المبادئ الإسلامية و أثرها على القانون الدولي الإنساني

المحامية: سهى منذر
خليفة يقوم القانون الدولي الإنساني على طائفة من المبادئ المهمة التي تهدف إلى تحديد الضمانات اللازمة للحد من آثار النزاعات المسلحة، والعمليات الحربية لاسيما على الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو أصبحوا غير قادرين على ذلك. وتشمل تلك الضمانات الممتلكات التي لا تشكل أهدافاً عسكرية. وقد فرض القانون الدولي الإنساني على الأطراف المتحاربة احترام الضمانات الواردة في مواثيقه.

وحظر او تقييد استخدام وسائل وأساليب معينة في القتال. والقانون الدولي الإنساني وإن كان لا يمنع الحرب، فإنه يسعى إلى الحد من آثارها حرصاً على المقتضيات الإنسانية التي لا يمكن أن تتجاهل الضرورات الحربية ولاشك ان تلك المبادئ ذات علاقة بين مضمونها ومدلولها في القانون الدولي الإنساني وأحكام الإسلام الذي يقوم اساسا على مبدأ الانسانية الذي يستقي منه القانون الدولي الانساني قواعده وهو ما تؤكده بوضوح الأحكام الدولية، عرفية أو مكتوبة، إذ تقضي بوجوب معاملة الضحايا بإنسانية أي احترام شرفهم ودمهم ومالهم.

والأساس في الإسلام هو تكريم الإنسان كما جاء في التنزيل العزيز : (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) فالكرامة والتكريم هما مدار القواعد الأساسية الرامية إلى صيانة الذات البشرية حتى في أشد الظروف قسوة وهي الحروب وهو مايسعى اليه القانون الدولي الانساني في الاساس وحفاظاً على المقتضيات الإنسانية يجب ألا تستهدف العمليات الحربية من لا يشاركون في القتال ولا أولئك الذين أصبحوا خارج حلبة القتال. والقاعدة الإسلامية التي تؤيد هذا المبدأ تستند إلى الآية الكريمة (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).

لقد جاءت مواثيق القانون الدولي الإنساني بنظام قانوني لحماية الاشخاص الذين ينضوون تحت احكامه الا ان كل المواثيق وأهدافها واحدة، وهي تقوم على مبدأ المعاملة الإنسانية ، وعلى امتداد التاريخ الإسلامي نجد الجيوش الإسلامية تضم في صفوفها المسعفين والأئمة والقضاة وتحرص على تمكينهم من أداء وظائفهم. ومنذ معارك الإسلام الأولى كانت النساء يقمن بإسعاف المرضى والجرحى، وأرسى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قواعد حظر التمثيل بالجثث والإجهاز على الجرحى والانتقام من الأسرى وطالبي الأمان وحرمة الصوامع واماكن العبادة .

وهو تعزيز وتاكيد للنصوص الواردة في القرآن الكريم اذ يقول تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا) وفي الحديث الشريف (استوصوا بالأسارى خيرا)وهذا يعني جميع ما يتعلق بحياة الاسير المادية والمعنوية . ان من أحدث معاهدات القانون الإنساني هو البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الاربع لسنة 1949 والصادر عام 1977، وقد نصت مادته 48 على قاعدة التفرقة بين الاهداف العسكرية والاهداف المدنية سواء كانت من الاشخاص ام من الاعيان بقولها (تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية من دون غيرها).

وهذه القاعدة العرفية هي أساس قوانين الحرب وأعرافها، وفي صياغتها بوضوح وإدراجها في معاهدة دولية تأكيد لأهميتها أياً كانت ظروف النزاعات المسلحة ، وتقتضي هذه القاعدة عدم استهداف المدنيين بالعمليات الحربية ومن أصبح غير قادر على القتال أي الجرحى والمرضى والغرقى وأسرى الحرب وأي شخص هابط بمظلة بعد أن أصيبت طائرته. كما لا يستهدف بالعمليات الحربية أفراد الخدمات الطبية والدينية سواء كانوا مدنيين أم عسكريين وأفراد الدفاع المدني وأفراد منظمات الإغاثة الدوليين والمحليين المرخص لهم.

وفي ما يخص الأعيان، يوجب القانون الدولي الإنساني على الأطراف المتحاربة الامتناع عن استهداف كل ما لا يشكل هدفاً عسكرياً، وخص بالذكر السدود والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، والممتلكات الضرورية لبقاء السكان على قيد الحياة والمناطق الآمنة والمحيدة ومنزوعة السلاح والمحلات غير المحمية عسكرياً والأعيان الثقافية.

والحماية التي يكفلها القانون الإنساني للأشخاص والممتلكات تظل قائمة ما لم يشارك الشخص المحمي في العمليات الحربية وما لم تستخدم الممتلكات المحمية لأغراض حربية ، على إن هذه التفرقة الجوهرية تعد من القواعد الراسخة في الشريعة الإسلامية التي لا تقر الحرب الشاملة ومن خلال الأحاديث الشريفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل فئات معينة من الاشخاص كالنساء والصبيان والأجراء والشيخ الفاني وأصحاب الصوامع. وفي خطبته إلى الجيش في السنة العاشرة للهجرة (632 م) وضع الخليفة الأول أبو بكر الصديق أسس أحكام القتال على هذا النحو.

في عام 1868 أقر إعلان سان بيترسبورغ بشأن حظر استعمال بعض القذائف في وقت الحرب اذ نص على ان (الهدف المشروع الوحيد الذي يجب أن تسعى إليه الدول أثناء الحرب هو إضعاف قوات العدو العسكرية).ولا يجوز تجاوز هذه القاعدة من خلال استخدام أسلحة تزيد بدون مبرر من آلام الأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال أو تجعل موتهم محتوماً ، اذ ان في هذا الاستخدام مخالفة للقوانين الإنسانية فذهب بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977الى ألزام الأطراف المتعاقدة، وليست المتحاربة فقط، بالتأكد ما إذا كان السلاح الجديد الذي تعنى بدراسته أو تطويره أو اقتنائه محظوراً في جميع الأحوال أو في بعضها بمقتضى البروتوكول أو أية قاعدة أخرى من قواعد القانون الدولي التي التزمت بها الأطراف المتعاقدة. والتزام التأكد أو التثبت يشمل أي أداة حرب جديدة أو أي أسلوب جديد من أساليب الحرب.

وهو ما حرص عليه الإسلام اذ بقدر ما اكد وجوب إعداد القوة العسكرية لمواجهة أعدائه، بقدر ما أنكر البغي والعدوان، وإذا كانت الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) عامة وتشمل القوة البشرية والمادية والمعنوية، فإن توفر القوة مع ما يتضمنه من عناصر الردع، لا يعني استخدامها من دون ضوابط ،فاستناداً إلى سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أثناء المعارك لم ينكر الفقه الإسلامي الأضرار العرضية في الحروب التي تصيب غير المقاتلين والأموال ذات الطابع المدني، و ناقش الفقهاء طويلاً المواضيع المتعلقة بالأسلحة واستخدامها لكنهم لم يبيحوا الإفساد في الأرض تحت ستار الحرب وهو ما دونه القانون الإنساني في مرحلة متأخرة عند إبرام البروتوكول الأول عام 1977. وبرغم تمسكهم الشديد بمصالح المسلمين العليا لم يبح الفقهاء للجيوش الإسلامية خوض المعارك من دون قيود أو تجاوز حدود ما يفرضه القتال.