اداء الشهادة

تمهيد:

ان الغاية المتوخاة من دعوة الشاهد الى المحكمة، تبرز في ادائه للشهادة، وتؤدي الشهادة بحلف الشاهد لليمين ومن ثم استجوابه من قبل الخصوم والمحكمة، وباجابة الشاهد على الاسئلة التي تطرح عليه من المحكمة والخصوم، في موضوع الدعوى تتم الشهادة. وتدون اجابات الشاهد في محضر الجلسة، وبعد اداء الشاهد لشهادته وسماع اقواله تقدر المحكمة إن كانت هذه الشهادة منتجة في اثبات الدعوى او نفيها ام لا، وفي هذا الفصل نتحدث عن اداء الشهادة في ثلاثة جوانب هي:
اولاً: كيفية اداء الشهادة .
ثانياً: سماع شهادة الشاهد واستجوابه .
ثالثاً: تعذر حضور الشاهد .

اولاً: كيفية اداء الشهادة:

يجب ان تؤدي الشهادة شفاهاً امام المحكمة او القاضي مباشرة وجهاً لوجه، لانه اذا كذب اللسان او سكت حيث يجب الكلام فان هيئة المرء وحالته وطريقة شهادته قد تنم عن الحقيقة او تساعد على تقدير الشهادة، ويجب ايضاً ان لا يعتمد الشاهد في شهادته الا على ذاكرته، ولا يصح ان يسمح له بتلاوة شهادة من ورقة مكتوبة او يستعين باية مذكرة الا اذا كانت شهادته على امر معقد او لمعرفة ارقام وتواريخ مثلاً بعد اذن المحكمة او القاضي حيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى.ويجب ايضاً ان تؤدي الشهادة في حضور الخصوم وإلا كانت باطلة، ولا يخفى ان لكل خصم في الدعوى الحق في سؤال الشاهد ومناقشته.
وتؤدي الشهادة الشفاهية امام المحكمة التي تنظر الدعوى، بحيث لا يجوز الاستعانة بمفكرات مكتوبة الا فيما يصعب استظهاره حسب طبيعة الدعوى، فمن الممكن مثلاً ان تكون الشهادة منصبة على حسابات وارقام بحيث لا يستطيع حفظها وإلادلاء بها شفاهاً الامر الذي يلزم معه الاستعانة بمفكرات مكتوبة او كشوف حساب، وقد عالجت المادة (81) من قانون اصول المحاكمات المدنية، وفي فقرتها الخامسة الحالة التي يكون فيها الشاهد غير قادر على الكلام، ففي مثل هذه الحالة جاز للشاهد إن امكن ان يدلي بشهادته ويبين مراده بالكتابة او بالاشارة، كما جعلت المادة (71) من قانون الاصول المدنية، وفي فقرتها الثالثة للمحكمة ان تسمع اقوال الشهود الذين يجهلون العربية بواسطة مترجم، وذلك بعد حلف هذا الاخير اليمين حيث نصت المادة(71/3) على مايلي:( 3- للمحكمة ان تسمع اقوال الفرقاء وان تسمع الشهود الذين يجهلون العربية بواسطة مترجم بعد حلف اليمين).
وقد تطرقت المادة (81) من القانون المدني للحالة التي يكون فيها الشاهد اخرس بحيث قررت انه يعتد في شهادته وحلف اليمين بإشارته المعهودة، بصفة يقينية في الاوضاع عما يريد ان يدلى به، ويتم تحقيق هذا اليقين من اقاربه او اصدقاءه وجيرانه او من شخص يفهم لغة الاخرس، ويجب ان يكون عدولاً استيفاء للثقة في شهادتهم وقد جاءت المادة (81) من القانون المدني بقولها:( يعتد في شهادة الاخرس وحلفه باشارته المعهودة). واذا حلف الشاهد اليمين فانه يؤدي شهادته على انفراد بغير حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم .

على ان المراد بتأدية الشهادة شفاهاً امام المحكمة التي تنظر الدعوى، أي يلزم ان يستمع القاضي الشهادة من فم الشاهد مباشرة، وعلى المحكمة ان كانت مشكلة من اكثر قاضي، ان تستمع الى اقوال الشاهد الشفاهية بكامل هيئتها، والعلة في سماع الشاهد بصورة شفاهية انه لا يجوز لقاضي الدعوى ان يسمع اقوالاً فقط بل يجب عليه ان يراقب ويفحص احوال الشاهد وحركاته ايضاً لان التفرس في وجه الشاهد، وملاحظة تغير ملامحه، وانفعالاته النفسية واضطرابه مما يساعد كثيراً في تقدير الشهادة ووزنها، كما وان الاستناد الى اقوالة المدونة حرمان الخصم من مناقشته

وكانت محكمة الاستئناف المختلطة في مصر، قد فسرت منع الشاهد من الاستعانة بمذكرات مكتوبة، بأنه مقصود به عدم جواز قراءة مشروع الشهادة فما دام لم يكن الشاهد قد قرأ شهادته فلا وجه للبطلان، وبناءاً على ذلك فلا حرج على الشاهد من مراجعة مذكراته لبيان التواريخ والارقام الذي تجعل الشهادة دقيقة، والامر متروك لتقدير المحكمة لان الرجوع الى هذه المذكرات قد يكون ضرورياً كما لو كانت الشهادة متناولة معلومات علمية او فنية وقد نصت المادة (81) الفقرة الخامسة من قانون اصول المحاكمات المدنية على ان :
( تؤدي الشهادة شفاهاً، ولا يجوز الاستعانة بمفكـرات مكتوبة الا فيما يصعب استظهاره ومن لا قدرة له على الكلام يؤدي الشهادة ان امكن ان يبين مــراده بالكتابة او بالاشارة).
من النص السابق يتضح بان الكيفية التي يجب ان تؤدي بها الشهادة هي ان يتم سماع الشاهد بصورة شفاهية، والشاهد الذي لا يستطيع الكلام-سواء كان عدم تمكنه من الكلام بحدث طارئ او بسبب دائم- كما لو كان ابكماً فيمكنه ان يبين مراده بالكتابة اذا كان يحسن الكتابة او الكتابة المرسومة التي يستعملها العميان، اما اذا لم يكن يحسن الكتابة فيستطيع ان يؤديها بالاشارة المعهودة وعندها لا بد من الاستعانة بمن يفهم اشارته ويفضل احد من ذويه او ممن يعيشون معه لانه اكثر ادراكاً لفهم مراده من الاشارة كما وانه يحلف اليمين بنفس الطريقة
فالاصل كما رأينا ان تؤدي الشهادة شفاهاً امام المحكمة فعلى الشاهد ان يعتمد على ذاكرته فقط، فلا يجوز له ان يراجع اوراقا او مذكرات الا اذا كان الموضوع معقدا. وتنص قوانين الاثبات والمرافعات على جواز الاستعانة بمفكرات مكتوبة بإذن المحكمة اذا وجدت في تقديرها ان طبيعة الدعوى تقتضي ذلك، وفي هذا الصدد تنص المادة (95) من قانون الاثبات العراقي على انه:
(اولاً: تؤدي الشهادة شفاهاً، ولا يجوز الاستعانة بمذكرات مكتوبة الا بإذن المحكمة اذا اقتضت ذلك طبيعة الدعوى .ثانياً: لمن لا قدرة له على الكلام ان يدلي بشهادته كتابة او بالاشارة اذا كان لا يستطيـع الكتابة).
ولم يشترط المشرع العراقي شكل خاص في اداء الشهادة، فقد نصت المادة (96) من قانون الاثبات العراقي على انه:
( اولاً: لا يشترط شكل خاص في اداء الشهادة ولا في قبولها ويكفي تعيين المشهود به تعييناً نافياً للجهالة). ومن خلال مراجعة نصوص قانون البينات السوري، يلاحظ بانه نص على وجوب ان تؤدي الشهادة بصورة شفاهية امام القاضي، ولا يجوز الاستعانة بمفكرات مكتوبة، الا بإذن المحكمة وحيث تسوغ طبيعة الدعوى (المادة 82 بينات سوري)، ومن لا قدرة له على الكلام فيؤدي الشهادة بالكتابة او بالاشارة (المادة 83 بينات سوري) .
ولم يشترط المشرع السوري شكل خاص في اداء الشهادة او قبولها، ويكفي تعيين المشهود به تعييناً نافياً للجهالة، ويقتصر ذلك على ما تراه المحكمة كافياً للوصول الى الحقيقة ولا يزكى الشاهد.
وقد ورد في قانون المرافعات المصري نص مماثل لما ورد في قانون الاثبات العراقي والبينات السوري، حيث نص في المادة (216) منه على ان:
( تؤدي الشهادة شفاهاً ولا يجوز الاستعانة بمفكرات مكتوبة الا باذن القاضي، وحيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى)
فالاستعانة باوراق تتعلق بالدعوى المطلوب سماع الشهادة حولها هو امر موقوف على اذن المحكمة، والمحكمة بدورها لا تأذن بذلك الا اذا كانت طبيعة الدعوى تقتضي الرجوع الى المذكرات المكتوبة، وكل ذلك يعود لتقدير المحكمة، كذلك فقد نصت المادة (205) من قانون المرافعات المصري على ان:( من لا قدرة له على الكلام يؤدي الشهادة اذا امكن ان يبين راده بالكتابة او بالاشارة).فاذا كان الشاهد ابكماً فله ان يشهد بالطريقة التي يستطيع بها ان يبين مراده وبالاستعانة بمن يفهم لغة الاشارة .

ثانياً: سماع شهادة الشاهد واستجوابه
يكون سماع الشهود امام المحكمة في قاعة المحاكمة، وفي جلسة علنية الا اذا رأت المحكمة ضرورة سماع افادة احد الشهود او جميعهم في جلسة سرية، وتسمع شهادة كل شاهد على انفراد، بعد تحليفه يميناً بان يقول الحق، ويستثنى من حلف اليمين من تسمع شهادتهم على سبيل الاستئناس فقط ، كالصبي الذي لا يفهم معنى اليمين .
ويجب ان يتم سماع الشاهد بعد ان يسأله القاضي عن اسمه ولقبه وسنه ومهنته، ومحل اقامته، واتصاله بالخصوم بالقرابة او الاستخدام او غيرها، مع ان قانون اصول المحاكمات المدنية لم يبين الاجراءات التي تسبق الحلف مثل ذكر اسم الشاهد ولقبه ومهنته
ويتم سماع الشهادة بحضور الخصوم، ولكن اذا طلب الخصم مناقشة الشهود المستمعين في غياب الطالب بعد ان قبلت المحكمة عذر غيابه لا يخالف القانون، اذ لا يوجد في القانون ما يمنع الخصم من ان يستشهد بشهود خصمه والاحتكام الى ضمائرهم في استجلاء الحقيقة، بل ان حق الاستجواب والمناقشة قد اجازهما القانون في المادة (81) من قانون اصول المحاكمات المدنية.
ويستجوب الشاهد عن ملابسات الوقائع التي تطلب الشهادة من شأنها وعن تفصيلاتها وعن طريق اتصالها بعلمه، وقد اوجبت المادة (81/1) من قانون اصول المحاكمات المدنية على المحكمة ان تستمع للشاهد بعد حلفه اليمين دون حضور الشهود الذين لم تسمع شهادتهم، ذلك ان سماع شهادة الشاهد في حضور من لم تسمع شهاداتهم من الشهود انما يؤثر في شهادة الشهود ويضعف من قيمتها لانها تصدر بعد التأثر بسماع الشاهد الاول.
ويلاحظ ان المشرع الاردني، لم يبين صيغة اليمين التي يتوجب حلفها، والصيغة القانونية لليمين او القسم هي ان يقول الشاهد (اقسم) ولا يخفى ان كلمة (اقسم) فيها معنى الحلف، ولكن جرى العمل امام المحاكم ان يقول الحالف (والله العظيم ان اشهد الحق ولا اقول الا الحق). والجدير ذكره ان المادة (13/2) من قانون محاكم الصلح بينت الصورة التي يكون بواسطتها الحلف امام قاضي الصلح، فجاء فيها ان (على الشاهد قبل تأدية شهادته ان يحلف يميناً امام قاضي الصلح على الصورة الاتية (اقسم بالله العظيم اني اقول الحق ولا شيء غير الحق).
ومن ثم جرت العادة ايضاً بان يرفع الشاهد يده اليمين ويقول (اقسم)، وقد قيل ان معنى اليمين القوة ثم اطلقت على الجارحة والحلف، فسميت احدى اليدين باليمين لزيادة في قوتها، او ان يطلب منه الحلف بوضع يده على المصحف الشريف او الكتاب المقدس. ان حلف اليمين من الامور الجوهرية بالنسبة لقيمة الشهادة، لان الشهادة الحاصلة بدون يمين تكون باطلة، ولا يجوز للمحكمة ان تعتمد عليها عند الاقتضاء الا بمنزلة القرينة البسيطة
