المرأة و التشريع العراقي ..! / القاضي ناصر عمران الموسوي

لم تكن المرأة حاضرة في ذاكرة المخيال التشريعي العراقي بالصورة التي تتناسب مع القيمة الحضارية التي يحضى بها العراق باعتباره المنبع الأول للحضارة الإنسانية كما يراه المؤرخون والمفكرون وأهمهم وول ديورانت في (قصة الحضارة) وهنري فرانكفورت في (فجر حضارة الشرق الأدنى) ، وبالرغم من أن القانون العراقي القديم منح المرأة قدرا ً مساويا ً في بعض الحقوق لما تزل قوانين بعض الدول التي تحسب نفسها مدنية عاجزة عن الوصول إليها ،فمثلا ً كانت الذمة المالية للمرأة مستقلة عن الرجل ،وفي الأحوال الشخصية منع الطلاق الكيفي كحق للرجل في تطليق الزوجة ،وكانت المرأة كقيمة إنسانية حاضرة بالرغم من الأنظمة السائدة آنذاك وهي الرق والعبودية ، لكن كل ذلك لم يحد من الحضور الذكوري الطاغي والمهيمن على لحاظ المشرع ،فلم يبدي تغاضيا ً عن ذلك في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل فبدا ذلك واضحا ً في نصوصه القانونية وبخاصة المواد القانونية (41) المسماة (بحق تأديب الزوجة)

والتي تشرعن حق ضرب الزوجة واعتباره استعمالا ً للحق ،والمادة (409) المسماة (قتل المرأة عن مفاجأتها متلبسة بارتكاب الفاحشة) واعتبر القتل بحد ذاته في مثل تلك الظروف عذرا ً قانونيا ً ،وهو أمر كان المشرع فيه مرتهنا ً إلى واقع اجتماعي بعد أن منح الرجل شرعنه على حساب النص العقابي ،بالرغم من إن هذا النص منقول بتصرف من القانون الفرنسي وفيه مخالفة شرعية حسب الحدود الجزائية للشريعة الإسلامية ،ثم انه منح الرجل أحقية لم بمنحها للمرأة رغم أن الدساتير تؤكد على المساواة في الحقوق والواجبات والقيمة الإنسانية ،كما جاءت المادة (427) غريبة جدا فمنحت الجاني مكافئة إذا ما قرر أن يعقد زواجه على (المجنى عليها) ضحيته والتي قام باختطافها بوقف الإجراءات القانونية بحقه في مرحلة التحقيق أو المحاكمة وإذا كان هناك حكم في الدعوى فيوقف تنفيذ الحكم ،بغض النظر عن ظروف الواقعة ،

اما موقف المشرع من عقوبة الخيانة الزوجية الواردة في المادة (377) فقد تفاوتت العقوبة في ظل مفهوم ذكوري بامتياز فاعتبر الخيانة الزوجية بالنسبة للزوج مرتبطة مكانيا ً بمنزل الزوجية فقد ورد في الفقرة (2) من المادة المذكورة (يعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية ) وقد كانت العقوبة في الفقرة (1) الحبس بحق الزوجة الزانية ومن زنى بها ،اما في قضايا الأحوال الشخصية وبالرغم من ان قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل ،كان من القوانين الأكثر تقدمية لكنه لم يكن بمجمله ،فقد تضمنت المادة (8) من القانون الموافقة على زواج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وبشروط معينة وهي (تقديم الطلب وموافقة ولي الأمر مع توفر أهليته وقابليته البدنية وهو نص وان تضمن شروط معينة فانه وبالأخص من جانب المرأة كان قاسيا ويشهد التطبيق العملي للمادة شرعنه لزواج القاصرات ومعظم الطلبات إن لم تكن بمجملها تقدم من أولياء الأمور وبخاصة في المناطق البعيدة عن المدن ، وتؤكد الإحصائيات الموثقة لدى مكاتب البحث الاجتماعي والمحاكم المختصة المعلنة إن نسبة الطلاق والتفريق كبيرة ،ولنا ان نتصور مطلقات دون سن الرشد الذي سنه القانون( بثمانية عشر سنة ) ،يضاف الى ذلك الاتجاه الأخير في اعداد قوانين ذات صبغة مذهبية موغلة بأحكام فقهية تعداها الزمن ولم تعد مقبولة عقلا ومنطقا ًمثالها سن الزواج في قانون الأحوال الجعفري الذي صوت عليه مجلس الوزراء مؤخرا ً.

ان وجود قوانين وتشريعات قديمة افقد الزمن بعض نصوصها القانونية القدرة على التطبيق وبعضها لا يتلائم مع روح العصر لا يعني استبدالها بأخرى غير متسعة ومغرقة في قدمها تحت مسوغات شرعية ،لقد جاء الدستور العراقي الدائم بحزمة كبيرة من الحقوق والحريات والالتزامات التي لابد من وجود قوانين تنظمها ،وإذا كان المجتمع يعاني من ذلك فان معاناة المرأة بالخصوص اكبر وبخاصة في الجانب الجنائي والأحوال الشخصية فهي بأمس الحاجة إلى تشريعات ضامنة لحقوقها وأهمها وجود قانون يجرم العنف الذي تتعرض له والتوسع في قوانين أسرية ضامنة لها وللأسرة التي تعيلها مع وجود مؤسسا ت اجتماعية فاعلة ، كل ذلك يجب ان يسير مع منظومة ثقافية قادرة على تغيير الصورة الاجتماعية البائسة للمرأة ومنحها الدور الذي تستحقه ،ولعل وجود المرأة في المؤسسة التشريعية يعد انجازا ً مهما ً، وان كان حضورها في كثير منه يدور في فلك أحزابها السياسية المنتمية إليها ، لكننا نتمنى أن تكون في الطريق الذي يسير باتجاه رسم واقع تشريعي جديد يركز على قيم الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية ….!

إعادة نشر بواسطة محاماة نت