دراسة وبحث قانوني قيم عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي

مقدمة

سعى المغرب إلى إحداث مجموعة من المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية،بغية مواكبة التقدم والتطور الإقتصادي العالمي.
فعلى المستوى الإجتماعي تأسس المجلس الوطني للشباب والمستقبل سنة 1991،ثم المجلس الإستساري لمتابعة الحوار الإجتماعي،هذان المجلسين تم حلهما بخطاب ملكي بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2000….
وفي 21 فبراير 2011 ثم تنصيب المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي كهيئة دستورية مستقلة يضطلع بمهام استشارية لدى الحكومة و لدى مجلسي البرلمان.كما يعهد إليه إبداء رأيه حول التوجهات العامة للاقتصاد الوطني و التكوين.

ويمكن القول بأن تاسيسه –يأتي في ظرفية حساسة ،يطبعها المد الثوري للشعوب العربية المتطلعة إلى الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية عبر ما يسمى “الربيع الديمقراطي”

والتي جعلت المغرب ملزما باتباع سياسة استباقية لمواصلة الإصلاحات التي باشرها في السنوات الأخيرة للإستجابة لرهانات التنمية ورفع تحديات العولمة والتنافسية الوطنية والدولية،
و يحدد القانون التنظيمي رقم 09-60 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي تركيبته، و تنظيمه، وصلاحياته و طريقة تسييره.
لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي يقوم به المجلس قصد تفعيل الحوار الإجتماعي،أضف إلى ذلك العلاقة الوثيقة بين المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي والوسائل البديلة لحل المنازعات،إذ يعتبران مكملان لبعض،على اعتبار أن المجلس يقوم بدور استباقي للحيلولة دون حدوث النزاعات…

الموضوع يثير مجموعة من الإشكالات لعل أبرزها:كيف نظم المشرع هذا المجلس؟وماهي الصلاحيات المنوطة به؟وما هي الرهانات المعلقة عليه؟وإلى أي حد يمكن القول بأن المجلس له دور كبير في تفعيل الحوار الإجتماعي؟وما علاقته بالوسائل البديلة لحل المنازعات؟

المبحث الأول: الإطار البنيوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

المطلب الاول: تكوين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

يلاحظ على مستوى تركيبة المجالس الاقتصادية والاجتماعية انه لا توجد تركيبة موحدة بهذا الخصوص، فمن خلال اطلاعنا على بعض التجارب المقارنة يتبين لنا ان هناك تنوع وتعدد في الفئات الممثلة داخل المجلس، تختلف من مجتمع لاخر حسب تطور المستوى الاقتصادي والاجتماعي لكل بلد.

الفقرة الاولى: المجالس الاقتصادية والاجتماعية الاوربية.
سنعتمد في هذه الدراسة على نموذجين هما فرنسا وبلجيكا.
تعتبر فرنسا من اول الدول التي احدثت هذا النوع من المجالس، 1948 والجمهورية الخامسة 1958، وقد تمت اضافة الجانب البيئي في التعديل الدستوري لسنة 2008[1]، فاصبحث التسمية الحالية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي.
وتجدر الاشارة الى انه بعد التعديل بمقتضى القانون التنظيمي الصادر بتاريخ 28 يونيو 2010، حدد سقف المجلس في 233 عضوا من بينهم 163 عضوا يعينون من طرف الهيئات المهنية والاجتماعية و 70 منهم يعينون من طرف الحكومة.
وبالرجوع لقتضيات القانون التنظيمي للمجلس الفرنسي، نلاحظ ان هذا الاخير قد قام بتحديد منهجي للقطاعات الممثلة داخل المجلس وبتصنيفها الى عشر مجموعات رئيسية نوردها كما يلي:
وبناءا على ما سلف، يتبين لنا ان المشرع الفرنسي اعتمد مقاربة شمولية تضمن تمثيلية واسعة ومتوازنة داخل المجلس حيث نلمس حضور[2].
-البعد الاقتصادي: عبر تمثيلية المقاولات والمهن الحرة وفئة الماجورين وغيرهم.
-البعد الاجتماعي: عبر تمثيلية وازنة لقطاع التعاونيات والتعاضديات وفعاليات المجتمع بكل اطيافها.
-البعد الترابي: عبر تمثيلية الجماعات المحلية وتمثيلية الفرنسيين المتواجدين بالخارج.
اما فيما يتعلق بالنموذج البلجيكي فهو يتميز بثنائية التمثيل ضمن مؤسستين، حيث نجد المجلس المركزي الاقتصادي الذي احدث سنة 1948، يتكون من 50 عضوا و 50 نائبا، موزعين بشكل متساو بين ممثلي العمال (22) وممثلي ارباب العمل (22) وستة خبراء، وكذلك الامر بالنسبة للمجلس الوطني للشغل فتركيبته تنائية ومتساوية بين ارباب العمل والعمال اذ يتالف من 24 عضوا و 24 نائبا يضاف لهم عضوين شركاء وتم تنصيب هذه المؤسسة سنة 1952.
وبالتالي يتبين لنا ان تركيبة هذه المجالس الاقتصادية والاجتماعية تمزج بين المؤهلات العملية والعلمية والمهنية للفئات التي تتالف منها، وتتعدد وتتنوع من مجلس لاخر، لكن يبقى اتصالهم المباشر بالقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية.

الفقرة الثانية: المجالس الاقتصادية والاجتماعية العربية.
بادرت العديد من الدول العربية منذ الاستقلال الى التفكير في احداث مجالس اقتصادية واجتماعية للنهوض باوضاعها، اختلفت من حيث اشكالها ومستوياتها ومجالات عملها.
وفي هذا الاطار سنميز بين تركيبة هذه المجالس بين التجربة الجزائرية والتجربة المغربية.
فبخصوص المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي الجزائري يعتبر جهازا استشاريا للتفكير والحوار في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تم احداثه سنة 1993.
ويضم 180 عضوا موزعين حسب النسب:
-50% يمثلون القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
-25% يمثلون الادارة ومؤسسات الدولة.
-25% للشخصيات المؤهلة المعينة بالنظر الى تاهيلها الشخصي.
وللاشارة فان رئيس الدولة يعين نصف عدد الشخصيات بحكم مؤهلاتهم وكفاءاتهم الشخصية، ويعين رئيس الحكومة النصف الاخر، وتجدد ثلث تشكيلة المجلس كل سنة.

عمل المغرب على تنصيب هذا المجلس يوم الاثنين 21 فبراير2011، والواقع ان هذه المؤسسة لم تكن وبيدة اليوم بل انبتقت في مغرب التسعينات.

وفاعلية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي مرهونة بالاعضاء الفاعلة فيه، وباطلاعنا على القانون التظيمي رقم 60.09 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فالمادة 11 منه حددت اعضاءه علاوة على الذي يعين بظهير شريف في 99 عضوا موزعين على 5 فئات، محددة كما يلي:

أ‌- فئة الخبراء ولاسيما المختصين منهم في مجالات التنمية الاجتماعية والتكوين والثقافة والشغل والبيئة والتنمية المستدامة، وفي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وذات الصلة بالتنمية الجهوية والمحلية وبالاقتصاد الريعي، وعددهم 24 عضوا يعينهم الملك اعتبارا للمعارف الخاصة، الخبرة والتجربة التي يتوفرون عليها وعلى مؤهلاتهم العلمية أو التقنية.

ب‌- فئة ممثلي النقابات الأكثر تمثيلا للأجراء بالقطاع العام والخاص، وعددهم 24 عضوا من بينهم 12 عضوا يعينهم الوزير الأول، و6 أعضاء يعينهم رئيس مجلس النواب و6 أعضاء يعينهم رئيس مجلس المستشارين، وذلك باقتراح من النقابات التي تنتدبهم.

ج- فئة الهيئات والجمعيات المهنية التي تمثل المقاولات والمشغلين العاملين في ميادين التجارة والخدمات والصناعة والفلاحة والصيد البحري والطاقة والمعادن والبناء والأشغال العمومية والصناعة التقليدية وعددهم 24 عضوا، من بينهم 12 عضوا يعينهم رئيس مجلس المستشارين وذلك باقتراح من الهيئات والجمعيات المهنية التي تنتدبهم.

د- فئة الهيئات والجمعيات النشيطة في مجالات الاقتصاد الاجتماعي والعمل الجمعوي ولاسيما العاملة منها في مجال حماية و صون البيئة والرعاية الاجتماعية والتنمية البشرية ومحاربة الفقر والهشاشة، وكذا في المجال التعاوني و التعاضدي وحماية حقوق المستهلكين، يتمم اختيارهم اعتبارا لمساهمتهم في هذه الميادين وعددهم 16 عضوا من بينهم 8 أعضاء يعينهم الوزير الأول و 4 أعضاء يعينهم رئيس مجلس النواب، و 4 أعضاء يعينهم رئيس مجلس المستشارين.
ويستشير رئيسا مجلس البرلمان الفرق البرلمانية قبل تعيينهما للأعضاء المذكورين؛

ه‌- فئة الشخصيات التي تمثل المؤسسات والهيئات التالية، وعددهم 11 عضوا كما يلي:
– والي بنك المغرب.
– المندوب السامي للتخطيط.
– الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم.
– رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
– رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج.
– رئيس المجموعة المهنية للأبناك بالمغرب.
– المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– مدير الصندوق الوطني للتقاعد.
– الرئيس المدير العام للصندوق المهني المغربي للتقاعد.
– مدير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي.
-رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية.

ويشترط في اعضاء المجلس ان يتمتعوا بحقوقهم المدنية والسياسية، وتتنافى العضوية في المجلس مع العضوية في الحكومة او البرلمان بمجلسيه او المجلس الدستوري، ويعتبر مستقيلا من عضويته كل شخص اصبح في حالة التنافي، ويبقى هذا التوجه في نظرنا ايجابي اذ سيضمن استقلالية المجلس في علاقته بالحكومة والبرلمان بمجلسيه.

والملاحظ عموما ان اغلب التعيينات توجد بيد رئيس الحكومة، وكان بالحرى توزيع حصة التعيينات بشكل متساو بين رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والمستشاري.
كما نلاحظ انه بخصوص الهيئات والجمعيات النشيطة في مجالات الاقتصاد الاجتماعي والعمل الجمعوي الممتلة داخل الجلس، ان الحق في التعيين ممنوح لرئيس الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، هنا يمكن التسلؤل عن الدافع الى اعطاء هذا الحق لهم، اذ بالاحرى على المشرع منح هذا الحق الى شبكات او اتحاد جمعيات، وبالتالي سنضمن تمثيلية الجمعيات المستقلة والجادة[3].

ومن الناخذات كذلك انه تم اختزال تمثيلية المهاجرين في رئيس مجلس الجالية، في الوقت الذي اصبحت فيه هذه الفئة تلعب دورا اساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كما نرى ان تركيبة المجلس يجب الانفتاح على خبرات وطنية واجنبية ومؤسساتية، ونرى هنا انفتاحه مثلا على المجلس الاعلى للحسابات، مجلس المنافسة، الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة…، الامر الذي سيجعل الاراء والتقارير التي يعدها محاطة بسقف من المعطيات الميدانية التي تتوفر فيها المؤسسات السابقة الذكر على التاهيل الضروري وللترجمة الحقيقية لكل الانشغالات والتساؤلات المعيشة.

ونضيف في الاخير انه بتاريخ 20 اكتوبر2011 عقد اجتماع وزاري حدد تعويضات المجلس باثر رجعي منذ تنصيبه معفية من الاقتطاعات الضريبية.

هذا وتبقى دراسة تكوين هذا المجلس غير مكتملة مالم يتم التطرق لكيفية تسيير وعقد اجتماعات هذا الاخيرللتداول في مهامه، وهذا ما ستم التطرق له في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: تسيير المجلس

يرأس رئيس المجلس اجتماعات الجمعية العامة والمكتب، ويتولى تنشيط وتنسيق عمل اللجان ومجموعات العمل المحدثة لدى المجلس، كما يقوم بتمثيل المجلس إزاء السلطات والإدارات العمومية والمنظمات الأجنبية.[4]
وتعقد الجمعية العامة اجتماعاتها شهريا وفق الكيفية المحددة بموجب مقتضيات القانون الداخلي للمجلس بدعوة من رئيسها كما يحق له أن يوجه الدعوة لعقد اجتماعات استثنائية إما بطلب من الوزير الأول أو من رئيس مجلس النواب أو من رئيس مجلس المستشارين، وإما بمبادرة منه، أو بطلب من الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس.[5] وتعقد الجمعية العامة اجتماعاتها بحضور نصف أعضائها على الأقل، وفي حالة عدم اكتمال النصاب القانوني يقوم الرئيس بتوجيه استدعاء ثان لانعقاد الاجتماع الموالي بعد ثمانية أيام.ويصبح هذا الاجتماع قانونيا إذا حضره ثلث أعضاء المجلس على الأقل[6]. ويثار الخلاف عند عدم اكتمال النصاب المحدد في الاستدعاء الثاني.[7]

وتتم المصادقة على القضايا العامة المعروضة على الجمعية العامة بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، ويمكن أن يحضر جلسات الجمعية العامة كل من أعضاء الحكومة أو الأشخاص المنتدبون لهذا الغرض، إضافة إلى أعضاء اللجان الدائمة لمجلسي البرلمان[8] المنتدبون لهذه الغاية بصفة ملاحظين، بعد إخبار رئيس المجلس بذلك، كما للمجلس أن يطلب من مؤسسات أو هيئات تمارس اختصاصات لها صلة بالصلاحيات المخولة له انتداب من يمثلها بصفة استشارية في أشغال الجمعية العامة أو اللجان الدائمة. ويتولى تسيير المصالح الإدارية والمالية للمجلس تحت سلطة رئيس أمين عام يعين بظهير شريف من خارج أعضاء المجلس، ويقوم بتسجيل الإحالات الواردة على المجلس من طرف السلطات المختصة ويتخذ كل التدابير اللازمة لتحضير وتنظيم أعمال المجلس، ولا يكون له حق التصويت.

وبخصوص اختصاصات المالية، تسجل ميزانية المجلس في الميزانية العامة للدولة والرئيس هو الآمر بالصرف بالنسبة لهذه الاعتمادات، كما يخضع تنفيذ الميزانية لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات.[9]

المبحث الثاني: صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

يعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إطارا مؤسسيا للتفكير المعمق في جميع القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي وبيئي، وفضاء للتشاور البناء حولها بين مختلف مكوناته من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وقوة اقتراحية في كل ما يخص التوجهات والسياسات العمومية المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ومساهم في ترسيخ الحوار الاجتماعي.

المطلب الأول: مهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي

للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تلك المؤسسة التي يُعمل من خلالها على تكسير هيمنة السياسي على مسلسل انتاج القرار العام، وذلك عن طريق اشراك الفاعل الاجتماعي والاقتصادي والمجتمع المدني في صيرورة انتاج القرار، وإن كان الأمر لا يتجاوز الطبيعة الاستشارية.[10]
فلو أردنا تشريح الوضع الحالي الذي تعيشه بلادنا لوجدنا أن الهوة والشرخ يتسع بين أصحاب القرار وفئات المجتمع، مما ولد حقد دفين بين هؤلاء، ترجم من خلال تغييب الحل السياسي والمؤسسي لإدراك المجتمع بعدم نجاعته، وسلوك طريق الاحتجاج الجماعي والنزول للشارع.

هذه المطالب المشروعة نتجت بالأساس عن عدم إشراك المجتمع في صناعة القرار، ونظرا لإدراك الدولة بأهمية صناعة قرار تشاركي ليلقى القبول، تم إحداث مجموعة من المؤسسات الاستشارية تعمل من خلالها على بلورة الحاجيات المجتمعية في القرارات المتخذة، فالقوانين تكون أكثر تقبلا لو ساهم في صياغتها المجتمع، من خلال الموازنة بين الحاجيات والإمكانات.

فإن كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حلقة الوصل للتذليل من النزاعات المجتمعية، فما هو الدور الذي اسند له من خلال الدستور والذي يخوله لعب هذا الدور؟
وظائف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي:
جهة استشارية مكلفة دستوريا بتقديم الاستشارة إلى كل من الحكومة والبرلمان.

البعض اعتبر أن هذه المهمة هي عبارة عن سلطة ثالثة إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، فرضت نفسها بحكم الحاجة إليها، وباتت مقوما أساسيا في بناء الدولة الديمقراطية.[11]

إعادة الاعتبار للمواطن وتطوير مفهوم المواطنة، وبذلك الحد من النزاعات التي قد تنشأ عند إعمال قوانين لا تأخذ مصالح المواطن بعين الاعتبار، وبذلك تحول دون تحول النزاع الفردي إلى مطالبات جماعية.
وعليه يمكن القول بأن الدور الذي يلعبه المجلس كمؤسسة استشارية دور مؤسس لثقافة جديدة تقوم على مفاهيم جديدة وخطاب جديد، ثقافة ومفهوم وخطاب يرمي إلى تقبل الآخر وتعترف به.
وللإحاطة بهذه الوظيفة نجد أن القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 60.09 قد تحدث عن نوعين من الاستشارات، إحداهما ذات طابع عام، وأخرى ذات طابع خاص.

وتتمثل الاستشارة ذات الطابع العام في :
1: تحليل الظرفية وتتبع السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
2: تقديم اقتراحات مختلفة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
أما الاستشارات ذات الطابع الخاص فقد حددت بشكل دقيق في المادة 4 من القانون ، وتتمثل في تخويل كل من الحكومة والبرلمان استشارة المجلس بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين المتعلقة بالتكوين أو ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي، وذلك مع استثناء مشاريع قوانين المالية.
إلا أنه وإن كان الدستور قد خول للمجلس الاقتصادي والاجتماعي مهمة الاستشارة في كل ما يتسم بالطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي، إلا أن التساؤل الذي ينبغي أن يطرح هل هذه التوصيات تظل حبيسة التقارير التي يعدها المجلس أم يكون لها ترجمة في المقترحات والمشاريع المعدة للتصديق.
التشريع الفرنسي ، نجد ه يقوي من فعالية المجلس من خلال الزام السلطة السياسية في كل مرة لا تأخذ فيها برأي المجلس في موضوع طلب منه إبداء الرأي فيه بتعليل سبب عدم الأخذ به.[12]

إلا أنه ومع الأسف نجد هذا المقتضى غائبا في القانون المغربي المنظم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الشيء الذي يطرح التساؤل عن صحة مدى اعتبار المجلس كمؤسسة استشارية في ظل غياب أي مقتى يلزم الأخذ بالتوصيات المقدمة أو على الأقل يوجب تعليل عدم الأخذ.

ومن خلال هذه الوظيفة التي ينهض بها المجلس يمكن استنباط وظيفة ثانوية للمجلس تتمثل في إشراك الفاعل الاجتماعي والاقتصادي والمجتمع المدني في صيرورة صناعة القرار السياسي، فتركيبة المجلس التي تضم فئات مختلفة من النقابات والمهنيين والمجتمع المدني تجعل بحق من أعمل هذه المؤسسة ورشة لتدارس الأوضاع التي تهم كل فئة وتدارس الصيغ التوافقية التي تعطي حلول تشاركية، لا تهمل مصالح أي طرف على حساب طرف آخر.[13]
كما يمكن اعتبار المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي جلسة حقيقية بين المهنيين والنقابات العمالية مما يجعل التواصل بين هذه الفئات قائما، مما يؤدي للتذليل من الصعوبات التي قد تعترض كل فئة

المطلب الثاني:دور المجلس في النهوض بالحوار الإجتماعي

تنص الفقرة 6 من المادة 2 من القانون التنظيمي للمجلس على أنه يعهد المجلس على الخصوص تيسير و تدعيم التشاور و التعاون بين الفقراء الاقتصاديين و الاجتماعيين و المساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي.
قبل الإجابة عن هذا التساؤل ينبغي الوقوف أولا عند مفهوم الحوار الاجتماعي.

لم يحدد المشرع المغربي مفهوم هذا الحوار، مع ذلك نعرفه {أية مفاوضة أو مشاورة تضطلع بها جميع فئات مجتمع معين تهدف عادة الى التركيز على مواضيع متعددة مرتبطة بهذا المجتمع مثل الاقتصاد و التعليم و الصحة و العمل و ظروف الشغل}.

لا أحـد يجادل في الـدور الوقائي الذي يضطلـع به الحـوار و المفاوضة على جميع مستوياتهما سواء على جميع مستوياتهما سواء علــى المستوى المقاولة، القطاع الوطني و ما تأكيد المشرع المغربي على ضرورة إجرائها على الأقل مرة كل سنة[14]
– إلا اعترافا و وعيا منه بأهميته كآلية لإرساء التوازن بين الفرقاء، و مسطرة استباقية للحد من النزاعات القائمة أو التي ستقوم مستقبلا.

للإجابة على التساؤل السابق نقول أنه بالنظر لحداثة عهد المجلس الإقتصادي و الاجتماعي و البيئي، صحيح أنه كان منصوصا عليه في دستور 1996 – إلا أن تفعيله على أرض الواقع لم يتجسد إلا مع مطلع 2011 . و بالتالي لا بأس بالإستئناس بما حققته المجالس السابقة من مكتسبات

تفعيل المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي بمقتضى الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش 30 يوليز 2000 الذي جاء ليؤكد الطابع الإستشاري للمجلس في أي مشروع أو مخطط يتعلق بلإتجاهات العامة للإقتصاد الوطني المالية منها و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و التربوية و التكوينية بما فيها مشكلات الشباب و الحوار الإجتماعي.
انطلاقا من مقتضيات خطاب جلالة الملك سنسلط الضوء على الرهانات المنتظرة من المجلس للنهوض بالحوار الإجتماعي و حل مشكلات الشباب و في مقدمتها البطالة.

إن من بين أهم المهام المعلنة في إنشاء المجلس و التي تنصب في هذا الإطار ما يلي :

1توفير الإطار المناسب لإشراك كل الفاعلين فيما يخص التوجهات و السياسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية.
2.توفير صيغة مناسبة لنقل الحوار من اطار عشوائي و تصادمي إلى إطار مؤسساتي دستوري يجسد التعاون بين الفئات الاقصادية و الاجتماعية.
3تسيير و تدعيم التشاور و التعاون بين الفرقاء الاقتصاديين و الاجتماعين و المساهمة في بلورة الميثاق الاجتماعي[15].

فعلى هذا المستوى فالمجلس يمكن أن يكون له دور كبير في توسيع نطاق المفاوضات و إرساء دعائم حوار اجتماعي يقلص التوثرات و الإحتقانات،
من هنا إذن يبرز دور المجلس باعتباه جيلا جديدا من المؤسسات التشاورية بل كسلطة استشارية تكرس ديقراطية تشاركية تنصهر فيها جميع فئات المجتمع.

هكذا نصل لخلاصة جوهرية مفادها أنه إذا كان اللجوء للتحكيم و الوساطة الإتفاقية يتم بعد نشوء النزاع فإن الحوار أو المفاوضة يسعف كل منهما لتفادي حدوث هذا النزاع والتقليص من حدثه عبر الجلوس لطاولة التفاوض واعتراف كل طرف بالاخر مع ابداء استعداد كل منهما القيام بتنازلات في سبيل ا لتوصل الى حل مقبول مرضي للجميع بعيدا عن مختلف اوجه الصراع والاحتقان

أما بالنسبة لأزمة التشغيل فصارت إحدى الملفات الساخنة والمتشعبة المعروضة على انتظار مكتب الحكومة الجديدة سيما وأن الاحصائيات تشير أن البطالة تطال حوالي 30% من حاملي الشهادات العليا ما يدق ناقوس الخطر للتعجيل بفتح اوراش كبرى للتقليص من حدتها وإدماج الشباب في سوق الشغل فقد خرج المجلس بعدة توصيات في هذا الصدد نذكر منها :
ترشيد هيكلة انعاش التشغيل عبر اصلاح الوكالة الوطنية لانعاش التشغيل وكفاءات وتكليفها بمهام جديدة.
وضع آليات الحكامة مدعمة بمرصد وطني والتكوين والتشغيل.
تحسين الملائمة بين التكوين و التوظيف.
إصلاح الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل، و تكليفها بمهام جديدة.
منع الجمع بين الوظائف في القطاعين العام و الخاص ما من شانه خلق حوالي 19 ألف منصب شغل في قطاع التعليم الخاص و القطاع الصحي[16].
في نفس السياق أكد المجلس في دورته العادية الخميس 29 مارس 2011 التي خصصت للمصادقة على المشروع الاقتصاد الاخضر مجال لخلق الثروات ومناصب الشغل على مجموعة من المكتسبات والتوقعات من بينها إمكانيات خلق أزيد من 90.000 منصب شغل في أفق سنة 2020.
رهانات و أخرى علقت على هذا المجلس تحقيقها يتطلب أن تشكل هذه المؤسسة فضاء للحوار الاجتماعي العقلاني والمسؤول بعيدا عن المزايدات السياسية أو توظيفه لأغراض انتخابية رخيصة بل يجب أن يظل خلية دائمة للتفكير العميق في الأسئلة التي ترهق المغرب الراهن ساعيا للإجابة عنها سواء همت الجانب الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي أو البيئي[17]، لهذا كان لزاما التدقيق في معاير إختيار اعضاء هذه المؤسسة والاعتماد على اطر وفاعلين مشهود لهم بالكفاءة يراهن على خبراتها لكي يكون المجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي على الموعد مع الاصلاح وإعادة بناء الثقة في المؤسسات الاستشارية.

[3]
[5] الفقرة الأولى من المادة 24 من نفس القانون,
[6] الفقرة الثانية من المادة 23 من نفس القانون.
[7] تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حول مشروع قانون تنظيمي رقم 60.09 يتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي دورة أكتوبر 2009، مقترح تعديلات فريق العدالة والتمنية على المشروع ص 8
[8] المادة 27 من القانون المنظم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
[9] المادة 58 من القانون رقم 60.09 الداخلي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.