على انه اذا امتنع الشاهد عن حلف اليمين او عن الاجابة بغير سبب قانوني جاز للمحكمة ان ترى فيه قرينة قضائية على عدم صدق الشاهد، علماً ان قانون اصول المحاكمات المدنية لم يتطرق للحالة التي يمتنع فيها الشاهد عن حلف اليمين بغير مبرر قانوني بحيث لم يبين مدى قيمتها او انتاجيتها في الاثبات بالنسبة للشهادة ولم يبين الجزاء المترتب على الشاهد الناكل.
كذلك فقد بينت المادة (81) الاجراءات التي رسمها القانون والواجب اتباعها في استجواب الشهود ومناقشتهم، والكيفية التي يؤدي فيه الشاهد شهادته، حيث جعلت اداء الشاهد لشهادته عن طريق الاجابة على الاسئلة والاستجوابات التي توجه اليه من الخصم الذي استدعاه اولاً، ثم يكون للخصم الاخر ان يناقشه، ثم بعد ذلك يجوز للفريق الذي استشهد بالشاهد ان يستجوبه ثانية في النقاط الناشئة عن مناقشة الخصم له، ويشترط في جميع الاحوال سواء بالاستجواب الموجه من الخصم الذي استشهد بالشاهد او بمناقشته من قبل الخصم الاخر او باعادة الاستجواب ان لا تخرج الشهادة عن الوقائع المتعلقة بموضوع الدعوى، (المادة (81/2) من قانون اصول المحاكمات المدنية) .
على انه اذا ابدي أي اعتراض على سؤال القي على الشاهد، فعلى المعترض ان يسجل اعتراضه ويبين اسبابه، ومن ثم يرد الفريق الذي القى السؤال على الاعتراض، حيث يسجل ذلك في محضر المحاكمة بما في ذلك المناقشات التي دارت حوله، وذلك اذا ما طلب أي من الخصمين ذلك، ويتعين على المحكمة في هذه الحالة ان تقر فيما اذا كان من الجائز توجيه السؤال ام لا، فإما ان تقرر اجابة طلب المعترض على السؤال واما ان تجيب طلب الخصم، وترد الاعتراض، حيث يتم تسجيل ذلك كله في محضر الجلسة اذا طلب اليها أي فريق ذلك، (المادة (81/3) من قانون اصول المحاكمات المدنية) .
ويجوز للمحكمة في أي دور من ادوار المحاكمة ان تلقي على الشاهد ما تراه يتفق مع الدعوى من الاسئلة وعلى رئيس الجلسة بعد انتهاء الشاهد من شهادته ان يسأل القضاة اذا كان احدهم يريد توجيه اسئلة، وللمحكمة في أي وقت ايضاً ان تستدعي أي شاهد سمعت شهادته من قبل لاستجوابه ثانية ) .
اخيراً، تثبت اجابات الشاهد في محضر الجلسة بصيغة المتكلم دون تغيير فيها، ثم تتلى هذه الاقوال على من صدرت عنه وله ان يدخل عليها ما يرى من تعديل ويذكر التعديل عقب نص الشهادة، ويثبت كذلك في المحضر جميع الاسئلة التي وجهت مباشرة من الخصوم الى الشاهد والملاحظات التي ابديت في شهادته، وكذلك الاسئلة الموجهة اليه من رئيس المحكمة او من احد قضاتها، وتؤدي الشهادة باللغة العربية وللمحكمة ان تسمع اقوال الشهود الذين يجهلونها بواسطة مترجم بعد حلف اليمين (المادة 71/3) من قانون اصول المحاكمات المدنية)

