تعرف فكرة السلطة العامة بانها مجموعة من الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة وتستخدمها من اجل اشباع الحاجات العامة في الدولة (1). وتهدف فكـرة السلطة العامة الى تحقيق الصالح العام وتغليبها على المصلحة الفردية وهي تمثل إهدار لقاعدة المساواة بين المتعاقدين بخلاف الامر في العقود المدنية(2) وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها المرقم 383 الصادر في 8 يناير 1995 والذي تذهب بالقول (بان البين من ظاهر الأوراق ان العقود الحالية التي أبرمتها وزارة السياحة مع الطاعنين…. تضمنت شروطا غير مألوفة في القانون الخاص ومن ثم كون العقد المذكور قد تكاملت فيه العناصر الثلاثة باعتباره عقداً إداريا) وفي حكم آخر ذهبت المحكمة نفسها إلى القول بانه (…. وقد تضمن هذا العقد بعض مظاهر السلطة العامة حيث تضمن البند الخامس على حق الإدارة في فسخ العقد واستعادة الفرن ولو بالقوة الجبرية دون حاجة الى تنبيه او إنذار كما تضمن البند الحادي عشر على تعهد المطعون ضده بتسليم الفرن وكافة محتوياته بالحالة التي تسلمها وما يكون قد ادخل عليه من تحسينات ومرافق وافق عليها الطرف الأول عقب انتهاء مدة الإيجار او استرداد الفرن لاي سبب من الاسباب…)(3).

ويرى جانب من الفقه ان الأساس القانوني لسلطة الإدارة في توقيع الجزاءات الإدارية تكمن في فكرة السلطة العامة…. فهي تطبيق لامتياز يعد من اهم امتيازات السلطة العامة التي تملكها الإدارة وهو (امتياز التنفيذ المباشر)(4) وتعد سلطتها في هذا الشأن هو محور نقاش من جانب رجال الفقه المصري والمقارن فنجد في الفقه المصري ان بعضهم يذهب الى ان الأساس القانوني لسلطة الإدارة في فرض الجزاء بنفسها باستعمال امتيازها في التنفيذ المباشر يرجع الى فكرة السلطة العامة استنادا الى ارتباط هذه الفكرة بالعقد الإداري حيث ان اثره يمتد الى تنفيذ هذا العقد ويخضعه لقواعد استثنائية حتى ولو لم يكن منصوص عليها في العقد(5) لان السلطة العامة لها خصائص معينة تطبع بها العقود التي تظهر فيها كما ان الجزاءات التي توقعها الإدارة على المتعاقد المقصر ما هي إلا مظهر من مظاهرها(6).

اما الفقه الفرنسي فيذهب جانب منه وبالاخص العميد (هوريو) الذي يرى ان تمتع الادارة باستعمال امتيازها في التنفيذ المباشر يعتبر الدعامة الأساسية للسلطة العامة وانطلاقا من ذلك يحق للإدارة ان تفسخ العقد (الأشغال او التوريد) وان تحل نفسها محل المتعاقد المقصر في تنفيذ التزاماته وذلك عن طريق قرار بسيط يصدر من قبلها دون اللجوء الى القضاء. اما (مشيل روسيه) فيذهب الى ان النتيجة المترتبة على اعتبار ان العقد الإداري هو تصرف قانوني بان السلطة العامة تظهر فقط في مجال القانون الإداري ولذلك فسلطة الإدارة في اتخاذ الجزاء من جانب واحد تعني بان المتعاقد قد قبل تحمل بعض الالتزامات فاي تقصير من جانبه يجب ان يعاقب عليه لذلك فان الأصالة تكمن في الوجود العام لهذه السلطة وتكون موجودة سواء كان منصوص عليها في العقد ام غير ذلك استقلالا (أي دون الحاجة للالتجاء للقضاء باستثناء إسقاط الالتزام)، اما (فيدل) Vedel فيذهب الى ان من الامتيازات الرئيسة التي تمتع بها الإدارة هو فرض الجزاءات على المتعاقد معها التي تمتع بها بقوة القانون استنادا الى نظام السلطة العامة أما (فلام) (Flamme) فانه فرق بين أساس هذه السلطة والنتائج التي تترتب على استعمالها فيذهب ان سلطة الجزاء المعترف به للإدارة يعد امتياز أصيلا للسلطة العامة اما فيما يتعلق بنتائجها الباهظة التي يتحملها المتعاقد المقصر فانها تتعلق بالشرط الجزائي الجزافي(7).

__________________

1- د. احمد عثمان عياد، مظاهر السلطة العامة في العقود الادارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1973، ص1.

2- د. احمد عثمان عياد، المرجع نفسه ، ص4 وانظر كذلك: حكم محكمة القضاء الإداري المصرية الصادر في 2 ديسمبر 1952 الذي يذهب بالقول ((ان العقود الإدارية تختلف عن العقود المدنية في انها تكون بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وبين شخص او شركاء او جماعة وفي انها تستهدف مصلحة عامة لسير العمل في مرفق عام، وان كفتي المتعاقدين فيها غير متكافئة اذ يجب ان يراعي فيها دائما وقبل كل شيء تغليب الصالح العام على المتعاقدين في تطبيقه وفي تفسيره وفي انهائه)) اشار اليه د. حسان عبد السميع هاشم، الجزاءات المالية في العقود الادارية، دار النهضة العربية،القاهرة، 2002، ص8.

3- انظر: حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية – الطعن رقم 383 السنة 35 ق عليا جلسة 8 يناير 1995 الموسوعة الإدارية الحديثة، جـ49، ص59 وكذلك حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية – الطعن رقم 1571 لسنة 41 ق عليا- جلسة 25 فبراير 1997، الموسوعة الإدارية الحديثة، جزء 49، ص63 اشار اليه د. حسان عبد السميع هاشم، المرجع نفسه ، ص14-15.

4- د. احمد عثمان عياد، المرجع نفسه، ص341-342وانظر كذلك: د. ثروت بدوي، مبادئ القانون الاداري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976، ص794.

5- د. عبد المجيد فياض، نظرية الجزاءات في العقد الاداري، ط1، دار الفكر العربي القاهرة، 1975، ص62.

6- انظر: د. ثروت بدوي، مبادئ القانون الإداري، ص135، وانظر كذلك: د. احمد عثمان عياد، مرجع سابق، ص341 وما بعدها.

7- د. عبد المجيد فياض، المرجع نفسه، ص53-56.

المؤلف : رشا محمد جعفر
الكتاب أو المصدر : الرقابة القضائية على سلطة الادارة في فرض الجزاءات على المتعاقد معها

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .