه كان عالما لحيازته لما له وبه أخذ بن فرحون الثالث يقع عبئ الإثبات على المحوز عليه لآنه محمول على العلم حتى يثبت العكس اي يثبت أنه كان على غير العلم بحيازة الحائز لما له ،وهو قول ابن رشد.
الرابع :يفرق بين المحوز عليه الوارث وغير الوارث ففي حالة الوارث يقع عبء الإثبات على الحائز بعلم المحوز عليه بحيازة ماله وفي حالة غير الوارث يقع عبء الإثبات على المحوز عليه نفي علمه بحيازة الحائز لما له

6-الشرط السادس :سكوت المحوز عليه:
يشترط فقهاء المالكية لصحة الحيازة ان يكون المحوز عليه ساكتا لايعترض على حيازة الحائز لما له لا بفعل ولابقول بلا مانع شرعي أو إكراه أو صغر أو جنون أو سفه أو غيبة ونحو ذلك ويظل على هذا السكوت حتى تنتهي مدة الحيازة فإن ظل ساكتا على هذا الحال إلى أن انتهت مدة الحيازة فلا تسمع دعواه ويسقط حقه في المطالبة وهذا الشرط متفق عليه بين فقهاء المالكية ولكنهم اختلفوا في هل يشترط دوام المنازعة أم تكتفي المنازعة ولو حرة واحدة ويقول الشيخ الدردير (ساكت عالم بلا مانع له من التكلم فإن نازع أو أجهل كون الشيئ المحوز ملكه أو قام به مانع من إكراه أو سفه أو نحوه ومن العذر الصغر والسفه ).
يقول الحطاب (قوله ساكت يعني أن يشترط فيالحيازة أن يكون المدعي ساكتا مدة من الحيازةواحترز بذلك في لو تكلم قبل مضي الحيازة ،فإن حقه لايبطل
ويقول العدوي : قوله ساكت أنه عالم واحترز به عن المخاصمة بين يدي حاكم والخصام عند غيره لا عبرة به كما قال الشيخ سالم.
نخلص من هذه الأقوال وغيرها كثيرا أن فقهاء المالكية يشترطون لصحة الحيازة أن يسكت المحوز عليه طيلة مدة الحيازة ولا ينازع الحائز بلا عذر شرعي فإذا مازع أثناء المدة تنفعه المنازعة ولايسقط حقه في الدعوى .

7-الشرط السابع :استمرار الحيازة :
يشترط فقهاء المالكية لصحة الحيازة أن يستمر الحائز واضعا يده على الشيئ المحاز مدة طويلة من الزمان في حضور المحوز عليه وعدم اعتراضه بلا عذر شرعي ويقصد بالإستمرار أن تكون الأعمال والتصرفات التي يقوم بها الحائز متوالية لايفصل بينهما فاصل ولا يعني ذلك أن تكون الحيازة بدون انقطاع فهذا لايتصور بل من الممكن أن تتخلل الحيازةفترات لايستعمل فيها الحائز الشيئ المحوز ولا يجب أن يكون هذا الإنقطاع مؤثرا وإلى هذا الشرط أشار المجلس الأعلى في قراره عدد 3452 بتاريخ 10/10/2001 الذي جاء فيه “إن عدم مناقشة المحكمة لمسالة الحيازة رغم ان الخبرة المعتمدة في القرار تفيد حيازة الطاعنين للقرار محل النزاع مدة ثلاثين سنة قبل عملية الضم واستمرار حيازتهم إلى الأن يجعل قرارها ناقص التعليل الموازي لإنعدامه ومعرضا للنقض والإبطال “.

ونشير في ختام الحديث عن هذه الشروط أن حدة استمرار الحيازة تختلف باختلاف أطراف الحيازةووجود الخصومة من عدمها وهو ما تضمنته المواد من 250 إلى 255 من مدونة الحقوق العينية فحددتها في المادة 250 بالنسبة للحائز الأجنبي في 10سنوات وبين الأقارب ،غير الشركاء الدين ليس بينهم عداوة في 40سنة والدين بينهم عداوة عشر سنوات(م 251).
تبقى اشكالية مركزية نطرحها في الختام للمناقشة وهي اذا كان الكشرع نص بصريح العبارة الى ان الحيازة القانونية تغني عن الحيازة الفعلية فياترى ما موقع الحيازة القانونية ضمن دائرة أحياء الفوضى او تلك التي لها رسم عقاري ام ؟ ليبقى النقاش دائما مفتوحا والاشكالات قائمة.