ونصت المادة (96) من قانون الاثبات العراقي على ان يدلي الشاهد باقواله على وجه الاسترسال دون مقاطعة احد الخصوم، واذا انتهى الشاهد من اقواله توجه اليه المحكمة من الاسئلة ما تراه مفيداً لكشف الحقيقة، وللخصوم ان يوجهوا بعد ذلك اسئلة بواسطة المحكمة ويبدأ بذلك الخصم الذي استشهد بالشاهد ولا يحق للخصم مقاطعة الخصم الاخر او الشاهد، ويجوز للخصم ان يعيد سؤال من استشهد به بعد ان يكون خصمه قد استجوبه، وذلك في حدود ما اثاره الخصم من امور عند الاستجواب، ولا يجوز بعد ذلك اعادة سؤال الشاهد او اعادة طلبه للشهادة الا بأذن المحكمة، وللمحكمة ان تمنع توجيه الاسئلة التي لا تتعلق بموضوع الدعوى وعليها في هذه الحالة تثبيت الاسئلة المذكورة مع قرار الرفض المتخذ بشأنها في محضر الجلسة، وتثبت اجابات الشهود في المحضر وتتلى بناءاً على طلب الشاهد او احد الخصوم، ويوقع الشاهد على اقواله الا اذا قامت معذرة تحول دون ذلك، وفي هذه الحالة تثبت المحكمة الكيفية في محضرالطلب.
وقد نصت المادة (213) من قانون المرافعات المصري على ان توجيه الاسئلة الى الشاهد يكون من المحكمة او القاضي المنتدب، ويجيب الشاهد اولاً عن اسئلة الخصم الذي استشهد به ثم عن اسئلة الخصم الاخر، دون ان يقطع احد الخصوم كلام الاخر او كلام الشاهد وقت اداء الشهادة.وفي الجلسة المعينة للشهادة، اذا دخل الشاهد يسأل اولاً عن هويته فاذا تبين انه من الشهود المحصورة أسماؤهم سمع والا صرف بسلام كما جاء في المادة (85) من قانون اصول المحاكمات الحقوقية السوري.
واذا حضر الشاهد وامتنع عن اداء اليمين او عن الاجابة بغير سبب قانوني، يقضي عليه بحكم مبرم بغرامة من (10-50) ليرة سورية، ما لم يتنازل الخصم عن شهادته (المادة 78 بينات سوري)، وتسمع شهادة كل شاهد على انفراد بعد تحليفه يميناً بأن يقول الحق، ويتم سماع الشهادة بحضور الخصوم، ويحق لرئيس المحكمة ان يأمر احد الخصوم بالخروج تأميناً للشاهد على حريته، وبعد اداء الشهادة يدعو رئيس المحكمة الخصم ويطلعه على الشهادة المؤداة في غيابه (المادة 77 بينات سوري)، وتوجه الاسئلة الى الشاهد من رئيس المحكمة، واذا كانت المحكمة التي تؤدي امامها الشهادة محكمة جماعة، فيحق لكل عضو منها توجيه الاسئلة الى الشاهد بواسطة الرئيس، ويستجوب الشاهد عن ملابسات الوقائع التي تطلب الشهادة بشأنها، وتثبت اجابات الشاهد في محضر الجلسة، وتؤدى الشاهدة باللغة العربية وللمحكمة سماع اقوال الشهود الذين يجهلونها بواسطة مترجم بعد حلف اليمين، (المادة 24 من قانون السلطة القضائية).
هذا، ولا يصح الاخذ بشهادة من لا يبلغ عمره اربع عشرة سنة كاملة وتسمع اقواله على سبيل الاستدلال فقط، بغير يمين طبقاً للمادة (204) من قانون المرافعات المصري التي نصت على ان تسمع اقوال من لم تبلغ سنه اربع عشرة سنة بغير يمين، وعلى سبيل الاستدلال فقط ومفاد ذلك انه لا يصح ان يبني القاضي حكمه على شهادته او اقواله وحدها وله فقط ان
يسترشد بها لتعزيز شهادة شاهد بالغ او دليل قانوني اخر، والعبرة بالسن وقت اداء الشهادة أي وقت سماعها لا وقت تحملها، وجاء في المادة (32) من قانون البينات الاردني على ان المحكمة لها ان تسمع اقوال الصبي الذي لا يفهم معنى اليمين على سبيل الاستدلال فقط .
وسؤال الخصمين والمحكمة للشاهد عن وقائع الشهادة جائز بشرط ان لا يكون فيه تلقين للشاهد بشيء جديد، واما اذا كان على سبيل التذكير فقط فلا مانع يمنعه كما اذا نسي الشاهد ان يذكر المكان الذي وقع فيه العقد يحق للمشهود له ان يسأله عن ذلك بدون ان يلقنه او يزيده علماً، فان الشاهد قد يعتريه الذهول امام هيبة القضاء فيغفل عن ذكر ما يعلم، ولكن لا يجوز ارهاقه الاسئلة التي قد تعجز الحافظة عن اجوبتها كسعة المكان الذي كانوا فيه وعدد الاشخاص الحاضرين، وهل كانوا وقوفاً ام قعوداً وما كانت الساعة من النهار واوصاف مفروشات الغرفة من تكلم اولاً، وماذا قال فلان من الحاضرين وما هو لون الحبر الذي كتب فيه العقد وهل سلم المال الى يده او وضع امامه، وماذا كان المشهود عليه لابساً وما اشبه ذلك من الامور التي لا يكلف الشاهد بحفظها ويتذرع بها الخصوم توصلاً لافساد الشهادة عندما تختلف اجوبة الشهود بهذه الخصومات.

وللقاضي مطلق الحرية في الاخذ او عدم الاخذ بشهادة الشاهد الذي لا يطمئن الى شهادته حسبما يرى من ظروف الدعوى، ما دام عدم اطمئنانه هذا سائغاً عقلاً، ولا عبرة بكثرة الشهود او قلتهم كما انه لا عبرة بمراكزهم في الهيئة الاجتماعية، ما دامت شهاداتهم لا تتفق مع ظروف الدعوى، ولا توحي بالثقة بها، وحتى اذا اتفق الطرفان على شهادة شاهد معين فان شهادته لا تقيد القاضي، ولو ان ذلك يوحي باطمئنان الطرفين اليه وثقتهما به، وبانه شاهد عدل-ذلك لانه لا يصح ان يتفق الطرفان على طريقة للاثبات تقيد المحكمة، وللمحكمة ان تأخذ بشهادة غيره، بل للطرفين ان يستشهدا غيره.

ثالثاً: تعذر حضور الشاهد لاداء الشهادة
عالجت الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون اصول المحاكمات المدنية الحالة التي يكون فيها الشاهد غير قادر على الحضور الى المحكمة لاداء الشهادة، والتي جاء بها انه: ( اذا كان من الضروري سماع شهادة شاهد تعذر حضوره بسبب اقتنعت به المحكمة، تأخذ شهادته بحضور الطرفين في محل اقامته او في غرفة القضاة او في محل اخر تستنسبــه او تنيب احد قضاتها في ذلك والشهادة التي تسمع على هذا الوجه تتلى اثناء النظر في الدعوى).
وهذا الامر يعتبر استثناء على القاعدة العامة التي تقضي بحضور الشاهد الى المحكمة لتأدية الشهادة، ذلك انه اذا كان للشاهد عذر يمنعه من الحضور للمحكمة كأن يكون مريضاً او كبيراً في السن، ولا يقوى على الحضور، وارتأت المحكمة ان شهادته ضرورية للفصل في الدعوى، والا فانها تقرر صرف النظر عن شهادة الشاهد، فانه يجوز لها وبناءاً على سلطتها التقديرية في اقتناعها بعذر الشاهد وبأهمية شهادته ان تأخذ شهادته بحضور الفريقين في محل اقامة الشاهد او في غرفة القضاة او في محل اخر تراه مناسباً، كما يجوز لها ن تنيب احد قضاتها لذلك الغرض، في هذه الحالة يجب على المحكمة ان تتلو الشهادة اثناء النظر في الدعوى.
كذلك، فقد جاء نص المادة (11) الفقرة الثالثة من قانون محاكم الصلح، ليعالج هذا الامر اذ نص على انه:
( اذا تعذر حضور الشاهد لوجوده خارج قضاء المحكمـة يرسل القاضي ورقة انابة الى قاضي صلح المحل الذي يقيم فيه الشاهد وعلى القاضي الذي تصله الانابـة ان يستمع شهادة الشاهد علناً في المسائل المبينة في الانابة وينظم ضطباً بها وبعد تصديقه يرسله الى القاضي الذي استنابه، والشاهد المقيم في دائرة قضاء القاضي اذا لم يكن مجيئة الى المحكمة لمعذرة
مشروعة كالمرض تؤخذ شهادة في محل اقامته بحضور الطرفين).
فاذا كان الشاهد يقيم في محل يقع خارج قضاء المحكمة، فاللمحكمة الحق في انابة قاضي صلح المحل الذي يقيم فيه الشاهد، وعلى القاضي المناب ان يستمع بدوره الى شهادة هذا الشاهد علناً وبحضور الطرفين في المسائل التي جاء بيانها في الانابة، وبعد الانتهاء من استجواب الشاهد والاستماع الى اقواله ينظم القاضي المناب ضبطاً بالاجراءات التي اتخذها لسماع شهادة الشاهد ويصدقه ويرسله الى القاضي الذي استنابه، واذا كان الشاهد مريضاً لا يقوى على الحضور الى المحكمة وكان يقيم في دائرة قضاء المحكمة، فلها ان تأخذ شهادته في محل اقامته وبحضور الطرفين .

ولا عبرة لما يشهد به الشاهد في غير حضور المحكمة ولو كان ذلك بحضور احد موظفي الدولة او في دائرة اخرى رسمية لان الشهادة القضائية لا تعتبر ما لم تقع في مجلس المحاكمة، واذا لم يستطع الشاهد الحضور الى المحكمة لمرض او لمعذرة اخرى كوجوده في بلد بعيد او كونه من النساء وطلب مستشهد استماع شهادته في محل اقامته وقنعت المحكمة بالمعذرة، فان كان الشاهد مقيماً داخل قضاء المحكمة انتدبت احد قضاتها نائباً عنها وارسلته مع الخصمين الى محل الشاهد فيسمع شهادته وبدونها في محضر خاص يوقع عليه القاضي المناب والشاهد والخصمان، وان كان مقيماً في قضاء اخر فالمحكمة تستنيب محكمة ذلك القضاء لسماع شهادته فيها على هذا الوجه او باستنابة عضو منها، وان كان في البلاد الاجنبية فيمكن استماع شهادته في محكمة قنصلية الدولة او في محكمة ذلك المحل (المادة 87 من قانون اصول المحاكمات الحقوقية السوري)، وتعتبر الشهادة المأخوذة بطريقة الاستنابة كالشهادة المسموعة بحضور المحكمة

واذا اقتضى سماع شهادة رئيس الجمهورية، فقد اعطت المادة (27) من قانون البينات السوري، الحق للمحكمة للانتقال اليه لسماع شهادته، وللمحكمة الانتقال لسماع شهادة الشاهد اذا كان له عذر يمنعه من الحضور ولها انتداب احد قضاتها لهذه الغاية (المادة 75/1 بينات سوري)، وتعد المحكمة المنابة محضراً بما سمعت من شهادة الشهود يوقعه الرئيس والقضاة وكاتب الضبط ويرسل الى المحكة المنيبة (المادة 76 بينات سوري).

على انه اذا تبلغ الشاهد تبليغاً صحيحاً وتخلف عن الحضور بغير معذرة مشروعة تبرر تخلفه جاز للمحكمة ان تصدر مذكرة احضار بحقه تتضمن تفويض الشرطة اخلاء سبيله بالكفالة، على انه اذا احضر الشاهد وابدى معذرته ولكن دون ان تقتنع المحكمة بها، فانه يجوز له ان تقرر حبسه لمدة لا تزيد عن اسبوع او بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير، حيث يكون حكمها قطعياً لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، وهذا ما نصت عليه المادة (81/6) من قانون اصول المحاكمات المدنية والتي جاء فيها:
( اذا تبلغ الشاهد تبليغاً صحيحاً وتخلف عن الحضور ولم يكن للشاهد معذرة مشروعة في تخلفه يجوز للمحكمة ان تصدر مذكرة احضار بحقه تتضمن تفويض الشرطة اخلاء سبيله بالكفالة، واذا حضر الشاهد ولم تقنع المحكمة بمعذرته فلها ان تحكم عليه بالحبس لمدة لا تزيد عن اسبوع او بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير، ويكون قرارها قطعياً).
وكذلك المادة (11/1/2) من قانون محاكم الصلح والتي نصت على انه:
( اذا تخلف الشاهد عن اجابة الدعوى دون ان يكون له معذرة مشروعة يحكم عليه بغرامة لا يتجاوز مقدارها خمسة دنانير ويؤمر باحضاره، ومتى جيء بالشاهد وبين معذرة مشروعة جاز اعفاؤه من الغرامة، والحكم بالغرامة وقرار الاعفاء منهـــا لا يتبعان طريقاً من الطرق القانونية).
قانون البينات السوري وفي المادة المادة (74) فيه اوجب على الشاهد اذا تبلغ مذكرة التكليف بالحضور وكانت مستوفية شروطها القانونية ولم يعتذر عن الحضور لسبب مشروع، للمحكمة ان تحكم عليه بغرامة من (5-10) دنانير سورية، وتقرر احضاره جبراً، ويكون هذا الحكم مبرم، واذا اثبت الشاهد ان تخلفه كان راجعاً لعذر مقبول، فللمحكمة ان تعفيه من اداء الغرامة كلها او بعضها .
اما الشهود المقيمون خارج منطقة المحكمة، فيجوز سماعهم بانابة المحكمة التي يقيمون في منطقتها، وفي هذه الحالة تعد صحيفة استنابة تتضمن البيانات الخاصة بشخصية الشهود والوقائع التي يراد استشهادهم عليها وترسل الى هذه المحكمة، وتعد المحكمة المنابة محضراً بما سمعت من شهادة الشهود يوقعه الرئيس والقضاة وكاتب الضبط ويرسل الى المحكمة المنيبة (المادة 76 بينات سوري) .

رابعاً: شهادة رجل الدين او الرئيس الروحي لطائفة
تطرقت المادة (11) من قانون محاكم الصلح، الى الحالة التي يكون فيها الشاهد رجل دين او رئيس روحي اعلى لطائفة من الطوائف، فقررت له وضعاً خاصاً في ادائه للشهادة امام القضاة .
فاذا كلف احد رجال الدين بتأدية الشهادة في دعوى منظورة امام المحكمة، فان المادة (11) وفي فقرتها الرابعة قد اعطت له الحق في الاعتراض على حلف اليمين قبل اداء الشهادة امام المحكمة، وان يطلب حلف اليمين بين يدي أسقفه او رئيسه الديني بموجب القانون، الا انه يتوجب عليه في هذه الحالة ان يتوجه في الحال الى اسقفه او رئيسه الديني ويؤدي امامه اليمين مقسماً انه سيجيب بصدق عن جميع ما يلقى عليه من الاسئلة التي تجيزها المحكمة، وبعد ان يؤدي اليمين امام رئيسه الديني يعود بشهادة من المرجع الديني الذي ادى امامه اليمين سواء الاسقف او رئيسه الديني، تشعر القاضي انه حلف اليمين المطلوبة في اداء الشهادة، ومن ثم يتم الاستماع الى شهادته واستجوابه وفق القواعد المقررة في القانون .
وقد منح المشرع الاردني رجل الدين الحق في طلب حلف اليمين امام رئيسه الديني، حفاظاً على شعوره الديني، والمقصود هنا برجل الدين هو غير المسلم، لان الدين الاسلامي يتطلب ان يكون اليمين بين يدي القاضي وفي المحكمة.
ويلاحظ بان هذا الامر يكون امام قاضي الصلح، ولم يوجب القانون على رجل الدين ذلك، وانما له الخيار في الحلف امام قاضي الصلح او الاعتراض على الحلف وطلب حلف اليمين بالكيفية التي بينها القانون في الفقرة الرابعة من المادة (11) . ويقع على المحكمة ان تستوضح مدى اهمية الاستماع الى اقوال رجل الدين وان كانت مطلوبة لاثبات وقائع يجيز القانون اثباتها بشهادة الشهود ام لا، او ان البينات الخطية المقدمة لا تكفي لاثبات الدعوى بنظر المحكمة ويتطلب الاستماع الى شهادة رجل الدين لاستكمال النقص فيها، وهذا يعود الى السلطة التقديرية للمحكمة دون معقب عليها، فاذا ارتأت المحكمة ضرورة الاستماع الى اقواله، تتم دعوته لتأدية الشهادة بعد ان يؤدي اليمين لدى المرجع الديني الذي ينتمي اليه ان طلب ذلك .

واذا طلب احد الخصوم الاستماع الى اقوال رئيس روحي اعلى لطائفة من الطوائف، ووجدت المحكمةبعد التدقيق في البينات الخصوم مسوغاً لذلك وان من الضروري الاستماع الى شهادته، فقد اوجب القانون وفي المادة (11) من قانون الصلح وفي فقرتها الخامسة، ان يأخذ قاضي الصلح شهادته بحضور الطرفين في غرفته او محل اقامة الشاهد او في أي محل اخر تجد المحكمة انه مناسباً لذلك، والشهادة التي تؤخذ على هذا الوجه تتلى اثناء النظر في الدعوى . ويقوم الشهود بأداء الشهادة في اليوم المحدد لذلك امام المحكمة، ويؤدي كل شاهد شهادته على انفراد بغير حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم، وهو يؤديها شفاهاً دون الاستعانة بمفكرات مكتوبة الا بإذن المحكمة اذا كانت طبيعة الدعوى تسوغ ذلك .

ويجب على الشاهد قبل الادلاء بشهادته ان يحلف يميناً بأن يقول الحق وقد بين قانون المرافعات الكويتي، بان الحلف يكون على حسب الاوضاع الخاصة بديانته، ان طلب الشاهد ذلك، فاذا اديت الشهادة بغير حلف اليمين كانت باطلة (المادة 106 من قانون المرافعات الكويتي) ، ولم يرد في قانون اصول المحاكمات المدنية نص مماثل .

المحامي فايز كناكريه